حصار.. كيف نحيا إذا كان الموت سبيل الحرية

حصار.. كيف نحيا إذا كان الموت سبيل الحرية

العدد 690 صدر بتاريخ 16نوفمبر2020

هل يمكن ان تحاصر فيكون في الموت حريتك؟ هل في تلك اللحظة وعالمها الميتافيزيقي يحقق الموت حياة أخري يمكن فيها أن نتبادل الأدوار؟ فيتحول  المحاصَر الي محاصِر، يفعل تماماً كما فُعل به.
 قد يبدو هذا محض خيال، لكنه فرضية يقدمها نادي المسرح بجامعة الملك عبد العزيز في عرض «حصار» إخراج محمد الجفري، اشراف عام علي الإنتاج عبدالله باحطاب، تأليف إبراهيم الحسيني.
الحصار لوحة ضمن اللوحات المنفصلة المتصلة من نص( حديقة الغرباء) والتي تتكون من خمسة لوحات وهي «تمزق - رأس الحمار- المهمش – حِصار- تكوين»  وعلي الرغم من أن هذه اللوحات تبدو منفصلة حيث تحمل كل واحدة منها عنوان مختلف الا أنه يمكن التأكيد علي أنه ثمة رابط  بين تلك اللوحات  يجعل من كل واحدة تنبني علي الأخرى في نص حديقة الغرباء، ففي  مقدمة النص  يقول الحسيني أن الشخص الرئيسي داخل كل لوحة يتشابه مع نظيره في اللوحات الأخرى فالمحاصر هو الذي تربي في رقابة مشددة وقاسية من السلطة بمفهومها الأشمل، حتي أنها أصبحت جزءاً ملتحما في تكوينه يتبدى هذا في(لوحة تكوين)ولو اصبح هذا الشخص كاتبا سيلبس( رأس حمار)واذا عاند خوفه وواجه  سيكون أمامه طريقين اما التمزق او التهميش.
أما الشخصيات في عرض حصار لها أسماء كما تفرض طبيعة شخصية كلا منها  (المسخ 1 والمسخ 2) وهي شخصيات تنحصر سماتها في تلك الآلية المتوحشة وممارسة فعل المراقبة والتعذيب، دون السماح للعقل بلحظة تفكير فهي تفعل ما تمليه عليها السلطة من أوامر، ذلك أنها شخصيات تُمثل وكأنها مجرد تروس في ألة،  أما شخصية المحاصر فأقصي ما يمكنها فعله هو الإذعان والقبول بالمراقبة والتعذيب.
 تلك الشخصيات تعد في ذاتها نموذج لشخصيات كُثر علي ذات الشاكلة، حيث تَقبل بما يتاح لها من الأدوار فالأهم أن تطيع الأوامر فالكل هنا قيد الأوامر، وفي خضم ذلك يمكن السماح من قِبل السلطة بتبادل الأدوار، وممارسة لعبة السيد والعبد فيما بين هؤلاء الشخصيات/التروس في هذه الألة الكبيرة.
يبدأ العرض بموسيقي هادئة تتصدرها الوتريات، وفي اظلام تام تسود حالة من الهدوء يخترقه ضحكات متشنجة، وايقاعات منتظمة يصحبها حركة موترة من الممثلين يستخدمون السوط بوصفه أداة تعذيب، يصنعون دائرة يتوسطها ذلك المُحاصر والذى يرتدي ملابس بيضاء اشبه بالكفن، وهو يبدو في حالة من الاستسلام التام لما يفعلونه به من ممارسات تجعله في حالة من التشيؤ.
في هذا العرض خشبة المسرح مجردة تماما الا من ثلاثة كراسي وشاشة في العمق  يظهر عليها ممثل السلطة العُليا في هذه الحالة الدرامية المسرحية، الي جوار أجساد الممثلين الثلاثة وبعض الموتيفات.
 ذلك المكان المُجرد  يشير الي أنه مكان للعزل والعقاب فلا شيء  يمكن ملاحظته سوي الأدوات المستخدمة في ذلك، هنا يتم التعامل مع  المُحاصر بوصفه جسد طيع مرن مُنقاد غير مرئي الا في بعد واحد وهو التدجين، ذلك  المُحاصر/المراقب يعد نموذج تُطَبق عليه السلطة أفكارها في الهيمنة، وما يمكن أن نطلق عليه التشريح السياسي للجسد كما يراه ميشيل فوكو في الحالات من هذا النوع، حيث يوضع الجسد في حالة من الاخضاع باسم نظام او معرفة ما بهدف ترويضه ومراقبته في صمت، وباستمرار الي جوار الاحتفاظ بملفات وسجلات دقيقة لصاحب هذا الجسد ، وهو ما يطلق عليه أيضا  مكر وفيزياء السلطة، واذا كان هذان المراقِبان قد تعودا علي ذلك ممارسة ذلك، فإن لحظة موت جسد المُراقَب لا تعني بالنسبة اليهم شيء لذلك يقول مسخ 2 (جهاز مُراقبة بالصوت والصور ضعه داخل كفنه فربما يُثير شغباً هناك) يقصد بهناك عالم ما بعد الموت وكأنه سيراقب الي ملا نهاية فالموت ليس نهاية للمراقبة.
 ويؤكد القائد عبر الشاشة (لم يمُت وانما كان أذكي منكما وهرب الي العالم الآخر) وبضحكات متقطعة يتم تبادل الأدوار وينهض الميت ويصرخ مسخ 1و2، فمن اذا يُراقِب من- نحن اللذين متنا - تلك أخر جملة يقولها المسوخ لتبدأ دائرة التعذيب من جديد في حالة من اللانهائية، ويصبح المُحاصَر مُحاصِر.
يمكنك تخيل استمرار تلك اللُعبة علي الدوام لممارسة السلطة دائما واستخدام اساليبها القاهرة، فلا يمكن ان تتسم الحياة بالثبات بل ان الدائرية والدوام هما الأساس دائما في جميع الأفعال اللاإنسانية حتي ولو بأشكال مختلفة.
الممثلين «محمد الصيليمي، محمد توفيق، احمد الصمان» وجميعهم ادوا الأدوار الموكلة اليهم باجتهاد واضح أضاف الي الحالة العامة التي يهدف مخرج العرض توصيلها لمتلقيه.
ومن الجدير بالذكر ان العرض اعتماده الأساسي علي الأداء التمثيلي، لذلك هو البطل الأساسي في العرض، وكانت العناصر الأخرى هي عناصر مكملة، لاستكمال الحالة.
 عرض حصار يمكن ان نري فيه ضبط الإيقاع وكثافة الحضور الجسدي للمؤدي، ذلك ما تفرضه طبيعة الفكرة الدرامية في النص الدرامي، واختيار تنفيذ لوحة حِصار من نص حديقة الغرباء هو اختيار أدي الي التكثيف وضبط الإيقاع،  ليبدو العرض في توافق بين أفكاره وتنفيذها وهو ما يحسب لمخرج العرض.


داليا همام