المخرج هشام علي: خلف كواليس «أوبرا بنت عربي» عرض آخر لا يشاهده الجمهور

المخرج هشام علي: خلف كواليس «أوبرا بنت عربي» عرض آخر لا يشاهده الجمهور

العدد 622 صدر بتاريخ 29يوليو2019

يخوض المخرج هشام علي تجربته المسرحية الرابعة مع البيت الفني للمسرح من خلال عرضه المسرحي الجديد «أوبرا بنت عربي» من إنتاج فرقة الشمس، الذي يتم عرضه حاليا على خشبة مسرح السلام، والعرض من تأليف ياسمين فرج، بطولة علاء قوقة، ماهر محمود، نهاد فتحي، محمد السعداوي، هاني عبد الحي، ياسمين فرج، شريف غانم، عمر فرحان، أداء صوتي للراوي الفنانة الكبيرة سميحة أيوب، بمشاركة الكثير من الشباب والراقصين المتخصصين في فنون السيرك وأبناء فرقة مسرح الشمس وأبطال مصر من ذوي القدرات، دراما شعرية إهداء سامح مجاهد، ألحان أحمد الناصر، ديكور رامة فاروق، أزياء أميرة صابر، مكياج أماني حافظ.
وفي هذا الحوار الشامل لـ»مسرحنا» يفتح لنا هشام قلبه وعقله ليجيب على كل أسئلتنا واستفساراتنا حول العرض.

- ما سر اختيارك لاسم «أوبرا بنت عربي» ليكون عنوانا للعرض؟
استغرقت فترة طويلة جدا من الإعداد لهذا العمل مع مؤلفة العرض استمرت قرابة العشرة شهور، واختيار اسم «أوبرا بنت عربي» جاء لأنني كنت أتمنى صياغة أوبرا عربية، ليكون لدينا مرجعية نعود إليها بعيدا عن عروض الأوبرا المستوردة من الخارج، ويصبح لدينا أوبرا عربية تضاهي عروض الأوبرا العالمية، مثل «كارمن»، وغيرها، فقمت بوضع اسم أوبرا، بطلة العرض ليكون أوبرا بنت عربي، ويصبح اسما وشكلا ومضمونا لدينا ضمن أيقونات الأوبرا العالمية، أوبرا عربية.
- وما هي الرسالة التي تريد توجيهها من خلال العرض؟
رسالة العرض التي نريد توصيلها هي تقبل الآخر، مهما كانت الاختلافات، في الشكل والعرق واللون، لأن الله خلق الناس بأشكال وألوان مختلفة، وكما خلق الورد، خلق حوله الشوك، وكما خلق الحيوانات الأليفة، خلق أيضا حيوانات مفترسة، وقد ميز الله الإنسان بالعقل عن بقية مخلوقاته، لذا فعلينا أن نتقبل الآخر ولا نميزه، حتى التمييز الإداري، مثل تخصيص مقاعد خاصة بالمعاقين، فهذا التمييز مرفوض، فنحن في النهاية كتلة واحدة ونعيش ونتعايش سويا، وانت بهذا التمييز تقول للعاجز إنك عاجز، فهم أيضا مبدعون، وحققوا نجاحات وإنجازات كثيرة، فلدينا في مصر أبطال من ذوي الاحتياجات الخاصة، يفعلون ما لا يستطيع فعله الأصحاء، وأعتقد أنني جسدت ذلك عمليا من خلال هذا العرض، فقد قدمنا عددا من ذوي القدرات الخاصة، استطاعوا التعبير ولديهم القدرة على التوصيل والتواصل مع المتلقي، فمعي في العرض 4 أفراد يعانون من الصمم، وجميع أبطال العرض تعلموا لغة الإشارة من أجل أن يكسروا ذلك الحاجز، وكذلك الفتاتان الصغيرتان اللتان تعانيان من متلازمة داون، وهناك اثنان جالسان على كرسي متحرك، جميعهم يمثلون ويرقصون.
- ذكرت أن النص مر بمراحل متعددة حتى تم الاستقرار على شكله النهائي فما هي أهم الإضافات والتعديلات التي تمت عليه؟
هناك الكثير من الإضافات، أهمها أننا لم نجعل فكرة الاختلاف مقصورة على المعاقين، فالمؤلفة رأت أن توسع دائرة الاهتمام، لتشمل كل المختلفين، مثل البنت البدينة، والرجل القصير، الأبهق، الأشقر، الأشهب، الأسمر، العانس، فقد وسعنا دائرة كل أنواع التنمر والتمييز، التي يشملها النص، أما المرحلة التالية، فكانت من خلال المزج بين مناطق الدراما والأشعار المغناة، حتى تصبح كتلة واحدة، وحتى يصبح هناك هارموني بينهما، أما التعديل الثالث، فكان في صياغة «فينال» يليق بهذه التجربة.
- تلجأ في عروضك لاختيار فنانين من ذوي المواهب القوية دون الارتباط بنجومية الشباك، فكيف قمت باختيار نجوم عرضك الجديد؟
*- لدي منهج في الاختيار أعلنه دائما، وهو أن كل عمل ينادي أبطاله، وليس لدي «شلة» أعمل معها، وهذه هي تجربتي الرابعة في البيت الفني للمسرح، ورقم 22 لي في تاريخي المسرحي، وكل تجربة أستدعي فريق عمل جديد، وهذا ما يحدث خلال العرض الجديد فيما عدا مؤلفة العرض، فأنا لم أنل شرف التعاون مع د. علاء قوقة من قبل، ولا الفنان هاني عبد الحي، ولا الفنان ماهر محمود، ولا نهاد فتحي وهم أبطال العمل، فكل هؤلاء الفنانين أعمل معهم للمرة الأولى، فأنا أرى أن كل عمل ينادي أبطاله، واختيار هذا الفريق كان مرهقا جدا عملت عليه على مدار أربعة أشهر، شاهدت خلالها أكثر من 100 ممثل، للثمانية أدوار الرئيسية، فبخلاف عمر فرحان الراوي، الذي كان الاختيار الوحيد الذي استمر من البداية، أما بقية الشخصيات فقد قابلت عددا كبيرا حتى وصلنا إلى تلك التوليفة.
- وهل استطاع أبطال العرض توصيل رسالتك إلى المتلقي بالصورة التي كنت تحلم بها؟
أبطال العرض فنانون كبار شرفت بالعمل معهم، وكان وما زال عليهم عبء كبير في توصيل رسالة العرض، وبذلوا جهدا كبيرا في ذلك، فالعرض مختلف في تمثيله، وفي المكياج وفي زوايا الإضاءة، فالمسألة هنا لا تقتصر على مواجهة الجمهور، بالشكل المعتاد، وإنما هناك لحظات يتخذ فيها الممثل أوضاعا جسدية مختلفة، فكان لا بد من وجود ممثل لديه ثقافة مختلفة حتى يستطيع التعامل مع هذا الأمر، في أن نصبح داخل لوكيشن ثري دي، وليس على خشبة مسرح مواجه للجمهور، فمن خلال العرض نحن نكسر كل التقاليد المتعارف عليها، ليصبح لدينا منظور مختلف للممثل في التعامل مع الجمهور، وكذلك لدينا مراحل مكياج كثيرة، وهناك ممثلون يقدمون أكثر من شخصية مع تغيير المكياج بالكامل، فشخصية الملك «نيار»، وشخصية «عربي» تمر بأربع مراحل للمكياج، ففي الكواليس هناك عرض آخر لا يراه الجمهور.
- اعتمادك على صوت الفنانة القديرة سميحة أيوب في خلفية الأحداث هل كان لضرورة درامية أم جاء استغلالا لنجوميتها الكبيرة؟
بحثت كثيرا عن صوت يكون أيقونة وهو يروي أحداث العرض فلم أجد أجمل ولا أعمق من صوت الأستاذة سميحة أيوب، ولأننا من خلال العرض نوثق لأوبرا عربية، ونحاول دخول التاريخ بذلك، فكان لا بد أن نلجأ إلى سيدة المسرح العربي لتكون على رأس هذا العمل.
- فكرة وجود 20 أغنية بالعرض ألم يشعرك بالقلق من رد فعل الجمهور أو أن تطغى الأغاني على الدراما؟
كما ذكرت لك سابقا، فهذه كانت المرحلة الثانية من إعداد النص، وتعاملنا معها بحرفية شديدة، والأشعار مهداة من الفنان سامح مجاهد، وقد تعاون مع المؤلفة ياسمين فرج ليكون النص متضافرا مع الأشعار وأن يكملا الأحداث ولا يطغى أحدهما على الآخر، وأؤكد لك على أن الصياغة الشعرية كانت من أروع وأعمق ما يمكن.
- اختلفت أزياء وأشكال أبطال العرض رغم انتمائهم لحقبة زمنية واحدة حتى إن ملامح بعض الأبطال كانت غريبة، فما هو المقصود من ذلك؟
كان هناك اجتهاد كبير في مسألة الملابس والمكياج، وأردنا أن نذهب بالعرض في إطار أسطوري، بالإضافة إلى أنني حرصت على مسخ وجه الملك ورفاقه من خلال المكياج، لأنهم هم المجتمع الذي يتنمر للآخرين، ويتفنن في إيذائهم، قصدت أن أجعلهم مشوهين، لأقول من خلال ذلك إن الذي يتنمر هو أصلا مشوه، بينما المجتمع الآخر شديد البراءة وشديد الوضوح، وإن جانبنا التوفيق فمن عند الله، وإن جانبنا الخطأ فيبقى الفن محاولات دائمة للتجريب.
- ماذا قصدت من وراء الاستعانة بقطع شطرنج وألعاب ورق في خلفية الديكور؟
بالنسبة لألعاب الورق «الكوتشينة» فلها مرجعية عربية.. فأنا اتفقت مع مهندسة الديكور، وهذه كانت فكرتها في الأساس، على وجود ورق الكوتشينة في الديكور كمرجعية عربية، إضافة إلى أن الدراما تدور بين ملك «الشايب»، ووزير شاب «الولد» والابنة محور الأحداث «البنت»، فكان ذلك إشارة إلى اللعبة والتحدي الذي يتم بينهم جميعا، أما عن قطع الشطرنج، فقد استخدمتها عندما انتقلنا إلى مدينة القائد العسكري، تعبيرا عن شخصيته، وتفكيره المنتظم ونجاحه في توفير الحماية والحراسة لأفراد شعبه، إضافة إلى أن الشطرنج أيضا، مرجعه إلى قدماء المصريين، فالفراعنة أول من لعبوا الشطرنج، وكانت هذه أيضا فكرة مهندسة الديكور وأنا اقتنعت بها تماما.
- أيهما يحتل الأولوية لديك في عروضك: الجمهور العادي أم النقاد؟
الجمهور بالطبع، فهو مقياس النجاح الوحيد، وهو سبب قيام البيت الفني للمسرح بإنتاج هذا العمل، فعروضه يتم إنتاجها من أجل الناس، أما النقاد، فمع احترامي الكامل لهم أرى أن دورهم الفعلي في الأسبوع الأول للعرض، أن يصوبوا، ما يرونه من قصور، وأنا أقول دائما إن النقد له دور إيجابي، فرأي الناقد هو تصويب للعملية الفنية، وأنا مؤمن دائما بدور النقد، وفي تجربتي السابقة «الثامنة مساء» قمت بعمل تعديلات على العرض في كل ما ذكره النقاد، لأن ذلك هو دورهم، فأنا لا أصنع عرضا من أجل النقاد، وإنما هم من يصنعون معي العرض، فالناقد شريك أساسي في العملية المسرحية حتى يخرج في النهاية منتج أقرب إلى المثالية.
- تقدم العرض باللغة العربية الفصحى، ألم تتخوف أن يقف ذلك حائلا بين العرض والقطاع الأكبر من الجمهور؟
*- اللغة العربية الفصحى هي اللغة الأم، وأعتقد أنه يجب أن نعود جميعا إلى الاهتمام بها، وفي أغلب المهرجانات تخرج توصيات اللجان بالاهتمام باللغة العربية، فلا يمكن أن تكون لغة الشارع الدارجة حاليا هي ما نقدمه للجمهور، وعموما أنا لا أقدم العرض بلغة عربية لا يفهمها الجمهور، وإنما لغة بسيطة وقريبة من جميع الفئات والطبقات، واللغة العربية هي الأفضل في توصيل المعلومة للجميع.
- ما أبرز الصعوبات التي واجهتك أثناء التحضير للعرض؟
*- أهم الصعوبات التي واجهتني صعوبات مادية، فالعمل كبير جدا، وينتجه مسرح الشمس، وهي فرقة ناشئة، لكن إيمان الفنانة وفاء الحكيم بالتجربة، وإيمان الأستاذ إسماعيل مختار، الذي كان حماسه ومساندته هما المفتاح السحري لخروج هذا العمل إلى النور، خاصة في إعطائه الإذن بعرض العمل على مسرح السلام، الذي أراه الأنسب تقنيا لهذا العرض، كل ذلك جاء لإيمانه الشخصي بالعمل بعيدا عن وظيفته كرئيس للبيت الفني. وأنا أشكر أيضا الأستاذ خالد جلال رئيس قطاع الإنتاج الثقافي، الذي لم يدخر جهدا، وأعطى الإذن بالموافقة على جميع التعديلات التي طلبناها.
- ما الفكرة من المغامرة بوجود أسد حقيقي على خشبة المسرح خلال أحداث العرض؟
حرصت على ذلك كنوع من التشويق، وعمل شيء من الإبهار للجمهور، وهو يظهر خلال مشهد واحد ونعمل على إضافة مشهد آخر، فالأسد يمر بمراحل تدريب حتى يألف الناس ويتعود على رائحتهم، وفكرة وجود أسد في عروض البيت الفني تحدث لأول مرة، وكان هناك قرد يمشي على الحبل، لكننا لم نوفق في خروجه للنور، وكان معنا الأستاذ أبو العينين رامي الخناجر، لكنه كان مشغولا جدا مع السيرك خلال تلك الفترة.
- هل ساهمت المهرجانات المسرحية في تطوير المسرح المصري؟
بالتأكيد، فكل ملتقى، وكل مباراة تنافسية ما بين العروض، وكل تلاقٍ بين مدارس مسرحية مختلفة، هو أحد أشكال التطوير، فأنت عندما تجلس مع مجموعة من أصدقائك تكتسب خبرات جديدة من كل منهم، وتطور جزءا من مفاهيمك ومعلوماتك، فالحياة هي ملعب للتطوير، وكل مهرجان سواء رضينا عنه أم لم نرضَ، هو جزء من أجزاء التطوير والتعلم من الآخرين، فالمناخ يتغير دائما ويتطور ومصر تغيرت عما كانت عليه قبل سنوات، فالحياة دائما تتحرك وتتطور، وأنا أرى وبصدق، أنه منذ إيمان الأستاذ إسماعيل مختار وإيمان الدولة المصرية، بجيل المخرجين الشباب، وهناك دم جديد في مؤسسة المسرح، 90% من المخرجين الموجودين على الساحة حاليا شباب، مثل سامح بسيوني وتامر كرم وهشام علي ومحمد الشرقاوي ومحمود فؤاد صدقي، وأكرم مصطفى، ورضا حسنين، وفاطمة بيومي، ودنيا النشار، وسما إبراهيم، ومحمد جبر، وإسلام إمام، وعلى المستوى الإداري أيضا هناك سامح بسيوني ومحمد الشرقاوي وعادل حسان وفهد سعيد في إدارة الإنتاج، كل هذا يؤكد أن القادم أفضل جدا.
- ونحن على مشارف دورة جديدة من المهرجان القومي للمسرح، كيف ترى فكرة تقسيمه وفصل الهواة عن المحترفين؟
لدي تحفظ شديد على هذا الأمر، فهذا هو التمييز والعنصرية، وهذا يسهم في شق الصف، فهذا الأمر يجعل الهواة يلعبون في نفس الملعب المعتاد، وهم أصلا لديهم مسابقاتهم التي يتنافسون بها مثل الجامعات، والثقافة الجماهيرية، ومشاركتهم في المهرجان القومي كانت بمثابة صعودهم إلى الدوري الممتاز، وما يهمهم هو المشاركة، وأنا أثناء محاولاتي لأكون مخرجا بالبيت الفني للمسرح، كنت مستقلا، وكنت أشارك في القومي وأترشح وأفوز بجوائز، وعرض «سر العودة» رشح لخمس جوائز في العام الماضي وهو عرض جامعي، وترشحت خلاله لجائزة إضاءة ضمن المحترفين، فبأي منطق يتم تقسيم المسابقة إلى هواة ومحترفين.


كمال سلطان