بدايات جمعية أنصار التمثيل والسينما (5) تألق الفرقة المسرحية للجمعية

بدايات جمعية أنصار التمثيل والسينما (5) تألق الفرقة المسرحية للجمعية

العدد 722 صدر بتاريخ 28يونيو2021

التألق في أسلوب جمعية أنصار التمثيل، الذي تحدثنا عنه في المقالة السابقة، أوضحت أسبابه مجلة «الكواكب»، قائلة في إبريل 1932: منذ سنوات طويلة «تكونت في القاهرة جمعية أنصار التمثيل، وكان من بين أعضائها المُعلم والطبيب والموظف. وقد كان يرأسها فقيد الشباب المرحوم الأستاذ محمد عبد الرحيم الذي كان وقتئذ مدرساً في المدرسة السعيدية، وقد قامت هذه الجمعية بخدمة المسرح خدمات ما يزال يذكرها الذين اتصلوا به من قريب أو من بعيد. وأخيراً أتت عليها أحداث الزمان فتفرق الأعضاء، ولم نعد نسمع لها من سنوات كثيرة صوتاً ولا صدى. وفي أوائل الشهر الماضي فكر فريق من الأعضاء القدماء في ضرورة إحياء هذه الجمعية وإعادتها سيرتها الأولى، ففاتحوا إخوانهم وراقت الفكرة لدى الجميع، وانتهى الأمر إلى استئناف الجمعية خدماتها السابقة، بعد أن كلفت من الأعضاء من قام بصياغة قانونها الذي مضى، على أن يكون المؤسسون حضرات الأساتذة: سليمان نجيب، ومحمد عبد القدوس، وداود عصمت، ومحمد فاضل، وعبد الوارث عسر، ومحمد توفيق، وعبد القادر المسيري، وتوفيق المردنلي، ومحمد عبد العزيز، والدكتور فؤاد رشيد. ولمن شاء من الهواة الانضمام إلى الجمعية كعضو عامل عليه أن يزكيه اثنان من المؤسسين. وقد اجتمعت هذه الهيئة وانتخبت من بينها حضرات الدكتور «فؤاد رشيد» رئيساً، والأساتذة «سليمان نجيب» وكيلاً، و«توفيق المردنلى» سكرتيراً، و«محمد عبد العزيز» أميناً للصندوق، فنهنئ جماعة أنصار التمثيل مقدماً».
بهذا التشكيل الجديد في الإدارة، مع وجود مقر جديد للجمعية - في عمارة الشواربي أمام معهد الموسيقى الشرقية - انطلقت الجمعية في نجاحاتها، ومنها الاتفاق مع وزارة المعارف على إعادة عرض مسرحية «667 زيتون» في حفلة بالأوبرا تحت رعاية وزير المعارف وبحضوره وحضور عدد من الوزراء أمثال زكي الإبراشي باشا، ومراد محسن باشا. كما حضرها أمير الشعراء أحمد شوقي، وألقى قصيدة عن فضل التمثيل، كما ألقى «بديع خيري» زجلاً طريفاً. وهذا النشاط أغرى بعض الآنسات للانضمام إلى الجمعية، التي لم تضم عنصراً نسائياً حتى الآن!! وهذا الفعل كان سببه اشتراك «عزيزة أمير» في عروض الجمعية، لا سيما قيامها ببطولة مسرحية الجمعية «العثرة الأولى» في حفلة النادي الأهلي، هذا بالإضافة إلى أن وزير المعارف شخصياً، أصبح الرئيس الفخري لجمعية أنصار التمثيل كما أخبرتنا بذلك الصحف وقتذاك.
وفي يونيو 1932، نشر الناقد «سماحة» في مجلة «الكواكب» مقالة مهمة جداً عن الجمعية، عنوانها «العثرة الأولى على مسرح الأوبرا الملكية». وأهميتها تعود إلى النقد الفني المكتوب باحترافية عن مسرحية «العثرة الأولى» – وفق المنظور النقدي وقتذاك – وأيضاً لأن عرض هذه المسرحية كان تحت رعاية الملك نفسه، وقد أرسل نائباً عنه كي يحضرها. أما الأهمية الكبرى، فتتمثل في اشتراك أول فتاتين انضمتا إلى الجمعية لأول مرة – بوصفهما عضوتين عاملتين - وهما: «سلمى نديم»، و«إحسان عاكف»!
قال الناقد «سماحة»: «في مساء الخميس 26 مايو الماضي أحيا النادي الأهلي حفلته السنوية الساهرة بدار الأوبرا الملكية، حيث مثل جماعة أنصار التمثيل رواية «العثرة الأولى». وقد كانت الحفلة تحت الرعاية الملكية وشرفها حضرة صاحب العزة أحمد بك حسنين نائباً عن جلالة الملك، وكانت الشرفات مزدانة بالعظماء من رجال الدولة وأعضاء النادي الأهلي كما أمّ القاعة جم غفير من النظارة، فأعرب الكل في أكثر من مناسبة عن إعجابهم وتقديرهم لمواهب أعضاء الجمعية وجهودهم المثمرة. وقد امتازت هذه الحفلة بظاهرة جديرة بالذكر ذلك أنه ظهر بين الممثلين آنستان من كرائم العقائل انضمتا إلى الجمعية أخيراً وكانتا من قبل تخشين على سمعتهما من الانضمام إلى الفرق الأخرى. وهذه بداية لها دلالتها نرجو أن تكون فاتحة لعهد ينعم فيه المسرح المصري بتعضيد وانضمام الهواة من أبناء وبنات الأسر. ولا بد لنا من أن نعرض موجزاً لتلك القصة الرائعة: «جاكلين» امرأة لم يرض زوجها عاطفتها لانشغاله بتكاليف منصبه فزلت. ثم ثابت إلى رشدها وجاءته مستغفرة ولكنه طردها من بيته. فخرجت تهيم على وجهها تاركة طفلها الصغير مع أبيه. وتقاذفتها أيدي العبث حتى انتهت إلى «لاروك» الشرير الذي أراد بعد أن عاشرها ستة أشهر أن يقابل باسمها زوجها الأول ليحصل منه على بائنتها «الدوطة». ولكنها تعارض لاعتقادها أن «الدوطة» ملك ولدها الذي تحبه وتحرص على أن يظل غير واقف على حقيقتها وما آل إليه حالها. فإذا أصر العاشق ولم تجدِ معه توسلاتها لا تجد «جاكلين» بُداً من أن تقتله برصاصة من مسدسها. ثم تساق إلى المحاكمة، فإذا بالمحامي الذي يترافع عنها هو ابنها الذي لا يعرفها، ولكنها تعرفه حين ينادي اسمه ويقع نظرها عليه بعد غياب عشرين عاماً. ويبدع هذا المحامي الشاب ويبكي ويستبكي المحلفين منحياً باللائمة على الزوج الذي مهد لها طريق السقوط حين أبى أن يغتفر لها عثرتها الأولى. وأخيراً يصدر الحكم بالبراءة ولكنها لا تريدها وتتمنى الموت، حتى يظل أمرها خافياً عن ولدها. ثم يصارح الوالد ولده بكل شيء ويكشف له من أمره مع أمه ما ظل يكتمه طوال السنين ويذهب الابن يتحدث إلى أمه وقد أصابتها نوبة كادت تودي بها، ويكون حوار في غاية التأثير، فالأم تعرف ابنها ولا تريد أن تظهر له، والولد كان يجهلها إلى دقائق قليلة مرت، ثم عرفها ولكنه لا يكاشفها بالأمر ما دامت هي تحرص على أن تخفي نفسها عنه، وأخيراً يفيض به شجنه وتتغلب عليه عواطفه فينادي: «أمي» ويتعانقان، ثم يطلب إليها أن تصفح عن أبيه ويجري يستدعيه ويعودان معاً ولكن بعد أن تكون قد فارقت الحياة دون أن تنطق بكلمة الصفح عنه. وقد قام الأستاذ سليمان نجيب بدور «لوسيان» الزوج فرأيناه في الفصل الأول زوجاً شاباً يدافع عن شرفه ويغضب لكرامته. وفي الثالث والخامس مثل الشيخ في وقاره وهدوئه، وفي الحق أنه كان مبدعاً واستطاع أن يخرج دوره – مع ما فيه من مشقة وما يحتاج من جهد – على أحسن ما يكون الإخراج وليس لنا أي مأخذ أبداً عليه. ولن ننسى أنه في فصل المحاكمة لم ينبس ببنت شفة، ولكنه كان في صمته بليغاً مؤثراً حتى استطاع أن يستدر عطف الجمهور وأن يرثي لحاله وهذه مقدرة نشهد له بها كما نهنئه عليها. كذلك كان الأستاذان عبد الحميد زكي وعبد القدوس غاية في الإبداع واستحقا كل ثناء وإعجاب، وفي الحقيقة أنهما كانا على حد تعبير بعضهم «لوريل وهاردي» طبق الأصل. أما حنا – ولا ريب أن دوره شاق ويحتاج لجهد – فإنه بذل قصارى جهده ووفق إلى حد كبير. ولكننا لا نخفي ملاحظتنا في أنه كان خطيباً أكثر منه محامياً كما كان شاباً «ولوعاً» أكثر مما يلزم أو يتناسب مع محام. والأستاذ توفيق المردنلي أدى دور «النائب العمومي» على أحسن ما يكون الأداء وكان في اتهامه مرتجلاً طبيعياً طلق اللسان واضح العبارة. ونشير أيضاً إلى الأساتذة الأفاضل المسيري ومحمد توفيق فإنهم أجادوا. أما السيدة عزيزة – ولتعذرنا إذا جابهناها بالحقيقة فهي دائماً مريرة – فإنها أضاعت فرصة أتيحت لها كانت تستطيع بها أن تكسب فخراً جديداً وأن تعتلي قمة الشهرة والنجاح خصوصاً في دور كدور جاكلين الذي يفسح المجال واسعاً للإجادة وظهور المقدرة. ولكنها للأسف كانت متشنجة عصبية بدل أن تكون مؤثرة فهي بدل أن تحاول لمس مواطن الألم في النفوس وتحريك عواطف الإشفاق والأسى كانت تصرخ وتصخب. هذا فضلاً عن أنها لم تكن حافظة دورها كما يجب وخاصة في الفصل الثاني حين ارتبكت لولا أن أنقذ الموقف من كان أمامها. أما دور «الين» العروس فقد قامت به الآنسة «سلمى نديم» الممثلة الناشئة التي انضمت إلى الفرقة وكانت مجيدة لدرجة تنبئ عن مستقبل زاهر. كذلك الآنسة «إحسان عاكف» أدت دور خادمة الفندق وكانت هي الأخرى مجيدة».
ومع هذا النجاح منحت وزارة المعارف العمومية جمعية أنصار التمثيل حق إخراج الروايات النموذجية التي كلفت الوزارة بعض الأدباء بنقلها إلى العربية أمثال طه حسين وإبراهيم رمزي وخليل مطران وأحمد الصاوي، كما أخبرتنا مجلة «الكواكب» في يوليو 1932. وفي أكتوبر عرضت الجمعية مسرحية «إلى الأبد» بدار الأوبرا الملكية، وهي من تأليف سليمان نجيب وتمثيله مع مجموعة من الأسماء اللامعة، منها: أمينة رزق، وعلوية جميل، وعايدة حسن، ومحمد عبد القدوس، وعبد الوارث عسر. وقد ذكرت جريدة «كوكب الشرق» ملخصها، قائلة:
«حسن بك رشيد رجل غني معروف، يملك العمارات الشاهقة ويرأس شركات كثيرة وهو عضو في كثير من المجالس الإدارية لشركات أخرى. شعر حسن بك بتوعك بسيط ولكنه ذهب إلى إحدى المستشفيات ليقضي بضعة أيام تحت رعاية الأطباء. وكانت سنية ممرضة في هذه المستشفى. وسنية هذه تقطن مع أختها عزيزة وخطيبها عثمان أفندي الموظف في وزارة الأوقاف. وشعر حسن بك بالراحة على يدي تلك الممرضة سنية الجميلة الرقيقة العواطف، وأحسن نحوها بالحب! لذلك تكرر ذهاب حسن بك إلى المستشفى، وتجرأ ذات يوم فدعا سنية إلى العشاء على مائدته هي وعائلتها، وقبلت سنية الدعوة، وذهبت ومعها شقيقتها وخطيبها. ولكنهم قبل أن يصلوا إلى منزل حسن بك وكان أحد رجال الأعمال قد طلب الداعي تليفونياً. ولذا طلب هو من الخادم أن يعتذر للضيوف ويفهمهم أنه سيحضر بعد قليل. وحين وصل الضيوف أخبرهم الخادم عن سبب غياب سيده واعتذر لهم ثم تركهم وخرج. وقف عثمان – خطيب عزيزة – يتطلع إلى الأثاث الفاخر والصور الفنية الرائعة، والتحف الخزفية الجميلة، ورأى زهرية أثرية غالية الثمن فأمسك بها يفحصها ويقلبها، ورأته سنية فصرخت فيه ليتركها، ولم يكن عثمان ينتظر هذه المفاجأة فارتطمت الزهرية بالحائط وانكسرت إلى قطعتين، وحاول أن يعيدها إلى أصلها، ونجح في محاولته فوضع الزهرية «مصلبة». ووصل حسن بك بعد قليل وحيا الجميع وأراد أن ينفرد بسنية ففكر، وهداه تفكيره إلى أن يبعث بعزيزة وخطيبها إلى حجرة المتحف حيث توجد الصور الفنية البديعة الصنع الجميلة الشكل، وذهب الخطيبان إلى المتحف وخلا الجو له. ويقول حسن بك لسنية إن ما ينقصه هو نصفه الثاني .. شريكة حياته ويطلب منها أن تقبله زوجاً لها .. فتطلب منه سنية أن يتريث قليلاً .. ويمهلها ولكنه يلح دوماً على معرفة جوابها. يعود عثمان في هذه اللحظة ليتحدث عن الفن الرائع الذي رآه، وأنه يقر ويعترف ببراعة الرسام الذي رسم موقعة واترلو! ويريد أن يحبوه بعطفه فيقوم ليريه التحف الخزفية وتمتد يده إلى تلك الآنية التي كسرها عثمان فما يكاد يمسكها حتى تقع من يده، وتصيح سنية «مش الخدام اللي كسرها»!! ويدهش حسن بك فيتساءل «تعني من؟» فترد عزيزة في سرعة تقسم له أنها ليست هي التي كسرتها، ويضطر عثمان إزاء هذا كله إلى الاعتراف بأنه هو الذي كسرها وأنه على استعداد لدفع ثمنها - رغم أن ماهيته الشهرية كلها لا تبلغ عُشر قيمة الزهرية!! - وقبل أن يذهبوا إلى غرفة المائدة يخبرهم حسن بك بأن الغد هو موعد عقد زواجه على سنية وأنهم جميعاً مدعوون. ويتم الزواج، ويحصل عثمان – بوساطة حسن بك – على وظيفة في إحدى الشركات التي يديرها حسن بك، ويصل مرتب عثمان إلى خمسة وثلاثين من الجنيهات وقد كان مرتبه الحكومي لا يزيد عن التسعة جنيهات!! وتتمتع سنية بالسعادة والثروة والسيارات الفاخرة والحلي الغالية ويخت في النيل رهين إشارتها!! ولكن حسن بك يعتاد الشراب، فيأتي إلى منزله دائماً ثملاً، وتبتعد عنه زوجته ويطلب منها أن تقبله فتأبى، ويصرخ حسن بك يسرد عليها أصلها وماضيها وأيام المستشفى وأنه اشتراها بماله. وتأبى كرامة سنية الاحتمال فتترك المنزل، وتطلب من زوج أختها أن يترك عمله هو الآخر فيفعل، ثم يعود إلى وظيفته الحكومية، وتعود سنية إلى مهنة التمريض. ويفاجأ عثمان باستغناء المصلحة عنه فيخبر زوجته بذلك، ثم يخاطب حسن بك تليفونياً يخبره بأن سنية تريد رؤيته! ويحضر حسن بك دون أن تعرف سنية فتظنه آتى نادماً وتعاتبه ويعاتبها ويعودان إلى صفائهما السابق فتعود سنية إلى منزلها، ويعود عثمان إلى وظيفته بالشركة بمرتب قدره خمسون جنيهاً».
وهكذا ظلت الجمعية في نجاح مستمر وكأنها إحدى الفرق المسرحية المحترفة! بل وأصبحت تعرض عرضين في اليوم الواحد، كما أخبرتنا الصحف أنها مثلت يوم 24 نوفمبر 1932 في الحفلة النهارية مسرحية «الهاوية» لمحمد تيمور على مسرح الأوبرا الملكية، وفي اليوم نفسه مثلت مسرحية «667 زيتون» في الحفلة المسائية على مسرح حديقة الأزبكية. ولم تكتف الجمعية بذلك، بل خرجت من العاصمة إلى الأقاليم، عندما مثلت على مسرح بلدية دمنهور مسرحية «إلى الأبد» في فبراير 1933، بطولة زينب صدقي. كما أنها أحيت حفلة الاتحاد النسائي بتمثيلها مسرحية «إلى الأبد»، وتستعد بمسرحية جديدة اسمها «ابن السماء» عرّبها عن الألمانية منذ سنوات عضو قديم في الجمعية هو المرحوم الأستاذ سليمان نيازي.


سيد علي إسماعيل