لا توجد أزمة نصوص.. تحيزات جهات الإنتاج هي المشكلة

لا توجد أزمة نصوص.. تحيزات جهات الإنتاج هي المشكلة

العدد 719 صدر بتاريخ 7يونيو2021

ارتبط المسرح منذ بدايته بالمجتمع، فكان مرآة لقضاياه ومشكلاته، تقتبس عروضه  الأحداث والوقائع وتجسدها، مسلطة الضوء على ما مايمور بقلب هذا المجتمع من أوجاع ومشكلات، وإيجابيات أيضا، من خلال النقاش والتحليل الفني،  ومن الممكن أيضا أن يوفر المسرح الحلول المناسبة لبعض القضايا المطروحة. والسؤال: هل مازال المسرح يؤدي هذا الدور؟ هل توجد نصوص تعبر عن نبض الشارع وتناقش قضاياه؟ أم أن هناك أزمة نصوص من هذه النوعية كما يردد البعض؟ هل لايزال المتفرج يرى نفسه في عروضنا المسرحية؟. «مسرحنا» طرحت هذه التساؤلات على عدد من المسرحيين، وكانت هذه هي إجاباتهم.
 المخرج والناقد المسرحي د.عمرو دوارة قال: بداية لابد أن أعلن عن غضبي الشديد واستيائي الكبير من كثرة ترديد بعض الجمل الإنشائية التي أصبحت بمثابة الأكليشيهات الثابتة بحياتنا المسرحية – منذ سبعينيات القرن الماضي - ومن أشهر أمثلتها المتكررة: أزمة النصوص، ضعف مستوى النصوص، عدم قدرة المؤلفين الجدد على التعبير عن القضايا المعاصرة، والحقيقة أن كل المسئولين أو أدعياء الثقافة الذين يحلو لهم ترديد وتوظيف تلك الجمل إما مضَللين «بفتح اللام» أو مضلِلين «بكسر اللام»، وبتعبير آخر إما مغَيبين «بفتح الياء» أو مغيِبين «بكسرها»، وذلك لأن «مصر» الولادة المعطاءة بسخاء تزخر بعدد كبير جدا من المواهب الإبداعية بمختلف مفردات العرض المسرحي وفي مقدمتها التأليف، ويكفي أن أسجل تلك الحقائق لكشف مدى تجاهلهم للحقائق وزيف ادعاءاتهم وبعدهم عن الصواب. 
أوضح  «دواره» أن نسبة النصوص المسرحية التي تجد فرصتها للنشر لا تزيد للأسف عن 5% من إجمالي النصوص المؤلفة، كما أن نسبة النصوص التي تجد فرصتها للعرض على خشبات المسارح بفرق الدولة لا تزيد عن 1% وبفرق الهواة بصفة عامة لا تزيد عن 3% !، و أوضح دليل على صحة تلك الإحصائيات أن عددا كبيرا جدا من نصوص كبار الكتاب لم تجد بعد طريقها للنشر أو للعرض على مسارح الدولة، ويكفي لتأكيد ذلك أن أسجل أن الكاتب القدير محمد أبو العلا السلاموني – والمعروف عنه جدية وجودة مؤلفاته - له أكثر من نص يعبر عن واقعنا المعاصر ولم تجد أغلبها طريقها للمسرح بعد، ويشاركه أيضا في هذا الوضع المؤسف كثير من مؤلفي السبعينيات وفي مقدمتهم كل من الكاتبين عبد الغني داود، السيد حافظ، صلاح عبد السيد، أمير سلامة، محمد الفيل، ومن جيل الثمانينات عدد كبير من المبدعين وفي مقدمتهم المبدعين حمدي عبد العزيز الذي حصدت مؤلفاته كثير من الجوائز، والراحلين د.محسن مصيلحي، د.هشام السلاموني، محمد الشربيني، فكري النقاش، محمد زهدي، وآخرين. 
وتابع د.عمرو دواره قائلا: عدد كبير من مبدعي الأقاليم الذين نجحوا في التعبير عن نبض الشارع لم يستطيعوا للأسف اختراق حواجز المؤسسة الرسمية بالعاصمة، برغم جودة مؤلفاتهم المسرحية التي ترتبط بواقعنا المعاصر وتناولها لكثير من القضايا المسكوت عنها، وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى ذلك الكتاب المهم للأديب الكبير عبد الغني داود «المبدعون خارج القاهرة»، والذي تناول من خلال بالعرض والتحليل مجموعة كبيرة من نصوص كتاب المسرح في الأقاليم، حيث تضمن مجموعة نصوص لعدد 32 مبدعا يمثلون أجيالا مختلفة بأكثر من محافظة من بينهم: بمحافظات الوجه البحري القناة وسينا «صلاح متولي، زكريا غزالي، سعيد رمضان»، دمياط «محمد الشربيني، مجدي الجلاد، ناصر العزبي»، الدقهلية - المنصورة «فؤاد حجازي»، كفر الشيخ «عادل موسى»، الغربية - المحلة «فتحي فضل»، البحيرة «محمود القليني، صلاح غانم، أبو السعود سلامة، عبد المنعم العقبي»، المنوفية «أحمد الصعيدي»، وبمحافظات الوجه القبلي: المنيا «نوال مهني، محمد سيد عمار، طنطاوي عبد الحميد طنطاوي، عشم الشيمي، جلال عابدين»، أسيوط «درويش الأسيوطي»، سوهاج «أحمد الليثي»، أقليم وسط وجنوب الصعيد «محمد عبد الله، حسين صبرة»، قنا «محمد نصر يس، محمود عبد العال المريسي، عبده أحمد حسن، صفوت البططي»، أسوان «أحمد أبو خنيجر».
والدليل الآخر الذي يؤكد أيضا صحة تلك الإحصائيات أن عددا كبيرا من المؤلفين الشباب – ومن مختلف الأقاليم – الذين يحصلون على المراكز الأولى بعدد كبير من المسابقات المسرحية التي تنظمها بعض المؤسسات المحلية والهيئات العربية لم نكن نسمع عنهم أو عن أعمالهم قبل حصولهم عن تلك الجوائز!، ومما يؤكد الحقائق السابقة أيضا ما قدمته بدراستي في كتاب «المسارات الفكرية والفنية للمسرحيين الشباب بمصر في زمن التحولات» والذي طبع ببيروت «وتضمن ثلاث دراسات عن مسارح الشباب بكل من مصر ولبنان والعراق»، حيث أوضحت أن الشباب المسرحيين بمصر نجحوا في التعبير عن ثورة يناير 2011 وأهدافها، وقدموا عددا كبير من العروض الراقية التي اعتمدت بعضها على فنون الارتجال أو على نصوص محكمة الصنع ومنها على سبيل المثال تلك النصوص التي ساهمت جريدة  «مسرحنا» الأسبوعية في نشر عدد كبير منها وفي مقدمتها «تاريخيا»: من الفلاح الكهين وأهل البلد المصدقين تأليف د.هاني عبد الناصر، عمرو بس مش غريب تأليف محمد أمين عبد الصمد، رحيل تأليف محمود محمد كحيلة، الحب في ميدان التحرير تأليف محمد أبو العلا السلاموني، لقطات من هاتف جوال تأليف سامح عثمان، الوصول تأليف علي عثمان، الحرية دوت كوم – ثورة شباب تأليف أحمد حسن البنا، اللي عايز ينزل.. ينزل تأليف ناصر العزبي، الشعب يريد إسقاط أبو عجور تأليف درويش الأسيوطي، حديقة سعد زغلول تأليف مصطفى نصر، وقائع ثورة في مهب الريح تأليف عبد الغني داود، المصري تأليف مهدي محمد مهدي، جمهورية التفاصيل والحكايات تأليف حسن سعد.
وأخيرا تجدر الإشارة إلى أن عددا كبيرا من نصوص خمسينيات وستينيات القرن الماضي التي كتبت بأقلام نخبة من المبدعين ومن بينهم: توفيق الحكيم، فتحي رضوان، سعد الدين وهبة، نعمان عاشور، عبد الله الطوخي، لطفي الخولي، سعد مكاوي، محفوظ عبد الرحمن» وعبرت بصدق عن كثير من القضايا الاجتماعية «كالثأر، عدم تنظيم النسل، استغلال النفوذ، شراء الأصوات في الانتخابات» فضلا عن جودة حبكاتها الدرامية، مازالت تتميز بقدرتها عن التعبير عن اللحظات الراهنة، ولا يفكر في تقديمها أحد.
 لم يعد يعكس اهتمامات الجمهور
فيما قال الناقد أحمد هاشم : رغم ما يثار من حين إلى آخر من معاناة المسرح المصري أزمة نصوص مسرحية جديدة على مدى ما يقارب من ثلاث عقود فائتة إلا أن ذلك غير صحيح، ومن يتابع الكتابات المسرحية التي ترد إلى لجان القراءة بالمسارح التابعة للبيت الفني للمسرح أو لجان تقييم النصوص بالهيئة العامة لقصور الثقافة أو غيرها خلال العشرين عام الماضية يعرف أن لدينا الكثير من الكتاب الجدد وغير المعروفين على درجة عالية الجودة، سواء من ناحية ما يطرحونه من أفكار طازجة وغير مطروقة أو من ناحية طرق معالجتها مسرحيا، بالإضافة إلى ما ينشر في سلاسل النصوص المسرحية المختلفة عن هيئة الكتاب أو الثقافة الجماهيرية وبعضها جيد جدا؛ إذن فغير صحيح أن فى مصر أزمة نصوص مسرحية بوجه عام، المشكلة تكمن فيما يتم إنتاجه من عروض تعتمد على نصوص تجاز نتيجة علاقات شخصية أو نصوص يتحمس لها مخرجوها رغم أنها دون المستوى فيكون الناتج غير مرضي.
وأضاف»هاشم» ما أريد التأكيد عليه هو أن العروض المسرحية التي على الساحة لا تعكس أبدا مستوى النصوص المتاحة؛ لأن النسبة الأكبر من النصوص الجيدة لا تعرف طريقها إلى خشبة المسرح نتيجة خلل موجود في مؤسسات الإنتاج.
وتابع هاشم: ولأن آلية إنتاج عروضنا المسرحية على النحو الذي وصفنا فهي تأتى بلا خطة أو إستراتيجية أو رؤية عامة يراعى فيها التنوع في العروض وفقا لهويات الفرق المختلفة، فقد أصبح القومي يقدم ما يمكن أن نراه في الكوميدي ويقدم المسرح الحديث ما يجب أن يقدمه مسرح البالون، فضاعت هويات الفرق المسرحية وأصبح الإنتاج من أجل الإنتاج وليس من أجل الجمهور الذي لم يعد يعرفه المسرحيون ومن ثم لا يعرفون ما هي اهتماماته وهمومه ومشاكله، وأصبح جمهور المسرح هم المسرحيون وهواة المسرح «الجماعة المسرحية» وليس الجمهور العادي، لأن هذا الجمهور الحقيقي قد انفض من حول المسرح منذ سنوات لأسباب كثيرة، أهمها أن المسرح لم يعد يعكس اهتماماته، بالإضافة إلى أسباب أخرى اقتصادية وغير ذلك، ولكن لهذا حديث آخر.
تشدد الرقابة 
أكد الناقد أحمد خميس على أننا لا نعانى فقر نصوص، مضيفا: ومن يتابع إصدارات  الهيي?ة المصرية العامة للكتاب و هيي?ة قصور الثقافة او حتى المطابع الخاصة سيجد أن مئات النصوص تطبع كل عام فضلا عن النصوص التي تفوز في المسابقات المصرية المختلفة، وهو الا?مر الذي يعنى ا?ن المشكلة ليست في توافر النصوص ا?و تنوع موضوعاتها ولتفاتها لمشاكل الراهن الاجتماعي المصري، ا?نما في  ا?مور ا?خرى؛ ا?ولها عدم توجه المخرجين للنصوص الجديد ، وعدم اهتمام جهات الا?نتاج بشكل كاف بهذه المسا?لة المهمة، فضلا عما استجد من تعامل متشدد من قبل الرقابة التي ا?صبحت تكبل الا?عمال الدرامية وتعيق مرور الموضوعات الجادة التي تناقش قضايا المجتمع المختلفة حتى ا?صبحنا نتمنى عودة الرقابة القديمة على ما بها من علل، فبالقياس لما يحدث الآن كان الوضع في الماضي ا?فضل كثيرا ويسمح بالتناول الجاد للقضايا في حدود معينة.
تابع «خميس»: أما عن المتفرج وعما إذا كان يرى نفسه في عروضنا المسرحية، فإن  جزءا من ا?همية العروض يتعلق بالمشاهد وما يتعرض له من قضايا يومية ا?و مزمنة، و تقديم موضوعات تتناول ما يمر به من مواقف يعطي للعمل المقدم حياة لدى المشاهد حيث تمنحه الثقة في العروض وما يقدم فيها من ا?فكار طازجة، ولكن على المواطن دائما ا?ن يكون فطنا، فالعمل المسرحي ليس مطلوبا منه طول الوقت أن يكون ملاصقا لتلك المشاكل ا?و يناقشها بشكل مباشر، ا?ذ يتعلق الفن دائما بالأفكار النيرة التي تمد الموضوعات على ا?ستطالتها وتا?خذها لعوالم مغايرة, من هنا ينشا? التنوع في معالجة القضايا وطرق معالجتها، ا?ذ ا?ن التضخيم ا?و الحلم ا?و الكوميديا با?نواعها، على سبيل المثال، مهمين للغاية في تناول الموضوعات.
كسل و تراخ  
فيما قال باسم صادق الناقد المسرحى بالا?هرام:  أتصور إننا لا نعاني من فقر النصوص التي تنقل نبض الشارع المصري وتناقش ا?زمات ومشاكل المجتمع، بل نعاني من صعوبة الوصول ا?لى المنتج الذي يحمل هذه المواصفات، وضعف الا?رادة لا?نتاجها من الا?ساس، والدليل ا?ن شباب المو?لفين يحصدون جوائز التا?ليف المسرحي سنويا في شتى مسابقات التا?ليف المصرية والعربية والدولية ا?يضا، ونادينا مرارا بتبني هذه النصوص بشكل رسمي لا?نتاجها وتقديمها ا?لى الجمهور، ولكن رد الفعل لا يتجاوز الحماس الفردي من بعض المخرجين المهتمين ، وبما لا يتجاوز عدد ا?صابع اليد الواحدة، وبالتالي نجد تتكرر أسماء مو?لفين تظهر عروضهم باستمرار، و يلجا? كثير من المخرجين ا?لى ا?عداد ا?و تا?ليف نصوص لا?نفسهم لكي يقومون با?خراجها بدعوى إنهم الا?قدر على الا?حساس برو?اهم الا?خراجية، وبالتالي لا تخرج نصوص تلك العروض عن كونها مجرد معالجات درامية ا?و مسودات لعرض مسرحي قد يكون مكتملا في ذهن المخرج فقط، بينما تفتقد المكتبة المسرحية لنصوص مطبوعة جادة تكون مرجعا لكافة الا?جيال فيما بعد، مثلما وصلتنا نصوص نجيب سرور، سعد الدين وهبة، محمود دياب، صلاح عبد الصبور، توفيق الحكيم.. وغيرهم 
و ا?ضاف»صادق» ا?زمة النصوص مفتعلة، هى ا?زمة كسل وتراخي ا?كثر من كونها ا?زمة غياب، ولعل ما شاهدناه مثلا في حفل نقل المومياوات المصرية ا?كبر مثال على هذا الكلام، فا?وركسترا الاتحاد الفيلهارموني يقدم عروضا عالمية منذ سنوات طويلة ولكن لا يشعر به أحد، بينما شعرنا جميعا بالفخر والانبهار حين علمنا ا?ن ملحن السيمفونية المعزوفة هو المصري هشام نزيه، ويمكن القياس على هذا المثال في شتى ا?نواع الفنون وليس التا?ليف المسرحي فقط، أما المتفرج المصري فلديه ا?يضا قدر من المس?ولية، إذ عليه البحث عما يليق بعقله و وجدانه لتغذيتهما بدلا من انتظار ما يقدم له على طبق من فضة، لا?نه في تلك الحالة سيتأثر بمقاييس السوق ومعايير المكسب والخسارة بغض النظر عن قيمة المنتج الذي يتفاعل معه، ليست كل النصوص مصابة بالتغريب عن المتفرج المصري ، هناك بالفعل نصوص تخاطب وجدانه وتثريه وتدفعه للتفكير في حياته ومستقبله وكل ما يحيط به.
المتفرج المصري مظلوم 
أما د. علي خليفة الأستاذ بكلية الآداب فقال: ا?أعتقد أ?ننا نعاني من فقر النصوص الجيدة التي تنقل لنا نبض الواقع المصري مع بدايات الا?لفية الثالثة، ويعود هذا لانصراف كثير من كبار كتاب المسرح لكتابة الدراما التليفزيونية على وجه الخصوص، كما ا?ن كثيرا من كتاب المسرح المصري تا?ثروا بالمسرح الغربي الذي قفز قفزات كبيرة في تعبيره عن مشاكل ا?نسانية ونفسية واجتماعية يعانيها الناس في الغرب، ورا?وا ا?نها لا يمكن التعبير عنها ا?لا با?شكال جديدة كمسرح العبث ومسرح الغصب والمسرح التجريبي، وانساق كثير من كتابنا وراء هذه القفزات التي لا تعبر عن مجتمعاتنا ومشاكلها، ولكنها تعبر عن ا?زمات الا?نسان الغربي، وا?دى هذا لتجاهل بعض كتاب المسرح عندنا مشاكل المجتمع المصري، والانغماس في التجريب برو?ى فيها تقليد للغرب.
وأضاف «خليفة» : نتج عن ذلك ا?ن المتفرج المصري صار يفتقد المسرح الواقعي الذي يعبر عن قضاياه ومشاكله، كما ا?نه انصرف عن مشاهدة كثير من العروض المسرحية، ا?ما لسخفها وسطحيتها وابتذالها ا?و لكونها تتعالى عليه بما فيها من تجريب يحمل غموضا شديدا يصعب على المتفرج العادي - وا?حيانا المثقف تثقيفا مسرحيا - التواصل معه.
الجمهور يدفع لمسرح الكوميديا
أما المؤلف أشرف عتريس فقال: نعم نعاني من فقر وندرة النصوص المسرحية عموما، وخاصة التي تناقش نبض الشارع وأزمات مجتمعنا التي كثرت أزماته، بالفعل، هذه حقيقة وأنا واحد من المؤلفين أعترف بذلك، وآخر نص لي انتهيت منه (دراما طقسية) وفكرة فلسفية ميتافيزيقية لا تعني برجل الشارع ولا المواطن في المجتمع الذي أعيش فيه، فبدون تبرير لما أكتب ولا رد لما أقول، الأزمة الآن في «حرفية الكتابة» ثم «نوعية الكتابة» بمضمون ومغزى ورؤية ومسرح يستأهل أن تطرح أفكارك فيه.
وأضاف «عتريس» والمتفرج المصري مدان هو الآخر بشكل أكبر من المؤلفين لأن المتفرج لا يعرف سوى مسرح الكوميديا ولا يريد غيره، ويدفع ثمن تذكرة ويرفض عروض الثقافة المجانية وهذا أمر محير جدا – أين المتفرج النوعي– لا يوجد،  تلك هي الأزمة الحقيقية في هذه الفترة المرتبكة جدا في حياتنا.
يرى نفسه في عروضنا 
واختلف المؤلف سامح عثمان مع الرأي السابق  ولا يرى أي أزمة من هذا النوع في النص المصري، وأضاف «عثمان» : ما هو المقصود بنبض الشارع..؟! هل نعني هنا مشاكله الاقتصادية أم الاجتماعية أم النفسية أم الشخصية، إنهم الكل في واحد، فالنص الذي يناقش مشكلة حب مثلا هو بالضرورة يناقش مشكلة اجتماعية، لا يجوز تسفيهها مثلا بدعوى الظرف الاقتصادي، إن الكل في واحد، والإنسان كل لا يتجزأ، والمؤلف إبن بيئته، غاية ما هنالك أن كل الحلول موجودة في هرم ماسلو ويتناول كل مؤلف قضيته من منظور الدرجة التي يقف عليها فيه.
تابع سامح عثمان: مناقشة الأساسيات كالمأكل والمشرب والجنس وهي الإشباعات الأولية للإنسان لا تغني عن مناقشة الفكر والحب والرفاهية من جانب آخر وهي حاجات إنسانية تالية من حيث الترتيب، لكنه ليس من الجائز تعبئة الأقلام كلها علي درج واحد - اللهم إلا القضايا الأيدلوجية الرئيسية المتعلقة بما يحدق بالوطن من أخطار- ووقتها كل مؤلف يتناول من منظوره نفس القضية حتي ولو من خلال درجات متباينة علي الهرم نفسه- فهناك بديهيات، مثلا لا مؤلف يناصر التطرف وإن وجد فهي كارثة كبري.
وتابع: أما عن المتفرج المصري هل يري نفسه في عروضنا أم لا ؟..فهو بالتأكيد يرى نفسه في معظمها، بل قد يرى نفسه في نصوص عالمية أيضا، إن الفن للقضية شئ هام جدا، والفن لذاته أيضا هام جدا، فقط الجماليات هي التي تحكم، والقضية محسومة منذ زمن طويل، إذ لم تعد محصورة فيما تقدم، بل في كيف تقدم!!
أزمة إنتاج 
فيما قال المؤلف ميسرة صلاح الدين: يمكن إعادة صياغة السؤال، بطريقة أخري حتي يسهل إجابته، فيمكن مثلُا أن نقول هل جف نهر الإبداع المصري الحقيقي الخالص، لصالح النصوص المترجمة والمأخوذة عن أعمال مسرحية  عالمية؟..أو يمكن أن نقول أننا لم نعد نقدم فنًا مسرحيًا مصريا خالصا، يلائم مجتمعنا في لحظته الراهنة ويعبر عنه  في صالح تقديم أعمال سطحية ، لا تسمن ولا تغني من جوع للفن والإبداع؟ أعتقد ان الإجابة على هذه الأسئلة، ليست « نعم»  على الإطلاق. 
وأضاف»ميسرة»: فالأدلة على ذلك كثيرة، والعديد من الكتاب المصريين ولا سيما الشباب لديهم العديد من النصوص المميزة التي تعبر عن الواقع المصري والنصوص الأخرى التي تتماس مع المشترك الإنساني العام في كل وقت ومكان، ربما كانت الأزمة في جهات الإنتاج الحكومية والخاصة على حد سواء، التي تفضل تقديم أعمال ذات رصيد مسبق لدى المشاهد، وهي أزمة يمكن تخطيها بسهولة، وفي فترة قياسية لا تتجاوز بضع سنوات، عبر أعادة عرض أعمال المبدعين المصريين الكبار التي تعبر عن الواقع المصري برؤية جديدة من ناحية، ومن ناحية أخري تبني المبدعين المعاصرين من أجيال مختلفة وتشجيع أقلامهم وتقديم نصوصهم على خشبات المسرح، عن طريق طرح إستراتجية جديدة تضع الأولوية للنصوص المصرية الجديدة والجيدة.
وتابع: كما يجب العمل بين الجهات الثقافية المنتجة، وجهات الرقابة على المصنفات الفنية من أجل تسهيل الإجراءات وتقليل الوقت اللازم لإستخراج التصاريح وغيرها من المعوقات التي تقف حائلًا في سبيل الأعمال الجديدة.
أما عن المتفرج المصري فقد أثبتت العديد من التجارب المسرحية، نجاح كبير في السنوات الماضية، الأمر الذي دفع العديد من الجهات للتباري في إنتاج مسرحيات جديدة وتقديمها للجمهور، كما تبارى مقدمو البرامج الترفيهية والحوارية  في تقديم محتوى مسرحي، ووضعوا خشبات في الاستوديوهات لجذب الجمهور، وهو ما يؤكد بشدة ، أن المسرح فنًا جاذبًا في ذاته، ومتطورًا بشكل ملفت، يمكنه استيعاب التقنيات الحديثة والفنون البصرية والرقمية بكل صورها وأشكالها. وأقبال المشاهدين على مهرجانات المسرح، مؤشر حيوي على أن المشاهد يرى في العرض المسرحي ما يمثله ويعبر عنه على اختلاف شرائحه، لذلك أعتقد ان عودة القنوات التليفزيونية لتصوير المسرحيات الجادة وتقديمها علي شاشتها سوف يفتح أفقا أكبر للتلقي ويجذب جمهورا جديدًا لمشاهدة الأعمال المسرحية وحضور عروض المسرح.
طفرة اجتماعية وإنسانية 
واتفقت المخرجة منار زين مع أن لدينا أزمة في النصوص المسرحية التي تعبر عنا، ومحدودية في الكتابة والمؤلفين المصريين.
وأضافت: ليس هناك مؤلفات مصرية يرتقي مستواها لمؤلفات كتابنا القدامى مثل توفيق الحكيم ويوسف إدريس وطه حسين ونجيب محفوظ، لدينا فقر في النصوص التي تتناول المجتمع المصري ومشاكله وهمومه لدرجة أننا اضطررنا في فترة لعمل تماس مع الواقع بعروض الارتجال، حيث يبدأ الممثلون ارتجال الأفكار القريبة من الناس والشارع.
وتابعت زين: أرى أن مشكلة التأليف هي التي خلقت فجوة كبيرة في المسرح المصري، فالمواطن لا يجد نفسه في المسرح لأننا لا نعرض همومه وقضاياه بشكل جديد ومستحدث، وطيلة الوقت نعتمد على النصوص العالمية بتمصيرها أو بعمل دراماتورج وإعداد لها، لكن ليس لدينا إنتاج جديد من المسرحيات التي تحقق لنا طفرة اجتماعية وإنسانية لا على مستوى الدراما المسرحية ولا التليفزيونية، على العكس هناك كتاب مسرح شباب، أوربيون، حين تقرأ لهم نجدهم يعبرون عن شارعهم ومجتمعهم وينورون على الإنسان.
الخطط الإنتاجية غير الواضحة
بينما أشار المخرج شادي الدالي إلى انه ليس هناك فقر في النصوص المصرية لا على مستوى النصوص الحديثة التي يكتبها الشباب ولا على مستوى النصوص الموجودة في مكتبة المسرح العربي التي يشكل 99منها مصريون.
وأضاف: المشكلة في الإنتاج، فما الذي يختاره الإنتاج حتى يجذب الجمهور، وما الموضوعات التي تستهوي تلك الجهات، بالتأكيد لو تحدثنا عن جهات الإنتاج في القطاع الخاص فحدث ولا حرج، الهدف الرئيسي هو اجتذاب الجمهور المعتاد على نوع محدد من المسرح، وإذا تحدثنا على الإنتاج في القطاع العام فالحقيقة أن هناك غياب لخطة واضحة واجندة منظمة بالعروض و المواسم ، وبالتأكيد هذا يتدخل فيه أيضا الظروف التي يمر بها العالم حيث التخبط الشديد جدا.
وتابع شادي الدالي: رغم كل الظروف نستطيع أن نرى كاتب مصري أو كاتبه مصريه «شاطرين» والأسماء كثيرة، ومنهم رشا عبد المنعم، ومحمود جمال الحديني و آخرين .. نصوص كثيرة جيدة، ولدينا مهرجان المسرح العربي يقدم جائزة لأفضل نص مسرحي مكتوب بالفصحى وكثيرون من مصر حصلوا على جوائز التأليف فأين النصوص!! ومن المسئول الذي يضع تحت أيدي المخرجين النصوص التي يكتبها شباب المسرحيين في مصر، ثم ننظر بعدها للمحتوى . ما الذي من الممكن أن  نعتبره  نصا مسرحيا مصريا وما الذي لا ينطبق عليه الوصف؟.. في تجارب الشباب ، هناك مجموعات منهم يكونون فرقا ويؤجرون مسرحا يعرضون عليه، وتلك تجربة عظيمة جدا، لكن ما شكل النصوص التي يختارونها؟.. إنهم يختاروا ما يرونه سهلا وما يستطيع المتلقي - الذي اعتاد على مسرح التليفزيون- تلقيه، أي أفكار غريبة أو روايات أجنبية، وأحيانا يصل الأمر لسيناريوهات معده مسبقا للتليفزيون أو السينما وتؤخذ كما هي وتوضع على المسرح.. ما يوحي بفقر النصوص المسرحية المصرية ليس فقرا، بل خطط غير واضحه إنتاجيا على كل المستويات ، ليس هناك نظام بحث عن المواهب الحقيقية لتأخذ فرصتها.


روفيدة خليفة