وداعا «المواطن مصري» وداعا «عزت العلايلى»

وداعا «المواطن مصري» وداعا «عزت العلايلى»

العدد 703 صدر بتاريخ 15فبراير2021

رحل عن عالمنا صباح الجمعة 5 فبراير الفنان الكبير عزت العلايلى عن عمر ناهز 86 عامًا. ولد «العلايلى» فى سبتمبر عام 1934 في حي باب الشعرية بالقاهرة. حصل عام 1960 على بكالوريوس المعهد العالي للفنون المسرحية. تجاوز مشواره الفني ستين عامًا، بدأه بدور صغير فى فيلم رسالة وختمه بفيلم تراب الماس، تاركًا أثرًا فنيًّا ضخمًا ومتنوعًا على المسرح وفى السينما والتليفزيون والإذاعة، بالإضافة إلى نيله العديد من الجوائز.كان الظهور الأخير للفنان الراحل فى مهرجان الإسكندرية السينمائى الدولى فى دورته الـ36 التي حملت اسمه، وأبدى سعادة كبيرة بهذا التكريم كما كان سعيدًا بإعادة عرض مسرحية «أهلًا يا بكوات»التي تُعد واحدة من أعماله المهمة.

د.عمرو دوارة - الذي لقبه المسرحيون بحارس ذاكرة المسرح المصري - قدم لنا توثيقا شاملا للمسيرة المسرحية للفنان عزت العلايلي فقال:
الفنان القدير عزت العلايلي – رحمه الله – قامة فنية رفيعة ورمز من رموز قوتنا الناعمة، فهو ممثل موهوب ومتميز، تحسب له مساهمته الفعالة بجميع القنوات الفنية وكذلك مشاركته في إثراء حياتنا المسرحية من خلال تحمله مسئولية بطولة خمسة وثلاثين مسرحية، جسد خلالها عددا كبيرا من الشخصيات الدرامية الخالدة. كان خير مثال للالتزام وللفنان المثقف الذي يعي دوره الطليعي والتنويري في المجتمع. أضاف: العلايلي بتقاطيعه المصرية الأصيلة ومهاراته الفنية يعد واحدا من أفضل الممثلين الذين نجحوا في التعبير عن المواطن المصري المنتمي للطبقة المتوسطة أو المواطن المطحون بالطبقات الكادحة، بصدق تعبيره عن معاناته وآلامه وتعرضه للظلم والقهر يشعر المشاهد - ومنذ الوهلة الأولى - بأصالته وطيبته وقدرته على العطاء والتسامح وأيضا بكبريائه وشموخه وقدرته على التحدي، وذلك بخلاف تميزه بصوته المعبر الذي يشعر المستمع على الفور بصدق مشاعره وحجم معاناته. استدرك دواره : حرص منذ بداياته على صقل موهبته بالدراسة، فالتحق بالمعهد «العالي للفنون المسرحية»، وحصل على «بكالوريوس» التمثيل والإخراج عام 1959، ضمن دفعة ضمت عددا من الموهوبين الذين نجحوا في تحقيق نجوميتهم ومن بينهم الأساتذة: عايدة عبد العزيز، رجاء حسين، عبد السلام محمد، عبد الرحمن أبو زهرة.
تابع: كانت بداياته المسرحية من خلال فرق التليفزيون المسرحية اشترك خلالها في تمثيل عدة مسرحيات خلال الفترة من 1962 إلى عام 1964 من بينها: الحصاد، ثم تشرق الشمس، ثورة قرية، مفتاح النجاح، لا حدود.

 أعماله المسرحية
وأشار عمرو دواره إلى أن «المسرح» طوال مسيرته الفنية ظل هو المجال الإبداعي المحبب للفنان عزت العلايلي، بالرغم من تألقه السينمائي والتليفزيوني، وإلى أنه قضى محترفا بالمسرح ما يقرب من نصف قرن، شارك خلالها بعضوية بعض الفرق المسرحية المهمة ومن بينها: المسرح القومي، المسرح الحديث، مسرح الحكيم، كما شارك في عروض الفرق الخاصة وفي مقدمتها: الفنانين المتحدين، عمر الخيام.
ويحسب له نجاحه في تقديم عدة شخصيات درامية مهمة من بينها: شخصية الطيار بمسرحية «الإنسان الطيب»، الضابط المصاب بمسرحية «العمر لحظة»، رجل المخابرات الصهيوني بمسرحية «دماء على ملابس السهرة»، الفنان المثقف محمود المؤمن برسالة التنوير ولا يقبل المساومة في مبادئه وأفكاره بمسرحية «أهلا يا بكوات»، الميكانيكي زوج المرأة الثرية الارستقراطية بمسرحية «الزواج تأديب وتهذيب وإصلاح»، زعيم الحرامية أبو مطوة  في أوبريت «ملك الشحاتين»، وكذلك الغريب المناضل الثائر الذي ربطته قصة حب مع مطربة القرية في أوبريت «تمر حنة». هذا ويمكن تصنيف مجموعة أعماله المسرحية طبقا لاختلاف الفرق المسرحية وطبيعة الإنتاج وطبقا للتسلسل الزمني كما يلي:
فرق مسارح الدولة:
قدم للمسرح الحديث: شيء في صدري، الأرض، الحصاد، ثم تشرق الشمس (1962)، ثورة قرية، سهرة مع الحكيم - دقة الساعة/ مفتاح النجاح، بنت ساعتها (1963)، لا حدود (1964)، في سبيل الحرية (1965)، أغنية على الممر، بير القمح (1968)، العمر لحظة(1974) .
كما قدم لمسرح الحكيم»: بيجماليون (1963)، خيال الظل (1965)، إتفرج يا سلام، الإنسان الطيب ((1966.
أما في «المسرح القومي» فقدم : وطني عكا (1969)، قولوا لعين الشمس (1973)، دماء على ملابس السهرة (1979)، أهلا يا بكوات (1988)، وداعا يا بكوات (1997).
وفي «الغنائية الاستعراضية»قدم: ملك الشحاتين (1971)، عريس وعروسة (1972).
«المسرح الكوميدي»: الزواج تأديب وتهذيب وإصلاح (1992).
وفي «أنغام الشباب» قدم : باحلم يا مصر (1994)
أما في فرق القطاع الخاص فقدم في عمر الخيام»: تمر حنة (1974) «
وللفنانين المتحدين»: أولادنا في لندن (1975).»مسرحيات مصورة» لعبة كل يوم (1972)، حب بالكمبيوتر (1982).
تابع دواره : تعامل مع نخبة من كبار المخرجين الذين يمثلون أكثر من جيل وفي مقدمتهم الأساتذة: نبيل الألفي، كمال يس، سعد أردش، كرم مطاوع، كمال عيد، جلال الشرقاوي، أحمد عبد الحليم، محمود مرسي، أنور رستم، فاروق الدمرداش، فوزي درويش، عبد الغفار عودة، نبيل منيب، محمد أبو داود، عصام السيد. كما  أعد نص مسرحية «ثورة قرية» عن نص الكاتب الصحفي محمد التابعي لفرقة «المسرح الحديث» عام 1962، وهي المسرحية التي أخرجها حسين كمال.

 أهلا يابكوات
قال النجم حسين فهمي: حزين جدًا لفقدان زميل عزيز وممثل قدير، قدم الكثير للفن السينمائي المصري والمسرح، وله مسرحيات عظيمة جدًا، هو قامة كبيرة، ونحن أصدقاء جمعتنا أعمال كثيرة فى السينما، قبل أن نُقدم معًا مسرحية «أهلًا يا بكوات»، وعرضنا المسرحية في عدة دول، بالإضافة إلى أن عرضها في مصر استمر ما يقرب من سنتين، وكانت الحمد الله مسرحية ناجحة جدًا وعظيمة.
أضاف: كان الفنان محمود ياسين في هذه الفترة رئيسا للمسرح القومي، وكُنا نُشكّل ثلاثيا جميلا، وكُنا نتنافس على المسرح أنا و العلايلى، كُلٌ منا يُحاول أن يُقدم أفضل ما عنده، واستمرت علاقتنا بعد المسرحية. آخر مكالمة بيننا كانت قبل وفاته بأسبوع. وأشار الفنان حسين فهمي إلى أن العلايلى لم يكن سعيدا في الفترة الأخيرة بسبب فقد زوجته برحيلها.  
وتابع الفنان الكبير حسين فهمي: بعد كل ليلة من ليالي «أهلا يا بكوات» كُنا نجلس لنُقيم العرض، ونتناقش حول كيفية المحافظة على الأداء والرتم ونلتزم  بالنص تمامًا ، وكنا قد بدأنا التحضير لنعرض «أهلًا يا بكوات» مرة أخرى على القومي، وللأسف تم التأجيل أكثر من مرة بسبب الكورونا، وكُنا نستعد ونتناقش لإعادة العرض مثل الشباب.
وأشار الفنان الكبير حسين فهمي إلى أن أبرز ما كان يميز «عزت العلايلى» أن قلبه كان قلب طفل، ينفعل ويغضب ثم يصفى بكلمة بسيطة، أنا كذلك و فنانين كبار آخرين كفريد شوقي ورشدي أباظة ومحمود ياسين. كذلك  كان خلوقًا جيدا.

أدوار صعبة
فيما قالت النجمة إلهام شاهين: قدمت معه عملًا وأنا في عامي الثاني فى معهد الفنون المسرحية وهو فيلم «بستان الدم» إخراج المخرج أشرف فهمي، الذي تم تصويره فى تونس وظروف السفر أنشأت بيننا أُلفة وصداقه استمرت لما يزيد عن ثلاثين عامًا، وهو يُعتبر من أوائل من  تعرفت عليهم فى الوسط الفني، وبعدها أصبح صديقا وأستاذا يُوجهنى و يُعلمنى الفن و الحياة أيضًا، أتذكر مدى اهتمامه بزملائه، كان داعما لنا، إنسان طيب جدًا يسأل على المريض ويساعد أي شخص يحتاج مساعدته. آخر مقابلة بيننا كانت فى جنازة الرائع وحيد حامد وقبلها فى جنازة القدير محمود ياسين، ودائمًا كان «العلايلى» أول الحضور، كان شديد التأثر برحيل أصدقائه و يشعر أنه سيذهب إليهم قريبًا، ولكنه قبل تلك حالات كان أفضل ، تم تكريمه في مهرجان الإسكندرية السينمائي في  دورة تحمل اسمه، وكانت ندوته فى المهرجان رائعة. أضافت:  جمعتنا مناسبات جميلة وسافرنا معًا مهرجانات عدة،
وكان صديقًا بمعنى الكلمة يتعامل كأب للوسط كله.
تابعت : «أهلًا يا بكوات» استمر عرضها فترة كبيرة على المسرح القومي، وحضرتها مرتين لأنها من الأعمال الجميلة جدًا، وهو ممثل مسرح قوى جدًا، وقدم أفلاما سينمائية مميزة جدًا، وكان كل المخرجين يسندون إليه الأدوار الصعبة، عمل مع المخرج الكبير يوسف شاهين في  «الاختيار» و»الأرض» وهما من الأفلام المهمة جدًا، و مع المخرج الكبير صلاح أبو سيف في «السقا مات» و»المواطن مصري ومع المخرج الكبير على بدرخان فيلم «أهل القمة» وغيرها من الأعمال المتميزة والمهمة.

مدرسة أجيال
فيما قالت الفنانة القديرة سميحة أيوب: كانت أدواته وموهبته تطاوعه، وكان مدرسة تعلمت منها أجيال، كان إنسانًا خلوقًا وفنانًا متميزًا وبفقده فقدت مصر صرحا كبيرا. قدمنا معًا مسرحية «الإنسان الطيب» ومسلسل «الأرض الطيبة»، ، وعلاقتي به كانت علاقة أخوه وصداقه.
قال المخرج عصام السيد: لم نعمل معًا قبل مسرحية «أهلا يا بكوات» عام 1989، ومن هذا التاريخ حتى رحيله كُنا أصدقاء، وكان مُحبًا للمسرح يعشق العمل على خشبته، لدرجة أنه منذ ما يقرب من ثلاثة أشهر تحدثنا فى فكرة أن نقوم بعمل مسرحي مرة أخرى، وكان بيننا مشروع فني منذ ما يقرب من ثلاثة سنوات ولكن بسبب وفاة زوجته اعتذر، ومنذ ما يقرب من ثلاثة أشهر تواصلنا وكان حلمه أن نُعيد مسرحية «أهلًا يا بكوات» مرة أخرى.
وتابع «السيد»: هو شخص متواضع وطيب جدًا، عصبي فى العمل قليلًا ولكن عصبيته فى النهاية تكون لمصلحة العمل، كما كان مطيعًا جدًا وتلك سمات نادرة فى النجوم.
كذلك قالت الفنانة د. سميرة محسن: حزينة بشدة على فراقه، كنت أتحدث معه قبل رحيله بيومين، ولا أعرف ما أصابه وسبب الوفاة ، وما تداول حول إصابته بالكورونا غير صحيح، لأنه كان حريصا جدًا وكانت صحته جيدة، ولكن فى النهاية هو عمره.
وأضافت «سميرة»: بدأت حياتى الفنية معه فى مسلسل «ميرامار»، وأول عمل مسرحى لى كان معه أيضا وهو «خيال الظل»، وقد جمعتنا أعمال فنية كثيرة ،  وكان إنسانا خلوقا ومحترما ومثقفا جدًا.
أضافت: الإحساس بالوحدة مؤلم جدًا، فقدنا قامات كبيرة  في الفترة الماضية: نور الشريف ومحمود عبد العزيز وفاروق الفيشاوي وهادى الجيار وكان أبناء جيلنا دائمو السؤال على بعضهم البعض، اتصل بشويكار «يرحمها الله» كل أسبوع وكذلك رشوان توفيق وعزت العلايلى.. «ربنا يعوض مصر بأجيال تحب بعضها البعض وتكون مخلصة بهذا الشكل».
الفنان سامي مغاورى قال: أول مسلسل لى كان مع «عزت العلايلى» وهو مسلسل «وقال البحر» إخراج الأستاذ محمد فاضل، تأليف أسامة أنور عكاشة، وكان «العلايلى» هو الشخصية الدرامية الأولى، وقد تعامل معى بشكل قمة فى التواضع، وكان دائم المتابعة لي، لا يبخل على بنصائحه الفنية، كان يجمع الجميع حوله، و يُحب أن يسهر مع زملائه فى غرفته، وعندما كُنا نعمل سويًا كان يسأل عنى إن لم أحضر يومًا، وكان يهتم جدًا بالجميع، المناقشات التى كانت تجمعه بالفنانين الكبار كالسعدنى وحمدى ود. سيد عبد الكريم كانت تفيدنى جدًا وأكتسب منها خبرة فنية وحياتية كبيرة.
وتابع «مغاورى»:  كان يُحب الغناء جدًا، وكان صوته جميلا جدًا ورخيما، التقينا أيضًا فى العمل المسرحى «أهلا يا بكوات»، وكان عملا ناجحا جدًا .  هو رائع جدًا، و ملتزم جدًا يذهب قبل موعد فتح الستار بوقتٍ كافٍ، حتى يكون حاضرًا نفسيًّا وذهنيًّا للعمل، وكان دائم المتابعة لدوره بشكل يومي، تعلمت منه ذلك وهي سمة من سمات الأساتذة الكبار، جمعتنا أعمال أخرى لكننا لم نجتمع فى مشاهد معًا فى العمل كمسلسل الجماعة وفيلم تراب الماس.

رمز عربي
فيما قال الفنان فتوح أحمد: للأسف لم يجمعني به غير عمل درامى واحد فى بداية حياتى،  وكانت مسرحية «أهلًا يا بكوات» عملا عبقريا ولم يكن «عزت العلايلى» رمزًا للفن فى مصر فقط وإنما فى العالم العربي بأكمله.
فيما قال المخرج ناصر عبد المنعم: هو ابن المسرح القومي، عشقه وبيته، وآخر رغباته كانت إعادة «أهلًا يا بكوات» على خشبة المسرح وكان حريصا جدًا على ذلك، وكان ينتظر بشغف شديد لحظة إعادتها مرة أخرى، وهو من النجوم الذين يُطلق عليهم «أبناء المسرح»، مهما حقق من نجومية فى السينما والدراما يبقى المسرح هو عشقه الأول والأخير والحقيقى. أضاف:
سيبقى فى وجدان وذاكرة المصريين من خلال أعماله المتميزة منها السقا مات والاختيار والطريق إلى إيلات والمواطن مصرى، و سيبقى خالدًا فى تاريخ الفن و عاشقا للمسرح وابنا من أبناء  المسرح القومي، وقد  بدأ نجاحاته على خشبة المسرح القومي، بـ» أهلًا يا بكوات» الذي حقق نجاحا جماهيري ونقديا كبيرا وكان  من أهم عروض المسرح المصري فى السنوات الأخيرة، وكان دوره فيه قدر من التنوع،.


إيناس العيسوي