العدد 710 صدر بتاريخ 5أبريل2021
بعد أكثر من 70 عاما على قيام إسرائيل على أرض فلسطين والتغلغل الصهيوني الاستعماري في المنطقة، لا تزال إسرائيل والصهيونية العالمية تكرس الفنون بكافة أشكالها للترويج لأكاذيبها وأساطيرها التى تحاول عن طريقها تبرير السطو على أرض فلسطين. ويتم تصوير العرب في الفنون الإسرائيلية على أنهم «قوم متخلفون» وأناس لا شأن لهم بالحضارة والعلم والمعرفة, وأنهم العرب ليسوا سوى مجموعة من البشر ترتدي الكوفية والعقال وأنهم أناس بدائيون لا زالوا يعيشون عصور ما قبل التاريخ. وإذا انتقلنا إلى المسرح الإسرائيلى يبدو البطل العربي بأسماله البالية, شخصية كاريكاتورية مضحكة او شخصية عدوانية لا تمتلك أدنى مقومات الحياة العصرية.
وقد يندهش البعض عندما يعلم أن المسرح الإسرائيلى الناطق بالعبرية لم ينشأ مع قيام إسرائيل بل يعود تأسيسه إلى عام 1917م في موسكو, وتم نقله في العام 1931م إلى فلسطين, مع بدايات التدفق المكثف للهجرة اليهودية.
وكانت الفرقة تعرف باسم «هبيمبا» أو «منصة المسرح», وأسسها مجموعة من الشبان اليهود الروس بقيادة «ناحوم تصيمح». وكان الهدف «انشاء مسرح ناطق بالعبرية ومعبر عن النهضة القومية لشعب إسرائيل» واستقرت الفرقة في تل أبيب بعد هجرة أفرادها إلى فلسطين .
ويقول المؤرخون أن هذه الفرقة كان قد سبقها تأسيس فرقة أخرى في فلسطين عام 1926 هي فرقة «أو هيل» أو «الخيمة» بقيادة موشيه هليفي, ولم تستخدم هذه الفرقة كلمة إسرائيل بل كانت تعرف نفسها بأنها «مسرح عمالى فلسطيني». وفي 1944 أسس “يوسف ميلو” مع مجموعة من الشبان اليهود الممثلين فرقة أطلق عليها «المسرح الكاميري» .
وكانت هناك فرق مسرحية أخرى صغيرة متناثرة لم تعمر طويلاً من أهمها «زيرا - الحلبة», ثم المسرح البلدي في حيفا في ستينيات القرن الماضي ومسرح «الخان» في القدس العام 1970 .
شرط التمويل
ولم يكن المسرح العبري «الفرق المسرحية» مستقلاً في أداء مسرحياتها, بل كان ممولا من الدولة, التي اشترطت أن تكون هذه الفرق خادمة للفكر الصهيوني في فلسطين, وبقيت هذه الفرق تقدم أعمالاً غربية مع إهمال الأعمال الشرقية.
وكان من أهداف المسرح – والفن بوجه عام ما أعلنه بن جوريون رسميا حين قال أن إسرائيل ستعمل من أجل تغيير المهاجرين الشرقيين وصهرهم في بوتقة الثقافة الإسرائيلية”. هذا رغم أن قطاعات عديدة من هؤلاء المهاجرين خاصة المهاجرين من دول عربية للأسف كانوا أكثرصهيونية من غيرهم.
ويعد موضوع الهوية من الموضوعات الرئيسة التى يتعامل معها المسرح العبرى الإسرائيلى . فهو منذ نشأ قبل أكثر من 100 عام يسعى من أجل توحيد الهوية لليهود من خلال بعرض أعمال تسلط الضوء على هذه القضية الهامة بالنسبة للدولة كاستراتيجية ثقافية.
و يجد المتابع للمسرح الإسرائيلي أن المسرحيات المقدمة, تعالج الأسطورة التوراتية وتقدمها على ما عداها من المشاكل الكثيرة التي يعاني منها المجتمع في إسرائيل, وهو مجتمع خليط من أجناس وعرقيات وقوميات شتى «يوجد في إسرائيل يهود من 182 دولة يتحدثون 82 لغة.
ولما كانت اللغة العبرية وحدها لاتكفى تحول المسرح الإسرائيلي فيما بعد إلى تقديم مسرحيات بلغات متعددة مثل الروسية والإسبانية والرومانية والمجرية والبولندية وغيرها .وكانت كلها بمضمون عبرى. وكان من الغريب أن بعضا من الفرق رفضت السخرية من العرب فى أعمالها.
ويثير ذلك تساؤلات عديدة يدور أبرزها حول صورة العربى فى المسرح الإسرائيلى.
أربع مراحل
تحصى دراسة وثائقية لمركز الأبحاث الفلسطينية أربع مراحل مرت بها شخصية العربى فى طرحها على المسرح الإسرائيلي وذلك من واقع مراجعة أكثر من 100 نص مسرحى.
كانت المرحلة الأولى بين عامى 1911 – 1948 والثانية من 1948 -1967 والثالثة من 1973 - 1982 والرابعة من 1982 وحتى الآن . وتوافق هذه المراحل مراحل مهمة فى التاريخ الإسرائيلى . تمتد المرحلة الأولى من بداية عملية الاستيطان وحتى قيام إسرائيل, وتبدأ الثانية قيام إسرائيل وحتى حرب 1967 والثالثة حتى قيام إسرائيل بغزو لبنان فى 1982, والفترة الأخيرة تبدأ من 1982 وحتى الآن .إبرام اتفاقيات أوسلو مع الفلسطينيين العام 1993. خلال هذه المراحل كانت صورة العربي على خشبة المسرح كما هي لم تتغير, إلا في بعض الاعمال القليلة .
فى المرحلة الأولى ظهر العرب بشكل عشوائي وفوضوي كشخصيات مفزعة وكريهة. من هذه المسرحيات «العهد الرابع» التي كتبتها» تسيلا كومركر» العام وكانت تتحدث عن الاستيطان اليهودي, وتهاجم العرب بشكل عشوائي سافر, لدرجة أنه تم تقديمهم وكأنهم شياطين حقيقيون, بل وتصور الكاتبة كومركر العرب في انحطاط تام. ثم مسرحية «العجوز» التي قدمت العام 1942 التي كتبها يهوشع بار يوسيف, التي قدمت صورة لخادمة عربية اسمها «لطيفة» تعامل معاملة العبد.
وهذا لايمنع من بعض المسرحيات التى تبنت رؤية شبه موضوعية مثل»الله كريم» لـ ارئيلي اورلوف, التي كتبت العام 1912 فهي تقدم البطل «بوجل» وكرهه الشديد للعرب, من خلال تنكيله بالعرب المقيمين في الجوار, ويهين وجهاءهم وأعيانهم, ويصل إلى الذروة عندما يقوم باطلاق الرصاص حتى الموت على أحد الشبان العرب, ولتخفف حدة النقد لجأ إلى إلصاق أعمال لصوصية بالعرب . وفي العام 1928 قدم يعقوب أيافة مسرحية « النبع» و فيها «شخصيات عربية مثل سعيد افندي المعافي جسدياً, مصطفى الصرصور «الأعور» «وهي مسرحية قدمت العرب بدائيين «يرتدون أسمالاً بالية ويعيشون كالحمير لكنهم يعترفون بأن العرب من أبناء فلسطين وليسوا دخلاء عليها « وهناك مسرحيات كثيرة عرضت بذات التوجه منها مسرحية «دان هشوبر الحارس» عن أحداث ثورة البراق 1929.
أما المرحلة الثانية, فهي فترة الاحتفال والتمجيد بنكبة العرب العام 1948 وانتصار اليهود وإقامة دولة إسرائيل, وطرد العرب واستيطان أرضهم. وبدأت تظهر فيها شخصيات عربية تلعب دورا فى تحريك الاحداث . من هذه المسرحيات «بين القلوب «لموشيه عاموئيل وفى بوادى النقب لموشية هيكيس 1957 و» سيأتون غدا» - لناتان شاحم «1950» وكانت هذه المسرحيات تعزف على وتر دعائى وهو أن إسرائيل لم تكن راغبة فى قتل العرب. وكانت هناك مسرحية «اللد «(1961) حاولت استرضاء العرب ودعت من خلال رؤية ساخرة انتقدت فرض الأحكام العسكرية على العرب منذ 1948 ودعت إلى رفعه .
أما المرحلة الثالثة, فهي فترة ممتدة من 1973 مروراً بأحداث يوم الأرض 1976 واتفاقيات كامب ديفيد 1979 وصولاً إلى اجتياح بيروت 1982 فقد قدم العربي في صورة فزاعة . وظهر فى مسرحية الأمل الاخير أحد العرب يقوم بطعن يهودي بسكين بعد أن استغله اليهودى اقتصادياً. وهناك مسرحيات قدمت العرب على أنهم يهددون أمن إسرائيل مثل مسرحية «رصاصة في الرأس وتنتهى المسرحية بأغنية تقول «لن أسمح لأي حسن أو محمد بهدم حياتي لدي دولة حلمت بها», وهناك شخصية فتحي في مسرحية «حماية» لـ سامي ميخائيل 1980 التي تقدم الشاعر العربي فتحي, الذي يهدد أيضاً امن الدولة.
أما المرحلة الرابعة هي فترة شكلت تحولاً من خلال تقديم الحرب اللبنانية, وظهرت بعض المسرحيات التى حاولت تناول القضية الفلسطينية وتتحدث عن معاناة الشعب الفلسطينى والمعاملة الوحشية التى يتعرضون لها فى معتقلات إسرائيل مثل فلسطينية 1985 وسيندروم أورشليم لـ شولاميت لبيد 1990و «بوق في الوادي» لـ سامي ميخائيل 1988 لكنها لم تحقق نجاحا يذكر.
ثرثرة على النيل
وظلت السطوة للمسرحيات التى تبارك نهج إسرائيل العدوانى وتبحث له عن مبرر مثل «ثرثرة على النيل» وهى غير رواية نجيب محفوظ الشهيرة. وعاد المسرح الإسرائيلى يهتم بعرض مسرحيات من المسرح العالمى مثل «حديقة الكرز» لـ تشيكوف وفى انتظار جودو لصموئيل بيكت.
وتبقى الحقيقة المؤكدة وهى أن المسرح الإسرائيلى يظل أداة لدعم المشروع الصهيونى فى فلسطين. وربما يكون هناك بعض المحاولات للخروج على هذا الخط لكن إلى حدود بسيطة ويظل ملتزما بالرؤية العنصرية الاحتلالية التى تقوم عيها إسرائيل. ومن هذه المسرحيات مسرحية «لدى أموات تحت الطاولة « لحانوخ ليفين التى عرضت بعد وفاته عام 1999.
وترفض بعض الطوائف اليهودية الفن المسرحى وتعتبره مجاراة لعملية الخلق وتعارض تقديم الدعم الحكومى للفن المسرحى .
وفى السنوات الأخيرة عرضت مسرحيات تدعو للتعايش مع العرب وتؤكد أن إسرائيل راغبة فى ذلك لكن العرب يرفضونها. وكان أحدثها مسرحية «العودة إلى حيفا « للكاتب المسرحى الإسرائيلى بوعز جدعون ، والذي يُعَّد أشهر كُتَّاب المسرحية في «إسرائيل»
. والمسرحية عبارة عن معالجة لقصة “عائد إلى حيفا “ للأديب الفلسطينى غسان كنفانى. لكن بينما لايرى كنفانى بديلا عن الكفاح المسلح تحدث جدعون عن إمكانية التعايش.
المصادر:
شخصية العربى فى المسرح الاسرائيلى دان اوريان – مؤلف غير معروف - ترجمة محمد أحمدصالح – هيئة قصور الثقافة 2019.
المسرح الإسرائيلى – الأنا والأخر - شمعون بلاص – 2006.
خداع الذات – المسرح الإسرائيلى وحرب 1967 – المركز الفلسطينى للدراسات الإسرائيلية – 2007.
متاهات الأدب والفكر الإسرائيلى – رشاد الشامى – الدار الثقافية للنشر 2005.
دراسات غير منشورة بالإنجليزية :
THE DEVELOPMENT OF ISRAELI THEATER
THEATER TIMES
HSRAELI THEATER
JEWISH LEARNINIG