لا رجولة في زمن العنف .. إنسحاق النفس

لا رجولة في زمن العنف .. إنسحاق النفس

العدد 663 صدر بتاريخ 11مايو2020

عندما خلق الله الانسان خلقه من نفس واحدة وخلق منها زوجها لتؤنس وحدته فالانسان بطبيعة الحال مخلوقا اجتماعيا بطبعه وطباعه وطبيعته واي خروج عن ذاك الناموس ليس الا انقلابا علي الفطرة وغالبا ما يفشل هذا الانقلاب ويخسر معتنقه كل ما حاول ان يكسبه
علي خشبة مسرح مكتبة مصر العامة وضمن فعاليات المهرجان الأول للمسرح الحر والذي نظمته مكتبة مصر العامة في سابقة هي الاولي من نوعها بأن تقوم المكتبة بتنظيم مهرجانا تنافسيا للمسرح وتكوين لجنة عليا لادارة هذا المهرجان بعضوية الشاب الطارح لفكرة المهرجان ( محمد هشام ) وبإشراف الأستاذ (ابراهيم ابوالمجد ) المنسق العام لمهرجان المسرح بالمكتبة قدم العرض المسرحي لا رجولة في زمن العنف من تأليف عدي المختار تمثيل وإخراج محمود رفعت وهو عرض ينتمي قالبه إلي الديودراما بما يحمله هذا القالب من سحر وخطورة في ذات الوقت حيث أن هذا القالب يعتمد اعتمادا كبيرا إن لم يكن إعتمادا كليا علي الطاقات البشرية ( الممثلين ) فهم بوصلة الاجادة الأساسية والرئيسية و في واقع الأمر نجح( محمود رفعت ) في لعب الدور التمثيلي المنوط به وأجاده بشكل يتناسب مع طموحه وإمكاناته فضلا عن تميز ( ماجي طه ) التي لعبة دور الفتاة بشكل أخاذ لا يغيب عنه الصدق والانضباط مما اضافا رونقا الي الفكرة الاساسية للعرض المسرحي وحصدا جائزتا التمثيل الأولي ( رجال وآنسات ) في المهرجان الذي اقيم في مسرح مكتبة مسرح العامة بالزقازيق في فبراير 2020 بالاضافة الي الحصول علي المركز الأول في عروض الديودراما في ذات المهرجان .
لا رجولة في زمن العنف ديودراما تجسد علاقة الإنسان بذاته ، الرومانسية بالمادية ، الرقة بالخشونة ، التسلط بالقوة الناعمة ، الرجل بالمرأة فهي بالتالي علاقات بين الاضداد وبالاضداد تتبلور الأشياء وتتضح وتتأكد .
يبدأ العرض برقصة تعبيرية ناعمة علي موسيقي منتقاه بعناية لرجل يفيق من اغفائته وما لبس أن اسشعر الوحشة والغربة والوحدة فدنا من ضلعه وانتزعه وتجسدة من ذاك الدنو انثي رقيقة الملامح شاركته الرقص والنعومة والأحلام وكونا معا تشكيليا شجرة الخلود حينا وتشكيلات الطيور حينا وتشكيلات عدة من القوالب المعروفة في الرقصات التعبيرية وان كان استخدامها وتنفيذها دال حقيقي علي اجتهاد مصممها وبدأ الصراع بين الذكر والانثي سريعا ولافتا وواضحا فكانا ضدين وان كانت الانثي اكثر رقيا في الخلاف ولا تهين بل حاولت قدر استطاعتها ان تعين وحاول المخرج تأكيد الاضداد مجسدا صراعا مركبا بين النفس والذات ؛ بين الروح ممثلة في الانثي و الكينونة المتعالية ممثلة في الذكر صاغ المخرج / الممثل عرضه المسرحي بسينوغرافيا لافته نمت عن وعي بجوهر القضية مؤكدا حيادية المكان والزمان ومبتعدا عن الافتعال الحركي ومستعينا بصوت غنائي آخااذ ( ميادة قديرة ) ساهم في اضفاء عمق ودفء للعرض المسرحي
خفف المخرج من الخطاب الايدولوجي والثقافي الذي يطرحه النص وارتكزت فكرته الاساسية في العرض علي العلاقة الشائكة بين الحرب والسلام بين الرجل والمرأة واعتمد البساطة اسلوبا نجح في تبسيط القضية وتسهيل الخطاب والوصول الي المتلقي من أقصر الطرق فاستعان بسينوغرافيا بسيطة محافظا علي رحابة فراغ خشبة المسرح وقاطعا الفراغ بستارة رأسة عمودية حمراء اللون وأخري بيضاء اللون وفي الوسط استعان بمشنقة استخدمها في صنع تشكيلات عديدة اهمها عندما استخدمها كنافذة او مصدرا للمراقبة او التلصص علي المرأة عندما كانت تناجي نفسها ثم شنق بها المرأة قبيل نهاية الاحداث ليبقي وحيدا باحثا عن المجد وحده ليسطر التاريخ وحده ويكتبه وحده أو هكذا توهم ولما استشعر الوحدة والوحشة لم يجد مفرا من انهاء حياته بنفس المشنقة التي قتل بها المرأة / الروح / الحياة / النفس
وبذات البساطة ودون الولوج الي منحدر التشكيل والتركيب المتشابك كانت خطوط الميزانسن معتمدا علي ميزان المسرح التقليدي وهاربا من عبء التشكيلات التي قد تصيب وتخطأ مما سهل الأمر بالتبعية علي الاضاءة التي انارت خشبة المسرح بشكل جلي وابتعدت عن التعقيد والتشكيل العميق فظهرت الصورة المسرحية نقية في بساطتها متكاملة في منهجها سواء تشكيليا او تمثيليا وحتي موسيقيا وان كان ايقاع العرض السريع والمتدفق يرجع الي التكثيف في الحوار بشكل واضح مما افقد بعض الخطوط الفكرية والفلسفية قوتها وانحسر الصراع في العرض المسرحي حول الرجل والمرأة وكينونتهما واشارة سريعة ان الرجل هو مصدر الحروب ومؤجهها فظهر هذا الخط الدرامي مبتور في الحوار ولم يجسد تشكيليا الا في اشارة السينوغرافيا الثابته ( الستارة الحمراء والبيضا ) فعاب بالتالي العرض التكثيف المخل بالقضية الفلسفية المعقدة في الصياغة والطرح وانقذ العرض الثبات الانفعالي للممثلين وانضباط النطق باللغة العربية الفصحي واتخاذ البساطة اسلوبا ومنهجا في انتاج هذا العرض الذي ينبأ عن مخرج يعي قدراته وان كان يلزمه بعض الخبرات لاكتساب شجاعة هدم الثابت وبناء الخيال وممثل يفوقه في الخبرات خاصة ان ممثل العرض هو مخرجه
العرض المسرحي لارجولة في زمن العنف الحاصل علي المركز الاول للديودراما في مهرجان المسرح الحر بمكتبة مصر العامة بالزقازيق تأليف عدي المختار تمثيل وإخراج محمود رفعت


محمد النجار

mae_nagar@yahoo.com‏