العدد 707 صدر بتاريخ 15مارس2021
ضمن مؤتمر «كاتبات ومخرجات المسرح المصر/ الآن ومستقبلا» أقيم الأسبوع الماضي بالجامعة الأمريكية «قاعة أيورت»، جلسة تحدث فيها بعض الكاتبات المسرحيات عن تجاربهن وهن: الروائية سلوى بكر، الكاتبة المسرحية رشا عبد المنعم، الدكتورة نسمة إدريس، والكاتبة نسرين نور. أدارت الندوة د. دينا أمين مؤسس المؤتمر.
الروائية سلوى بكر أعربت عن سعادتها بإهداء فعاليات المؤتمر للراحلة د. نهاد صليحة، ووصفت عائلة صليحة بالمستنيرة والداعمة لكل ما هو إيجابي في مجال الإبداع عموما، مشيرة إلى أن د. سناء صليحة داعمة لكتابة المرأة. وعن إشكاليات علاقة المرأة بالمسرح قالت: تتعرض هذه العلاقة لإشكاليات متعددة تتداخل بقوة مع علاقة المرأة بالإبداع عموما، ليس في مصر فقط ولكن ربما في العالم كل. مشيرة إلى أن هناك فترة من عمر البشرية قسم العمل الاجتماعى بين الرجل والمرأة، فكانت المرأة صانعة للحياة والرجل صانع العالم، وقد ظل ذلك موجودا لفترات تاريخية طويلة، ربما بدأ التخلص تدريجيا منه بعد ظهور النمط الإنتاجي الرأسمالي، ودخول المرأة سوق العمل لاحتياج الصناعات الوليدة إلى أيد عاملة كثيرة ومنها النساء.
أوضحت: المرأة إذن لم تكن تصنع العالم، كانت منوطة فقط بالحمل والإنجاب وكل الوظائف الاجتماعية التي تدور حول الوجود الإنساني والنوع البشرى، ماعدا ذلك هي ليست مسئولة عن دفع العوالم الإنسانية إلى الأمام. هي تساهم في الحرب والابتكار لم تصنع ولم تزرع إلا في مرحلة أكثر تقدما عندما دخلت البشرية مرحلة الإنتاج الزراعي. وتابعت: علاقة المرأة بالإبداع أيضا تتجلى فقط في الوظيفة وتقسيم العمل الاجتماعي، فهي تبرع في النسيج اليدوي والأعمال المنزلية ذات الصبغة الفنية والإشغال والخياطة.. إلخ.
وعن علاقة المرأة بالمسرح قالت: المسرح كان سيئ السمعة منذ نشأته خلال القرون الوسطى، كانت منطقة الأزبكية منطقة لهو وتسلية ومجون، تحدث عنها كل مؤرخي القرون الوسطى وعلى رأسهم المقريزي، فمصر عرفت أشكالا مسرحية ذات طابع شعبي لا علاقة له بصندوق الإيهام الإيطالي. وتساءلت: لماذا كان المسرح سيئ السمعة؟ أجابت: لم تكن صدفة أن المسرح في بداياته في مصر نشأ في منطقة الأزبكية وروض الفرج، فهناك أدبيات تاريخية قالت إن بعض السلاطين فرضوا ضرائب على الغواني في هذه المناطق، يعني كانت البدايات تجارية حتى ظهور المسرح الغنائي الذي حمل صبغة مهمة مع منيرة المهدية وفتحية أحمد وهما من كبريات المطربات في زمانهما، ومع ذلك ظل دخول المرأة إلى المسرح موصوما بالعار، لذلك كانت الممثلات الأوائل في تاريخ المسرح المصري إما إنهن وافدات من الشام وإما يهوديات، لأن اليهود كانوا طائفة قليلة لا يهتم الناس بوجودها بالنسبة للأغلبية المسلمة الساحقة. ثم كان دخول المرأة المصرية إلى عالم المسرح لوقت طويل وقفا على نساء لسن بنات عائلات كبيرة.
النظام الأبوي
فيما أعربت الكاتبة رشا عبد المنعم عن حماسها لوجود هذا النوع من الفعاليات نظرا لأهميتها الكبيرة، مشيرة إلى أن الوسط المسرحي من أكثر الأوساط ذكورية، وأن هناك تهميشا فيما يخص الكاتبات والمخرجات وبالتحديد في القطاع الحكومي، ليس فقط فيما يتصل بالإبداع وعمليات الإنتاج ومساحات التمكين لهن، إنما أيضا فيما يخص «النشر»، مؤكدة أن نشر المسرح بالتحديد يواجه إشكالية كبيرة بالنسبة للكاتبة، مشيرة إلى ما أسمته «التصنيف البيني» لكتاب المسرح، وإلى عدم القبول بكتاب المسرح من المعنيين بالأدب وكذلك الفن، باعتبار أن النصوص المسرحية ليست مفضلة لدى القارئ، لأنه يفضل مشاهدة العرض المسرحي وليس قراءته. أضافت: أنا لم أهتم بالنشر، ولكني أهتم بشكل أكبر بتقديم مسرحياتي على خشبة المسرح، ولكن النص لا يقدم كما هو على الخشبة، وما يقدم يكون محملا برؤية المخرج. كذلك الترجمة فيما يخص كتاب المسرح قليلة جدا ولأسباب غير معروفة، ومقصورة على عدد قليل من الرجال. ثم تلت رشا عبد المنعم شهادة عن كتابتها حملت عنوان «أنا هي» ومنها: كانت الورقة والقلم وعالم الرواية والمسرح عالمي البديل، الغرفة الوحيدة التي تخصني، حفلة تنكرية أكون فيها مثلما أريد: ألبس، أتحرك، أنطق، وفقا لقانوني أنا. وقالت فيها أيضا: كثير من النقاد يقرأون نصوصي ونصوص نظيراتي وهم يفتشون عنا، وعلينا أن نختبئ ونتنكر حتى لا يجدوننا في شخصية، في حدث، في جملة، ولقد أدركت مبكرا أن أكثر الأماكن ملاءمة للاختباء هي الأكثر ظهورا، وأن علىَّ أن أناور عقول الباحثين عني في الظلام بالوقوف في أكثر الأماكن سطوعا، لذا صرت من وقتها أكتب أسراري بألوان فسفورية وأنثرها بالعتمة، صرت أميل لفضح الذات كتقنية اختباء مضمونة.
وختمت عبد المنعم بالحديث عن تشدد الرقابة على الفرق المستقلة والإجراءات الأكثر تعقيدا التي تشكل عبئا على كاهلها، وذكرت أن نصها «الطريقة المضمونة للتخلص من البقع» الذي كان مقررا عرضه على خشبة مسرح الغد من إخراج نورا أمين، تم حذف مونولوجات كاملة منه، وهو نص مونودراما، حيث رأت الرقيبة أن هناك منولوجات لا تصح، ورأى مسئول المسرح في الرقابة أن هناك إسقاطا جنسيا في المشهد الذي تم حذفه، وكان المشهد يناقش بشكل مباشر العلاقة بين الرجل والمرأة، وأن هناك مساحة من الادعاء نتيجة للنظام الأبوي.
رعاية الأم
أما الكاتبة والمخرجة نسرين نور، فقد تحدثت أولا عن فضل د. نهاد صليحة على الفنانين المستقلين، قالت: ففي الوقت الذي كان معيار النجاح هو الشهرة أو الكسب المادي، كانت صليحة لا تنظر للمرء إلا من خلال تجربته، وحجم الموهبة.
وعن البدايات، قالت: كان لأمي -رحمها الله- ولإخوتي الكبار، ولنشأتي في بيت يضم عائلة كبيرة، أعظم الأثر علي، كانت أمي تعاني ما أسميه (هوس التعليم) لا تتسامح أبدا مع أي تقصير، وتولت بنفسها تعليمي الأبجدية ومبادئ الحساب منذ كنت في الرابعة وقبل دخولي للتعليم الإلزامي، لم أرسل لحضانة أبدا، وحين دخلت المدرسة كنت أستطيع القراءة والكتابة. أضافت: أول كتاب اقتنيته كان هدية من أمي، المكافأة التي أحصل عليها إذا ما تميزت.
أضافت نور: إخوتي الذين يكبروني كانوا يأتوني دوما بالقصص «الشمس والنسر الغاضب»، «ميكي في بلاد الأقزام»، وهذه حولتها لمسلسل بطولة أولاد عمي، وكنت أمارس عليهم سلطة غريبة وكانوا يطيعون، وكذلك مجموعة «احكي لي يا ماما حكاية قبل النوم»، و»نوادر جحا»، و»ألف ليلة وليلة» نسخة منقحة للأطفال، ومجلات «ميكي» و»العربي الصغير».
ثم كان المكون الثاني المهم في نشأتي هو بيت العائلة، وهو بيت كبير في حي (الحضرة). كنت أقوم بتأليف القصص ولدي الشجاعة لقراءتها على العائلة، ورغم ما سمعته من كلمات التقريع والاستهزاء بي وبما أكتب، فإن ذلك لم يزعزع من عزمي ولم يزدني إلا إصرارا، ثم حصل شيئان حولاني تماما لإنسان مختلف، أولا: انتحار سعاد حسني، ثم حادث حريق مسرح بني سويف. اعتزلت الفن بعد أول مسلسل وارتديت الحجاب، وآمنت تماما أن الفن حرام شرعا وأني سأنجو بنفسي بعيدا عن كل تلك السخافات.
ومما قالته نسرين في شهادتها أيضا: من الكتاب الذين أثروا فيَّ الروائي «جورجي زيدان» ولقد كان يروقني منه شيئان، أولا: أنه مسيحي شامي يكتب بدرجة كبيرة من الموضوعية عن تاريخ الدولة الإسلامية، ثم فذلكته التاريخية في تلك المقدمة التي يضعك من خلالها في ذروة العصر الذي تدور حوله الرواية التي لم تتمتع بحبكة معقدة في معظم الأحيان.
كانت الأمومة رغم أنها أهم وأجمل خبرة مررت بها في حياتي، من أهم أسباب العطلة لدي ولدى معظم النساء بشكل عام.
معظم المخرجين لا ينفعل بنص إلا حين يراه على المسرح، وقد فك غيره طلاسمه وعرضه برؤية خاصة، فأي نص لديه هو عمل أدبي إلى أن يأتي مخرج وينفذه على الخشبة، حينها فقط ينحل اللغز ويفك طلسم (كيف ينفذ ذلك على المسرح).. كذلك لا يمكن أن يتحمس مخرج لإخراج نص لسيدة إلا في النادر، ومن الأفضل لو كان يعرفها شخصيا أو أن تكون قد فازت بالعديد من الجوائز، أو كان مدير إحدى الفرق رشح نصها لمخرج متلهف الإخراج.
ورثنا داء تمجيد الموتى من الفراعنة، وأنا أقول باستمرار إن مصر ولادة، ولدينا دائما وفرة في المواهب وغنى في العنصر البشري، رغم الفقر والمرض ورداءة التعليم وفساد المناخ العام.
تراجيكوميدي ممتعة ومريرة
وأهدت الكاتبة نسمة إدريس ورقتها لمن اعتبرتها أمها الروحية وهي د. نهاد صليحة، وتحدثت خلال شهادتها عن تجربتها مع المسرح، فقالت: تجربتي مع المسرح كما المسرح نفسه، تراجيكوميدي ممتعة ومريرة في آنٍ واحد، فقد بدأ عشقي للمسرح من داخل المسرح نفسه، وسط كواليس مسرحية «البهلوان» في منتصف الثمانينات من القرن الماضي وكان عمري وقتذاك اثني عشر عاما، وهي قمة عنفوان الخيال الطفولي الذي لا حدود له، فكنت مثل أليس في بلاد العجائب تركض وراء الأرنب لتكتشف بعدا آخر من الوجود، كيان عجيب ومثير مبهج وغامض اسمه «المسرح»، وكان هذا الجزء الأول للتجربة الحالمة الخيالية الجميلة عن بداية تجربتي عن المسرح وعشقي له، أما الجزء الثاني فهو الجزء العملي التراجيدي عن واقع العملية الإبداعية المسرحية المبتورة الآن في مصر التي تنطبق على كتاب المسرح عموما، وبالأخص النساء منهم.
ومما قالته نسمة إدريس أيضا: حصلت على الماجستير في الجامعة الأمريكية بدراسة مقارنة بين مسرحية «الفرافير» ليوسف إدريس و»ست شخصيات تبحث عن مؤلف» لبراندالو، وعندما عزمت على دراسة الدكتوراة قررت أن تكون في رصد تاريخ ودور المرأة في المسرح المصري والعالمي منذ العشرينات وحتى يومنا هذا، وساندتني د. نهاد صليحة، فقد حصلت من خلالها على نص «سكان العمارة « وهو جزء مهم في إعادة اكتشاف دور المرأة في المسرح المصري.
عندما شرعت في كتابة المسرح وجدت فيه متعة لا تضاهيها متعة أي كتابة أخرى تذوقتها، متعة السيطرة على جميع جوانب العمل منذ بداية الحوار وحتى أدق تفاصيل الحركة على خشبة المسرح، ومن البديهي أن تكون بطلة أول مسرحية لي امرأة، فنادرا ما اعتلت المرأة أدوار البطولة الحقيقية الجادة على خشبة المسرح، ولكنها بطلة من طراز خاص ومختلف تأتي من الزمن والتاريخ المصري الفرعوني لتساعدنا جميعا في محاولة إعادة اكتشاف ذواتنا وقدراتنا رجالا ونساء معا، إنها الإلهة «سخمت» التي يقال إن من أنفاسها خلقت الصحراء المصرية، رأسها رأس أسد وجسدها جسد امرأة، وهى مسرحية «طاقة القدر انفجرت» وهي رمز جديد حر للهوية المصرية.
«جاءت مسرحيتي الأولى بالعربية، وبدأت الرحلة التراجيدية مع الواقع المسرحي المصري، حيث وجدت صعوبة شديدة في نشرها وتعليقات الناشرين الساخرة بنبرة ساخرة «هه.. مين بيقرا مسرح دلوقتي»، وبعد كفاح رهيب والنجاح في نشرها وجدت شحا رهيبا في النقد المسرحي لعدم الإيمان بالقيمة الفنية، والأخطر من هذا وذاك، الذي سيهدد بانقراض المسرح سواء «ذكوري أو نسائي»، والمسرح الهادف عموما، هو استحالة توفير تعزيز إنتاج مسرحي لمسرح جاد، فقد أعجب فنانون كثيرون ومخرجون بمسرحيتي ومنهم الفنان القدير عادل إمام الذي وصفها بأنها أجمل عمل قرأه منذ عشرين عاما، ولكن كانت هناك تعقيبات أخرى وهي أنها تحتاج إلى إنتاج ضخم.
أحلم ببعض الحلول التي من الممكن أن تساعدنا في حل المشكلات، مثل الاستعانة برجال الأعمال والرعاة عن طريق عمل دعاية لهم من خلال المسرحية، وكذلك تقديم العروض في الحدائق العامة.
تعقيب
المخرج حسن الجريتلي قال معقبا إن الروائية سلوى بكر أدخلت عنصر الغضب والاحتجاح، وقد كانت الجلسة هادئة، الإناث نسبتهم 49% بينما نسبة الرجال 51%، ولا أظن أننا منفصلون بيولوجيا عن بعضنا البعض، فالمجتمع يحكم علينا بأدوار مختلفة، والنقاط التي أثيرت حول مشكلات المسرح نواجهها جميعا، فأنا أدير فرقة مسرحية وهي فرقة «الورشة» ونعاني من نفس المشكلات التي طرحت، وكنت أتمنى أن أرى مناقشة حول خصوصية الكتابة النسائية وأزمة تعبير المرأة عن نفسها ككاتبة، فلا أشعر بخصوصية المشكلة لدى الكاتبات، وكأن المرأة أقلية، وهي ليست كذلك. أضاف: نريد توضيح المشكلة بشكل كافٍ.
وقال المخرج أشرف إبراهيم إن أغلب المشكلات التي تواجهها الكاتبات هي نفسها الإشكاليات العامة في المجتمع، سواء توافر الفرص أو مسئولية المرأة العاملة ودورها الأمومي، مشيرا إلى أنه ليس هناك أي تمييز خاص ضد الكاتبة المسرحية، وأن فكرة توفير رعاية ودعم من رجال الأعمال ليس حلا شاملا، بل يجب أن تكون هناك إرادة من الدولة لدعم المسرح بشكل أكبر.