ناصر عبد المنعم: طليعي وصاحب فكر حر وأفضل من يدرب الممثل

 ناصر عبد المنعم:  طليعي وصاحب فكر حر وأفضل من يدرب الممثل

العدد 701 صدر بتاريخ 1فبراير2021

فهمي الخولي مخرج مسرحي طليعي كبير، مسرحه حافل بالمغامرة والمغايرة للسائد . يتميز مسرح فهمي الخولي بعدة ملامح ، أرصد بعضاً منها على النحو التالي :أولاً : اختياراته للعروض المسرحية التي يقدمها تأتي على صلة بالواقع الراهن وتماس مع القضايا الملحة المطروحة آنياً. وهو في هذا يؤمن بدور المسرح في إيقاظ وعي المتفرج ودفعه نحو التساؤل حول ما هو كائن، وما ينبغي أن يكون، وله في هذا الصدد مقولة هامة : « الفنان دائما يكون على يسار النظام الحاكم «.ثانياً: الإيمان العميق بالتجريب كفعل مسرحي، فهو مخرج طليعي كبير لا يقنع بالسائد والمتكرر على المستويين الفكري والجمالي، وتحفل عروضه بالابتكار ومساءلة النص المسرحي والتجريب على المادة الكلاسيكية. وفي هذا السياق قدم مسرحية وليم شكسبير «تاجر البندقية « لفريق مسرح آداب القاهرة قبل حوالي أربعين عام - وكنت وقتها عضوا بالفرقة - واختار فهمي الخولي أن يقدم المسرحية برؤية جديدة مدهشة متجاوزة كل المعطيات السائدة آنذاك حال التصدي للكلاسيكيات الراسخة، حيث اختار قالب الدراما الموسيقية «musical play» في إطار رؤية معاصرة واكبت توقيع اتفاقية «كامب ديفيد»، مستلهماً مجريات القضية الفلسطينية عبر نسق أدائي مبهر لشخصية «شايلوك» التي أداها الطالب وقتها والممثل الكبير الآن/ أحمد كمال. رؤية فهمي الخولي المسرحية أدهشتنا كمشاركين في العرض مثلما أدهشت الجمهور أيضا، وحققت نجاحاً جماهيرياً لافتا.ثالثاً: الاشتغال الحر على النصوص المسرحية التي يتصدى لإخراجها، بمشاركة كل مبدعي عناصر العمل، فتجده يفتح الباب لنسف المشهد حيناً، أو تعديله وإعادة بنائه على نحو مختلف، أو حتى اقتراح مشاهد جديدة، بحيث تشعر معه أنك داخل معمل التجارب المسرحية يمتد طوال فترة الإعداد وتحضير العرض، وأحياناً أثناء العرض، حدث هذا ونحن طلاب أعضاء في منتخب جامعة القاهرة عندما تصدى لتقديم مسرحية «العمر قضية» عن عميد الأدب العربي د. طه حسين والتي كتبها د. سمير سرحان و .د. محمد عناني، وشرُفت بالمشاركة فيها في  دور «طه حسين «.رابعاً: تتميز عروضه المسرحية بالخيال الكبير في توظيف مفردات العمل، فقطعة ديكور واحدة مثلا بوسعها أن تؤدي أكثر من وظيفة داخل العرض، كذلك أجساد الممثلين التي دفعها خياله لأداء دور سينوغرافي  بارز، فتجد أجسادهم تشكل أبواباً ومكاتب ومقاعد ... الخ.كما تتميز عروضه بديناميكية هائلة، فكل لحظة داخل العرض تأتي حافلة بالحركة والفعل والتكوينات الجمالية المتميزة والمعبرة عن الأحداث .خامسا: الإدارة البارعة للممثلين، حيث يمتلك فهمي الخولي قدرات كبيرة في تفجير طاقات الممثلين ودفعهم نحو قراءة واعية للشخصيات التي يقومون بأدائها، عبر دراسة مفاتيح ومسارات وتحولات هذه الشخصيات، كما يُجيد قيادتهم ببراعة، دون تلقين حرفي، للتألق داخل العرض المسرحي، إضافة إلى تمتعه بحسٍ عالٍ في الرهان على ممثلين في بداية طريقهم، ومنحهم فرصاً كبيرة داخل العرض المسرحي. تجلى هذا مبكراً تقريباً عام 1980، عندما أصر على إسناد دور البطولة النسائية في «تاجر البندقية» لطالبة ليست لها تجارب مسرحية سابقة تُذكر، وأسند اليها دور  «بورشيا «، ولك أن تعرف أن هذه الطالبة  وقتها هي حالياً النجمة الكبيرة/ عبلة كامل.هذه بعض وليست كل الملامح التي تميز المخرج الكبير/ فهمي الخولي صاحب البصمة المميزة في مسيرة المسرح المصري.

ناصر عبد المنعم