د. محمود فؤاد صدقى: اختيار اسم د. جمال الموجى للدورة الأولى تكريم مستحق لأحد أعمدة مسرح العرائس

د. محمود فؤاد صدقى: اختيار اسم د. جمال الموجى للدورة الأولى تكريم مستحق لأحد أعمدة مسرح العرائس

العدد 942 صدر بتاريخ 15سبتمبر2025

فى ظل السعى المستمر لوزارة الثقافة وأكاديمية الفنون لإحياء الفنون الأصيلة وإعادة الاعتبار لمسرح العرائس، ينطلق مهرجان مسرح العرائس فى دورته الأولى، تحت رعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، والدكتورة غادة جبارة رئيس أكاديمية الفنون.
المهرجان يأتى ثمرة جهد سنوات طويلة من الحلم والعمل المشترك بين أجيال متعددة من فنانى العرائس، حتى تجسّد أخيرًا فى حدث فنى كبير يعكس قيمة هذا الفن وثرائه.
فى هذا الحوار، يكشف د. محمود فؤاد صدقى مدير المهرجان عن كواليس تأسيس الدورة الأولى، التحديات التى واجهت فريق العمل، وأحلامه بأن يتحول المهرجان إلى حدث دولى يضع مصر فى قلب خريطة فنون العرائس عالميًا.

بدايةً، كيف وُلدت فكرة مهرجان مسرح العرائس؟ وهل جاء بدافع الحاجة لإحياء هذا الفن أم لتوسيع دائرة جمهوره؟
بدأت فكرة المهرجان من المعهد العالى لفنون الطفل التابع لأكاديمية الفنون، وهو معهد تم إنشاؤه منذ عدة سنوات ضمن مجموعة كبيرة من المعاهد الفنية التى تضمها الأكاديمية، و كان الهدف من إنشاء هذا المعهد هو تقديم ودعم فنون مسرح الطفل والعرائس.
والفكرة انطلقت من الدكتور خالد محسب عندما كان يشغل منصب عميد المعهد، وهو حاليًا لم يعد فى منصب العميد لكنه يظل أحد أهم الداعمين والمبادرين بها، ويشغل حاليًا موقعًا بارزًا بين المخرجين.
ولا يمكن إغفال أن هذه الفكرة لم تكن مجرد مبادرة فردية، بل كانت حلمًا راود كل فنانى مسرح العرائس على مدار سنوات طويلة حتى تحققت أخيرًا، تحت رعاية وزير الثقافة د. أحمد فؤاد هنو، ود. غادة جبارة رئيس أكاديمية الفنون، التى حرصت على دعم المهرجان وفكرته والوقوف على خطوات إقامته.
ما الذى يميز هذه الدورة عن أى فعاليات سابقة متعلقة بفن العرائس فى مصر؟
ما يميز هذه الدورة من المهرجان أنها تُقام تحت مظلة أكاديمية الفنون ووزارة الثقافة بشكل مباشر. فأكاديمية الفنون باعتبارها صرحًا تعليميًا وفنيًا كبيرًا تابعًا لوزارة الثقافة المصرية، تمتلك صلاحيات واسعة ودورًا محوريًا فى دعم مثل هذه الفعاليات.
ولكن كان هناك محاولات سابقة لإقامة مهرجانات لمسرح العرائس. من بينها تجربة الفنان محمد فوزى، الذى أطلق مهرجانًا دوليًا لفنون العرائس عبر الإنترنت، وجمع فيه عددًا كبيرًا من الفنانين من مختلف الدول من خلال منصات التواصل الاجتماعى ويوتيوب.
وكانت الفكرة فى وقتها مبتكرة ومثيرة للحماس، لكن يبقى المسرح الحقيقى هو المسرح الحى القائم على التفاعل المباشر بين الفنان والجمهور فى مكان واحد.
كذلك، ظهرت مبادرة أخرى من أحد الفنانين لإقامة مهرجان للعرائس فى الإسكندرية، لكنها كانت تجربة محدودة لم تستمر أو تتكرر.
كيف تمت عملية الإعداد لهذه الدورة.. وما أبرز التحديات التى واجهتكم أثناء التحضير؟
بدأت عملية الإعداد للمهرجان منذ فترة طويلة، ربما تعود إلى أكثر من عامين. فى البداية، كان هناك فريق عمل وضع الخطط الأساسية والإعدادات الأولية، ثم انضم فريق آخر لاحقًا ليستكمل الجهود. وخلال هذه الفترة جرى تعديل بعض التفاصيل بما يتناسب مع الظروف الحالية.
ومن أبرز التحديات أن المهرجان يجمع بين أفكار ورؤى أجيال مختلفة، الجيل القديم، وجيل الوسط، ثم الجيل الجديد من الشباب. هذا التنوع كان فى الوقت نفسه ميزة وتحديًا، إذ كان المطلوب الوصول إلى صيغة مرضية توازن بين العناصر الفنية وبين روح العصر الذى نعيشه حاليًا، بحيث يعكس المهرجان صورة حقيقية ومعبرة عن واقع المسرح وفنونه اليوم.
لماذا وقع اختياركم على اسم الفنان الكبير جمال الموجى ليكون عنوان الدورة الأولى؟
الفنان الدكتور جمال الموجى هو أحد أعمدة المعهد العالى لفنون الطفل ومن المؤسسين له، بالإضافة إلى كونه واحدًا من روّاد مسرح العرائس فى مصر ومن الجيل الذى عاصر الرواد الأوائل.
وتكريمًا لمجهوداته الكبيرة، وإيمانًا من إدارة المهرجان بأن الفنان يجب أن يُكرَّم فى حياته ويُمنح حقه وهو حاضر بين جمهوره وتلامذته، جاء اختيار اسم الدكتور جمال الموجى ليكون محور هذا التكريم المستحق.
المهرجان لا يقتصر على العروض فقط، بل يتضمن ورشًا تدريبية ومحاضرات متخصصة، ما طبيعة هذه الورش؟ ولمن توجه بشكل أساسى؟
من أهم مميزات هذه الدورة من المهرجان هو العدد الكبير من الورش التدريبية التى تُقام على هامشه. والسبب فى ذلك أن تعلم فن العرائس ليس سهلًا، فهو فن واسع ومتشعب يحتاج إلى ممارسة دقيقة وخبرة عملية.
ومع الأخذ فى الاعتبار بأن هناك أكثر من صرح أكاديمى يُدرِّس هذا الفن بشكل علمى، مثل كلية الفنون الجميلة – وهى الأقدم – وكلية التربية النوعية، والمعهد العالى لفنون الطفل، لكن يظل فن العرائس مرتبطًا بالحرفة وأسرار المهنة التى لا تُكتسب بسهولة داخل القاعات الدراسية وحدها. فلكل فنان فى هذا المجال أسراره ومهاراته الخاصة، وقد يتقن جانبًا معينًا لا يعرفه غيره.
من هنا تأتى أهمية الورش داخل المهرجان، فهى تُسهم – من وجهة نظرى المتواضعة – فى تسهيل مهمة الفنانين، حيث يمكن لكل فنان أن يتوجه إلى الورشة التى تغطى النقطة التى يواجه فيها صعوبة أو نقص خبرة، مما يرفع من مستوى وكفاءة فنانى العرائس ككل.
والورش المقامة ضمن فعاليات المهرجان تنقسم إلى شقّين أساسيين:
ورش متخصصة: وهى موجهة للفنانين المحترفين وأصحاب الخبرة، ولا تُتاح للهواة أو المبتدئين، نظرًا لخصوصيتها العالية ولحاجتها إلى معرفة مسبقة بلغة وفنون العرائس.
وورش عامة: وهى موجهة للهواة والمبتدئين، أو لأى شخص لديه رغبة فى التعرف على هذا الفن وتجربة أدواته الأولى.
وبهذا الشكل يحقق المهرجان معادلة مهمة، إذ يفتح الباب أمام الجمهور الواسع للتعرف على فن العرائس، وفى الوقت نفسه يمنح المتخصصين مساحة أعمق لتبادل الخبرات وتطوير أدواتهم.
هناك اعتقاد شائع أن مسرح العرائس للأطفال فقط، بماذا ترد على هذه الفكرة؟
أحد أهم الأخطاء الشائعة هى النظر إلى مسرح العرائس باعتباره موجهًا للأطفال فقط، وهذه فكرة غير صحيحة على الإطلاق. ربما يكون الجمهور فى مصر معذورًا فى ذلك، نظرًا لندرة العروض المخصصة للكبار، إذ لا يوجد منها سوى عدد قليل جدًا. لكن على العكس، فى الغرب هناك عروض للعرائس يُمنع دخول الأطفال إليها، لكونها موجهة للكبار بشكل كامل.
والمفارقة أن المتفرج لا يشعر أبدًا بالملل عند مشاهدة مسرح العرائس، ولا يتساءل “لماذا أشاهد عرائس؟”، بل على العكس، إذ كما يقول الباحث “جريج”: قدرات العروسة تبدأ من حيث تنتهى إمكانيات الممثل البشرى، وهذا ما يجعل فن العرائس فنًا غنيًا ومتجددًا وقادرًا على التعبير عن مستويات مختلفة من التجربة الإنسانية.
ويحاول فنانو العرائس فى مصر ترسيخ هذا الفكر، أى أن يكون المسرح موجهًا للأسرة كلها، وأحيانًا للكبار فقط. وهناك تجارب لافتة فى هذا المجال، مثل تجربة المخرج محمود جراتسى فى مسرح العرائس، حيث قدّم عرضًا مخصصًا للكبار، لا يمكن للأطفال استيعابه أو التفاعل معه أصلًا.
ما الذى يميز فن العرائس عن غيره من أشكال المسرح من حيث التعبير والرمزية؟
يمكن النظر إلى مسرح العرائس كأنه لغة عالمية؛ فحتى لو لم يكن هناك حوار منطوق أو كلمات مفهومة، يظل المتفرج قادرًا على متابعة الأحداث والتعاطف مع الشخصيات: يضحك أحيانًا، ويتأثر أو يبكى أحيانًا.
والسر هنا يكون فى الرمزية والتعبيرية التى يعتمدها الفنان، فالمتلقى يتفاعل على مستويات متعددة: هناك من يكتفى بالتأثير المباشر والبسيط، وهناك من يمتلك قدرة أوسع على الاستيعاب فيلتقط ما وراء الرموز ويفهم المعانى الأعمق. وغالبًا ما ينتمى هذا المستوى الأخير إلى مسرح العرائس الموجه للكبار، حيث يستطيعون استيعاب الرموز والرسائل الخفية، فى حين يتفاعل الأطفال مع ما هو مباشر وصريح.
والأطفال، على سبيل المثال، يتأثرون بدرجة عالية بالألوان الصريحة وأبعادها النفسية المباشرة، بينما يدرك الكبار الأبعاد الرمزية والتجريبية فى العمل: لون يوحى بمعنى، أو شكل يحمل رمزًا. وقد أُجريت دراسات عديدة تؤكد أن هذا التوازن بين التأثير المباشر على الطفل والرمزية الموجهة للكبار هو ما يمنح فن العرائس عمقه وتفرده.
كيف يمكن لمسرح العرائس أن يواكب التطورات التكنولوجية والوسائط الحديثة دون أن يفقد أصالته؟
فى ظل التطورات الحديثة، أصبحت الكتابة لمسرح الطفل قضية بالغة الأهمية. فما زال كثير من النصوص المقدمة للطفل تعتمد على الرسائل المباشرة، وهذا لم يعد مناسبًا لأطفال اليوم؛ فطريقتهم فى التفكير مختلفة عن الأجيال السابقة، ولم يعد الطفل يستجيب للخطاب المباشر كما كان فى الماضى.
ومن هنا تظهر الحاجة إلى أن ينفتح الفنانون على تجارب جديدة، سواء من خلال السفر للحصول على ورش عمل فى الخارج أو باستقدام محاضرين أجانب إلى مصر، خاصة أن هناك دولًا سبقتنا كثيرًا فى تقنيات الكتابة والتحريك وأساليب توظيف العرائس.
كما أن تدريب المحركين يتطلب بنية تحتية مناسبة، مثل قاعات مجهزة بالمرايا وأدوات خاصة، حتى يتمكنوا من صقل مهاراتهم بشكل احترافى. والأهم من ذلك كله هو ضرورة أن تكون هناك أجور مجزية للفنانين، ليتمكنوا من تكريس وقتهم وجهدهم بالكامل لهذا الفن والتعامل معه بالجدية التى يستحقها.
ففن العرائس ليس فنًا من الدرجة الثانية كما قد يظن البعض، بل على العكس هو فن شديد الصعوبة، وإتقانه يحتاج إلى مهارة عالية وحس فنى دقيق.
هل تتطلعون إلى أن يصبح المهرجان تقليدًا سنويًا ثابتًا على أجندة الفعاليات الثقافية المصرية؟
استمرار المهرجان وتواصل دوراته هو الهدف الأساسى من إقامته، فالفكرة ليست مجرد دورة واحدة وتنتهى، بل حدث مستمر يعكس حضور فن العرائس ويضمن تواصل الأجيال.
الدورة الأولى جاءت محلية،بحكم الظروف المختلفة، وكذلك لأن الفنانين المصريين أنفسهم بحاجة أولًا إلى أن يتعرفوا على أعمال بعضهم البعض ويّطلعوا على التجارب المختلفة داخل مصر. ومع ذلك، لم يغفل المنظمون توجيه الدعوة لعدد من الفنانين العرب والأجانب الذين يمثلون إضافة مهمة للحراك المسرحى العالمى فى مجال العرائس، تمهيدًا لأن تكون الدورة المقبلة دولية بكل معنى الكلمة.
وطموحنا هو أن يُقام المهرجان بصفة سنوية، أو على الأقل كل عامين، ليحافظ على زخمه ويتيح الفرصة لظهور أعمال جديدة فى فن العرائس تتواكب مع روح العصر وتلبى طموحات الفنانين والجمهور معًا.
ما خططكم لتوسيع دائرة المشاركات مستقبلًا سواء على مستوى الفرق الدولية أو الورش التدريبية؟
فى الدورة القادمة من المقرر أن يكون المهرجان دوليًا، حيث سيتم اختيار الفرق المشاركة بعناية شديدة لضمان التنوع والاختلاف فى الأساليب والرؤى، وهو ما ينعكس بالإيجاب على الفنانين والجمهور معًا من خلال الاطلاع على تجارب متنوعة من مدارس مسرح العرائس فى العالم.
وهناك العديد من الخطط، من بينها الاستفادة من الخبرات المميزة لكل الفنانين المصريين. فالدورة الأولى لم تضم جميع الأسماء البارزة، لكن ذلك كان نتيجة ترتيب الأولويات، وليس تقليلًا من شأن أحد، و لهذا، جاءت الورش لتغطى محاور مختلفة فى فن العرائس، ما بين المتخصصين والهواة، على أن يتم فى الدورات القادمة إشراك فنانين مصريين متميزين آخرين لم تتح لهم الفرصة هذه المرة.
ما الرسالة التى تودون أن تصل إلى الجمهور من خلال هذا المهرجان فى دورته الأولى؟
الفكرة الأساسية أن المهرجان يُبنى خطوة بخطوة، “طوبة فوق طوبة”، حتى يتحول إلى منصة كبيرة تجمع تحت مظلتها كل فنانى العرائس على مستوى مصر، ثم تمتد ليصبح حدثًا دوليًا بارزًا يحظى باهتمام فنانى العرائس حول العالم، وهو ما نطمح لتحقيقه فى الدورة القادمة إن شاء الله.
والرسالة الأعمق لفن العرائس هى أن العروسة تعتبر رمز للمحبة والإنسانية؛ فهو فن يجتمع عليه الكبير والصغير، وتلتقى عنده كل الأديان والأجناس والألوان. العروسة بحد ذاتها هى البطل الحقيقى، بعيدًا عن أى اعتبارات طائفية أو تقسيمات بين دراسة أكاديمية أو ممارسة حرة. ما يجمعنا جميعًا هو الشغف بالعرائس، والسعى لتطوير هذا الفن وإتقانه.
أما بالنسبة لدورة المهرجان هذا العام، فقد كان أهم إنجاز فيها هو أنها أتاحت لنا أن نتعرف على فنانى العرائس فى مصر بعضهم على بعض. فقد اكتشفنا وجود قمم كبيرة لم نكن نعرفها من قبل.
وجاء شعار المهرجان هذا العام ليعكس هذه الروح:
«العرائس.. عين وخيال وإبداع».


صوفيا إسماعيل