العدد 717 صدر بتاريخ 24مايو2021
من الملاح أن الكثير من مخرجينا . خاصة محرجو مسرح الأقاليم. يعتمدون في ألاونة الأخسرة على النصوص المترجمة . وخاصة تلك النصوص التي تتحدث عن الحرية والثورة ونبذ العنف وإعلاء من القيم إنسانية ... الخ. وليس هنا بوقت ولا مكان تحليل هذه الظاهرة والوصول لأسبابها ومن هؤلاء المخرجين خالد عبد السلام . حيث أنه هذا العام يقدم نص رومان رولان (سيأتي الوقت) لفرقة هواة المنصورة. وأعتقد أن هذا هو النص الثاني تقريبا الذي يقدمه المخرج لنفس الكاتب. فقد قدم له نص 14 من يوليو من قبل ؛ وكان لنفس الفرقة أيضا. وللحقيقة فهو نص يحمل الكثير بما دعى بعض أعلام مسرح الثورة العالمية لتناوله كبيسكاتور وماكس رينهارت. كما قدمته الإذاعة المصرية من قبل من ترجمه حمدي غيث. اما نص اليوم فهو من ترجمة د حمادة ابراهيم الذي كتب مقدمة جيدة للحديث عن النص ومسرح رولان والظروف التي كتب فيها هذا النص، النص يدور في جنوب أفريقي في مرحلة الحرب الآنجليزية للإستيلاء على البلاد من مستعمريها الهولنديين .
وطبيعي أن يختلف نص العرض الذي قدم فيما يقرب من الساعتين . عن نص رولان الأساسي الذي كتب في ثلاث فصول. فلطبيعة المرحلة الزمنية لا يمكن أن يقدم نصا كما كتب. وإنما المخرج يحاول الاختصار ليقدم العرض في المدة المقبولة زمنيا. حيث اختفت تقريبا مرحلة الاستراحة بين الفصول . فطبيعي ان يكون حديثنا عن نص العرض . لا عن النص الأساسي لرولان ؛ فلسنا هنا للمقارنة بل للحديث عما تم.
سيدأ العرض بلوحة للقائد الانجليزي وهو يداعب ولده الصغير؛ الذي يريد أن يصبح قائدا عسكريا كأبيه. ولكن للظروف ما يموت الولد. ولكن تمتد رحلة القائد العكرية ليدخل جنوب أفريقيا . ويختار منزلا للإقامة به. هذا المنزل به أم وطفلها الصفير الذي يشبه طفل القائد. ولكن لدى الأم ولدين يافعيين يقاتلان الآنجليز, ويفهم القائد شعور الكراهية من جانب الأم . ولكنه يحاول أن يدخل في علاقة تعويضية مع الطفل. وتمر الأحداث وتعرف الأم فجيعة القائد في زوجته وابه؛ فيحدث هناك نوعا من التعاطف الإنساني؛ مع أن الكراهية لم تختفي تماما. هناك تركيز من جانب المخرج على إظهار الدين التي تنتمي له تلك العائلة والمنزل. وهو اليهودية . ويحاول أن يخلق من سير الأحداث الصراع بين الديانيتن أو اتباعهما أن شئت الدقة؛ المسيحية واليهودية . فالكل يجزم أن الرب معه. مع استعراض انه هذا القائد برغم أنه لا يقبل الأعمال التي يقوم بها جيشه . فهناك صراع دائم بين واجيه كجندي وشعوره كإنسان. ولكن دائما واجبه كجندي ينتصر . حيث الأفعال تكون جندي . أما الشعور فيكون كإنسان في بعض الوقت. وهناك تقديم لما يسمى بالصقور الذين يريدون إبادة ماهو غير انجليزي متمثلا في نائب القائد الذي ينتظر فرصة الحلول مكانه لتنفيذ مشروعه الدموي. واستعراض لسبب الرئيس الذي دفع الانجليز لاحتلال جنوب إفريقيا. وهو ممثل الشركات التي استولت على مناجم الماس في البلاد. وكيف أن ممثل الشركة ربما يكون قائدا موازيا للقائد الأساسي . بل وسدخل في صراع معه على الجانب اإنساني. ولكن خضوع القائد لواجبه كجندي، يرجل الصراع بينهما. ولكن هذا يتم للكشف عن السبب الحقيقي للغزو ،ليس كما يدعون انتشال البلاد من التخلف ونشر الديموقراطية. وكيف أن من يقررون الحروب ؛ لا يخوضونها . وثمن الحرب يدفعه المنتصر والمهزوم معا.
ويقدم مجموعة الجنود الإنجليز ودواخلهم فهناك من يرى أن من حق انجلترا وفعل أي شيء وكل من يعارض يجب أن يموت. وهناك من يمل من الحرب ويريد العودة للوطن . وهناك الجندي المطيع بدون أن يشغل رأسه. ولكن هناك من تغلي عليه ضميره فرفض الإكمال . ورفض ان يقوم بواجبه في القتل. كما رفض الهرب . ويكون شجاعا لدرجة أن يقبل المحاكمة العسكرية والأمر بإعدامه. استعراض لمعسكرات الاعتقال التي يزج فيها بالنساء والأطفال وعدم آدميتها . ولكن كل يوم يتم سكب المزيد فيها . قم استعراض عبقرية القائد العسكرية . حيث يتمكن من أسر قائد المقاومة . ويحاول أن يحثه على الاستسلام حقنا لدماء أفراد المقاومة. ولكن رصاصة من الطفل تصيب القائد. فيقبل نهايته ويأمر بعدم المساس بالطفل وأمه قبل أن يموت . وهنا يستولي النائب على السلطة فيأمر بقتل الأسرى ويقوم بكل ماهو دموي.
هذا هو نص العرض تقريبا. ولكن كيف تم تقديم هذا؟
إذا كان نص رولان يعتمد في تكنيكه على مايشبه المسرح الدعائي ؛ ويعتمد على الكورج في المزج بين الوثيفة التاريخية والمشاهد المتخيلة . إلا أن خالد عبد السلام لم يستعمل الوثيقة ولكنه اعتمد على المشاهد المتخيلة خاصة من وجهة نظر القائد الذي يرى ابنه هو في معظم الأحوال التي يكون فيها ابن السيدة متواجدا. كما أن هناك مشاهد متخيلة لما يراه من مآسي تخلقها الحروب . ليكون الصراع بين ماهو متخيل وماهو حقيقي . فالمتخيل إنساني . والحقيقي وحشي . وكل هذا جمعه في شخصية القائد فقط . ولكن لم يتم تنفيذه على النحو الأمثل. ربما لحاجة هذا النوع لتقنيات في مجال الإضاءة ربما تكون غير متوافرة ؟ ممثلون قادرون على التمثيل للواقع والمتخيل بصورة جيدة. ولكن عموما استطاع المخرج أن ينقل إلينا هذا بصورة ما.
وكما قدم رولان الجموع في غالبيتها بمجموعة من النساء في المواجهة سواء في المنزل أو في معسكرات الاعتقال. خاصة جموع الهولنديين. فيكون الوضع في المجمل هو مواجهة مجموعة نساء وأطفال أمام جنود. لتكون النتيجة كما هي متوقعة. فقد حافظ خالد على هذا
وإذا كان رومان رولان في سعيه لأن تكون أوربا أفضل في وقته . حيث أن الحرب تدور بين مجموعة الغزاة السابقين/ الهولنديين؛ والغزاة الحاليين/ الإنجليز . ولم تكن هنك إشارت كثيرة كافية للمواطن اإفريقي الأصلي الذي وفع فريسة للاحتلال الهولندي من قبل. صحيح ان نص العرض إشار في كلمات موجزة ‘ن أن مايفعله الانجليز بالهولنديين. هو مافعله الهولنديون بالسود من قبل . ولكنها كانت مقتضبة جدا. ولم تكن كافية لإبراز هذا. كما أن التأكيد الأكبر كان عن يهودية المظلومين؛ ومسيحية الظالمين. صحيح أن النية كانت في ابراز التناقض بين كل من يدعون أنهم يخوضون الحروب باسم الرب. ولكن النيات وحدها لاتكفي. فالان ونحن . ربما يتعاطف البعض مع أصحاب الديانة وحقهم في الوطن الذي سلبوه هم من قبل!!.
كما أن المقابلة الحقيقية في نص رولان ونص العرض كانت بين القائد والجندي الذي رفض الانصياع للأوامر. فكليهما شعر بالظلم والوحشية التي يقترفانها. ولكن القائد يشعر فقط. اما الجندي فيشعر ويقعل فهو يفضل أن يموت بدون أن يقتل أحد ختى لا يتعذب من أن يعيش ويقتل ويتعذب .
كما لم يفت رولان ولا خالد على التأكيد أن الحل ربما يكون من الجهة الصانعة للمشكلة. من خلال ذلك الإيطالي الذي يتطوع للوقوف ضد الانجليز . فربما رولان يؤكد أن الحل سيأتي من أوربا نفسها . أما خالد فهو يؤكد على الإنسانية في مجملها فقط . وقد تصادف هنا أنها إيطالية . ولو كانت الجنسية للمتطوع أسيوية أو إفريقية ما فرقت عنده
نجح عبد السلام في تقديم صورة بصرية جيدة من خلال توزيع أفراده على كافة أرجاء خشبة المسرح. حيث استغلت تلك الخشبة بالشكل الجيد. وكانت هناك مجموعة من الصور المتعاقبة عن طريق الحركة المسرحية بشكل لا يدعو للملل بل للترقب. مع الإحساس مسبقا نتيجة الاستخدام المتكرر؛ بما يمكن أن يكون أن يتم في تلك الرقعة من الخشبة . وهذه خطوة جيدة تنم عن بلوغ خالد مرحلة كبيرة في التعامل كمخرج مع فضاءه المسرحي.
والحقيقة ان ماساعد المتلقين على الوصول للحالة الانسانية المراد التعبير عنها؛ بما يؤكد وجهة النظر الأساسية. هي التهيئة التي صنعتها الموسيقى التي كانت من اختبارات مصطفى مجدي. فالاختيارات كانت في محلها وتنم عن فهم للحالة وجهد كبير في الوصول لما يعبر عنها.
أما من حيث الأداء التمثيلي للفريق ففي المجمل كان الأداء جيدا من الكل ولكن محمد توحيد الذي قام بدور الطبيب/ ميلز كان أكثر من جيد. اما محمود الديسطي الذي قام بدور القائد اللودر كليفورد. فهو يبرهن على أنه ممثل من العياؤ الثقيل. فقد أعطى الشخصية حقها . اولا من حيث تطويع مظهره الشحصي لما يجب ان تكون عليه الشخصية . كما أن الأداء المركب والمتنقل بين حالة التخيل وحالة الواقع كان جيدا ويتم في سرعة دون عناء منه . وقد استطاع التعبير بشكل جيد عندما كان التعبير مطلوبا . وفي بعض المراحل دخل في المعايشة . ولكن دون انجراف.