الماكياج.. مهنة تشكو عدم التقدير رغم أهميتها

الماكياج.. مهنة تشكو عدم التقدير رغم أهميتها

العدد 724 صدر بتاريخ 12يوليو2021

الماكياج، أحد العناصر المكملة للعرض المسرحى، حيث يسهم بدور كبير في إبراز ملامح الممثلين حتى يكون لها التأثير المناسب، وبوسع الماكياج المسرحى أن يخفى واحده من أهم وسائل صله الممثل بشخصيته المسرحية أو أن ينير الشخصية أمام الجمهور ويظهرها بصورة مبهرة ومدهشه، ويرى فنانو الماكياج أنه برغم أهمية هذا العنصر ودوره فإنه مازال العنصر الأقل تقديرا من قبل القائمين على العروض المسرحية، والميزانية التي تصرف له متواضعة. في هذه المساحة نكشف عن أهم مشكلات فناني الماكياج، ونتساءل عن كيفية تطوير فن الماكياج وأهم التحديات التي تواجهه.

فنان الماكياج علاء الفيزى قال إن هناك ظلما كبيرا يقع على عنصر الماكياج وبالأخص فى الميزانيات الخاصة بالعروض المسرحية، وذلك اعتقادا من القائمين على إدارات المسارح أنه مجرد عنصر تكميلي للعملية الفنية، وليس له تأثير مهم.، وفى بعض الأحيان تختلط المفاهيم لدى البعض ويعتقدون ان الماكياج هو الماكياج التجميلى! الماكياج له أنواع كثيرة ومنها فرع التجميل، «والافيكتات»، «التنكر»، «صناعة الشعر» وغيرها.. وفكرة تخصيص شعبة للماكياج فى المعهد العالي للفنون المسرحية تعد خطوة هامة لتخريج أجيال على علم وموهبة ويصبح فن الماكياج صناعه وفكر وليس مجرد عنصر عشوائي ولدينا أساتذة فيه مثل د. محمد عاشوب. وتابع: «الظلم لا يقع على الماكياج فقط فى المسرح ولكن في السينما أيضا، فلا يكتب اسم فنان الماكياج على التتر بخلاف الفنانين الآخرين.

دراية كافية
أماني حافظ فنانة الماكياج الخاصة بعرض «أفراح القبة» قالت: من أهم المشكلات التي تواجه الماكياج المسرحى عدم دراية مخرج العرض والمنفذ بالماكياج، ولذلك يطلبان بعض «الافيكتات« غير المحبذ تنفيذها على خشبة المسرح، أو أنها ليست البيئة المناسبة لها، وبالتالى تصبح النتيجة سيئة للغاية، على سبيل المثال أن نرى قطعة من الماكياج على خشبة المسرح غير مكتملة أو سقوط «ماسك» على خشبة المسرح. أضافت: «هناك تطورات كبيرة حدثت لفن الماكياج ما جعلنا كفنانين نقوم بخلق حالات مميزة من التصور الخاص بالعروض، وعدم إدراك فنان الماكياج لهذه التطورات قد يجعله يلجأ إلى خامات رديئة للغاية تجعل الصورة المسرحية سيئة، وهو ما يحتم وجود توعيه لأهمية خامات الماكياج الجيدة، ومن أكثر المشكلات التي تواجه فناني الماكياج استسهال بعض المخرجين مما يضر بالعمل، وفن الماكياج حرفه وإبداع ومن المفترض ان يتم التعامل مع هذا العنصر بشكل لا يقل عن باقي العناصر المسرحية، عنصر الماكياج ليس عنصرا سهلا كما يظن البعض واستخدام خامات رديئة يسبب ضررا بالغا للممثلين.
وأوضحت أماني حافظ أن ماكياج المسرح يختلف عن ماكياج السينما والفيديو حي يحتاج الأخير إلى تفاصيل دقيقة للغاية، بينما يحتاج المسرح إلى بروز أكبر ومبالغه، حتى يرى الجمهور الجالس فى المقاعد الاخيره الممثل بشكل صحيح ؛ ولذلك ينزعج الكثير من الممثلين من الماكياج المبالغ فيه على خشبة المسرح إلى أن يدركوا أن المبالغة مطلوبة، وهى من أكثر المشكلات التي تواجهني وتتطلب توعيه الممثل بفكرة الماكياج وانعكاس الإضاءة والملابس على الماكياج حتى يستطيع التعايش بشكل صحيح مع الشخصية التي يقدمها، ودائما أتناقش مع الممثلين عند عمل الماكياج حتى يكون الممثل على وعى بما سينفذ من الماكياج
وعن تطوير فن الماكياج قالت:» نحتاج لدراسة وافيه وكاملة للمخرج والمنفذ والمسئولين عن العرض بجانب دراسة دقيقة من فنان الماكياج حتى يدرك الجميع أهمية الخامات الجيدة وانعكاس الماكياج على الممثل، بالإضافة لوجود ورش عمل متخصصة للتدريب العملي وأن تطبق بشكل علمي على خشبة المسرح. فالتجربة لها أثر كبير علاوة على توعيه الممثل .

الاهتمام بالميزانية
 واتفق الفنان إسلام عباس على أهمية عنصر الماكياج الذي يعد من وجهة نظره بطلا من أبطال الصورة وأضاف:» إذا كنا نتحدث عن عنصر الماكياج فليس المقصود هو الماكياج التجميلى، فخامات هذا النوع متاحة ومتوفرة وهى من الأساسيات، ولكن أعنى هنا الماكياج الخاص بالتنكر والأقنعة «والأيفكت« حيث يعانى أغلب فناني الماكياج من تقلص الميزانيات، وخاصة ان خامات الماكياج تعد الأعلى سعرا مقارنه بخامات الديكور والأزياء، وفى حالة استخدام البديل يؤثر ذلك بشكل كبير على جودة الصورة وعلى صحة الممثل. والاهتمام بعنصر الماكياج ضرورة حتمية وخاصة انه العنصر الدائم طوال ليالي العرض بخلاف باقي عناصر العمل الأخرى التي يتم الانتهاء منها قبل بدء ليالي العرض، وخاصة أن فنان الماكياج يعمل معه فريق عمل كبير، وللأسف أغلب جهات الإنتاج لا تهتم بهذا العنصر. وعن تخصيص جوائز للماكياج فى المسابقات المسرحية قال: منذ خمس سنوات بدأ الاهتمام بتخصيص جوائز لعنصر الماكياج وقبل هذه الفترة لم يكن هناك إى اهتمام، وقد كنت اول من حصل على جائزة للماكياج، وذلك فى دورة عام 2017 من المهرجان القومي للمسرح، ثم حصلت على جوائز فى العامين المتتاليين.

خطأ كبير
د. احمد عفيفي أستاذ مادة الماكياج بالمعهد العالي للفنون المسرحية قال:»هناك خطأ يقع به اغلب المخرجين المسرحيين عند اختيار فنان الماكياج، حيث يقومون باختيار ممارسين ولا يختارون أحد الأسماء الهامة أو عضو نقابة، فأغلب الذين يقومون بعمل الماكياج المسرحى ليسوا على علاقة بهذه المهنة سوى من باب الهواية فقط، فهناك ضرورة للاستعانة بذوي الخبرة، علاوة على ضرورة الاستعانة بالفنان قبل بدء العرض بفترة كافية، حيث من المفترض أن يقوم بقراءة النص فكما نعلم الماكياج يعنى « إدخال الممثل في الشخصية التي يريد تجسديها « ومن المفترض ان يكون للماكيير طرق بحث مختلفة عن الشخصيات التي سيقوم بعمل الماكياج لها، سواء في البيئة التى يجسدها الممثل أو المرحلة الزمنية، يجب ان يكون العمل الذى سيقدمه الماكياج جادا ونابعا من ثقافة ووعى وفهم لمقتضيات الشخصية، وليس مجرد خامة يضعها على وجه الممثل
وتابع قائلا «:أقوم بتدريس مادة «فنية التنكر « لقسم تقنيات بالمعهد العالي للفنون المسرحية ومن أهم الأمور التى أوضحها للطلاب أنه من الضروري ان يكون الماكيير مثقفا وقارئا، يعقد عدة جلسات عمل مع المخرج للتعرف على أهم الخطوط والملامح الأساسية للشخصيات، وكما يقوم المخرج باختيار عناصره من ممثلين وديكور وملابس يجب أن يكون الماكياج من العناصر المهمة لدى المخرج أيضا مثلما يحدث في التلفزيون حيث يحرص مخرجو التلفزيون على اختيار ماكيير العمل وضرب د. احمد عفيفي مثالا بأحد الأعمال المهمة التى شارك بها وهى مسرحية «الملك لير» للنجم يحيى الفخراني وكيف كان لهذه التجربة وقع مختلف فى جميع عناصرها وكان للماكياج دور بارز ومؤثر في هذا العرض.

لا وجود للمسرح
ورأى الفنان القدير د.محمد عشوب إن الأمر لا يتعلق بالماكياج المسرحى فحسب ولكن هناك تراجع للمسرح المصري بشكل كبير. أضاف: «لا وجود للمسرح فالحقبة الذهبية للمسرح كانت فى فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي عندما كانت النجوم تضيء المسارح المختلفة أمثال فؤاد المهندس وعبد المنعم مدبولى، وكانت هناك حالة متميزة وتوهج لمسارح الدولة التي كنت تضم كبار الكتاب مثل العبقري سعد الدين وهبه وسمير خفاجي، وكانت الأعمال المسرحية تلتحم مفرداتها من القصة والتمثيل والإخراج والديكور والماكياج، وأذكر أنى شاركت فى عرض «سيدتي الجميلة « كأحد مساعدي الماكياج ضمن 10 أفراد يقومون بعمل الماكياج لأبطال العمل، كانت العروض المسرحية يبذل بها جهد كبير على مستوى العناصر، وكان المسرح صناعة ولكن للأسف الشديد إذا ربطنا المسرح بالحياة الاجتماعية والسياسية فكل شىء فى انحدار، أغلب المسارح مغلقة وإن كانت هناك عروض مسرحية فأغلب من يقدمونها لا نعلم عنهم شيئا، فالأمر لا يتعلق بالماكياج فقط ولكن بجميع عناصر العمل المسرحى. وضرب عشوب مثالا وهو مسرحية «الخرتيت» الذي صنع به ماكياجا للبطل فحوله إلى خرتيت. وتساءل «أين الفكر الذي يحول المسرحية إلى أشياء واقعية أو واقع تعيشه الناس أين العروض العظيمة. وعن افتتاح قسم تقنيات بالمعهد العالي للفنون المسرحية الذي يضم شعبة الماكياج قال « لا اعلم شىء عن هذه الشعبة وكنت من فترة طويلة أنادى بإعادة افتتاح قسم الماكياج بالمعهد العالي للفنون المسرحية وبمعهد السينما أيضا، وطلبت من أخي وصديقي د. أشرف ذكى أن يعيد افتتاح اقسام الماكياج فى أكاديمية الفنون، وأتمنى أن تكون أمنيتي تحققت.

«الماكيير» درجة مالية
فيما قال محمد الشافعي مشرف الورش الفنية والإدارة المسرحية بمدرسة التكنولوجيا التطبيقية التي تضم قسم الماكياج ضمن أقسامها «: كانت الفكرة القائم عليها إنشاء مدرسة التكنولوجيا التطبيقية هى اختفاء واندثار بعض الحرف المهنية المهمة فى العملية الفنية، فلدينا 11 قسما لهذه الحرف ومن ضمن هذه الأقسام قسم الماكياج، و قديما كانت البيوت الفنية المختلفة سواء البيت الفني للمسرح أو دار الأوبرا أو البيت الفني للفنون الشعبية تضم وظيفة «الماكيير والكوافير» بدرجة مالية في المسارح، وكان القائمين على هذه المهنة يقومون بعمل الماكياج وأساليب التنكر المختلفة ومنهم أسماء شهيرة أمثال احمد فكرى، محمد سامي، حسن فكرى وغيرهم وهناك خبراء فى هذه المهنة منهم الدكتور أحمد عفيفي. ولكن مع تطور الحياة الفنية بدأت وظيفة الماكيير تختفي من وظائف البيوت الفنية رغم وجودها فى قانون 150،151 لعام 1980 الذي أصدره المجلس الأعلى للثقافة واعتمده وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى، وعندما حدث عجز فى مهنة الماكيير بسبب خروج بعض المتخصصين على المعاش أو وفاة البعض قمنا بتخصيص قسم للماكياج، بعد أن أصبحت المهنة قائمة على الاجتهاد الشخصي دون علم ودراسة، ما قد يسبب أضرارا بالغه للممثلين، وهناك حادث شهير للفنان فؤاد احمد وقد تسببت أخطاء الماكياج في أن يفقد بصره.
وأضاف: تدرب الرعيل الأول لمهنة الماكياج على أيدي خبراء ومتخصصين، وفى مدرسة التكنولوجيا التطبيقية يتم تدريب الطالب بشكل مهني، وأولى النصائح التى يتعلمها هى أن وجه وجسد الممثل هو ثروته ويجب الحفاظ عليه وذلك بالاعتماد على خامات جيدة، وهناك حوادث شهيرة كان سببها الخامات الرديئة للماكياج وكذلك كيفية وضع الماكياج وتنظيفه وكيفية أزاله المساحيق بعد انتهاء المشهد، وعلاقة الماكياج بالإضاءة، والتدريب على الألوان المختلفة. يتعلم الطالب كل ما يخص طريقة التعامل بأدوات الماكياج قبل وأثناء وبعد العرض المسرحى، والهدف من إنشاء هذا القسم أن نخرج لسوق العمل متخصصين على دراية ووعى، لديهم خبرات، ولدينا خمسة عشر طالبا يعلمون الآن فى السوق الفني أثبتوا نجاحهم، وبفضل الله قمنا بعمل خطوات إيجابية وفريدة فى عالم السوق وعالم التدريس.
واستطرد: سبب ضعف ميزانيات الماكياج يرجع إلى تضارب رؤى الإنتاج، فبعض المنتجين يفتقدون الوعى بأهمية هذا العنصر، كذلك يقع ظلم كبير على عنصر الماكياج فيما يخص الجوائز فى المهرجانات والفعاليات المسرحية على الرغم من  أن جائزة الماكياج جائزة مهمة في المحافل الدولية  وهناك ضرورة لتكريم أحد الرموز فى هذا المجال، وهو ما سيشجع بشكل كبير الاهتمام بفن الماكياج .


رنا رأفت