مسرح ذوي الاحتياجات الخاصة بين الطموح والواقع

مسرح ذوي الاحتياجات الخاصة  بين الطموح والواقع

العدد 727 صدر بتاريخ 2أغسطس2021

يمثل ذوى الاحتياجات الخاصة نسبة ليست قليلة في مصر، ويعد المسرح من أهم الفنون التي لها تأثير كبير عليهم ، حيث يعبرون خلاله عن أنفسهم ، ويكشفون عن طاقاتهم ومواهبهم ، ويعالجون معاناتهم والتحديات التي يواجهونها.. في هذه المساحة نحاول التعرف على أهم المشكلات التى تواجه تجارب ذوى الاحتياجات الخاصة ، وهل تحتاج تجاربهم إلى كتابة من نوع خاصة، وما هى شروطها الكتابة ، وهل لعروض الدمج أثر واضح عليهم.

قال المخرج شريف فتحي:» قدمنا عدد كبير من عروض ذوى الاحتياجات الخاصة وهي عروض مجانية وميزانيتها ضعيفة أهمها «أنا مش سامعك» التي لم تتخط ميزانيته 70 ألف جنيه، وقد لاقى استحسانا وقبولا كبيرا وشارك فى المهرجان القومي، كما قدمت العديد من العروض بالثقافة الجماهيرية حققت نسب مشاهدة كبيرة، وأتمنى أن تحقق انتشارا أوسع على مستوى المحافظات وان تكون هناك مجموعة كبيرة من الورش المسرحية لهم.
وعن مدى فعالية عروض الدمج لذوى الاحتياجات الخاصة أضاف قائلا :» قدمت تجارب عديدة مع الشاعر أيمن النمر والملحن إيهاب حمدي وتكمن فعالية عروض الدمج فى جودة الدراما وتوظيفها لعرض المشكلة الأساسية التى نرغب أن نناقشها، ومن وجهة نظرى يجب أن تكون النصوص التى تقدم لذوى الاحتياجات الخاصة نتاج ورشة، فعلى سبيل المثال المعاق ذهنيا لا يستطيع أن يقول ما يقوله الشخص السليم ولكنه يستطيع ان يعبر عن ما بداخله ؛ ولذلك يتطلب الأمر إقامة ورشة يعبر ذوى الاحتياجات الخاصة خلالها عن مشكلاتهم بطريقتهم الخاصة
التهيئة والتمكين
فيما قالت المخرجة أميرة شوقي : «تحتاج عروض ذوى الاحتياجات الخاصة إلى كتابة خاصة و أن يكون الكاتب على وعى وفهم لطبيعتهم المختلفة، ورغبتنا الأولى هى الكتابة لهم وبهم عن كل ما يخص مشكلاتهم وموضوعاتهم، حتى وإن قدمنا تجارب عالمية فلابد أن تمثلهم على سبيل المثال «أحدب نوتردام» كان من ذوى الاحتياجات الخاصة، كذلك المريض النفسي يعد من ذوى الاحتياجات أيضا، ولدينا فى الأدب العالمي العديد من النماذج والحالات والتركيبات النفسية التي تصلح لأن تقدم لهم .
وتابعت «أولى المعوقات التى تواجه عروض ذوى الاحتياجات الخاصة هى عدم وجود بيئة مسرحية مهيأة لهم مثال على ذلك افتقار المسارح إلى «الرمبات» وهى المكان الذي يعبر منه أصحاب الإعاقات الجسدية حتى يستطيعوا الدخول للمسرح وعدم وجودها يجعل العديد منهم يعزفون عن الذهاب إلى المسرح، ومن الضروري توفير ذلك لهم، كما تفتقر العروض لوجود مترجمين إشارة .
وهناك أيضا عدم «التمكين» فحتى الآن لم يتم تعيين فنانين من ذوى القدرات الخاصة بمسرح الشمس الممثل الأول والمعنى بهم، كما أن هناك ضرورة للاهتمام بميزانيات عروض ذوى الاحتياجات الخاصة في الثقافة الجماهيرية .
وأضافت: من أهم المشكلات التي تواجههم أيضا أنهم يعاملون بدرجة كومبارس بنقابة المهن التمثيلية، و ليس على درجة فنان على الرغم من أنهم مواطنون مصريون، كما يتم الاعتماد عليهم فى العروض المسرحية كضيوف، فما المانع أن يقدموا عروضهم بمفردهم من الألف إلى الياء، وأخيرا هناك ضرورة بالغه لأن تضم عروض الدمج النسبة الأكبر من ذوى الاحتياجات الخاصة، فليس من المعقول أن تكون هناك تجربة مسرحية بها 100 ممثل 60 % منهم دون إعاقة والنسبة الباقية من ذوى الاحتياجات الخاصة .
أهم الإنجازات
 فيما أشار المخرج محمد متولي إلى أن أهم التحديات التي تواجه مسرح ذوى الاحتياجات الخاصة أنهم يحتاجون لمتخصصين وإمكانيات كبيرة، باعتبار أن الشق الأكبر من هذا المسرح هو شق نفسي، بالإضافة إلى الشق الاجتماعي والذي يعنى بكيفية دمجهم وحل مشكلاتهم التي يعانون منها، فأغلب الأسر التى لديها طفل من ذوى الاحتياجات الخاصة تمر بمعاناة شديدة، وتعد أهم إنجازات البيت الفني للمسرح تأسيس فرقة «الشمس».
وعن عروض الدمج تابع قائلا «عندما قدمت تجربة «الحكاية روح« قمت بعمل دمج بين الأصحاء وبين ذوى الاحتياجات الخاصة، لمعالجة ما هم فيه من عزلة عن المجتمع، ويعد تخصيص عام لهم فضلا عن الوظائف وإقامة المؤتمرات من الإنجازات المهمة للرئيس عبد الفتاح السيسى، كما بدأت أجهزة الدولة في الاهتمام بهم، فقام الدكتور أشرف ذكى بقبولهم بالمعهد العالي للفنون المسرحية . وأضاف: إنهم يحتاجون لكتابات من نوع خاص، وعندما قدمت تجربة «الحكاية روح» تحدثت عن طه حسين وعمار الشريعي وسيد مكاوي فقمت برصد قصة حياتهم وتحدثت عنهم وعن كفاحهم ونجاحهم وطرحت فكرة مهمة وهى انه من الممكن ان ينجح الأشخاص حتى و‘ن كانوا يعانون من إعاقة، فالثلاثة امتلكوا روح التحدي التي تجعلهم ينجحون، فتجسيد هذه الشخصيات البارزة تعطى ذوى الاحتياجات الخاصة الأمل فى المستقبل .
البعد النفسي والاجتماعي
فيما كتب الناقد د. محمود سعيد « تولي الدولة اهتمام خاص بذوي الاحتياجات الخاصة، وفي عالم المسرح فقد دخلوا من باب منحهم شيء من حقوقهم وهنا كانت الأزمة من وجهه نظري، بمعني أن دمجهم كان يلزمه استعدادات خاصة في كل شيء، خشبه المسرح والفريق المعاون والكتابة المسرحية الموجهة، وهناك فارق ما بين الكتابة الموجهة لهم بشكلها الدرامي الكامل وبين الكتابة بغرضها التعليمي المباشر، ولابد أولا من جذب ذوي الهمم لفن المسرح بتعليمهم بشكل عملي ونظري لاستقبال فن المسرح بما يليق به، ولعبه دمجهم مع الأصحاء هي بالتأكيد مهمة ومطلوبة لكنها مشروطة بفرضيه ملحة وهي أن تكون الدراما هي الأساس، تحتوي الجميع بلا تفرقه، كي لا يبدو دور الأصحاء إرشادي وتوجيهي فتفقد التجربة أهميتها، لأن ذوي الهمم يحملون عقولا واعية وقلوبا مرهفه، لذا فكاتب النص لابد أن يكون واعيا بالبعد النفسي والاجتماعي للمعاق، يعرف احتياجاته الخاصة والعامة، يعي أن له دورا يجب تنفيذه،وأن العمل المسرحي ما هو إلا خطوه نحو تحقيق هذا الدور .
كتابة من نوع خاص
و قال الشاعر أيمن النمر الذي قدم العديد من التجارب لذوى الاحتياجات الخاصة « من الضروري أن يكون هناك أسلوب معين وكتابة من نوع خاص بحسب نوع الإعاقة، فعلى سبيل المثال الإعاقة الذهنية تحتاج إلى مفردات وجمل بسيطة قد تكون تلغرافيه، خاصة أن ذوى الإعاقة الذهنية من الصعب عليهم قراءة عدد كبير من الجمل، شخصيا أحرص على مساعدة ذوى الاحتياجات الخاصة فى التعبير عن مشاعرهم كما أحرص على ألا لا يبتعدوا عن المضمون الذي أود طرحه.. إذن فتكنيك الكتابة يعتمد على نوع الإعاقة، وهو ما يتطلب تعاون المخرج والمؤلف مع بعضهم البعض، وعن عروض الدمج تابع « عروض الدمج لا تساهم بأي شكل من الأشكال في دمج ذوى الاحتياجات الخاصة فى المجتمع، وهذا يرجع في المقام الأول لعدم تقبل العديد من أفراد المجتمع لذلك، و من الهام ان يكون لدى الآخر ثقافة التقبل وفهم ذوى الاحتياجات حتى ننجح بشكل كبير فى دمجهم، وقلائل من يعون تلك الثقافة، وأخيرا من الضروري أن تعبر الكتابات الموجهة عن مشكلاتهم وهمومهم وتضع حلولا لهذه المشكلات والتحديات.
لا توجد حركة نهضوية
وطرح الكاتب احمد زحام مجموعة من التساؤلات فقال: «ما هو مسرح المعاقين؟ المفهوم واسع. هل ما نقدمه مسرحا يمثل فيه المعاقون؟ أم نحن الذين نقدم لهم مسرحا يتناول مشكلاتهم ؟ وهل هناك مسرح موجه للمعاقين؟ هل هناك حركة مسرحية من الممكن أن نستند إليها ونخرج منها بنتائج فعليه؟ الإجابة لا.. فالأمور كلها تسير بشكل اجتهادي وعشوائي، سواء من قبل المؤسسات الحكومية القائمة على المسرح أو المؤسسات الأهلية، فلا نستطيع أن نقول أننا نناقش قضايا المعاقين، كما لا نستطيع أن نقول أنهم يمثلون أنفسهم بالكامل .
وتابع: النصوص التي قدمت لا تستوعب مسرحا يقدمه ذوى الاحتياجات الخاصة، لعدم وجود حركة نهضوية في مجال مسرح المعاقين سواء في الكتابة أو الإخراج، إلى جانب أننا لا نستطيع أن نحجر على هذه التجارب ونقومها، لأنه لا يوجد البديل ولا توجد دراسات عن هذا المجال . هو مسرح مهم ولابد أن يوضع على طاولة النقاش والحوار من أجل الوصول لمفهوم محدد وكيانات محددة تستطيع أن تنهض بهذا النوع من المسرح، فلدينا فرق تكونت وعملت واختفت بسبب عدم التواصل معها وعدم الاستمرارية ولا توجد جهة حاضنة لتجارب ذوى الاحتياجات الخاصة، ليتم التعامل معها بوصفها شريحة مسرحية، والفرقة الوحيدة التي استمرت هى فرقة الشمس التابعة للبيت الفني للمسرح، لأنها كيان تم اعتماده وتخصيص ميزانية له، وهى تجربة تحتاج لدراسة، أما بقية التجارب فهى موسمية، وتأتى بالصدفة، وهذا يرجع لعدم وجود خطة ممنهجة من قبل القائمين على تلك المؤسسات التى تنتج هذا النوع من المسرح، ومنها المؤسسات الأهلية التي تعمل وفقا للدعم الذي تحصل عليه وبانتهاء الدعم تتوقف التجارب، إلى جانب وجود نوع من التجارة في هذا المجال من قبل بعض المؤسسات، إن مسرح ذوى الاحتياجات ليس مجرد مسرح فحسب، ولكن ماذا تقدم العروض من رسائل؟ وهل هناك تجارب خارج نطاق معالجة مشكلات المعاقين؟ بالفعل هناك تجارب ولكنها فردية ومنها تجربتي «سندريلا المصرية« التي حصلت على عدة جوائز، وقد دمج العرض بين الأصحاء وذوى الاحتياجات الخاصة وهى تجربة فرضت نفسها،والتجربة الثانية التي خضتها فى هذا المجال «فرح صاحب السعادة» التى قدمت فى أسوان و هى إحدى مسرحيات الدمج، ولكن مازال مسرح المعاقين يعانى عدم الاهتمام ولا توجد خطة ممنهجة ولا إصرار على بقاء هذا النوع من المسرح وتطويره وكل ما يقدم هو على استحياء«تجارب تستيف ورق «.


رنا رأفت