عيد ميلاد ماريونيت .. تعزية يكشفها الجسد

عيد ميلاد ماريونيت ..  تعزية يكشفها الجسد

العدد 519 صدر بتاريخ 7أغسطس2017

أولي عتبات النص التي يصطدم بها المتلقي للعروض المسرحية دائما هو “عنوان” العمل الإبداعي ، ومن هنا نتوقف امام العنوان فنحن في إنتظار إحتفالية مبهجة عن عيد ميلاد ولكنه عيد ميلاد دمية ، الأمر الذي يجعله غير واقعي حيث ان الأشياء لا قيمة لها للإحتفال بيوم خاص و لكن ما طرحته فرقة “ كريشندو “ في عرضها المسرحي “ عيد ميلاد ماريونيت “ من إخراج “ محمد عبد الصبور “ و تأليف “ رانيا سعدون “ و تمثيل “ نورهان أبو سريع و ماسة تامر نور و أمل زكريا  في المهرجان القومي ضمن فئة العروض المختارة ، تمكن من أن يكشف لنا من هو الشئ المهمل الذي اراد إحتفالية لعيد ميلاده بإستخدام الجسد في أقصي حالات توظيفه .
سيدة عجوز تحاول العثور علي إشارة جيدة لمحطة إذاعية حتي تستمع إليها في الراديو المحمول وهنا  تخرج عروسة بفستان زفافها لتشرع في الغناء ثم تقف صامته مكملة بحضورها باقي صورة الزفاف المعلقة علي الجدار ثم رجلا يخلع ملابسه يحمل شنطة تفتح لنجد داخلها دمية وتبدأ الأحداث في التتابع كاشفة إنتظار العجوز لزوجها الرسام منذ أن كانت في مرحلة الشباب للإحتفال بعيد ميلادها ولكن اعوام عمرها قد ذهبت سدي ؛ إن كانت الماريونيت هي الزوجة وهو ما سيأخذ جانب كبير من الحديث ف ايضا الرسام هنا هو ماريونيت آخر ،  عمل المجتمع علي قولبته و تحويله من حالم إلي راضي و من مغامر إلي هادئ ومن مساهم إلي مانع فقد  تحولت شخصيته إلي شخصية الضد تماما وكانها اصبح في علاقة ثنائية مع ذاته القديمة التي حاول الهروب إليها أكثر من مرة داخل العرض و لكن القيود حكمته ومنها نكتشف إخراج عجزه عن تحقيق حلمه بالتعرض بالضرب و الإهانة لجسد زوجته التي كانت مصفاه لكل المعاناة سواء كانت من معاملة زوجها او من إهدارها لحياتها وذلك باللجوء إلي جسدها لكشف هذا الصراع الداخلي .
لجأ المخرج إلي أجساد الممثلين بوصفها آلة إجتماعية تمتلك شفراتها الخاصة بما تحويه من أفكار وعادات ومعتقدات ليتأكد من مشاركة المتفرج في عملة الإبداعي ومنها الشفرات السلوكية التي صاحبت كلا من الزوج و الزوجة أثناء ممارسة سلطته عليها من سحبها علي الأرض بشكل يبعث عن الوحشية التي انعكست لتكشف الضعف و الرهبة الذي لاحق الفتاة حتي عمدت علي إنكماش جسدها اسفل المكتب لكي لا يراها لندرك ضمنيا الوضع المأساوي الذي تعانيه ، فقد شوهت روحها و جسدها فنري التشوية الرمزي عن طريق إلقاء كعكة الميلاد علي وجهها كذلك تلطيخها باللون الأسود علي وجهها بالإكراه إلي ان تستسلم له فيضعها داخل لوحته مثل الورقة البيضاء وهنا يعمل علي تشويهها بشتي الطرق الممكنة .
نص مبني بطريقة شيطانية ماهرة فلم تأتي الزوجة بشكلها التكراري التي تعاني و تندب حظها فيه ،  بل كشف الواقع الحقيقي وهو “المقاومة “ فقد لجأت إلي المقاومة عن طريق “ الجسد و الصوت “ ،  فيما يخص الجسد نلاحظ تحرر الزوجة من اللوحة التي وضعها فيها و إن لجأت للعنف الجسدي هي الآخري من أجل المحافظة علي أمان ذاتها و أمان طفلتها التي كشفت معاناتها داخل أسرة غير سوية الأطراف ، اما مقاومة الصوت فجاءت عن طريق أغاني بعينها مثل اغنية سعاد حسني “ شيكا بيكا “ خاصة مقطع (أنا راح مني كمان حاجة كبيرة أكبر من إني أجيب لها سيرة ) و كذلك مقطع من قصيدة الخرافة لنزار قباني (شوهوا الإحساس فينا والشعورا .. فصلوا أجسادنا عنا .. عصورا .. وعصورا فنشأنا ساذجين وبقينا ساذجين نحسب المرأة .. شاه أو بعيرا .. ونرى العالم جنسا وسريرا ) فقد كان إلزاما علي هذا الشكل الفني اللجوء إلي التجسيد الصوتي فلم يكن الصوت محايدا بل كان كل مقطع معبرا عن ازمة ما تمر بها الزوجة .
قسمت الزوجة إلي ثلاثة سيدات بمراحل مختلفة لتعبر عن شرنقتها وهن “ عروس ليلة الزفاف، الماريونيت الراقصة ، الزوجة في مرحلة الصبا و الشيخوخة “ ، عروس حزينة تغني عن مهاجرة الروح للجسد ، ماريونيت ترقص بحزن و كآبه بحيث تقص كل تفصيلة داخل جسدها عن آلم تمر به ، زوجة لم نشاهدها إلا في مرحلتين وهما الصبا و الشيخوخة و إن تساوي المظهرين معا فكلاهما ينم عن عجز و فقد ، و توارت أحداث العمل المسرحي لندرك أن ما حل بالأسرة كان نتاج المجتمع مثل الزوج مثل الزوجة فإن لجأ الرسام لصمته من أجل كشف العجز عمدت الزوجة علي قلب الآية و إن كان بأسلوب شبه خطابي عن طرح المآسي التي تتعرض لها الفتاة في المجتمع سواء من رجل أو سيدة ، فقد كانت تلك هي لحظة الإنفجار و الخروج من شرنقتها كاشفة الزيف و الجهل المجتمعي و قدرته علي توريط ابنائه في أقسي مآسي الحياة بحيث يتواري الصمت خلف الجسد الناطق المشكل لكشف العلاقات .
الدمية المهدمة قبل بدأ العرض المسرحي كانت ايقونة تشير إلي الموضوع الذي تريد الحديث عنه وهو الزوجة المهدمة وحدث تلو الآخر جعلنا أمام مسرح تعري و لا نقصد هنا عري الجسد إنما ما نحن بصدده هو عري الذات الأمر الذي حول ليلة عيد الميلاد إلي ليلة تعزية كئيبة تبعث علي النفور من نمطية معاناة المرآة وتسلط الرجل داخل منزل يبعث بالوحشة و الرهبة .


ضحى الوردانى