العدد 707 صدر بتاريخ 15مارس2021
لايعرف كثيرون ان كلمة روبوت التى نترجمها الى العربية”الانسان الالى “ كلمة تشيكية بمعنى “العبد “. خرجت الى الحياة لاول مرة على ايدى الاديب التشيكى «كاريل كابيك «(1890 - 1938).
كان كابيك كاتبا مسرحيا وروائيا وناقدا اشتهر بشكل خاص فى مجال قصص الخيال العلمى والقصص الاجتماعى قبل ان يرحل الى العالم الاخر متاثرا بمرض فى العمود الفقرى اثر على حركته واسلمه الى التهاب رئوى اودى بحياته.
كان ذلك فى مسرحيته «ار يو ار» وهى اختصار عبارة «روبوتات روسوم العالمية «. دارت المسرحية حول مجموعة من العمال الصناعيين الذين صممهم بطل المسرحية لخدمة البشر.
وقتها اعتبر الناس ذلك ضربا من ضروب الخيال. لكن الروبوت خرج الى الحياة ووصل الى درجة لم يتنبا بها كاريل نفسه كما يقول المخرج المسرحى التشيكى “ديفيد كوستاك” الذى وصف كابيك بانه «امير المستقبليات الصغير».
وفى احدث انجازات الروبوت ومنذ ايام – والعهدة على الراوى -بدأ عرض أول مسرحية يكتبها الروبوت باسم «ايه اى « وهى اختصار عبارة الذكاء الاصطناعى باللغة الانجليزية ARTIFICIAL INTELEGENCE . تقدم المسرحية عبر الانترنت فقط فرقة مسرحية تشيكية بسبب ظروف كورونا. وهى تقدم باللغة التشيكية مع ترجمة انجليزية مكتوبة تظهر على الشاشة.
تروى المسرحية على مدار 60 دقيقة قصة روبوت اخر يخرج الى العالم ويحاول ان يبحث فى موضوعات مختلفة مثل المجتمع والمشاعر الانسانية والموت.
قام الروبوت بهذا العمل باستخدام نظام للذكاء الاصطناعى يعرف باسم GPT-2 طورته شركة اوبن ال Open AI .
الغرض الاساسى
وهذا النظام الذى تمت تغذية الروبوت به فى حقيقة الامر مصمم لكتابة النصوص باستخدام معلومات يستمدها من مستودع فائق الضخامة للمعلومات متاح عبر الانترنت ويمكن لاى شخص طبيعى ان يرجع اليها.
وحتى وقت قريب كان هذا النظام يستخدم لكتابة اخبار كاذبة وقصص قصيرة واشعار ومقالات. وتعد هذه المسرحية اول انتاج مسرحى يتم اعداده بواسطة روبوت حسبما يقول الفريق الذى كان وراء هذا العمل.
ويقول رئيس هذا الفريق بجامعة تشارلز فى براغ التى ادارت التجربة ان النظام يعمل على النحو التالى. فى البداية يتم تغذية الروبوت ببعض المعلومات البسيطة. وقد اختار الفريق جملتين حواريتين عبارة عن حوار فردى او بين شخصين عن المشاعر والتجارب الانسانية.
وكانت الجملة الاولى التى تم ادخالها على سبيل المثال «مرحبا انا روبوت ويسرنى ان ادعوك كى ترى المسرحية التى كتبتها». وبعد ذلك يقوم البرنامج الحاسوبى software بتوليد نص اضافى يصل عدد كلماته الى الف كلمة. وتتوالى النصوص بعد ذلك.
ويقول رئيس فريق الباحثين ان النص المسرحى فى شكله الاول لم يكن بالطبع مسرحية على غرار مسرحيات شكسبير. فبعد جمل قليلة بدأ البرنامج فى كتابة اشياء تبدو غير منطقية لاتتبع الخط الطبيعى للعمل المسرحى أو جمل يناقض بعضها بعضا.
وعلى سبيل المثال كان برنامج الذكاء الاصطناعى ينسى احيانا ان الشخصية الرئيسية فى المسرحية روبوت وليست شخصا عاديا. وكان احيانا يجعل من الذكر انثى او العكس فى وسط الجملة الحوارية وحدها كما يقول “رودلف روزا” استاذ الحاسوبيات اللغوية فى الجامعة التشيكية الذى بدأ العمل فى المشروع منذ عامين.
ويقول باحث اخر مشارك فى المشروع من خارج الجامعة هو “تشايد ديشانت” الاستاذ فى جامعة كولومبيا الامريكية ان هذه المشكلة تحدث لان البرنامج لايعرف معنى الجمل التى يتعامل معها . فهو يقوم فقط بترتيب الكلمات التى يمكن استخدامها معا كل منها الى جانب الاخرى. وبمرور الوقت نجد امامنا نجد امامنا عملا دراميا بلامعنى.
بداية طيبة
وللتعامل مع المشكلة لم يكن فريق الباحثين يترك الروبوت يكتب المسرحية كلها دفعة واحدة .وبدلا من ذلك قسموا العمل المسرحى الى ثمانية مشاهد يستغرق كل منها خمس دقائق . ويحوى كل مشهد فقط حوارا بين شخصيتين فى وقت واحد. وبالاضافة الى ذلك كان الباحثون يقومون احيانا بادخال تغييرات على النص مثل تغيير الفقرات التى يخلط فيها النظام او الروبوت بين الذكر والأنثى من سطر لاخر حتى ينتج كلاما له معنى. وقدر روزا ان هذا التدخل البشرى تم مع 10 % فقط من النص بينما تترك ال90% الاخرى دون مساس.
ولأن الروبوت او البرنامج لايستطيع وحده التعامل مع النص بشكل كامل يرفض “روزا” اعتبار هذا العمل المسرحى من ابداع الروبوت بالكامل كما يحاول البعض من قبيل المبالغة. ويعتقد انه يمكن الوصول الى روبوت قادر على الابداع المسرحى الكامل خلال فترة لن تقل عن 15 عاما. فهذه هى الفترة التى يحتاجها العملاء لخلق روبوت قادر على التعامل مع نص مركب ومتكامل مثل المسرحية من البداية الى النهاية.
لكن فى الوقت نفسه تظل التجربة اداة مفيدة ليعرف الجمهور ان الذكاء الاصطناعى قادر على ان قدم لهم مايثيرهم ويستحوذ على انتباههم.
ويمضى قائلا ان الحقيقة القائلة بأن البرنامج ان النظام قادر على توليد سطر وراء الاخر من كلام على درجة عالية من الوضوح امر طيب فى حد ذاته. فحتى عشر سنوات مضت كانت البرامج تؤدى الى توليد جملة فقط أو ما يبدو كجملة اذا ما صادفنا حسن الحظ.
اصعب نص
ويؤمن على قوله المخرج التشيكى كوستاك فنجده يقول ان النص الناتج كان من الصعب تفسيره خاصة ان النص الذى يكتبه الروبوت او النظام لم يكن يتضمن نوع الحركة او المشاعر التى ينبغى ان تصاحب الجمل المكتوبة حتى تقوم بدورها فى العمل المسرحى.
وقالت له احدى الممثلات المشاركات فى العرض انه كان اصعب تحد واجهته فى حياتها الفنية. ويؤمن على قوله أيضا توماس ستودنيك منتج المسرحية فيقول انه من بين احداث المسرحية طلب طفل صغير من الروبوت ان يحكى له نكتة فقال «عندما يكبر الطفل ويصبح شيخا يموت وسيموت ابناؤه واحفاده»!!!. وسخر قائلا يالها من نكتة رائعة تضحك من الاعماق!!!.
كما تضمن النص مشهدا بذيئا منها حوار عن القتل الرحيم انتهى بصراع بين الشخصيات المشاركة فى المشهد حول من يستطيع ان يضع اصبعه فى مؤخرة الاخر!!!!.
وهنا يقول انه لايوجه اللوم الى الروبوت.فهو لم يعكس سوى ما يكتبه الناس على الانترنت بلا تمحيص او حياء. وهو يشبه طفلا يستمع الى ابويه ويكرر مايقولانه فيما بينهما. فهو يتوجه الى المدرسة ويكرر ماسمعه على الملأ. والمهم ان تستمر التجارب.