أساليب التناول الفينومينولوجي لفن التمثيل(1)

أساليب التناول الفينومينولوجي  لفن التمثيل(1)

العدد 705 صدر بتاريخ 1مارس2021

   لعل أحد أساليب التناول الفينومينولوجي للممثل هو أن نتأمله باعتباره نوعا من راوي الحكاية الذي من خصائصه أنه القصة التي يرويها . ومن المفترض أن الصوت الانتقالي بين الراوي الفعلي والممثل يمكن أن يكون الشخص الذي يروي قصته (أو قصة شخص آخر) مباشرة للمشاهدين مقلدا أكثر الأدوار فيها إثارة بنفس أسلوب الممثل الرئيسي في مسرحية «هاملت»، بالشكل الذي نجده في محنة «هيكوبا” . ومع الممثل يختفي بالطبع الصوت السردي (الذي يجده قصيرا بشدة عند اليونانيين) ونسمع صوت ضمير المتكلم الخيالي  ( « أنا وحدي الآن « أو « الآن يا أمي، ماذا يحدث « )  وفضلا عن ذلك نسمعه لأن الصوت الذي نسمعه لم يعد يتحدث إلينا . والمشاهد الأن هو ضمير المخاطب المضمر أو غير المعترف به علي الأقل في أساليب التمثيل في المذهب الطبيعي . وهذا بالطبع ما أزعج  (روسو) جدا، أن الممثل كان هو الخطوة الأخيرة في تفكك الحضور والخطاب المباشر .
     استشهد بهذا التطور المألوف لكي نستعيد فقط بعضا من معنى الراوي المختفي داخل الممثل .، وكأن هناك ممثل مختفي في الحكي . ان ما يميز الممثل الأول في كلام بيرهيوز عن الممثل الكامل  الذي سوف يتحول اليه في هذا المساء أثناء عرض « جريمة جونزاجو” هو أنه تارة يندفع بعيدا من خلال القصة، وتارة أخرى يندفع بعيدا في القصة، أو باعتباره قصة : فهو في الحالة الأولى يتخيل، وفي الحالة الثانية يتحول . في كلتا الحالتين، فان الترتيب الشخصي الذاتي الذي لا غنى عنه لكل خطاب يحمله : المتحدث (أنا)  متحدث إليك (أنت) ومتحدث عنه (هو) . ويمكننا أن نفهم هذه الفكرة بشكل أفضل إذا وضعناها في شكل مخطط في مواجهة عالم المسرح والعالم الخيالي للمسرحية علي طول المحور الظاهراتي . ولأن يوري فلتروسكي قدم لنا مصطلحات هذين العالمين، فدعونا نشير إليهما بأنهما « حدث التمثيل the acting event” و “ الحدث المجسد the enacted event” .
المسرح (حدث التمثيل)                  المسرحية (الحدث المجسد)
 الممثل                      ( أنا )          الشخصية
 المشاهد                   ( أنت )         الشخصيات الأخرى أو الذات
 الشخصية             ( هو/هي)         الشخصية الغائبة أو الأحداث

يتكلم صف المسرحية عن نفسه : تتكلم الشخصيات في المسرحية الي بعضها البعض ، كما نفعل في الحياة ( في شكل حوار ) أو تتحدث الي نفسها ( في شكل مناجاة) عن الأحداث أو الناس (الغائبين عادة) . ويحتاج صف المسرح، رغم ذلك،  نقلة في المنظور علي عملية الكلام . باختصار، يتحدث الممثل (1) الى المشاهدين (أنتم) عن الشخصية ( هو) التي يؤديها . وبالتبعية سوف تشكل مجموعة الممثلين في أي مسرحية العدد الكلي لنفس ترتيب الكلام ( نحن – أنتم – هم) . ولكن كيف يكون هذا ممكنا ؟ كيف يتحدث الممثل للمشاهدين عن الشخصية التي يؤديها ؟
 وعلي الفور نرى أن كلمة ( أنا) التي يقولها الممثل ليست هي كلمة (أنا التي تقولها الشخصية، انه الصوت الذي يظل يقول « أنا .. أنا .. أنا « طوال المسرحية.  فضمير المتكلم للممثل هو الذي يظهر أمامنا علي أنه الشخصية، الكينونة التي ليس لها في الواقع صوت خاص بها، ولكن وجوده وطريقة ظهوره يشكلان فعل الكلام المباشر داخل الكلام غير المباشر في الحدث الذي يتم تجسيده . ويمكن رؤية ذلك في العمل الشاق والمضني الذي ينتج عن جهد الممثل الذي ربما لا ينتمي الي الشخصية . ولكن هذه “ الأنا “ ليس ببساطة جسم الممثل . إنها بالأحرى الموقف غير الطبيعي للجسم، وآلاف من الوسائل المختلفة والخصائص السلوكية التي يبقى فيها الممثل حتما خارج الشخصية التي يؤديها . فهو دائما يقتبس القليل من شخصيته، ولكن ليس كما يمارس الممثل عند بريخت الاقتباس – أي بأسلوب الاغتراب بشكل غير واع . وحتى لو اقتبس بالمعنى البريختي فهناك اقتباس فيما وراء هذا الاقتباس . ولا يهم كيف يمثل، فشبح الذات موجود دائما في أدائه .
 تتيح لنا فكرة المسرح كفعل كلام أن نرى كيف يمكن أن تغير علاقة الممثل بالجمهور المفاتيح أثناء العرض، أو علي المدى البعيد، باعتباره ثقافة تجعل مطالب المسرح المختلفة انعكاسا لاهتماماتها . في الواقع يملك الممثل ثلاث صيغ ضمائرية يتحدث بها إلى الجمهور، وهي صيغ  - وليست أساليب – تغطي جميع الاحتمالات لأنها كل ما يحتويه الخطاب . وخريطتنا الآن تبدو كالتالي :  
      أنا ( الممثل)             =         صيغة تعبير ذاتي
      أنت  (المشاهد)         =         صيغة مشاركة
     هو  (الشخصية)         =         صيغة تمثيلية
قبل تعريف وبحث هذه الصيغ يجب أن أؤكد أنه بمعالجة الممثل كمتحدث بضمير المتكلم (أنا) لديه في ذهنه المشاهد كمستمع . أي علاقة متحدث – مستمع هي علاقة من طرفين، وربما يصغي المستمع بشكل انتقائي لما يريد أن يسمعه أو ما يعتقد أنه يسمعه . بمعنى آخر، إنها ليست ببساطة مسألة متابعة قصد المتكلم بل إخضاع حواسنا للنداءات المتغيرة للكلام ( ومن المفهوم أن خطاب الممثل يتضمن بالطبع الإيماءات والحضور وجميع جوانب أداء الدور ). علاوة علي ذلك، أريد أن أتجنب أي اقترح أن هذه الصيغ الثلاث لها أي علاقة بالأسلوب، أو لها علاقة بالضرورة بالتغير الواعي والمفاجئ في إبعاد الممثل حيث نلاحظه في لحظة في ضع استماع ثم في وضع آخر . فنحن مهتمون بمحاولة تقريب مجال علاقة الممثل/ الجمهور ؛ إذ لا يكفي أن نقول ببساطة إن الممثل يؤدي أساليب مختلفة ( خطابية، طبيعية، رومانسية، اغترابية .. الخ ) أو بما يتجاوز الأسلوب، بأن وعي الممثل يستنفد في طبيعته المزدوجة كممثل وشخصية . ولكني أستطيع أن أوضح ذلك بدراسة الصيغ نفسها .
صيغة التعبير عن الذات :
 دعونا نبدأ بمعالجتها كصيغ أداء بحتة . وفي صيغة التعبير عن الذات يبدو أن الممثل يؤدي بالأصالة عن نفسه . ويقول، في الواقع، « أنظروا ما يمكنني أن أفعله» . ويمكننا أن نقول أن أدوارا بعينها تشجع الميل إلى التعبير عن الذات ( مثل سيرانو برجيراك، وفاوست، وفلستاف، ولير، و ميديا ) إما لأنها  مطلوبة للغاية، أو لأنها معدة بشكل متعمد كوسيلة نقل من أجل إطلاق قوة الممثل ( دور سيرانو، مثلا، كان مكتوبا كعمل استعراضي من أجل كوكلين ) . علاوة علي ذلك، يشجع مؤلفون بعينهم ( وهم عادة شعراء الفن الكلاسيكيين ) صيغة التعبير الذاتي . ولا توجد طريقة أفضل لتوضيح هذه الفكرة من اقتباس ما قاله (هازلت Hazlitt) في مناسبة ظهور الممثل “كين” في مسرحية “ ريتشارد الثاني “ عام 1815 :
 ربما نتساءل، لماذا يختار كل الممثلون الكبــار شخصيات شكسبير لكي يجسدوها، ومرة أخرى لماذا تصبح هذه الأدوار مفضلة لهــم ؟
 أولا، لا يتعلق الأمر بقدرتهم علي تقديم مؤلفهم، بل في أنه يمكنهم التباهي بأنفسهم . الطريقــة الوحيـدة التي يبـدو فيهـا شكسـبير أفضل من الكتاب العاديين هي أنه يحفز طاقات الممثل بشكل أكبــر . وإذا كان إنسانا عاقلا، فانه يدرك مقدار ما يجب أن يفعله، والتفـاوتات التي يجب أن يتعامل معها، ويبذل نفسه وفقا لها ؛ يضع نفسه علي أقصى سرعة، ويضع كل مصادره رهن المشاركة، ويحاول أكثر، ويقدم عددا أكبر من المميزات الرائعة، ويفعل كل ما في وسعــه، وغالبا ما يكون السيئ هو الأفضل غالبا .
وبتحويل كلام (هازلت) لأغراضنا، ربما نفهم قرار الممثل أداء أدوار كبيرة مثل «لير» أو «ريتشارد» باعتبارها فعل تعبير ذاتي، حيث يراهن الجمهور علي أنه الممثل الذي يلاءم الشخصية بالقدر الكافي . ويستمر (هازلت) قائلا “ الجمهور من جانبه يذهب الجمهور إلى المسرح لكي يشاهد الممثل « كين «، فضلا عن الشخصية التي يجسدها، ولا أقترح أن هذا هو الدافع الوحيد للأداء المسرحي ومشاهدته، ولكن يبدو أن المسرحيات الكلاسيكية الكبرى (ولاسيما في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، عندما تعرض علي خشبة المسرح) تشحن الحدث المسرحي بقوة المنافسة بين الممثل والشخصية . بمعنى أنها تدعو الممثل لكي يؤدي  بأقصى قوة، وبنفس القدر الذي نذهب فيه إلى المسرح لمشاهدة الممثل «كين» أو الممثل « ماكريدي” أو الممثلة “ سيدونز “ وهم يؤدون بأقصى قوة، فانه يمكننا أن نستمع إليهم في وضع التعبير الذاتي .
 والمسرحية، كشكل مختلف، يمكن أن تتحول بشكل متعمد الي وسيلة نقل للتعبير عن الذات – مثل « طريقة النجم Star System” أو عروض «هاملت» التي قدمتها (شارلوت كوشمان ) و (سارة برنار ) و ( جوديث أندرسون) . اذ تدعو كلمات معينة في المسرحية إلى درجة عالية من التعبير عن الذات ( في بداية مسرحية «ريتشارد الثالث «، ولاسيما كلام كل من هوتسبار بوبنجاي و ماركيشيو ماب ) . وبهذا المعنى، نجد أن الأوبرا والرقص والتمثيل الصامت هي أشكال التعبير عن الذات الرئيسية في المسرح . ومهما كان موضوعهم، فإنهم دائما أقل أهمية مما يعرضونه . وأبرز مثال هو مغنية السوبرانو التي من المنتظر منها أن تختفي داخل دورها باعتبار أنها ديناصور يحتضر لأنه من المستحيل أن تغني بالشكل الملائم وتموت بالشكل الملائم في نفس الوقت . وبالمثل فان القصة في الرقص لا يعدو كونها أكثر من مجرد إيهام بحالة عرض لسلسلة من التنويعات الفردية الملحة . وهنا يتأكد الدور الثانوي الذي يلعبه التشابه في هذه الأشكال من خلال حقيقة أن المؤدي يخرج تماما عن الإيهام وينحني لتصفيق الجمهور عندما ينتهي الأداء الفردي . وكذلك الحال في التمثيل الصامت، والذي هو أساسا فعل تعريف لعالم خفي في إطار جسم مرئي . فنحن لا نرى حوائط سجن «مارسيل مارسو”  أو الدرج الذي يصعده أو الريح التي يميل أمامها ؛  فجسمه ينفتح علي بنية هذه الأشياء في عرض لقدرة الفنان علي الاستغناء عنها .  
     في المسرح الدرامي، بغض النظر عن الأدوار العظيمة والألحان الشعرية الخالدة، يؤكد التعبير عن الذات نفسه في شكل الصور أو لحظات التألق والضحك، أو بشكل عام في بصمة الممثل الخاصة : مشاهد « جاريك « في تعبيراته بالوجه، وهدير «ادوارد ألين»، وومضات الإضاءة عند «ادموند كين»، وعظمة السيدة «سيدونز”، وضبط النفس عند “ ديوز «، وأسلوب « سارة برنار «، وأخيرا واقعية «براندو « الشديدة (والتي تبناها الجميع فيما بعد) . ويذكر (فلتروسكي) مقطعا في كتاب ستانسلافسكي « حياتي في الفن  My life in Art” حيث يتحدث عن الممثل الروسي  “ سادوفسكي Sadovsky”، إذ كان لديه جزء من العمل الذي يحتوي علي جوهر التوسيع الذاتي للدور من جانب الممثل : « توقف فجأة في منتصف الجملة لتصوير الشخصية التي تشعر بوجود شعرة من فراء ياقته، فاستمر لفترة طويلة يحرك لسانه ويحاول نزع الشعرة بأصابعه بينما بقيت الجملة التي بدأها» . ما أهمية هذا البحث عن الشعرة ؟ ربما كان هذا غير ملحوظ في العادية، أو ربما كان مقززا، ولكن لا يمكن نسيانه علي خشبة المسرح . انه بالضبط الكشف عن شيء ما حتى الآن «شبه مسرحي sub-theatrical”، وليس مجرد واقعية، بل هو عرض جرئ لقوة الممثل ليكون حقيقيا علي المستوى الجزئي . وفي مثل هذه اللحظة ( بافتراض أنه أدى ببراعة) فان الممثل يقول في الواقع “ كلكم بحثتم عن هذه الشعرة : ودعوني أوضح لكم، بشكل كوميدي، الي ماذا يصل هذا البحث « . أعتقد أنه جوهر توسيع الممثل لذاته لسبب آخر : يمكننا أن نقول هنا أن الجملة التي ينطقها الممثل تمثل التدفق التقليدي للفعل المسرحي كما هو مكتوب في النص . ولكن ينكسر التدفق فجأة، وينفتح شق، تنبعث منه بهجة جديدة، ولا يوجد سوى شريحة من السلوك البشري، في حجاب، من أجل ذاتها . فلم يعد الأمر خروج الممثل عن الشخصية في هذه اللحظة بل انه يجد الفجوة في النص التي تسمح له بتقديم إسهامه الفذ : فهو يبتكر ذاتيا الأرضية الحقيقية لمثالية شخصيته .
     من الواضح أن صيغة التعبير عن الذات لا يمكن تضمينها في اطار أسلوبي . انه وعينا بالفنان في داخل الممثل . فالأساس المنطقي لافتراض صيغة الأداء هذه هي أنه لابد أن تكون هناك كلمة أو طريقة للانفصال، شيء قوي مثل المتعة التي نحصل عليها عندما تصبح البراعة الفنية هي موضوع اهتمامنا . ففي الأوبرا والرقص والتمثيل الصامت، يكون الفنان باستمرار هو الموضوع . فمن وجهة نظر قوة مهمة المسرح الإيهامية ، فان الممثل أقل من ذلك : فهو يدخل ويخرج من بؤرة التركيز كفنان : فنحن الآن نرى الشخصية، ونرى الفنان في لحظة العبقرية، أو بالعكس، نرى الممثل في لحظة الخطأ بدون حماية . ولكن حتى في المسرح، هناك درجات لحضور الممثل . فمثلا نشاهد “ أولفييه” في دور “ هاملت”، أو وراء طلاء أسود في دور “ عطيل” . ولكن ليس هذا هو المقصود بحضور الفنان ؛ مع أنه حضور للممثل ببساطة . فالتمييز يكون بين الفعل والوجود : عندما يأتي الفنان داخل الممثل في المقدمة، فإننا نتفاعل مع طريقة الممثل الخاصة في أدائه لدوره . اذ من المرجح أن يظهر وعينا بالفنان عند قمم معينة في الأداء عندما تكون الشخصية التي يقدمها الكاتب الدرامي للممثل شخصية مثالية . هذا لا يعني أن الشخصية أقل مثالية في أماكن أخرى، فالشخصية، أيا كان نوعها، بداية من “أوسترتش” وصولا الي « هاملت»، تتضمن بدايات لا حصر لها للتنوع الفردي . فهناك دائما فجوة محتملة في النص . فالشخصية، كما يقول (ديدرو) هي نوع مثالي . وفي نطاق تصنيف معين يمكننا أن نتخيل أن هاملت يفعل ويكون عدة أشياء ليست مكتوبة داخل شخصيته . وما يقدمه النص الدرامي للممثل هو صورة مثالية، تجريد يمكن تجسيده بعدة آلاف من الطرق .
 ولنأخذ مثالين من تاريخ المسرح سوف يحولان مجموعة تعبيرات الممثل عن الذات الي دراما . فهناك ممثلون تتركز عبقريتهم في حقيقة أنهم يؤدون ذواتهم . وهذا الأمر ليس دقيقا كما تبدو الاستعارة، وقد كان « كين» هذا النوع من الممثلين، فهو الفكرة التي طورها (سارتر) بشكل مضحك في مسرحيته عن هذا الممثل . والممثلة الأخرى هي «سارة برنار»، و لا يمكنني أن أفكر في طريقة أفضل لتسجيل عنصر التباهي بالذات في صيغة التعبير عن الذات سوى الاستشهاد بوصف الناقد «آرثر سيمونز Arthur Symons” لأعمال “سارة برنار” :
 لقد كان فن سارة برنار دائما فنا واعيا، ولكنه كان يتحدث إلينــا، فتارة يبدو من الصعب تحليله ببرود . فقد لعبت دور فيدرا، ودور مارجريت جوتييه، ودور أدريان لوكوفر، ودور توسكا، وكأنها كذلك فعلا . وكانت أيضا هي نفسها سارة برنار الحقيقية .سحران التقيا واتحدا في المرأة والفنانة، وكانت كل منهما متفردة . وكانت متعة أن نذهـب إلى المـسرح، اذ كـانت دوافعنـا تتصـارع بشكــل محمـوم قبـل أن تنزل السـتارة .  وكان هـناك نـوع من الإحســاس الغـامض بالخطـر، مثل الذي نشعـر به عندمـا يقفـز الأسـد داخـل القفص إلى الجانب الآخر من القضبان . كان التمثيل مثل إعلان عاطفي موجه لشخص مجهول . وبدا الأمر وكأن قوة المشاهدين العصبية قد تم امتصاصها واندفعت راجعـة لذاتها بشـكل مكثـف لأنها واجهت القوة العصبية الفردية النهمة للمرأة التي لا تقهـر .
 ولذلك بدا تمثيلها المصطنع هو التعبير الغريزي الذي لا يقاوم  فقد سحرنا، وأيقظ حواسنا، وأسلم ذكاءنا للنوم .
فمن يمكنه أن يذهب لمشاهدة فيدرا أو غادة الكاميليا يتوه في الايهام في حضور هذه الطاقة ؟ وهل هو مجرد تمثيل، كما يقول (سيمونز)، وما هو ذلك الذي تفعله السيدة برنار للنص ؟ وأين وجدت فجواته ؟
 أو ما نلاحظه في تمثيلها، عندما نشاهده بهدوء، هو الطريقة التي  تخضع بها للتأثيرات . فلديها الكريشندو ( التصعيد) بالطبع، وهـو  الذي يستعد أكثر الناس لتذكره، ولكن الوجه الاستثنائي للتصعــيد يأتي من الأسلوب الخفيف والمستوى الذي يتـم به الجــزء الرئيس من الحديث . وهي ليست حريصة علي التوضيح في كـل لحظـة،
 لوضع كل التركيز الممكن في كل عبارة منفصلة :  لقـد سمعتهــا تحلق في عبارات مهمة جدا،والتي اذا أخذاناها بذاتها، يبدو أنها تستحق المزيد من الاهتمام، ولكنها خضعــت بحكمة الي لتقويـة تأثير المجموعة . يذكرنا تمثيل شارة برنارد بالأداء الموسيقي ...
 فهي دائما الممثلة والدور أيضا : وعندما تكون في أفضل حالاتهـا تتساوى الممثلة مع الدور، وشعورنا باحداهما لا يزعج الأخــرى وعندما لا تكون في أفضـل حالاتهــا نرى الممـثلة، نـرى الفـنانة  والممثلة تؤدي عملها بشكل عام .

.................................................................

•    برت أو ستاتس Bert O'States  ( 1929 -2003 ) ناقد مسرحي واستاذ للفنون المسرحية بجامعة كاليفورنيا – سانتا باربرة بالولايات المتحدة . ومن أهم كتبه :
-    توقعات كبيرة في غرف صغيرة : حول فينومينولوجيا المسرح Great Reckonings in little Rooms : On the Phenomenology of Theater  1984
-    الأحلام وسرد القصص Dreaming and Storytelling  1993
-    متعة اللعب The pLeasure of Play  1994 .
•    نشرت هذه المقالة في الفصل الثالث من كتاب " تأملات في فن التمثيل Acting Recondered  " الذي أشرف علي اصداره  " فيليب زاريلي " وقد صدر عن روتليدج عام 2002 .

 

 


ترجمة أحمد عبد الفتاح