نعيمة وصفي أحد رموز قوتنا الناعمة

نعيمة وصفي أحد رموز قوتنا الناعمة

العدد 525 صدر بتاريخ 18سبتمبر2017

ظهرت موهبتها الفنية مبكرا وبالتحديد من خلال المسرح المدرسي أثناء فترة الدراسة الإبتدائية، وبدأت حياتها بكتابة القصص والشعر والزجل، ثم عملت فى مجال التدريس بعد تخرجها في مدرسة المعلمات وإستقرت بالقاهرة حتى تعرفت على الفنانة/ نجمة إبراهيم والتي شجعتها على التمثيل، فإلتحقت بمعهد التمثيل وحصلت على درجة دبلوم التمثيل عام 1947، وذلك ضمن أول دفعة والتي ضمت نخبة من الفنانين الذين حققوا نجوميتهم بعد ذلك ومن بينهم: حمدي غيث، نبيل الألفي، سعيد أبو بكر، شكري سرحان، فريد شوقي، عبد المنعم إبراهيم، صلاح منصور، عمر الحريري، كمال حسين، محمد السبع، أمينة الصاوي، يوسف الحطاب.
وجدير بالذكر أن المسرح المصري في مرحلة البدايات وبالتحديد خلال النصف الأول مع بدايات القرن العشرين قد عرف ظهور مجموعة من نجمات المسرح اللاتي استطعن تخطي الصعاب ومواجهة جميع التحديات (وفي مقدمتها العادات والتقاليد) وتضم القائمة أسماء كل من الفنانات الرائدات: منيرة المهدية، لطيفة عبد الله، روز اليوسف، زكية إبراهيم، دولت أبيض، زينب صدقي، عقيلة راتب، فاطمة رشدي وشقيقتيها (رتيبة وأنصاف)، بديعة مصابني، نعيمة ولعة، فردوس حسن، علوية جميل، أمينة رزق، ماري منيب، نجمة إبراهيم، ميمي وزوز شكيب، زوزو نبيل، سامية رشدي، إحسان الشريف، وجميعهن اعتمدن على الموهبة التلقائية والخبرة المكتسبة من تكرار تعاونهن مع نخبة من كبار المخرجين وفي مقدمتهم الأساتذة: عزيز عيد، عبد الرحمن رشدي، جورج أبيض، يوسف وهبي، فتوح نشاطي وآخرين.   ولتستمر بعد ذلك مسيرة المسرح والتنوير خلال النصف الثاني بمشاركة جيل جديد من الدارسات لفن التمثيل وفي مقدمتهن: زوزو حمدي الحكيم، نعيمة وصفي، ناهد سمير، برلنتي عبد الحميد، زهرة العلا، كريمة مختار، ملك الجمل، روحية خالد، سميحة أيوب، سناء جميل، سلوى محمود، عايدة كامل، إحسان القلعاوي.
وقد بدأت الفنانة/ نعيمة وصفي حياتها المسرحية من خلال العمل بالفرقة “المصرية للتمثيل والموسيقى”، وذلك قبل تعيينها بفرقة “المسرح المصري الحديث” التي أسسها الرائد الكبير/ زكي طليمات من خريجي المعهد العالي للتمثيل، لتنتقل بعد ذلك مع الفرقة إلى الفرقة “المصرية الحديثة” (والتي أصبحت فيما بعد فرقة “المسرح القومي”). وأثناء عملها بالمسرح انطلقت للعمل بمختلف القنوات الفنية، فشاركت في عشرات الأعمال من أبرزها: بالدراما التلفزيونية: حكاية ميزو، مبروك جالك ولد، وبالسينما: رصيف نمرة خمسة، الطريق المسدود، حسن ونعيمة، حبيبى دائماً، ريا وسكينة، ولا عزاء للسيدات، جفت الأمطار،  المتوحشة، وإسلاماه، السمان والخريف، أما بالمسرح فلها كثير من العلامات من بينها أدوارها بمسرحيات: أم رتيبة، الست هدى، معروف الإسكافي، الجيل الطالع، شيء في صدري، عودة الروح، زوربا المصري، عديلة، جلفدان هانم، وقد حصلت على جائزة الدولة التشجيعية عن مجمل أعمالها المسرحية.
وقد تزوجت من الكاتب الصحفي/ عبد الحميد سرايا، وأنجبا ثلاثة أبناء هم: الطبيب/ خالد، والإعلامي/ محمد، ومهندسة الديكور/ منى. وقد رحلت الفنانة/ نعيمة وصفي عن عالمنا في 7 أغسطس عام 1983.
ويحسب لهذه الفنانة المثقفة خلال رحلتها الثرية في عالم الإبداع - والتي تقارب من أربعين عاما - نجاحها في تأكيد وجودها الفني بجميع القنوات الفنية من سينما ومسرح وإذاعة وتلفزيون، وكذلك نجاحها في تجسيد عدد كبير من الشخصيات الدرامية المتنوعة والمركبة، فاستطاعت منذ بداياتها الفنية لفت الأنظار إلى موهبتها وإثبات وجودها الفني، ولعل ذلك يرجع لعدة عوامل أساسية يمكن إجمالها في النقاط التالية: موهبتها المؤكدة، إصرارها ودأبها على تحقيق النجاح والتميز، قدرتها الرائعة على الالتزام الفني والانضباط بالمواعيد، حرصها على صقل موهبتها بالدراسة الأكاديمية، وباكتساب الخبرات اللازمة بالتعاون مع بعض القمم الفنية سواء بالمسرح أو باقي القنوات الفنية.
وتلك المكانة المتميزة التي حققتها في عالم الفن لم يكن من الممكن تحقيقها بالطبع لولا دخولها المجال الفني مسلحة بموهبتها المؤكدة وثقافتها الحقيقية وأخلاقها السامية، فاستطاعت خلال مسيرتها الفنية أن تصبح نموذجا مشرفا للفنانة المصرية الموهوبة والمثقفة أو للمرأة المصرية والعربية بصفة عامة، ورمزا للإلتزام الفني والأخلاقي ولسمو ورقي التعاملات الانسانية، فاستطاعت خلال مسيرتها الفنية أن تحفر لنفسها مكانة خاصة في قلوب الجمهور بأدائها المتميز الذي يتسم بالبساطة والطبيعية، والذي لم يكن إلا تجسيدا واقعيا لشخصية المرأة المصرية الأصيلة بمختلف طبقاتها الاجتماعية، خاصة وأنها تتميز بوجه مصري أصيل، يذكرنا على الفور بالأم أو بالشقيقة والزوجة أو بالزميلة المثقفة العصرية. وبخلاف كل ماسبق فإن هذه الفنانة القديرة تتمتع ببعض السمات الأخرى التي تميزها وتجعلها تأسر القلوب بسرعة خاطفة، ولعل من أهمها تمتعها بصوت معبر ذو نبرات متميز لا تخطئه الأذن، ويمتلك القدرة على تقديم الأداء المعبر والتلوين النغمي طبقا للمتطلبات الدرامية للدور، فينجح في شد انتباهنا، ويمتعنا بصداه الجميل سواء كان الأداء باللغة العربية الفصحى أم باللهجة العامية الدارجة.
 وبصفة عامة يمكننا أن نصف أداءها بالسهل الممتنع أو بالصدق والطبيعية، وأن نشيد بمهاراتها في توظيف مفرداتها الفنية المختلفة ومن بينها توظيف الحركة والإشارة، وكذلك بقدرتها على التعبير عن مختلف الأحاسيس وعلى ضبط المشاعر والتحكم في الانفعال، وتجسيد مختلف الشخصيات الدرامية، خاصة بعدما أمدتها ثقافتها وخبراتها الطويلة بوعي وحساسية في أداء الأدوار التاريخية والدينية الجادة أو أداء أدوار المرأة الفلاحة والصعيدية وأيضا التركية، وكذلك تميزت في أداء الأدوار الإجتماعية الخفيفية التي تتسم بخفة الظل للمرأة العصرية المثقفة، هذا ويمكننا أن نلمح في أدائها المتميز لمسة خفيفة من الأداء المسرحي الرصين.
ويضاف لرصيد الفنانة/ نعيمة وصفي أن مشاركاتها الإبداعية لم تقتصر على مجال التمثيل فقط بل ساهمت أيضا بالتأليف وكتابة السيناريو والحوار، فشاركت الأديب/ عبد الرحمن الشرقاوي في إعداد مسرحية “الشوارع الخلفية”  (التي قام بإخراجها/ سعد أردش لفرق التلفزيون المسرحية عام 1962)، كما كتبت عدة أعمال للتلفزيون ومن بينها تمثيليات: أم أولادي، أين مكاني، كما شاركت في إعداد ما يقارب الخمسين حلقة من برنامج رسالة التلفزيوني.
هذا ويمكن تصنيف مجموعة مشاركاتها الفنية طبقا لاختلاف طيبعة كل قناة من القنوات الفنية كما يلي:
أولا الأفلام السينمائية:
كانت بداية مشاركتها السينمائية عام 1951 وبالتحديد من خلال فيلم “طيش الشباب”، ثم بدأت تلفت الأنظار إلى موهبتها من خلال فيلم “زمن العجايب”، وتضم قائمة أعمالها السينمائية الأفلام التالية: طيش الشباب (1951)، زينب، بشرة خير، قليل البخت، ناهد، صورة الزفاف، زمن العجائب، كأس العذاب (1952)، بين قلبين (1953)،  أيامنا الحلوة، نهارك سعيد (1955)،  رصيف نمرة خمسة (1956)، بيت الله الحرام، بورسعيد، الفتوة، أنا وأمي، الطريق المسدود (1957)، باب الحديد (1958)، الحب الأخير، المبروك، حسن ونعيمة (1959)، بين السماء والأرض، بين إيديك، بهية، المراهقات (1960)، وإسلاماه (1961)، أيام ضائعة (1965)، من أحب، تفاحة آدم (1966)، أجازة غرام، جفت الأمطار، السمان والخريف (1967)، القضية 68 (1968)، ولد وبنت والشيطان (1971)، رحلة العمر (1974)، هكذا الأيام، جنس ناعم، ابنتي والذئب (1977)، ولا عزاء للسيدات، المتوحشة (1979)، حبيبي دائما (1980)، ريا وسكينة، دعوة للزواج (1983).
ثانيا: الأعمال الإذاعية:
للأسف الشديد أننا نفتقد لجميع أشكال التوثيق العلمي بالنسبة للمشاركين في بطولة الأعمال الإذاعية، وبالتالي يصعب حصر جميع المشاركات الإذاعية الكثيرة والمتنوعة لهذه الفنانة القديرة، التي ساهمت في إثراء الإذاعة المصرية بكثير من برامج المنوعات والأعمال الدرامية على مدار مايقرب من أربعين عاما ومن بينها المسلسلات التالية:  قصر الشوق، أم الأولاد، ليلة الفرح، حظك هذا الأسبوع، الأمل المشرق، خطيبة إسماعيل يس، ملك الطاولة، الثعبان، ثم عاد الربيع، حسن ونعيمة، الزبال، القيثارة الحزينة، حكاية الدكتور مسعود.
 ثالثا الأعمال التفزيونية:
شاركت الفنانة/ نعيمة وصفي منذ بدايات البث التلفزيوني - بالتحديد في النصف الأول من ستينيات القرن الماضي - بأداء عدد كبير من الأدوار الرئيسة ببعض السهرات والمسلسلات التلفزيونية ومن بينها على سبيل المثال فقط: الفلاح (1968)، عندما يشتعل الرماد (1973)، لقيطة، بنت الأيام، حكاية ميزو (1977)، لحظة اختيار (1978)، عيون الحب (1979)، مبروك جالك ولد (1980)، حكاية العرندس، الحب في الخريف (1983).  
رابعا: الأعمال المسرحية:
ظل المسرح هو مجال عشقها الأول والأساسي الذي تستمتع بالوقوف على خشباته والتبتل في محرابه، ولذا فقد حرصت منذ أول مشاركاتها المسرحية على أداء تلك الأدوار الرئيسة التي تضيف إلى رصيدها وتضيف هي إليها، فاستطاعت أن تثبت وجودها وتضع لاسمها مكانة متميزة وسط سيدات المسرح العربي سواء بأدائها لبعض الأدوار التراجيدية أو الكوميدية، ويكفي أن نذكر احتفاء وإشادة الحركة النقدية مبكرا بموهبتها، حيث أشاد نخبة من كبار النقاد بتميزها في أداء أدوارها المسرحية. ويمكن تصنيف مجموعة المسرحيات التي شاركت في بطولتها طبقا لاختلاف الفرق المسرحية وأيضا للتسلسل التاريخي كما يلي:  
1  - فرقة “المصرية للتمثيل والموسيقى”: عزيزة ويونس (1945)، بناقص واحد، حواء الخالدة (1946)، في ظلال الحريم (1947)، أصدقاؤنا الألداء، عزيزة هانم، فاجعة على المسرح (1950)، أم رتيبة (1952)، أصحاب العقول (1953)،
2 - فرقة “المسرح المصري الحديث”: ابن جلا (1950)، في إحدى الضواحي،  البخيل، مسمار جحا (1951)، دنشواي الحمراء، أصحاب العقول، طبيب رغم أنفه (1952).
3 - فرقة “المصرية الحديثة”: إشاعة هانم، مضحك الخليفة (1954)، خفايا القاهرة، الأشباح، قلب كبير، سكان العمارة، شذوذ (1955)، إيزيس (1956)، الوارثة (1957).
4 - فرقة “المسرح القومي”: نائبة النساء، الأيدي القذرة، ثورة الموتى، الناس إللي فوق (1958)، وطني عكا (1969)، الست هدى (1973)،
5 - فرقة “المسرح الكوميدي”: المفتش العام (مسرح التلفزيون  - 1962)، جلفدان هانم (1962)، معروف الإسكافي (1967)، إبتسامة بمليون روبل (1970)، الجيل الطالع (1971).
6 - فرقة “المسرح الحديث”: شيء في صدري (1962)، قهوة مصر (1963)، عودة الروح (1965).
7 - فرقة “المسرح العالمي”: يأجوج ومأجوج (1964)، البرجوازي النبيل، الحيوانات الزجاجية (1965).
8 - فرقة “مسرح الحكيم”: شمشون ودليلة (1970).
9 - فرقة “مسرح الطليعة”: عازب و3 عوانس (الجيب  - 1972)، زوربا المصري (1976)، عديلة (1981).
10 - الفرق الخاصة: شاركت أيضا ببطولة بعض المسرحيات الأخرى ومن بينها: مسرحية ست شخصيات تبحث عن مؤلف (أنصار التمثيل والسينما  - 1961)،  قصة الحي الغربي (فرقة المتحدين  - 1972)، ولد وجنية (فرقة “نعيمة وصفي  - 1973)، وذلك بخلاف مشاركتها ببعض المسرحيات الأخرى سواء تلك المسرحيات المصورة ومن بينها: الخطيئة الأولى، أجازة مع حماتي، الحقيقة فين (1973)، الصيف في ديسمبر (1983).
وتجدر الإشارة إلى تعاونها من خلال الأعمال المسرحية السابق ذكرها مع نخبة من كبار المخرجين الذين يمثلون أكثر من جيل ومن بينهم الأساتذة: زكي طليمات، يوسف وهبي، فتوح نشاطي، عبد الرحيم الزرقاني، حمدي غيث، نبيل الألفي، نور الدمرداش، كمال يس، سعد أردش، كرم مطاوع، جلال الشرقاوي، عبد المنعم مدبولي، كامل يوسف، محمود السباع، كمال حسين، سعيد أبو بكر، علي الغندور، ومن الأجيال التالية: فاروق الدمرداش، محمود الألفي، شاكر عبد اللطيف، جلال غنيم، سعيد مدبولي، زينب شميس.
ويحسب في المسيرة المسرحية لهذه الفنانة القديرة اقتحامها لعالم عروض “المونودراما” (عروض الممثل الواحد)، حيث قدمت عرض “عديلة”، كما يحسب لها أيضا مشاركتها بالإنتاج حيث كونت فرقة مسرحية وغامرت بإنتاج عرض “ولد وجنية” من تأليف/ سيد حجاب، وإخراج/ شاكر عبد اللطيف وبطولة/ نعيمة وصفي، محمد العربي، رويدا عدنان، سهير الباروني، ليلى جمال، محمد متولي.
رحم الله هذه الفنانة القديرة وغفر لها جزاء ما أخلصت في عملها وحرصها طوال مشوارها على دقة الاختيارات لإسعادنا.


د.عمرو دوارة

esota82@yahoo.com‏