جماليات الطقوس في الفن الدرامي الأفريقي

جماليات الطقوس  في الفن الدرامي الأفريقي

العدد 702 صدر بتاريخ 8فبراير2021

• نبذة مختصرة :
مع مرور الزمن , يُنظر الي مصطلح الطقوس ببعض الخوف من جانب الأطفال , وتوضح الطقوس فكرة من يتغنون بفكرة أن الطقوس تسكن أعمال السحر . وبالنسبة لهؤلاء الناس , فان الحديث عن الطقوس أو زيارة قراهم هو نوع من الانتحار المتعمد . وهذا يثير أسئلة مثل : هل الطقس فعلا عمل شرير ؟ وهل يمكن أن يجلب الطقس أي خير؟ ومن هو الذي يمارس الطقس ؟ . وتستخدم هذه الدراسة المنهج السوسيولوجي التحليلي في بحثها عن الطقس وتكامله مع الدراما . ويستكشف كذلك المشتقات الجمالية للدراما من الطقوس . وبذلك تشير الدراسة تحليليا الى بعض النصوص الدرامية الطقسية , وتوضيح كيف أن صور الأشعة السينية تعزز من قدرات الطقوس في حبكاتها الدرامية .

• المقدمة : الخلفية المفاهيمية للطقس:
     غالبا ما يرى مفهوم الطقس من منظور ديني . وهذا يتوقف علي الاعتقاد بأن الانسان يتوق بلا انقطاع الي أسلافه وآلهته وفي النهاية الوجود الخارق . ويكمن التوق في تقدير الانسان لعجزه وبالتالي الاعتماد علي مساعدة خارقة للطبيعة في كل ما يفعله ويحتاجه تقريبا . وهذا يساعد فيما بعد علي تشكيل مقياس للعلاقة بين الانسان/الخارق للطبيعة , وهي علاقة تقوم علي التضحية/ التصالح . تصبح الطقوس اذن نمطا متكررا ومنتظما للسلوك المرتبط بالمعتقدات والممارسات الدينية وبمعنى ما يعتبر مقدسا . وتحتوي الطقوس علي عنصر زمني من حيث أنها تحمل في أوقات محددة ( خلال احتياجات ومناسبات معينة) بنظام طقوسي وعنصر مكاني , وغالبا ما تحدث في مكان محدد مع الممثلين المتناغمين مكانيا أيضا . يشكل الطقس جزء لا يتجزأ من المجتمع الأفريقي لضمان أن يستمر هذا المجتمع للأجيال لتتبع ما ورائه .
     يرى ريتشارد شيشنر أن الطقوس تطورت مع الطبيعة وأصبحت بر الزمن جزء من الوجود الاجتماعي الفيسيولوجي للانسان . اذن يرى شيشنر الطقس من طبيعة متعددة الوجوه باعتباره :
(1) جزء من التطور التدريجي للحيوانات .
(2) بنيات ذات خصائص شكلية وعلاقات قابلة للعريف .
(3) أنساق رمزية للمعنى .
(4) أفعال أو عمليات أدائية .
(5) تجارب .
وتتداخل هذه التصنيفات . ومن الواضح أن الطقوس ليست خزائن الودائع الآمنة للأفكار المقبولة ولكن في كثير من الحالات نظام أدائي دينامي يولد مواد جديدة ويعيد توحيد الاجراءات التقليدية بطرق جديدة . ويستكشف أندرو هورن الجوهر الجمالي في الطقس ويجادل بأن :
الغاية النهائية للطقس هي أن له تأثير علي الأرواح لكي نجعــل الألهة تعمل .... هدف الطقس الأساسي اذن هو التأثير السحري فالطقــس يمـارس جماعـيا , ويشـجع علي معنى الجمــاعة بين الأعضاء .
هذا الجوهر الجمالي للطقوس هو حجر الأساس الحاسم للحياة الجماعية في أفريقيا . فالأحداث التي تجعل ساحات السوق وساحات القرى وتقاطعات الطرق والأماكن المماثلة مسارح مميزة للعروض الأفريقية . فقد جاءت الطقوس بتعريفات متنوعة تستند الي قيم الاتصال . اذ ناقش كل من تامبيا وتيرنر وجروتوفسكي وشيشنر الطقوس من المنظور الاتصالي والأدائي . ويعرف تامبيا الطقس بأنه :
نظام مبني ثقافيا للتواصل الرمزي ...يتألف من تسلسلات وكلمات وأفعال مرتبة , غالبا ما يتم التعبير عنها بوسائط متعددة , يتميز محتواها وترتيبها , بدرجات متفاوتة ,من خــلال الشكليـات ( الاصطـلاح) والنمطــية (الصرامـة)  والتكثيف (الاندماج) والتكرار .
بهذا التعريف يسلط  تامبيا بشكل ملون الضوء علي بعض المميزات الدرامية القابلة للتكيف مع الطقوس . ومثل هذه المميزات وهي مكونات تكيفت لمحاكاة الحياة في رأي علماء الدراما الأفريقية مع مرور الوقت , تقاسمت الفكرة المشتركة حول معنى وجوهر الطقوس . ويبدوا أنهم اتفقوا علي أن الطقوس هي محاولة الانسان المستمرة للاتصال مباشرة بالقوى الأكبر منه أو الخارقة . ويرى أندرو هورن , وفرانسوا جروندكازنر , وجانيت شنايدر نيل , و ب.أ ايزيكياكو , من بين آخرين , أن الطقوس هي دعاء الانسان للقوى الخارقة أو المتعالية من أجل الرعاية . ويرى أندرو هورن أن الطقس محاولة من الانسان للتواصل مباشرة مع القوى الخارقة , ومع عالم القوى الخارج عن سيطرته . ويشبه الكاتب المسرحي أولا روتيمي Ola Rotimi في مسرحيته “ كورومي Kurumi” هذا التواصل بفلسفة الضفدعة التي يفسرها لكي تعني “ الأخذ والعطاء “ . انها عملية ثنائية الاتجاه يقدم فيها الانسان التبجيل/التضحية للقوى الخارقة للحصول علي خدمات/مكافآت . وقد يكون الطلب/المكافأة  عبارة عن مطر أو حصاد وفير أو أطفال أو صحة جيدة أو معركة ناجحة أو رحلة صيد موفقة .
 وينسب الي الطقس دور الاتصال والتفاعل . ويميز أندرو هورن الوسيط والكاهن في عملية التواصل هذه . فهو يرى أن “ أي اتصال يجريه الانسان مع الكاهن أو الوسيط هو ليس اتصالا بذلك الشخص بل من خلاله الي الروح ومن خلال الوسيط تخاطب الأرواح المتضرع , ولذلك جاءت كلمة الوسيط . ويستعيد شوينكا هذا الوسيط في مسرحيته “ ساكن المستنقع The Swamp Deweller” عندما يبكي “ ايجويزا” وهو يسأل الآلهة التي من واجبها حمايته واطعامه بعد التضحية التي قام خلال الكاهن .

• الفعالية الجمالية للطقس :
     كما سبق أن أشرنا , كان الطقس ولا يزال جزء من الفعاليات الانسانية ما دامت الحياة ومصادرها هم المعنيون . ويتأمل أوجوندي هذه النشأة والوظيفة الفعالية  في الطقوس ويرى أنه :
   يُعتقد أن الطقس نشأ من محاولات الانسان البدائي للتعامل    مع مشكلة بيئته وطبيعته ووجوده ذاتــه .  فقد اكتشـف أن     بعض الأفـعال , التي أخـذها تعطيه الشـجاعة والطمـأنينة فيما يتعلق بمخاوفه النفسية والطبيعـية . وبالــتالي أستمــر في تكرار الأفعال بشكل موسـمي . فقـد ظهـرت الغـريزة التمثيليـة المتأصلة في الانسـان في تحقيــق هذا الغــرض وحذت الفنون الأخرى حذوه بمرور الوقت .
     يشكل التمثيل اذن الحبل السري بين الطقس والدراما . ويبرز فعل الاستسقاء في المجتمع الأفريقي ,ولاسيما في قبيلة الاجبو هذه الحقيقة ويؤكد وجهة نظر أوجوندي . وأعتقد أن تجربتي في الطفولة وشهادتي علي أفعال جدي في الاستسقاء سوف تدعم هذه المناقشة . ففي قريتي التي تدعى أومونو ناسو Umunohu Nsu في منطقة ايهيمي مبانوEhume Mbano في مقاطعة ايمو Imo State , هناك مجرى مائي يسمي نوانجوبي يشكل وادي ذا جبلين كبيرين . يقسم وادي نوانجوبي هذا قريتي الي نصفين . وربما تتساءل ماذا هذا الوصف ؟ والآن في أحد موسم الأمطار , ملت شخص في الجانب الآخر من الجبل , وفي يوم دفنه , كان يوما منذرا بمطر شديد . وجرت أسرة المتوفي بسرعة ونادت علي جدي العجوز لكي يساعدهم في حمل أدواته وينتقل الي منتصف الطريق . وفي نفس الوقت كانت السحب كثيفة وتبعت جدي كصبي بصمت وأنفذ كل ما طلب مني . وفي أثناء التعاويذ , وضع ورقة كاكاو عريضة علي الأرض , ثم وضع عليها حجرا وفي النهاية رمحا في الورقة علي الأرض . ثم لوّح بمكنسته في جهات الأرض الأربعة وغنى ما استطعت أن أسمعه :
        فليذهب المطر ! فليذهب المطر !
        فليذهب المطر  !
       ( يشير الي الشرق )  
       فليذهب المطر الى أوموزيلا . فالمطر يسقط هناك حتى الليل  
 عند هذه النقطة , بدأت السماء تمطر حيث نقل المنطقة الموجهة دون عبور النقطة التي ربط فيها رمحه . ومن تلك النقطة وخلال كل القرية , لم يسقط أي مطر حتى الليل . في الحقيقة كان فيضانا تدفق عبر ذلك يشهد بغزارة الأمطار . لم تكن مشاهدة هذا الأداء الطقسي ممتعة فحسب بل كانت كاشفة ومفيدة . شيء يفوق الخيال كما يعتقد أكبوروبارو  بأن الدراما تنطوي علي فعل تخيل تعاوني يصبح من الممكن للمقلد أن يقدمه ويحصل منه المتفرج علي صورة توضيحية لتلك الصراعات المادية والروحانية التي تحكم السلوك البشري .النقطة الموضحة هنا هي الفعالية الدرامية الجمالية لعناصر الطقس في فعل الاستسقاء التقليدي .
 وتصر فرانسواز جروند كازندر علي أن التركيز الأساسي للطقوس هو التقاء عالم الأحياء مع عالم الموتى . ويصبح هذا امظهر المسرحي عنصرا مكونا للبنية الاجتماعية ويديم القيم الثقافية من جيل الى جيل لاعادة انشاء الدراما الأفريقية والحفاظ عليها . ويمكن القول أن هذه دلالة ايحائية عندما يتحدث شوينكا عن “طقوس المرور” , وعوالم الوجود المختلفة , ووحدة الكون أو المرحلة الربعة في عالم قبيلة اليوروبا التي عبر عنها جميعا في مسرحية “ رقصة الغابات A Dance of the Forests “ حيث يقدم اتصالا ثنائيا بين الأحياء والأموات . ويؤكد العلاقة الثلاثية بين الأحياء والموتى  والأجيال القادمة موضحا التأثير التكاملي لهذه العلاقة عموما . وبالتالي , يتحدث من خلال المرأة والرجل الميتين في “رقصة الغابات” :
المرأة الميتة  : أعلم أنهم قالوا لي أن آتي . أعلم أنه تم استدعائي . ( فما لهم أولئك
      الذين انحدرت منهم ان كان هذا هو سبب تجنبهم لي الآن؟ ) .. ان العالم كبير ولكن الموتى أكبر . لقد متنا مــنذ البدايــة , والأحيــاء يحاولون لكن الفجوة تتسع دائما . فما لهم أولئك الذين انحدرت منهم الرجل الميت : كان خطأ من البداية . طريق طويل أن نسافر أسفل النهر لنكون حاضرين حيث يفرح الأحياء . وماذا يعني لي ؟ لا أريد المزيد لا أريد شيئا علي الاطلاق .
يرى ايزيكوجاكو الطقس بأنه وعي ديني , وتكتل للأسرار المقدسة التي تعتبر ضرورية لرفاهية وتنمية أفراد المجتمع . فتمسك الانسان بالطقس ينبئ بضرورة البقاء علي قيد الحياة . ويؤكد أن :
     بشكل ذاتي , الدين هو وعي الفرد بالاعتماد علي وجود متعالي والميل الى عبادته ؛ و بموضوعية , الديـن هــو مجمـوعـة الحـقائـق والقـوانين والطـقوس التي يخضــع الانسان بموجبها الى الوجود المتعالي . ومـن المقــترح أنه اذا لم يتم الاحتفال بمراحل الحياة البشرية من خلال الطقوس والعمل الجاد , فلن يكون هناك حصاد مجـزي ولا صحة جيدة , وبالتالي لن يكون هناك سكان قادرون       جسديا يشكلون في الواقع حجر الأساس لأي تطور .
ويوسع فيكتور تيرنر الطقوس ويؤكد علي رفاهية الانسان وقوته باعتباره الجوهر الأساسي . ويصنف جوهر الطقوس الي ثلاثة , هي تحديدا : طقوس تعويضية Redressive Ritual  أو طقوس المحنة Ritual of Affliction  
(i) طقوس الأزمة Ritual of Crisis  
(ii) الطقوس الحدية (أو العتبية) Liminal Ritual
     ويلاحظ أن الطقوس التعويضية هي نوع من الطقوس التي تعالج المصائب التي تصاب بها الجماعة . وفي هذا السياق يعتقد أ .م .هوسارت أن الطقوس ليست مجرد بحث عن الحياة , بل انها أيضا مسعى اجتماعي . ومع ذلك , نرى أن الطقوس ,  اما علمانية أو دينية , أو مسعى اجتماعي , فانها تتبني الفنون المسرحية في التعبير عن معتقدات الناس ., ويمكن القول ان الطقس والمسرح مرتبطان . ولا يوجد توتر بين الدين والتسلية ,   يمكن تسمية التوفيق المتبادل الذي تم التوصل الية بأنه “الدراما الطقسية Ritual Drama “ .
الطقس والجماليات المسرحية :
     من الخطأ بالفعل الاعتقاد بأن الأفارقة ليس لديهم شيئا يسمى المسرح سواء كمبنى أو كأداء . فكل لحظة في حياة الأفريقي تتيح له الفرصة للتعبير عن عواطف الفرح , والحزن , والنصر , والامتنان . وغالبا ما تعرض هذه التعبيرات بالأغاني والرقص أو الموسيقى , وغالبا ما يجمع بينها كلها . وغالبا ما يتم الاعلان عن الصياد الذي يقتل طريدة متوحشة بالموسيقى , ويتم تصوير سلوكه طقسيا بالحركة. وتجسد هذه الفعاليات ما يراه الأفريقي باعتباره المسرح الذي يكون فيه الجميع ممثلون رئيسيون . ويلاحظ أوجونسوي أن الجذور البدائية لهذه التقاليد النظرية يمكن التماسها في المهرجانات والطقوس الدينية التي تنتشر في من الجماعات في نيجيريا . ولهذا الغرض , يلقي جروتوفسكي نظرة اجتماعية عامة في وصفه لأصل الطقوس ويلاحظ التالي :  
           المؤدي هو رجل الفعل , فهو ليس الانسان الذي يلعب دور آخر انه راقـص وكاهـن ومحـارب : وهو خـارج الأنواع الجماليـة . والطقس أداء , فعل يتم انجازه . وكل طقس فاســد استعراض . ولا أريد أن أكتشف شيئا جديدا بل شيـئا منســيا . شيء عتيـق وهو أن جميع الفروق بين الأنواع الجمالية مستخدمــة . فـأنـا أهتم بالجوهر لأنه لا يوجد فيه شيء اجتمــاعي . انــه مــا لا تتلقاه من الآخرين و ما لا يأتي من الخارج . ومـا لا تتعلمــه.
 انه وسيلة للوصول الي طريقة ابداعية لاكتشاف الذات القديمة          التي تربطنا بها علاقات قوية بالأسلاف . ويمكنك المضي بعيدا          جدا , وكأن ذاكرتك استيقظت , وكأنك تتــذكر مؤدي الطقـوس           البدائية . ومع الاختراق – كما في حــالة العـودة من المنفى –          هل يمكننا أن نلمس شيئا ما لا علاقة له بالطقوس ؟ أظن ذلك.
وينسب فيكتور تيرنر المزيد من الخصائص الدرامية للطقوس . والطقس طبقا له : هو أكثر أشكال التعبير الثقافي نموذجية , فهو نوع من تزامن العديد من الأنواع الأدائية , وغالبا ما يتم تنظيمه وفقا للبناء الدرامي والحبكة , ويتعلق غالبا بالتضحية أو التضحية بالذات , الذي ينشط ويعطي تلوينا عاطفيا للرموز الاتصالية المرتبطة التي تعبر بطرق متعددة عن المعنى المتأصل في الفكرة الدرامية المهيمنة . وبقدر ما يكون الطقس دراميا , فانه يتضمن اعادة مضاعفة منفصلة ومتأصلة للدراما الاجتماعية المحايدة دينيا . ولذلك فان الطقس ليس مبتذلا ولكنه نسيج غني بفضل تنوع تشابكات منتجات العقل والحواس .
 وقد لوحظ أيضا أن الدراما تطورت من المهرجانات اليونانية احتفالا بالاله ديونيسيوس . ويتتبع لايولا أصول الدراما الطقسية في احتفالات ديونسيوس وفي أماكن أخرى , ويرى :
 في المسرحيات الطقسية , يتوجه تطور الحبكة البنية نحو تحقيق  شعور معين بالرفاهية . اذا كان التطوير لا يستبق خاتمة  الأداء   فان الترتيب هو حيث يتم الاطمئنان الي نتيجــة معينة . وهنــاك   توق الي حل الفوضى سواء كانت شخصية أو كونية .
ويشبه لايولا الطقس بخلق وتطور الصراعات الدرامية , وهو نوع الصراع الذي يزيد التوتر والاثارة ويحافظ عليهما في العمل الدرامي . وهذه سمة بارزة في الدراما الطقسية والنقطة التي يلتقي عندها الطقس مع الدراما . وتكثر الأمثلة الغزيرة لاظهار التأثيرات الجمالية للطقس في تطوير الحبكة الدرامية . واذ1ا كان تأكيد يريما بأن المسرح يتغذى علي ثقافة المجتمع  أمرا صحيحا , فسوف نبحث الآن بعضا من نصوص الدراما الطقسية لاستكشاف كيف أن الطقس قدم هذه المساهمة لتطوير الدراما .
يقدم زولو سوفولا طقس الموت بشكل درامي لتطوير حبكة زواج الآلهة . اذ تتأمل أوديبي الظروف المحيطة بموت طفلها وتعتقد أن أوجوما مسئولة عن موته . وفي محاولتها للانتقام لموته تتحول الي الطقوس . ويقدم لنا زولو سوفولا الجماليات المسرحية للطقس :
أوديبي  : الهي , لقد حدث الشيء الأسوأ ! يسير أوجوما في الطريق الذي تفوح منه رائحة الدم . ( تلتقط قوقعة الحلزون وتنفخ المسحوق) دعني أشعر بمسحوقك !  ( تضعه  , وتنظر اليه مباشرة . تهز حبة القرع في فترات مناسبة ) . النسر لا يرى الجنة ويتجنبها ,
 والكلب لا يرى روث الانسان ويقاومه , والظبي لا يسمع موسيقى
 موته ويرفض الرقص . ولا يستطيع أوجوما أن يسمع نداءك   ويرفض أن يجيب ! احضرها هنا ! قدها الي ؛ اجعلها لا تعرف ما تفعله ! قدها الي وأجعلها تفعل أيا كان ما أعطيها ! يتم استدعاء
 روحك يا أوجوما ؛ ( يظهر أوجوما في نشوة ويسير باتجاه أوديبي)
 روحك مطلوبة . . تعال .. تعال .. ولا تنظر للخلف ! تعال يا أوجوما  تعال وأجب دعوتك .. تعال ولا تنظر للخلف . ( تصل أوجوما اليها  ويتوقف ) .
أوجوما : ( وهي لا تزال في نشوة و تبقي كذلك حتى تصل وتفعل ما هو مطلوب  منها . وتتكلم ببطء ) أنا هنا .
أوديبي : هذا شيء طيب . اذهب الي بيتك , وافتح الباب وادخل . حيث يوجد اناء   غير اناء الماء الخاص بك . افتحه وقل بداخله “ لقد فعلت ما تحرمه  الأرض “ . وافتح يدك علي شكل فنجان ثلاث مرات قبل أن تشرب وقل  “ لقد فعلت ما تحرمه الأرض .. فدعوني أموت “ .. “ وليهدئ دمي روح  زوجي “ . ثم أغلق الاناء وانتظر ما يأتيك .. هل هذا واضح .
أوجوما : واضح .
أوديبي: حسنا .. اذهب الآن , وأفعل كل شيء .
أوجوما : سأفعل كل شيء .
 تسبب تأثير طقس أوديبي في وفيات كثيرة , وهو ما يمكن اعتباره محنة الطقوس . وربما يفسر هذا لماذا يمقت الناس الطقوس ويكرهون الذهاب الى قراهم. ولكن هنا , أتأمل الكيفية التي تطورت بها الحبكة الدرامية جماليا . ففي مسرحية “أوفونراموين نوجوبيسي Ovonramwen Nogbaisi “ يستكشف أولا روتيمي الطقس في تقديم الصراع الدرامي والاثارة . حيث تدوي رسالة الكاهن ايفا :
الكاهن ايفا  :   ( يتوقف فجأة , ويلقي بحبات الأوبال )
      أ ووسا !
     ( يلتقط الحبوب , يغني الأغنية , يلقي الحبات ثانية)
     أ وويسا ! هه !
    ( ينحني لفحص تكوين الحبوب ) هل رأى أحد دما في الجرادة !
    ( ينظر الي أوفونراموين  ويهز رأسه بقسوة )
أوفونراموين : ما الذي تقوله ؟
     ( وهو يهز كتفيه ) شيء جيد اذن ....
الكاهن ايفا   : ( يعيد ترتيب حبات الأوبال الي شكلها الأصلي )
 أوبا أليليوا , سيد بنين ... الظلال التي أراها علي امبراطويتك   كثيفة .. كثيفة جدا .. كثيفة ومظلمة .
أوزازاكبو   : ما معنى هذا ؟
الكاهن ايفا   : عهده ملئ بالمخاطر .
ايفبكابوكن   :  هل هو الموت ؟
الكاهن ايفا   : الموت .
      ويستخدم الكاتب المسرح ايميكا نوابيزي في مسرحيته “ حارس الكون Guardian of Cosmos” تأثير الطقس في مسرحيته عندما تظهر أزمة في قيادة “أنوكا “. حيث يؤكد علي اعتماد الانسان التام علي حكم الآلهة علي شئونه ولاسيما في مواقف الصراع . وبالتحدث من خلال شخصياته يلاحظ نوابيزي :
أكوكاليا : لم يعد الأمر بيدكم الآن يا شيوخ أنوكا . الأمر بيد الأجداد  
أوكزي : أجدادنا ! أنا أنحاز لهذا . الأسلاف في أنوكا لهم القول الفصل في هذه الطبيعة . ويجب أن نسأل كاهن أجبالا لهدايتنا . فلنسأل الآلهة . كلام  الموتى يجب أن يرشد الأحياء . فلنسأل الآلهة.
• الخاتمة :
     في الختام يمكننا أن نرى مما سبق أن الدراما هي أحد فروع الطقس . وقد اعتمد كتاب الدراما الأفارقة علي الطقوس في تقديم القضايا ذات الصلة وحلها بجوهر درامي , لأنه عندما تنفصل الدراما عن الطقوس وتفترض لنفسها وجودا مستقلا فانها تصبح آالية وبلا حياة .


ترجمة أحمد عبد الفتاح