تعددت الطبعات... والشكل والمضمون واحد! لماذا أوهمنا د. نجم بعكس ذلك؟

تعددت الطبعات... والشكل والمضمون واحد!    لماذا أوهمنا د. نجم بعكس ذلك؟

العدد 708 صدر بتاريخ 22مارس2021

يُعد كتاب د. محمد يوسف نجم “ المسرحية في الأدب العربي الحديث 1847 - 1914 “، واحداً من أبرز وأوائل المراجع - إلى حد كبير - التي تناولت تاريخ المسرح في الوطن العربي منذ بداياته حتى الحرب العالمية الأولى، وأعتقد أنه ما من رسالة علمية، كتاب، أو بحث، كُتب عن بدايات المسرح العربي إلا وكان كتاب د. نجم أحد مراجعه الأساسية.
لذا لا يمكن أبدا التقليل من قيمة الكتاب، والجهد البحثي الكبير لمؤلفه، خاصة فيما يتعلق بالجانب الريادي الخاص بتلك السنوات التي كانت أرضاً بكراً على مستوى الدراسات والأبحاث، مما شجع دور النشر على إصداره في عدة طبعات، وأتاح للكاتب فرصة مواكبة كل جديد في هذا الإطار. فهل استفاد د. نجم من تعدد الطبعات، وواكب كل جديد بالفعل؟
 أين الإضافة ؟
صدفة، دون تخطيط مسبق، وأثناء ترتيب مكتبتي لاستخراج الكتب المكررة منها لإهدائها للأصدقاء والمؤسسات، عثرتُ على ثلاث طبعات من كتاب د. نجم “المسرحية في الأدب العربي الحديث»:
الطبعة الأولى – صدرت عن دار بيروت عام 1956.
الطبعة الثانية – صدرت عن دار الثقافة في بيروت ( د. ت ) غير أن د.نجم أرخها في المقدمة بعام 1967.
الطبعة العاشرة (أو الخامسة عشرة كما كتب د. نجم في المقدمة) -صدرت عن دار صادر في بيروت (د. ت) غير أن د. نجم أرخها في المقدمة بعام 1999 (مع ملاحظة أنه لا يوجد أيه إشارة تدلل على أن هذه هي الطبعة العاشرة أو الخامسة عشرة إلا ما أشار له د. نجم في المقدمة! وطالما لم يكن هناك إشارة إلى ذلك فلا يمكن إلا أن نعدها الطبعة الثالثة، ولكننا سنتعامل معها – افتراضيا – بأنها العاشرة ، حتى يعرف المتلقي المقصود في إشارتنا).
وقبل أن أقرر الاحتفاظ بالطبعة الأولى - بلا شك - وإهداء البقية، رحتُ أقلب الطبعات كعادتي، وأول ما وقعت عليه عيناي، التأكيد الذي ورد في مقدمة الطبعة الثانية (ص13)، على لسان د. نجم، والذي يُشير لاحتواء الطبعات الجديدة على تعديلات وإضافات، حيث جاء ذلك بالنص : “ كان من حق هذا الكتاب علي، ومن حق الموضوع والقارئ، ألا تصدر طبعته الثانية بعد عشر سنوات من ظهور الطبعة الأولى، دون تعديل أو إضافة أو تجديد، فقد تجمع لدي في هذه الفترة من المادة والخبرة ما يعينني على أن أصدر طبعة جديدة، قد لا تختلف في أصولها عن الطبعة الأولى، ولكنها حتما ستصوب بعض أخطائها وتعدل شيئا من مادتها، وتضيف إليها مادة جديدة في القسم الأول الخاص بتاريخ المسرح، وفي القسم الثاني الخاص بدراسة المسرحية “(1).
وكأي قارئ مهتم، دفعتني تلك الإشارة، للبحث عن تلك التعديلات والإضافات التي أشار إليها د. نجم، فلاحظت الآتي :
التطابق والاختلاف بين الطبعتين الأولى والثانية:
أولا: الطبعة الأولى - الصادرة عام 1956
عدد صفحات الطبعة الأولى ( 511 ) صفحة.
دُشنت الطبعة بإهداء من المؤلف إلى زوجته.
 جاءت المقدمة : من صفحة ( 4 )، إلى صفحة ( 14 ) .
تضمنت الطبعة في نهاية مقدمتها فقرة 10 صفحة ( 14 ) شكر لكل من : د. جاك تاجر، د. شوقي ضيف، الذي وصفه نجم  بـ «أستاذي” ، يوسف أسعد داغر، وأكرم الميداني.
التمهيد بعنوان (طلائع المسرح الأوربي في الشرق) : من صفحة (17) إلى صفحة ( 26).
الفهرس : من صفحة ( 505) إلى صفحة ( 511).
ثانيا : الطبعة الثانية - الصادرة عام 1967
عدد صفحات الطبعة الثانية ( 511 ) صفحة.
تم حذف الإهداء الذي كان موجوداً في الطبعة الأولى.
بدأت مقدمة هذه الطبعة في صفحة (5) وانتهت في صفحة (14).
تم حذف الشكر الموجه للأسماء - سالفة الذكر- والذي كان مذكوراً في نهاية المقدمة من الطبعة الأولى.
التمهيد في هذه الطبعة لم يتغير عن الطبعة السابقة، حيث عُنون بـ (طلائع المسرح الأوربي في الشرق)، وبدأ في صفحة ( 17) وانتهى في صفحة (26) .
تكرر الفهرس أيضا، حيث بدأ في صفحة (505) وانتهى في صفحة (511).
مما سبق، ودون أدنى عناء، تلاحظ العين المجردة أن الطبعة الثانية هي ذاتها الطبعة الأولى الصادرة عن دار بيروت (copy – paste) بالحروف ذاتها، والترتيب ذاته، ومطابقة بصورة كاملة لمواقع الصفحات، حيث أن بداية التمهيد في طبعته الأولى، يبدأ من ص 17 – 26 ، وهكذا وبالترتيب ذاته، كانت صفحات التمهيد في الطبعة الثانية، دون إضافة كلمة واحدة!
     ومن باب التأكد أو عدم التسرع في الحكم، قلبت جميع صفحات الكتاب فصلا فصلا، وصفحة صفحة، حتى وصلت إلى آخر صفحة (ص511) لأفاجأ بأنه لم يتم تغيير أي حرف في الطبعة الثانية بأكملها، حيث لا يمكن لنا أن نعثر على تعديل مهما صغر حجمه، بل نكتشف أن ترتيب الصفحات بما فيها من أسطر هي ذاتها، بدءاً بصفحة 17 في الطبعة الأولى، والتي تتطابق حرفياً مع الصفحة 17 أيضا في الطبعة الثانية ونتابع صفحات الكتاب جميعها (قبل قائمة المصادر والمراجع )، التي تنتهي بصفحة 452 في الطبعة الأولى والتي هي ذاتها الصفحة 452 في الطبعة الثانية بنفس صف الحروف وعدد الأسطر ذاتها.
الأمر نفسه ينطبق على الفهرس في الطبعتين، حيث يتطابق حرفياً دون أي زيادة أو نقصان، بدءاً بصفحة ( 505 ) وصولا إلى صفحة (511)، وهذا دليل آخر على أن الطبعتين متماثلتين تماماً دون أية زيادة أو نقصان، حيث أنهما ينتهيان بنفس رقم الصفحة (ص511).
  ما الفرق بين الطبعتين أذن ؟
حتى نكون أكثر دقة، فإن التعديلات التي تضمنتها الطبعة الثانية، جاءت على النحو التالي :
التعديل الأول: لا علاقة له بمضمون الكتاب، ويختص بالإهداء الذي كان ضمن الطبعة الأولى، حيث تم إلغاء الإهداء الذي كان موجوداً في الصفحة (4) والذي كان موجها لزوجة المؤلف.
التعديل الثاني: ليس له علاقة بالمضمون أيضا، وتعلق بمقدمة الطبعة الأولى التي أعادها في الطبعة الثانية، ولكنه عند الإعادة بدأ مباشرة بالجزء الثاني منها، والذي يبدأ بجملة.. “ ودراستي السابقة للقصة”(2) وحذف من المقدمة الأجزاء : 1، 8، 9، 10.
وتكمن أهمية الجزء (10) من المقدمة، كونه يتضمن الشكر الذي كان قد وجهه في الطبعة الأولى إلى بعض الأشخاص الذين سبق أن أشرنا إليهم ، وحذفه في الطبعة الثانية !
ما الجديد في الطبعة العاشرة - الصادرة عام 1999؟
 عدد صفحات الطبعة العاشرة (أو الخامسة عشرة كما ذكر د. نجم) (511) صفحة، وهو ذاته عدد صفحات الطبعات السابقة.
 تم استبدال الإهداء ( الذي كان موجوداً في الطبعة الأولى، وتم إلغاءه في الطبعة الثانية) بإهداء آخر.
لم تتضمن الطبعة قائمة الشكر التي تم الإشارة إليها في الطبعة الأولى.
جاءت مقدمة هذه الطبعة من صفحة واحدة، دون ترقيم، ويكون ترتيبها الصفحة الثانية بعد الإهداء.
بدأ التمهيد بعنوان (طلائع المسرح الأوربي في الشرق) من صفحة (17)، إلى صفحة (26) ( مثله مثل كل الطبعات السابقة ) .
بدأ فهرس هذه الطبعة صفحة (505) وينتهي في صفحة (511)( كما هو في الطبعات السابقة ) .
يُكرر د. نجم في مقدمة الطبعة العاشرة/الخامسة عشرة، (الثالثة كما نتوقع ) عزمه على إعادة طباعة كتابه ليضيف إليه حسب قوله  « المعلومات الكثيرة التي تجمعت لدي منذ صدور طبعته الأولى في الخمسينيات، ولأعيد تجربته وفق تصوري الجديد لتاريخ المسرح العربي، في مصر خاصة (...) ولكن الرسائل التي وصلتني وتصلني من المعاهد وموزعي الكتب في مختلف أنحاء العالم، معبرة عن حاجة الطلاب والباحثين الماسة إليه، جعلتني أضعه بين يدي دار صادر، الناشر الذي لم أشك في أمانته وإتقانه «(3).
ولعل الملاحظة الأولى التي ترد إلى أذهاننا بمجرد قراءة المقدمة، أنه أشار للمعلومات التي تجمعت لديه منذ صدور طبعته الأولى في الخمسينيات، ولم يقل منذ الطبعة السابقة، وهذا إقرار منه – بصورة غير مباشرة – بعدم وجود تغيير يُذكر منذ الطبعة الأولى، وأن الطبعات التي تلت الأولى لم تتضمن أي تغيير يذكر. فماذا عن هذه الطبعة، هل عوّضت عما فاته في الطبعات السابقة؟!
هل هناك إضافات وتعديلات فعلا ؟!
 إذا تتبعنا الطبعة الصادرة عام 1999 سنجدها لن تختلف نهائياً عن الطبعة الأولى الصادرة عام 1956 والطبعة الثانية الصادرة عام 1967 ، بل أنها تتطابق بالصفحة، السطر، والكلمة، فتبدأ مثلها مثل الطبعة الأولى الصادرة عام 1955 والطبعة الثانية الصادرة عام 1967، من صفحة (17) بتمهيد عنوانه (طلائع المسرح الأوربي في الشرق) وتنتهي مادة الكتاب مثل كل الطبعات في صفحة 452 ! مع التطابق التام للفهارس بالطبع دون أية زيادة أو نقصان! والتي تنتهي أيضا في ص 511.
لماذا أذن فعل ذلك ؟
    لو أن الكتاب تم نسخه من طبعته الأولى كما يحدث في كثير من الكتب التي تباع مستنسخة كما هي، لقلنا أن الكتاب تمت قرصنته دون أن يكون للمؤلف أي ذنب في ذلك، لكن وجود مقدمة جديدة في الطبعة الثانية 1967، والعاشرة 1999 (كما يشير نجم) باسم المؤلف د. محمد يوسف نجم، تؤكد أن كل الطبعات المذكورة  مرت من تحت يدي د.نجم، فلا يُعقل أن يطلب أي ( مقرصن ) من الكاتب أن يكتب مقدمة جديدة لكتاب منسوخ ! كما لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يضع الناشر مقدمة مزيفة، موقعة  باسم المؤلف وهو حي (حتى تاريخ نشر الطبعة العاشرة) وإلا لعرض نفسه للمساءلة القانونية، وبما أن د. نجم لم يعترض طوال تلك السنوات بأي وسيلة كانت، فإن المقدمة تؤكد بما لا يقبل مجالا للشك أن تلك الطبعات (التي أشرنا لها على الأقل) صدرت بعلمه.
لذلك ما زلنا نحاول أن نصل إلى السبب الذي جعل د. محمد يوسف نجم يُشير إلى أن وجود إضافات وتعديلات في الطبعتين، منذ الأولى قبل نحو 40 عاما، مع أن المنطق يؤكد ضرورة احتوائها لما هو جديد بعد مرور كل تلك السنوات، خاصة وأن هناك أمورا كثيرة قد استجدت فيما يتعلق بتاريخ المسرح العربي، ورواده، ولا يعقل ألا يكون د. نجم قد توصل لأية معلومات جديدة في هذا الشأن الذي مازالت بعض فصوله يكتنفها الغموض ويختلف حولها الكثير.
     بالتأكيد لا نستطيع أن نصل إلى تفسير محدد ومؤكد لما سبق، سيما وأن الكاتب رحمه الله لم يعد يعيش بيننا، ولكننا سنحاول هنا أن نقدم بعض الأسباب التي دفعته لادعاء التغييرات في ظل عدم وجودها. مع الأخذ بعين الاعتبار، أن ما سنشير إليه مجرد توقعات، تحتمل الخطأ والصواب، إلى أن يتم التثبت من الحقيقة بصورة أو بأخرى.
الأسباب المحتملة :
لم تكن هناك أية إضافات أو تعديلات متوفرة تحت يدي د. نجم، وما التعديلات التي أشار إليها في الطبعات التالية (بدءاً من الثانية)، إلا وسيلة من وسائل الترويج للكتاب، على أمل أن من اقتناه سابقا سيقتنيه ثانية للتوصل للإضافات الجديدة، ومن لم يقتن السابق، سيقتني الجديد بالتأكيد.
أن يكون د. نجم أكتشف بعض الجديد، الذي يتعارض مع بعض قناعاته، وبعد أن قرر إضافته للطبعة، غير رأيه عند الطباعة، وفضّل ألا يفعل (وهو احتمال ضعيف، لأن لا أحد يجبره على التطرق الى أن هناك  تعديلات  في مقدمة  الطبعات اللاحقة للطبعة الأولى)
القصد من الإشارة إلى التعديلات إرباك أو منع أي مؤلف آخر قد يفكر بتناول تلك الحقبة، والتي لا بد أن يكون له فيها إضافات جديدة غير التي نشرها د.نجم.
 ربما يكون د. نجم قد نسي أن يضيف في الطبعات الأخرى (التعديلات والإضافات) التي أشار لها في المقدمة (وهذا يُعد أضعف الاحتمالات، فإن كان قد حدث فعلا في الطبعة الثانية، لا بد أن يتداركه بالتأكيد في الطبعة العاشرة بعد 40 عاما ، وهذا مالم يحدث !)
قد تكون شخصية د. نجم ( كمؤلف ) غير محبة للتجديد، أو التنازل عن رأي أعتنقه، والدليل - على سبيل المثال - أن هنالك محاورات عديدة جرت قبل وفاته بسنوات بينه وبين د. سيد علي اسماعيل (حول ريادة صنوع تحديداً)، ومع ذلك لم يفكر بنشر وجهة نظره في الموضوع، بالاختلاف أو الاتفاق، هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن د. نجم قد توفي عام 2009، وخلال تلك المدة، بدءاً بعام 1956 حتى عام 2009، يكون قد مر 53 عاما على إصداره الأول ومع ذلك، ورغم كل الوعود التي قطعها على نفسه لم يأت بجديد يُضاف إلى كتابه المذكور.
ويبقى السؤال قائما !
رغم كل ما ذكرنا إلا أن تلك الأسباب، ليست أكثر من مجرد احتمالات، ضمن  دائرة توقعاتنا الشخصية لا أكثر. وبذلك يبقى السؤال قائماً حتى هذه اللحظة، وبحاجة إلى جواب علمي قاطع : لماذا فعل د.محمد يوسف نجم ذلك، حين وعدنا وأشار (بنفسه ودون أية ضغوطات) في مقدمة أكثر من طبعة بأنه أضاف وعدل على كتابه الصادر عام  1956، رغم أنه لم يفعل ذلك إطلاقا ! طوال تلك السنوات التي وصلت إلى أكثر من نصف قرن حتى وفاته !
الهوامش
1 -  محمد يوسف نجم ، المسرحية في الأدب العربي الحديث ، الطبعة الثانية ،  دار الثقافة ، بيروت (د.ت ) ، ص 13 .
2 - محمد يوسف نجم ، المسرحية في الأدب العربي الحديث ، الطبعة الثانية ، دار الثقافة ، بيروت ، ص  5 .
3 - محمد يوسف نجم ، المسرحية في الأدب العربي الحديث ، الطبعة العاشرة ! ، دار صادر ، بيروت ، ص ؟ .


علاء الجابر