بين (شئ) لينين الرملي و(شئ) الحضري

بين (شئ) لينين الرملي و(شئ) الحضري

العدد 865 صدر بتاريخ 25مارس2024

هناك نصوص تمتاز بأنها يمكن أن يُعاد تقديمها مرات عديدة في أزمنة مختلفة، ولكن تظل مُعبرة عن الحاضر بنفس قدر ما عبرت عن الفترة التي ُكتبت فيها، وهل يوجد أبرع من لينين الرملي في تقديم هذه النصوص التي لديها هذه الميزة؟ وعرض الشئ الذي قدمته فرقة مسرح كلية بجامعة المنصورة ضمن عروض مهرجان إبداع في دورته، هو عن نص الشئ ل لينين الرملي، ومن إعداد وإخراج محمد الحضري. 

لينين الرملي
إذا لم تكن تعرف لينين الرملي وهو أمر صعب حدوثه إذا كنت شخص مهتم أو تعمل بالمسرح، فعن طريق موقع البحث جوجل يمكنك أن تعرف أن لينين الرملي (1945-2020) هو من مواليد القاهرة واسمه بالكامل لينين فتحي عبد الله فكري الرملي، درس بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وله ليس فقط العديد من النصوص المسرحية وإنما كتب للسينما والتلفزيون أيضاً، ولكن أشهر ما نعرفه عنه أنه قام بتكوين فرقة مع الفنان محمد صبحي في النصف الثاني من القرن العشرين، وهو ما أثرى المسرح في تلك الحقبة الزمنية، ولكن حتى بعد إنفصالهما ظل لينين يكتب في شتى المجالات غير عابئ بتصنيف كتابته ساخرة أو كتابة تنقد المجتمع أو حتى كتابة نصفها كوميديا سوداء، لأن مهما اختلف مسمى وتصنيف الكاتب سنتفق على أنه كاتب كان مهموماً بالتعبير عن موضوعات سواء فلسفية أو اجتماعية بهدف التغيير والتأثير، وأبرز أمثلة نص أنت حر، وجهة نظر، انتهى الدرس يا غبي وأيضاً نص الشئ الذي نتحدث عنه الان، ذاك الشئ الذي بظهوره تتبدل الأحوال والنفوس.  
ما هو الشئ؟ 
ما هو هذا الشئ هو السؤال الذي يتبادر لذهن المتلقي، خصوصاً وإن كان ليس على دراية بنص الشئ، والحقيقة أن النص جعل المتلقي والشخصيات داخل النص (معاً) يطرحون نفس السؤال، شئ غريب يظهر في أرض أحد أبنائها، لا نعلم هل هو خير أم شر، لا نعلم من وضعه أو ما الهدف، ينتشر الخبر سريعاً من صاحب الأرض لأصدقائه وبعدهم غفير العمدة ومن غفير العمدة للعمدة نفسه، ومن العمدة للمحافظ.  وما بين علم وجهل وبين مستغل للأمر كي يُدر عليه المال، وصاحب الأرض نفسها، وبين شخص (ديني/شيخ) يفسر هذا الشئ على هواه وآخر يخشاه، تباينت الآراء حول الشئ، ولكن سبق كل هذا مشهد يبدأ بيه النص والعرض (بداية مشاهد العرض بعد الأوفرتيرة المطولة التي كان يجب أن يقصرها الحضري عن ما شاهدناه) وهو أن عواد صاحب الأرض يجلس ومعه ابنه ويمر عليهما مُعلم القرية، يؤنب عواد على عدم ذهاب الولد للمدرسة، ويأتي رد وقرار عواد بالتصميم على أنه يريد إبنه بجانبه، “وهو اللي اتعلموا اخدوا إيه؟ّ” 
هذا هو مشهد البداية بعدها ندور في فلك الشئ الذي ظهر فجأة، إلى أن نصل لمشهد النهاية الذي فيه يتم تنفيذ قرار بدفن الشئ في مكانه، وهنا يختفي الصبي مع الشئ كمن ندهته النداهة.
ومع النهاية نصل لأحد الاشياء التي يرمي لها النص وكاتبه وهي أن العلم نور والجهل ظلام، وأن الشئ ليس إلا التنوير لقرية مليئة بظلام الجهل، ولم يستطع المعلم وحده ان يبث تأثير العلم فيهم.

كيف تم تقديم هذا على خشبة المسرح؟ 
إختار الحضري أن يتم تضخيم الاشياء بداية من الديكور الذي شمل أهم رمز وهو بيت العمدة الذي كان عبارة عن بلاص ضخم، فيه رمزية وتعبير عن حاكم القرية الذي يشبه البلاص في كل شئ سواء هيئته أو بالتعبير الدارج أنه غبي او جاهل، وهذا البلاص كان على بانوه متحرك، مثلما كان (الشئ) أيضاً لديه عجل لسهولة حركته على خشبة المسرح، في كل الاحوال يكون في منتصف الخشبة لمركزيته وكونه محرك الأحداث، سواء تارة يكون في مقدمة الخشبةً أو عمقها، على حسب المشهد، وكان هذا الشئ ديكورياً عبارة عن شئ غير مفهوم، وفي هذا فهم من المخرج وعدم استسهال أن يجعل الشئ كتاب مثلا، لان في عدم معرفة كنه وماهية هذا الشئ تتجدد وتكثر التأويلات على عكس وضع رمز واضح. 
فضلاً عن هذا كان يوجد النخل وديكور بسيط يعبر عن أننا في قرية، ولكن الخشبة بمساحتها الواسعة كانت فارغة معبرة عن أرض عواد، فحتى المحافظ كان دخوله وخروجه كالعمدة بيته عبارة عن سرير ريش متحرك، تماشياً مع الريش كان سكرتير المحافظ ملابسه عبارة عن طائر، وهيئته تلك تُحيلنا لفكرة وجود شخصية من الكوميديا ديلارتي، وهو استدعاء غير متماشي مع نسق العرض، ووفقاً لكتاب دكتور عثمان عبد المعطي عثمان (كوميديا الفن (ديلارتي) ) والصور التوضيحية التي بداخله، نرى رسم لشخصية كوفيليا وهو يغني، وهي الشخصية الأقرب للشخصية الكاريكتيرية التي يستخدمها الحضري بل أن حتى في شرحها يتضح أنها شخصية ريفية، ولكن اقتباس الشكل الكاريكتيري من الكوميديا ديلارتي لم يتماشى مع الصورة العامة للعرض، على عكس وجود نفس الشخصية المساعدة الطائر الملازم لبطل، في عرض «الرجل الذي أكله الورق» لنفس المخرج. 
الحوار بين الشخصيات والفواصل بين المشاهد كانت أغاني، بل دعنا نقل أن الإنشاد والغناء الصوفي الذي كان من أكثر الاشياء المميزة والممتعة بالعرض، ولكن التضاد بين تقديم شئ جمالي كهذا معبراً عن جهل القرية أفسد الفكرة بدل إثرائها، فالأصوات الجميلة التي قُدمت مع الابتهالات هل من المنطقي ضمها لفئة الجهلاء كمن يقدمون الزار؟ 
فهنا التضاد بين ما أراد النص والمخرج أن يتحدثوا عنه من جهل أمام ما قدمه الحضري من مشاهد مميزة في عرضه لم يبرز المعنى ويؤكده بل كاد يفسده لولا المتعة المتحققة وإجادة الفريق لتقديم أدوار كاريكتورية وكوميديا يمكن في مشاهد كثيرة تعريفها بكوميديا الفارس.


سارة أشرف