البدايات الأولى لظهور الأدب المسرحي في مصر

البدايات الأولى لظهور الأدب المسرحي في مصر

العدد 585 صدر بتاريخ 12نوفمبر2018

بدأت مصر تتعرف على الأدب المسرحي الحديث – تاريخًا ونصوصًا - في أوائل القرن التاسع عشر. وأقدم إشارة عربية وصلتنا عن المسرح - الذي شيده قادة الحملة الفرنسية في مصر - كتبها المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي في تاريخه الشهير المعروف بـ«عجائب الآثار في التراجم والأخبار»، وأرخ إشارته في يوم السبت الموافق 27/ 12/ 1800، وقال فيها: «وفيه كمل المكان الذي أنشأه بالأزبكية عند المكان المعروف بباب الهواء، وهو المسمى في لغتهم بالكوميدي. وهو عبارة عن محل يجتمعون به كل عشر ليال ليلة واحدة، يتفرجون به على ملاعيب يلعبها جماعة منهم بقصد التسلي والملاهي مقدار أربع ساعات من الليل، وذلك بلغتهم. ولا يدخل أحد إليه إلا بورقة معلومة وهيئة مخصوصة».
أما أول موضوع مسرحي متكامل منشور باللغة العربية في عالمنا العربي، فكان في مصر سنة 1833، وهو ترجمة كتاب «ديوان قلائد المفاخر في غريب عوائد الأوائل والأواخر» للمؤلف الفرنسي (ديبنج Depping). وهذا الكتاب ترجمه الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي، الذي عرّفنا فيه – ولأول مرة – معنى المسرح من خلال شرحه – وليس ترجمته - لكلمة (سبكتاكل) - والمقصود بها المسرح باللغة الفرنسية. كما أن الكتاب به جزء كبير عن تاريخ المسرح الروماني القديم، ولولا ترجمة الطهطاوي له ما كنا عرفنا شيئًا عن بداية ظهور المسرح عالميًا.
لم يكتف الطهطاوي بذلك فقام في العام التالي 1834، بنشر كتابه المؤلف «الديوان النفيس بإيوان باريس»، المشهور باسم «تخليص الإبريز إلى تلخيص باريز»، وضمّنه تفاصيل مشاهداته للمسرح الفرنسي، المنشورة في الكتاب تحت عنوان (متنزهات مدينة باريس). والجدير بالذكر إن الطهطاوي هو أول من نشر ترجمة لنص مسرحي كامل من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية، ونشره في مصر عام 1868، ليكون أول نص مسرحي منشور باللغة العربية في تاريخ مصر بأكملها، وهو نص مسرحية (هيلانة الجميلة).
تأثر محمد عثمان جلال بجهود الطهطاوي في مجال المسرح، فقام بترجمة بعض المسرحيات وتعريبها وتمصيرها، حيث نشرت مجلة (وادي النيل) – في نوفمبر (تشرين الثاني) 1870 – خبرًا عن تعريبه مسرحيتين، هما: «لابادوسيت» و«مزين شاويلة». أما مجلة (روضة المدارس المصرية) عام 1871، فنشرت له فصولاً من كتابه «النكات وباب التياترات»، وهو كتاب لم يكتمل نشره – ويُعدّ مجهولاً حتى الآن – وفيه قام عثمان بترجمة وتمصير مجموعة من المسرحيات الهزلية. والفصول المنشورة في المجلة، عبارة عن صفحة غلاف الكتاب، والمقدمة، وعشر صفحات من مسرحية «الفخ المنصوب للحكيم المغضوب»، وهي تمصير لمسرحية موليير الشهيرة «طبيب رغم أنفه».
كل ما سبق عن محمد عثمان جلال، هو من اكتشافاتي البحثية، أما آثاره المسرحية المعروفة، فتتمثل في خمسة كتب، هي: مسرحية «الشيخ متلوف» عام 1873، وكتاب «الأربع روايات من نخب التياترات» عام 1890، وهو يجمع أربع مسرحيات هي: الشيخ متلوف، والنساء العالمات، ومدرسة الأزواج، ومدرسة النساء. والكتاب الثالث «الروايات المفيدة في علم التراجيدة» وطبع عام 1893، وهو يجمع ثلاث مسرحيات هي: استير، وأفيجينيا، والإسكندر الأكبر. والكتاب الرابع به مسرحية «الثقلاء» وطبع عام 1896. والخامس والأخير به مسرحية «المخدمين» وطبع بعد وفاته في عام 1904.
في عام 1876 جاءت من لبنان إلى مصر أول فرقة مسرحية عربية، وهي فرقة سليم خليل النقاش، وعرضت عروضها في الإسكندرية، وكانت مكتبة حبيب غرزوزي – بجانب المسرح - تبيع نصوص المسرحيات المعروضة، ومنها: كتاب «أرزة لبنان» الذي يشتمل على جميع مسرحيات مارون النقاش، وهي: «البخيل»، و«أبو الحسن المغفل»، و«السليط الحسود»، بالإضافة إلى مسرحيات: «عائدة»، و«مي وهوراس»، و«أندروماك»، و«شارلمان»، و«هارون الرشيد».
ويُعدّ نجيب الحداد اللبناني، أشهر وأهم مترجم مسرحي في القرن التاسع عشر، وأغلب إنتاجه المسرحي كُتب وطُبع في مصر منذ قدومه إليها عام 1884، وكانت مسرحياته تغزو كل المسارح والفرق المسرحية في مصر، وأغلبها تم نشره في حياته أو بعد مماته، ناهيك بنصوصه المخطوطة. وإنتاجه المسرحي المترجم أو المُعرّب، يتمثل في العناوين الآتية: «الرجاء بعد اليأس»، «عمرو بن عدي»، و«سينا»، و«عدل القيصر»، و«شهداء الغرام»، و«ثارات العرب»، و«غرام وانتقام»، و«صلاح الدين الأيوبي»، و«فضيحة العشاق»، و«السر الهائل»، و«رجع ما انقطع»، و«فرسان الليل»، و«لورانزينو»، و«الطبيب المغصوب»، و«ميلادي»، و«فيدر»، و«زايير»، و«بيرينيس»، و«أوديب»، و«السيد»، و«حمدان»، و«حلم الملوك»، و«عداوة الأخوين». ومنذ عامين اكتشفت مخطوطة مسرحية مجهولة لنجيب الحداد عنوانها «المهدي وفتح السودان»، فقمت بتحقيقها ونشرها مع مواد أخرى في كتابي «الثورة المهدية في المسرح المصري»، الذي أصدره مهرجان البقعة المسرحي في السودان.
وربما سيلاحظ القارئ أن الأدب المسرحي في مصر بدأ بترجمة النصوص المسرحية أو تعريبها أو تمصيرها أو اقتباسها، دون أن يقترب من تأليفها!! وهنا لا بد لي أن أذكر تجربة إسماعيل عاصم المحامي؛ بوصفه من أوائل المصريين الذين قاموا بتأليف النصوص المسرحية في القرن التاسع عشر. وأول مسرحية ألفها كانت بعنوان «هناء المحبين» عام 1893، ثم ألف مسرحية «حسن العواقب» عام 1894، وأخيرًا ألف مسرحية «صدق الإخاء» عام 1895. وهذه المسرحيات المؤلفة مكتوبة بأسلوب الصنعة اللفظية – وهو أسلوب الكتابة في هذه الفترة – حيث إنتشار السجع وتطعيم النثر بمقطوعات شعرية، والاقتباس من القرآن والأحاديث النبوية نصًا أو معنى، ناهيك باعتماد المؤلف في تآليفه المسرحية على بعض أحداث قصص ألف ليلة وليلة.
وإذا كان إسماعيل عاصم يُعدّ من أوائل المؤلفين المسرحيين؛ فإن السيدة لطيفة عبد الله بطلة فرقة (جوق السرور) المسرحية؛ تُعدّ أول مؤلفة مسرحية عربية بتأليفها مسرحية «الملكة بلقيس”؛ علما بأن فرقة جوق السرور، هي أشهر فرقة مسرحية مصرية جوالة، كانت تجوب حواري المدن والقرى في الأرياف لعرض مسرحياتها داخل مسرح متنقل يُحمل على عربات الكارو. والجدير بالذكر إن المسرحية أُلفت ونُشرت ومُثلت داخل مصر عام 1893. وقد قمت بإعادة نشرها في كتاب عام 2001، وظننت أن المؤلفة لطيفة عبد الله مصرية؛ ولكنني منذ أيام قرأت مذكرات قديمة لأحد ممثلي فرقة جوق السرور – نشرها عام 1931 في إحدى المجلات المصرية - أكد فيها أن السيدة لطيفة فتاة لبنانية جاء بها إلى مصر صاحب الفرقة ميخائيل جرجس.
وطالما نحن بصدد حركة التأليف المسرحي، فيجب علينا أن نذكر تجربة فريدة، قام بها أحد مشايخ الأزهر الشريف، وهو الشيخ محمد عبد المطلب (1871 – 1931)، عندما تبنى مشروعًا مسرحيًا أدبيًا، تمثل في تأليف مجموعة مسرحيات عن شخصيات أدبية تراثية، أو أحداث في تاريخ الأدب العربي، ومن هذه المسرحيات: «ليلى العفيفة»، و«مصرع الزباء»، و«حياة إمرئ القيس بن حجر»، و«حرب البسوس».
وعلى الرغم من وجود بوادر للتأليف المسرحي – كما بينا سابقًا - إلا أن ترجمة المسرحيات وتعريبها كان الأمر السائد في مجال الأدب المسرحي في مصر، وأكبر دليل على ذلك الإنتاج المسرحي للأديب الموسوعي محمد لطفي جمعة (1886 – 1953)، الذي كتب عشر مسرحيات في الفترة من 1909 إلى 1945، وهي: «هرماكيس»، و«قلب المرأة»، و«كانت لِقيّة مقندلة»، و«حبيب القلب وحبيب الجيب»، و«الوالد والولد»، و«خضر أرضك»، و«نيرون»، و«في سبيل الهوى»، و«يقظة الضمير»، و«الأم المتعبة».
والغريب إننا لا نملك – حتى الآن - رأيًا قاطعًا نعتمد عليه في تصنيف هذه المسرحيات والحكم عليها بالتأليف أم بالترجمة!! والسبب في ذلك راجع إلى اعتراف محمد لطفي جمعة، الذي نقله إلينا الأديب يحيى حقي – في كتابه «ناس في الظل وشخصيات أخرى» – قائلاً عن محمد لطفي جمعة: «ولا أنسى ضحكته لي ذات يوم وهو يقول لي: تصور! نشرت في (البلاغ) على التوالي أكثر من خمسين قصة قصيرة ذكرت تحت عنوانها إنها مترجمة عن الأدب الروسي، ولم أذكر للمؤلف اسمًا، وهي كلها من عملي ومن تأليفي. تصور إنني لم أجد أديبًا واحدًا يمسك بتلابيبي ويقول لي: أدرَكنا خدعتك فليس في الأدب الروسي كله شيء مما جئتنا به». ويروي الدكتور عبد الفتاح الديدي – في كتابه «ينابيع الفكر المصري المعاصر» – رواية مشابهة، قائلاً: «عندما ظهرت مجلة الرواية طلب الزيات من محمد لطفي جمعة ترجمة عدد من القصص الأجنبية لشغف القراء بالتراجم من الروايات والقصص خاصة وأن اسم لطفي جمعة لم يشتهر بين القصاصين. فألف لطفي جمعة عددًا من القصص تحت أسماء كُتاب روس وأوروبيين وبدأ نشرها بمجلة الرواية تباعًا حتى بلغت الخمسين قصة وكلها من اختراعه بأسمائها وأجوائها الأجنبية ولا مقابل لها في أعمال هؤلاء المؤلفين».
ومما سبق يتضح لنا أن الجمهور المصري، كان يحبذ مشاهدة المسرحيات المترجمة وقراءتها، أكثر من مشاهدة وقراءة المسرحيات المؤلفة، وهذا الأمر جعل أغلب كُتًاب المسرح في مصر يميلون إلى الترجمة والتعريب أكثر من ميلهم إلى التأليف، وكانوا كثيرًا ما يكتبون على أغلفه مسرحياتهم (بقلم فلان)، دون الكتابة صراحة بأن العمل مؤلف أو مترجم أو معرب!! ومن أشهر هؤلاء محمد مسعود (1872 – 1940) كاتب مسرحيات: «الجاهل المتطبب»، و«البخيل»، و«زهرة الشاي»، و«وردة». وفؤاد سليم المولود عام 1883، كاتب مسرحيات: «الانتقام الرهيب»، و«الكابورال سيمون»، و» بائعة الخبز»، و«الشرف الياباني»، و«الحقد الكمين»، و«عشيقة الملك»، و«وفاء الزوجين»، و«العثرة الأولى»، و«المتمردة»، و«الوطن»، و«إبراهيم باشا»، و«الإرث المغتصب»، و«المرأة المجهولة»، و«شهداء الوطنية»، و«الولدان الشريدان»، و«الجرم الخفي».
أما إبراهيم رمزي (1884 – 1949) فكان كاتبًا غزير الإنتاج، ومن أهم مسرحياته المؤلفة والمترجمة: «ورقة اليانصيب»، و«قيصر وكليوباترا»، و«بنت الإخشيد»، و«أبطال المنصورة»، و«البدوية»، و«الحاكم بأمر الله»، و«عزة بنت الخليفة»، و«خير الدين»، و«سجين الباستيل»، و«القلب الميت»، و«دخول الحمام مش زي خروجه»، و«تيمورلنك»، و«بيزارو»، و«ريشيليو»، و«أبو خوندة»، و«الدرة اليتيمة»، و«عقبال الحبايب»، و«الهوارى»، و«عمرو بن العاص»، و«عدو الشعب»، و«الملك لير»، و«صرخة طفل».
كذلك يُعدّ الشيخ محمد يونس القاضي (1888 – 1969) من أهم الكُتاب المسرحيين، بوصفه شاعرًا ومؤلفًا للأغاني، التي كان يضعها في أغلب مسرحياته، ومنها: «حسن أبو علي سرق المعزة»، و«مظلوم يا وعدي»، و«كلام في سرك»، و«حرم المفتش»، و«المظلومة»، و«كيد النساء»، و«كلها يومين»، و«التالتة تابتة، و«السعد وعد»، و«الدنيا وما فيها»، و«حلاوة البخت»، و«حماتي»، و«بنت غلطة»، و«الجنون فنون»، و«حاجب الظرف»، و«المساواة»، و«المعذبة»، و«الوكيل»، و«الطاعة»، و«المداحة»، و«كليوباترا ومارك انطوان»، و«مملكة الحب»، و«آدم وحواء»، و«المخلصة»، و«رومية الحب»، و«فاتنة الأندلس»، و«اللي وقع يتصلح»، و«الفهلوية»، و«البدر لاح».
والقائمة ستطول لو تتبعنا أسماء الكُتّاب المسرحيين ومسرحياتهم المؤلفة أو المترجمة أو المعربة، حيث إن المساحة هنا لا تكفي لذكر أسماء مسرحيات مصطفى ممتاز، وعباس حافظ، وسليمان نجيب، وعزيز عيد، ويوسف وهبي.. إلخ. ولكننا نستطيع أن نقول: إن الأدب المسرحي في مصر - منذ بدايته في القرن التاسع عشر إلى قيام ثورة 1952 – اعتمد على ترجمة المسرحيات أكثر من اعتماده على تأليفها!! حيث إن التأليف المسرحي ظهر بقوة في مصر منذ ستينات القرن الماضي، وهذا أمر يحتاج إلى مقالة أخرى!!


سيد علي إسماعيل