صنوع..بداية المسرح المصرى ريادة وأصالة

صنوع..بداية المسرح المصرى ريادة وأصالة

العدد 642 صدر بتاريخ 16ديسمبر2019

جاء كتاب (يعقوب صنوع رائد المسرح المصرى ومسرحياته المجهولة) للدكتورة نجوى عانوس بمثابة رحلة تزعمتها الدكتورة نجوى للخوض فى أعماق التراث المسرحى المصرى ، ومعرفة جذوره وبداياته ، وهى رحلة شاقة جدًا بدأتها منذ عام 1984 ، فى كتابها مسرح يعقوب صنوع ، ومرورًا بعام 1987 فى لعباته التياترية حتى يأتى عام 2019 لتضعنا على نهاية الرحلة مطمئنين إلى ما أثبتته بالأدلة والبراهين القاطعة بأن يعقوب صنوع هو رائد المسرح المصرى شئنا أم أبينا ، وافقنا أم رفضنا فهى حقيقة لا يمكننا إنكارها بأى حال من الأحوال وهذا ما وضعته نصب أعين القارىء فى كتابها (التمصير فى المسرح المصرى من يعقوب صنوع 1870 إلى الحرب العالمية الثانية 1945) والآن فى كتابها الآخر (يعقوب صنوع رائد المسرح المصرى ومسرحياته المجهولة دراسة إبستمولوجية) لتخوض فى أعماق التاريخ مرة أخرى وتقدم قراءة جديدة حول ريادة صنوع للمسرح المصرى ، ذلك المسافر عبر التاريخ ، العبقرى الذى لا نستطيع البداية إلا من عنده فى المسرح والصحافة المصورة والكاريكاتير والمسرحيات الصحفية المصورة المسماه اللعبات التياترية التى رسم فيها رؤيته الإخراجية واستنطق الكلمات عبر الصور ، توضح د / نجوى من خلال كتابها أنها إن تختلف مع صنوع أو تتفق فهذا لا يغير التاريخ ولا يعود بنا إلى مرحلة الإنكار ، ولا يغفل حق تاريخى مستحق لهذا الرائد ، فهو موجود وهو رائد المسرح المصرى شئنا أم أبينا ، ولهذا وقفت د / نجوى فى التمهيد لتدافع عن حقها العلمى وترسخ الحقيقة وترد على المغالطات التى تنفى وجود صنوع وتنفى ريادته وتنفى حقنا المعرفى فى الوقوف على خارطة البداية والأصالة .
تنتمى الدراسة إلى الحقل الإبستمولوجى الذى يعتمد على المنهج النقدى ؛ ليكشف الأخطاء ويحاول تصحيحها ، ويضع فى مقدمة دائرة اهتمامه البحث عن الأصول المعرفية التى شكلت المنطلقات الخلفية التى انطلق منها صنوع فى بناء مسرحياته بعد أن تفاعلت فى عقله ؛ انطلاقًا من مبدأ مؤداه أن النص اللغوى أى نص قول لغوى يحمل خصائص القائل ، وصفاته ، وفكره .
استعانت د / نجوى بالمنهج النقدى فى إقامة حوار علمى بينها وبين ماكتب عن صنوع من أجل الخروج بتصور واضح لا يخل بالإيطار المعرفى ، ولا يحاكم صنوع بأدوات من خارج تجربته المسرحية ، تجنبًا لإحداث قطيعة معرفية بين السابقين واللاحقين ، وتحقيقًا لمبدأ التراكم المعرفى المنشود ، وتوصلت بلا أدنى شك وبدليل قاطع واضح إلى أن صنوع هو رائد المسرح المصرى من 1870 : 1872 ، وقامت فى هذه الدراسة بدورين دور الباحث المتخصص ودور الإبستمولوجى الذى يدرس وينقد مبادىء وفروض ونتائج الدراسات التى تمت فى هذا المجال .
بدأت الدراسة بالبحث فى دوريات تلك الفترة 1870 : 1872 وأهمها وادى النيل – الجوائب – إيجيبت ، إلا أنها لم تجد وادى النيل فى دار الكتب المصرية فبعضها سُرق والبعض الآخر فى مقبرة الترميم ، أمَا الجوائب فوجدت أعدادًا متفرقة منها فى دار الكتب وبالرجوع إلى كتاب فيليب طرازى : (تاريخ الصحافة) وجدت أن مجلة الجوائب تركية انتشرت فى مصر الخاضعة للسيطرة العثمانية ؛ فسافرتْ إلى تركيا (استنبول) لتكون البلد الثانية التى سافرت إليها بحثًا عن صنوع ، فقد سافرت فى عام 1977 إلى باريس لمقابلة حفيدته ، ثم سافرت إلى بيروت لمقابلة أ . د محمد يوسف نجم ، الذى كان يعمل أستاذًا فى الجامعة الأمريكية هناك .
وفى تركيا مكتبة أتاتورك بتكسيم استطاعت الحصول بصعوبة على صور جميع أعداد صحيفة الجوائب ، التى وجدت فيها أخبارًا كثيرة جدًا تؤكد ريادة صنوع للمسرح المصرى من 1870 : 1872 ، هذا إضافة إلى وثائق مهمة جدًا تؤكد ريادة صنوع للمسرح المصرى مثل مخطوطة مسرحية جيمس وما يقاسيه ، وقدمت الكثير من الوثائق لإنهاء إشكالية ريادة صنوع للمسرح المصرى بصفة حاسمة.
انقسمت الدراسة إلى جزأين ، خصصتْ الجزء الأول للتمهيد وأكدتْ فيه على ما هو مؤكد وهو ريادة صنوع للمسرح المصرى بالدوريات والوثائق التى تؤكد هذا ، أما الفصل الأول من الجزء الأول فقد خصصته فى دراسة عالم يعقوب صنوع الفكرى ودرست فيه ثقافتة اليهودية وأفكاره الماسونية وتراثه الشعبى والغربى التى صنعت شخصيته وأثرت فى مؤلفاته .
وجدير بالذكر أن مصطلح الماسونية الذى انتمى إليه صنوع يؤمن بعدم التفريق بين الأديان فالجميع أخوة دون التدخل فى السياسة ، وبرغم من ذلك فهو تدخل فى السياسة لإنقاذ الظلم الواقع على الوطن ، ممَّا أدى إلى إصدار الخديوى أمر بإغلاق مسرحه ونفيه إلى فرنسا عام 1876 ، وصمم الخديوى وقتها على تشجيع سليم النقاش على تقديم مسرحيات عربية وعلى وجود المسرح العربى فى مصر فى 1875 .
أما الفصل الثانى فكان بعنوان : عالم صنوع الفكرى فى اللعبات التياترية ، وقسمت د / نجوى هذه اللعبات إلى دراما صحفية ومسرحيات صحفية مصورة ، وأوضحت أثر هذا العالم فى لعباته التياترية فدرست أثر التراث الشعبى فى حكم قراقوش – الواد المرق وأبو شادوف الحدق – القرداتى ، وأثر ثقافته اليهودية والغربية فى مسرحياته الصحفية المصورة مثل سلطان الكنوز .
لا ننكر يهوديته مثلما لا ننكر مصريته ، فهو يهودى مصرى سبق زمانه استنطق الصورة وجعلها مسرحًا مصورًا ، أخرج على الورق مسرحًا كاملاً بتعبيراته وبآداء ممثليه وبحركة أشخاصه وبتعبيرات الوجه ، استنطق الورق ليخرج لنا فنًا اعتبرناه فى زماننا أنه اختراعًا أو إنجازًا وهو فن الكاريكاتير.
قدمتْ الدكتورة نجوى للقارىء مسرحيات مجهولة ليعقوب صنوع (جيمس وما يقاسيه المخطوطة) ، وقدمت نصوص الدراما الصحفية المسماه باللعبات التياترية وهى : (القرداتى) ، (حكم قراقوش) ، (بالوظة أغا وعدالته) ، (الكبانية لعبة تياترية) ، (الدخاخنى) ، (زمزم المسكينة) ، (جرسة إسماعيل) ،  وقدمت المسرحيات الصحفية المصورة (اللعبات التياترية) وهى : (سلطان الكنوز) ، (ملعوب الحدق) ، (محاورة بين سى مرجان أغا والشيخ منصور وجعفر أغا وعلى  أفندى وعشق جمال هانم فى سلاملك من سلاملكات فرعون) ، (عصبة الأنجال على الوزير الدجال) ، (البارلمنتو المصرى) ، (الجهادى) ، (شيخ الحارة) ، (الواد) ، (الواد المرق وأبو شادوف الحدق) ، (ستى وحيدة أم نظارة بيضا) ، (سقوط نوبار) ، (يالله بينا على السودان) ، (تشكر الانكليز) ، (لفة توفيق الصعيد بالزفاف) ، (الحيل الانكليزية لسلب الأموال) ، (الأسد الأفريقى الأحدق والنمر الإنكليزى الأزرق) ، (الخديوى عباس الثانى والنسر الأسود الألمانى) ، (فتح بربر) ، (المستر بول بلع الأسطول) ، (رواية : فتح خرطوم) ، (يا مسكين يا سودانى . إلى متى للهموم عانى) ، (انتصار الفلاح الشجاع . وانهزام المستر بول الطماع) ، (الخديوى عباس والإنجليز الخساس) .
جاء هذا الكتاب لينفى كل المزاعم التى تمَّ ترويجها فى الآونة الأخيرة وخصوصًا فى مهرجان المسرح العربى الذى عقد فى مطلع يناير 2019 ، وشاركتُ فيه ببحث ، ولكننى أخذت عليه أن بدأ منذ 1905 : 1952 ، بالرغم من أنَّ المسرح المصرى بدأ من قبل ذلك بكثير تأليفًا وتمصيرًا وتعريبًا وترجمة ، ولا يمكننا بأى حال من الأحوال أن نغفل ريادة صنوع للمسرح المصرى ونزعم بأنه غير مصريًا ، كيف نشكك فى وطنيته ؟ وهو الذى هاجم العائلة الخديوية فى معظم أعماله الصحفية المصورة ، هاجم الوزراء ، وقدم (روتشيلد) المرابى اليهودى على أنه سلطان الكنوز ، وهذا إن دلَّ على شىء إنما يدل على وعيه ومطالبته باستقلال الوطن ، وعدم اللجوء إلى الديون التى تصيب الأيديولوجيا الاقتصادية فى مصر بالانهيار ، أما من ناحية وطنيته فلا يمكننا أن نغفلها وهو الذى نادى بالحرية والمساواة وواجه الخديوى وسخر من فساد القصر ، ووقف بجانب الفلاح وجسد معاناته .
وفى النهاية لا يمكننى إلا أن أشكر أ . د . نجوى على مؤلفها المتميز الذى جعلنى أغير مفاهيم علمية كنت أظنها راسخة وثابتة ، والحقيقة أنه لا يوجد تأكيدًا أو تحديًا فى الدراسات ، ولا يوجد قطعًا بحت للدراسات نستطيع من خلاله إثبات رأى أو الإبقاء على رأى محدد ، فأنا أبحث إذًا أنا موجود ، ولا نمتلك غير الشك العلمى آدة لهذا البحث وهذا الوجود ، ولكن عند الحديث عن تاريخ وطن ومصير ثقافة أمة وهويتها لابد أن يتوقف القلم خجلاً ليثبت الحقيقة ، فقط الحقيقة من أجل الوصول إلى الخطاب المعرفى الذى ينصف فترة مهمة من تاريخ المسرح المصرى وهى فترة يعقوب صنوع اليهودى المصرى الذى عاش فى مصر وأخرج مسرحًا مصريا عاش وسيعيش فى قلب الوطن ، نتفق ونختلف معه ومع عالمه الفكرى ، ولكننا لا يمكننا أن نختلف عليه ، وعلى ريادته .


أسماء بسام