بدايات جمعية أنصار التمثيل والسينما (6) إضافة السينما إلى الاسم!!

بدايات جمعية أنصار التمثيل والسينما (6) إضافة السينما إلى الاسم!!

العدد 723 صدر بتاريخ 5يوليو2021

بدأ التحول الكبير في تاريخ الجمعية، عندما تبدّل اسمها من «جمعية أنصار التمثيل» إلى «جمعية أنصار التمثيل والسينما»، وهو الاسم الذي لازم الجمعية منذ عام 1933 وحتى الآن، أي منذ 88 سنة!! وبداية هذا التحول، أخبرتنا به مجلة «الكواكب» في مارس 1933 عندما نشرت موضوعاً بعنوان «جمعيات الهواة أمس واليوم»، وأجابت فيه على سؤال: «ماذا كان من أمر السينما؟» قائلة: 
«نعلم أن هذا الفن الجديد – بالنسبة إلى التمثيل – قد انتفض وليداً وسار يؤدي رسالته بنجاح مدهش، ولم يكتف بما كان عليه أولاً من الاستغناء عن القول بالإشارة فاخترعت السينما الناطقة التي نازلت المسرح فكادت تقضي عليه، وما يزال الصراع بين الاثنين بالغاً أشده. هذا حال السينما اليوم وهو حال يسر هواتها ومحبيها. وفضلاً عن ذلك فإن كثيراً من ممثلي المسرح الذين امتدت شهرتهم وبعد صيتهم قد هجروا الخشبة الآن ولجأوا إلى الشاشة بعد أن رأوا المستقبل رهيناً باللوحة لا بالمسرح. حدث هذا خارج مصر، أما هنا فإن ممثلينا يتناوبون العمل في الناحيتين، وذلك لعدم وجود العدد الكافي ممن يصلحون للسينما. وإذ ذاك يضطر المخرج أو صاحب الفيلم إلى البحث بين جدران المسارح عمن يعهد إليهم بأدوار فيلمه. فكر في هذه النقطة المخرج المصري المعروف «محمد كريم» ثم نظر حواليه فلم يجد في العاصمة جمعية واحدة للسينما، مع أنها صاحبة المستقبل دون شك، فأراد أن يضطلع بمهمة إكمال هذا النقص، ولكنه وجد السبيل وعراً وعرف أن تحقيقه محفوف بأخطار قد تفضي إلى الفشل. وكريم من الأشخاص الذين يقتلون الفكرة بحثاً قبل الإقدام على تنفيذها .. فبعد إناة وصبر طويلين عرف أثناءهما ما بذلت جمعية أنصار التمثيل من جهود مشرفة وما أتت من ثمار مورقة، تقدم إليها باقتراح متواضع ذي شطرين أولهما: جعل السينما هدفاً من أغراض الجمعية، وإطلاق اسم جديد عليها هو «جمعية أنصار التمثيل والسينما» أما الشطر الثاني فهو قبول كريم – بعد ذلك – عضواً في الجمعية».
وبالفعل أضيفت كلمة «السينما» إلى اسم الجمعية من أجل قبول عضوية المخرج السينمائي «محمد كريم»، الذي جعل الجمعية تصل إلى العالمية - يوماً ما - كما سنرى! والحق يُقال إن تغيير اسم الجمعية، بإضافة السينما، جعل أنشطتها الفنية تنتشر، وعلاقاتها تتوسع! فقد صرحت لها وزارة المعارف بإحياء حفلة بالأوبرا بمناسبة عيد ميلاد جلالة الملك، وعرضت الجمعية فيها ثلاث مسرحيات دفعة واحدة: «عزة بنت الخليفة»، لإبراهيم رمزي، و«طاحونة سفاريا» تعريب الدكتور عبد السلام الجندي، و«أنتيكة في المزاد» تأليف محمد عبد القدوس. كما أحيت الجمعية حفلة نقابة الموظفين بالأوبرا، ومثلت فيها مسرحية «الدكتور» مع غناء لمحمد عبد الوهاب، كما أحيت حفلة النادي المختلط بالأوبرا ومثلت فيها مسرحية «العثرة الأولى»، وأحيت أيضاً حفلة جمعية المواساة بالأوبرا، في حضور «إسماعيل باشا تيمور» الأمين الرابع لجلالة الملك، ومثلت مسرحية «ابن السماء» مع غناء من المطربة «نجاة». كما أسهمت الجمعية في مشروع المؤتمر الإسلامي بفلسطين من خلال إقامة حفلة مسرحية تمّ تخصيص ريعها لإنشاء جامعة المسجد الأقصى الإسلامية. وهذه المسرحيات قامت ببطولتها عناصر نسائية هاوية ومحترفة، منها: زينب صدقي، ولطيفة نظمي، وعايدة حسن، وفردوس محمد، وصالحة قاصين، والوجهان الجديدان «الشقيقتان أمينة شكيب وزينب شكيب» [ميمي شكيب، زوزو شكيب]، وبالأخص تألقهما في مسرحية «الهاوية».
وكما قلنا من قبل إن إضافة «السينما» إلى اسم الجمعية، جعلها تصل إلى العالمية يوماً ما! وأكبر دليل على ذلك ما كتبه الناقد الفني لمجلة «الكواكب» في السادس من يونية 1933 تحت عنوان «هل ترحل جمعية أنصار التمثيل والسينما إلى لندن؟» قائلاً: «نشرت جريدة الأهرام الغراء في افتتاحية السبت الماضي شيئاً عن الدعاية التي تسيء إلى السمعة المصرية في الخارج بواسطة الأشرطة السينمائية، وطلبت إلى الحكومة أن تعمل على إيقاف هذه الدعاية الضارة. وفي اليوم التالي قرأنا في افتتاحيتها أيضاً شيئاً عن مشروع واسع النطاق كانت الحكومة قد اعتزمت أن تقوم به في شتاء هذا العالم وهو إيفاد أعضاء جمعية أنصار التمثيل والسينما إلى بلاد الإنجليز ليمثلوا هناك بعض الروايات في مدن مختلفة من أنحاء المملكة، وذكرت الأهرام أن الحكومة عولت على فتح اعتماد بخمسة آلاف جنيه لهذا المشروع. قرأنا هذا في الأهرام فرأينا أن أهمية الموضوع تحتاج إلى إيضاح أوفى، فقصدنا إلى مقر جمعية أنصار التمثيل والسينما حيث استقبلنا رئيسها النطاسي البارع الدكتور فؤاد رشيد. وكنت أحمل إذ ذاك في يدي نسخة الأهرام فابتسم الدكتور وقال قبل أن أفاتحه في الشأن الذي قصدت إليه من أجله: لعلك راغب في الوقوف على معلومات عن رحلة الجمعية إلى البلاد الإنجليزية؟ قلت: وهذا ما دعاني إلى زيارة اليوم. فأجاب: إليك تفصيلاً دقيقاً لما حدث .. كانت الجمعية تمثل في دار الأوبرا الملكية رواية «إلى الأبد» التي وضعها وكيلها الأستاذ سليمان نجيب، وكنا قد دعونا بعض أفراد فرقة «إتكنز» لحضور التمثيل وفي مقدمتهم الممثل المشهور المستر «نيكولاس هانن»، والممثلة القديرة السيدة «أتيني سيلر» ومدير الفرقة المأسوف عليه المستر «باربر». وكان بين من تفضلوا بحضور الحفلة من الكبراء دولة صدقي باشا رئيس الوزراء، ومعالي حلمي عيسى باشا وزير المعارف، وسعادة طلعت حرب باشا وغيرهم. كذلك كان في مقدمة كبار الأجانب فخامة المندوب السامي البريطاني، والليدي قرينته. وهؤلاء جميعاً هنأوا الممثلين كما هنأوا الأستاذ سليمان نجيب واضع الرواية. أما أعضاء فرقة إتكنز فقد بلغ إعجابهم بالتمثيل واتقانه مبلغاً كبيراً دعا المستر باربر إلى مقابلة معالي وزير المعارف والإدلاء له بشهادة قيمة هي أن هؤلاء الهواة أدق وأقوى من المحترفين، وأنه أي المستر باربر يعرض بهذه المناسبة مشروعاً يعتبر أحسن دعاية لمصر في إنكلترا: ذلك أن يقوم جنابه بتجهيز ما يلزم لجمعية أنصار التمثيل كي تقوم بتمثيل خمس روايات. إحداها بالإنجليزية واثنتان عربيتان والباقيتان مصريتان. فوافق معالي وزير المعارف على هذا المشروع حين رأى وجه المصلحة لمصر فيه، وزاد معاليه على ذلك بأن اطلع على مضمونه دولة رئيس الوزراء فوافق عليه كذلك واعتمد له مبلغ 4970 جنيهاً على أن يكون الربح الناتج من أثمان التذاكر خميرة لمشروع آخر كهذا. وبعد هذه الخطوة زارنا المستر باربر واتفقنا وإياه على أن تكون الروايتان العربيتان هما: روايتا «عبد الرحمن الناصر» و«صلاح الدين ومملكة أورشليم» والمصريتان «المشكلة الكبرى» وقد اقتبسها الأستاذ سليمان نجيب عن الرواية الإنكليزية «The man from Toroto» و«الدكتور حلمي» التي اقتبسها أيضاً عن رواية «Doctor Wakes Patient». «وقد نصح المستر باربر إلى الأستاذ سليمان أن يقتبس كذلك رواية عربية من الرواية الإنكليزية «The First Mrs Fraser» وذلك لأنها حديثة ولأن الجمهور يستسيغها ويقبل دائماً على مشاهدتها، ولم يتوان وكيل الجمعية في العمل، حتى أتم الرواية وسماها «حادث طلاق». أما الرواية التي تمثلها الجمعية باللغة الإنكليزية فقد تعهد باختيارها المستر باربر، كما تعهد أيضاً بانتخاب الممثلات الإنجليزيات اللواتي يشتركن في تمثيلها، وقد كان مما اتفق عليه أن تمثل كل من هذه الروايات الخمس مرتين في لندن ومرة في كل من مانشستر وبرمنجهام وليفربول. وهنا سألت الدكتور: هل وفقتم إلى اختيار الممثلات المصريات اللواتي يمكن أن تعتمد عليهن الجمعية في رحلة كهذه؟ فأجاب: نعم، إن في نيتنا مفاوضة السيدتين عزيزة أمير وزينب صدقي، كذلك فكرنا في مفاتحة صديقنا الأستاذ يوسف وهبي للتصريح للآنسة أمينة رزق والسيدة علوية جميل بمعاونتنا في هذه الرحلة. قلت: وهل أوقف تنفيذ المشروع بوفاة المستر باربر، أم ما زلتم تعملون على إتمامه؟ فقال: إن التنفيذ كان قد أرجئ مؤقتاً حتى يتقدم رجل آخر يقوم بالعبء الذي أخذه على كاهله المرحوم المستر باربر، وما زالت أوراقه بين يدي معالي وزير المعارف وأنه ليسرني أن أقول لك بأن الجمعية قد تلقت أمس خطاباً من جناب المستر تريمان سكرتير الغرفة التجارية الإنجليزية بالقاهرة يتضمن استعداده للحلول محل المأسوف عليه المستر باربر في القيام بهذا المشروع الخطير. وسنعيد درس الموضوع معه من جديد. وإني واثق من إننا سنصل إلى النتيجة التي نبتغيها خدمة للوطن العزيز وسعياً وراء الدعاية الصالحة التي تستفيد منها البلاد أجل الفوائد».
وهذا المشروع السينمائي الكبير - الذي لم يتم بهذه الصورة، وربما تمّ بصورة ما في فيلم «الوردة البيضاء» - يعكس مكانة الجمعية التي وصلت إليها! وإذا كان هذا المشروع متعلقاً بالسينما، فهناك مشروع مسرحي آخر تزامن معه، وهو محاولة الجمعية تمثيل مسرحية «أهل الكهف» عام 1933، قبل أن تمثلها الفرقة القومية وتعرضها في أول عروضها الرسمية، بوصفها فرقة الدولة عام 1935! والمعروف أن مسرحية «أهل الكهف» ألفها توفيق الحكيم ونشرها في عام 1933، وثارت حولها ضجة أدبية وفنية كبيرة، شغلت مصر كثيراً وقتذاك، مما يعني أن جمعية أنصار التمثيل والسينما لها من الطموح الكثير كي تتصدى لهذا المشروع! 
بنات شكيب
الجدير بالذكر أن تألق الشقيقتين «زينب وأمينة شكيب» كان ملحوظاً في هذه الفترة، بوصفهما من أوائل الهاويات ضمن أعضاء الجمعية، وهذا التألق كان كبيراً في عرض مسرحية «العبرة» لمحمود مراد، فكتب عن ذلك الناقد الفني لمجلة «الكواكب» في أكتوبر 1933 تحت عنوان «العبرة على مسرح رمسيس»، قائلاً: 
«مثلت الشقيقتان أمينة وزينب شكيب بالاشتراك مع بعض أعضاء جمعية أنصار التمثيل والسينما رواية «العبرة» على مسرح رمسيس في الأسبوع الماضي. و«العبرة» هي إحدى روايات المرحوم الأستاذ محمود مراد فقيد المسرح والتأليف المسرحي، وتعد من الروايات القوية التي تحتاج في تمثيلها إلى شخصيات قوية تستطيع النهوض بأدوارها، لذلك كان شغفنا بمشاهدة الممثلتين الناشئتين كبيراً. ولقد كانت الحفلة ناجحة جداً من ناحية الإقبال والجمهور الذي شهدها. وكان مما يسترعي النظر وجود كثير من الممثلين والممثلات المحترفين الذين قدموا لمشاهدة المنافستين الجديدتين. وقد بدت عليهم في كثير من المواقف علامات التشجيع والعطف. وكان المفروض أن يسند دور البطولة إلى ممثل غير الأستاذ زكي رستم، ولكن ظروفاً طارئة اضطرت الأستاذ زكي أن يأخذ هذا الدور في وقت متأخر جداً لم يكن يتسع حتى ولا لحفظه، ولكنه مع ذلك أدى دوره بإتقان تام ومقدرة معهودة فيه في نوع الدرام. أما في تلك الرواية فقد أثبت أنه ليس في الكوميدي بأقل إجادة منه في الدرام. مع أن هذه أول مرة أشاهد فيها زكي يمثل هذا النوع. وهكذا نرى أن جمعية أنصار التمثيل والسينما أصبحت منهلاً عذباً لتغذية الفرق للنهوض بالمسرح. أما دور البطلة فقد أسند إلى السيدة أمينة شكيب التي أدته – على حداثة عهدها بالمسرح – بشكل يبشر بمستقبل حسن للممثلة الناشئة. وقد أجادت في جميع مواقفها – وكانت موضع إعجاب الكثيرين الذين لم يسمعوا بها من قبل ولم يعرفوها ممثلة تدرجت خطوة فخطوة، بل رأوها لأول مرة تسند إليها أدوار البطولة وتنجح فيها. كذلك كانت زوزو شكيب مجيدة في لبس شخصية الخليلة. وبدت طبيعية وحازت الرضا والإعجاب. ولا نجد غضاضة في هذه المناسبة لأن نشير إلى إننا حين نتكلم عن الممثلتين الجديدتين ونوجه إليهما ثناءنا وإعجابنا – إنما نقصد بذلك وقبل كل شيء التشجيع والعطف، لأنهما كناشئتين يسهل جداً على الناقد أن يوجه إليهما مآخذ وانتقادات، ولكن الواقع أنهما بحاجة إلى التشجيع والتأييد، فضلاً عن أن استعدادهما وما بدا من مجهودهما تغتفر بجانبه المآخذ التي تعرضتا لها والتي قد يتعرض لها أيضاً غيرهما من ممثلاتنا النابهات. وهنا لا يفوتنا أن نشير بإعجاب عظيم وتقدير لتلك الممثلة المحترفة عايدة حسن، التي انتزعت من الجمهور تصفيقه وإعجابه وكانت تؤدي دورها بمهارة فائقة ولم يكن لأي أحد مأخذ عليها. كذلك كان الأستاذ الكبير عمر صفي الذي أخرج الرواية وأدى دوره فيها على ما عهدناه فيه ممثلاً فذاً ودعامة من دعائم مسرحنا. وإذا قدرنا يوماً للنجمتين نجاحاً فستكونان بلا شك مدينتين به للأستاذ عمر. ولا تتسع الصحيفة لأن نتكلم عن كل ممثل على حدة. وحسبنا أن نشير بالثناء إلى مقدرة الأساتذة عبد الوارث عسر، وعبد العزيز أحمد، وعبد القادر المسيري، ولا غرابة فهم من المشهود لهم وممن تفتخر بهم أي فرقة يعملون معها أو يمدون لها يد معونتهم. ونتمنى أن تكون هذه الحفلة بداية حفلات كثيرة تمثلها أمينة وزينب شكيب».


سيد علي إسماعيل