العدد 845 صدر بتاريخ 6نوفمبر2023
صدرت الطبعة الورقية لترجمة “مسرح ما بعد الدراما “ للمنظر والباحث الألماني «هانس ليمان»، وقامت بترجمته الأستاذة الدكتورة مروة مهدي عبيدو، والذي حصلت من خلاله على جائزة الترجمة الإبداعية من الحكومة الألمانية عام 2021.
أ.د. د. مروة مھدي عبيدو خريجة المعھد العالي للفنون المسرحية، قسم الدراما والنقد بأكاديمية الفنون بالقاھرة، بدأت عملھا الأكاديمي في قسم المسرح بجامعة حلوان فور تخرجھا، ثم حصلت على درجة الماجستير من جامعة حلوان، وبعدها سافرت لألمانيا لإكمال مسيرتھا الأكاديمية، و حصلت على درجتي دكتوراه في المسرح والدراما وفنون الأداء، من جامعتي كولن وجامعة برلين الحرة بألمانيا. تعمل دكتورة مروة مھدي كباحثة مسرحية منذ وصولها لألمانيا، ونشر لھا عددا من الكتب والأبحاث العلمية باللغتين العربية والألمانية، كما تقوم بتقديم دورات تعليمية عن المسرح المصري في الجامعات الألمانية، لطلاب المراحل الجامعية المختلفة، وتقدم ورش عملية في مجال الكتابة للمسرح ومسرحة الحكي.
أما في مجال الترجمة المتخصصة، قامت د. مروة مھدي بترجمة كتاب “جماليات الأداء”، للمنظرة الألمانية إيريكا فيشر ليشته، وعدد من الدراسات العلمية المتخصصة في المسرح.
كما تشارك أ.د. عبيدو منذ 2022 في مشروع الاتحاد الأوروبي “Crossroads”،كمدربة للمسرحيين، بھدف دمج قضايا الھجرة في المشھد المسرحي الأوروبي.
عن الكتاب والترجمة والتخصص والاحتراف والمسرح، كان لمسرحنا هذا الحوار مع الأستاذة الدكتورة مروة مهدي
حوار: سامية سيد
- صدرت الطبعة الورقية لترجمة «مسرح ما بعد الدراما»، نظرة مختصرة عن الكتاب.
كتاب مسرح ما بعد الدراما، للمنظر والباحث الألماني العظيم هانس تيس ليمان، هو أحد أهم المراجع التنظيرية في مجال الدراما والمسرح، ونشر لأول مرة عام 1999 بالألمانية، وترجم بعدها لعدد كبير من اللغات. وطالما احتلت ترجمته موقع خاص كحدث ثقافي هام، مثلما هو الحال حين ترجم للفرنسية او الانجليزية، ومنذ اطلعت على الكتاب وأنا أرغب في ترجمته، نظرا لأهميته للباحثين والنقاد في المنطقة العربية. وتواصلت مع ليمان (الله يرحمه/ توفي في يوليو 2022)، ورحب بفكرة الترجمة للعربية، وكتب مقدمة خاصة للطبعة العربية، منشورة في النسخة الورقية المتاحة الآن.
الكتاب هام جدا في حقل المسرح والنقد التنظيري، لأنه يرصد منعطفا هاما في تاريخ المسرح، حيث يقف على نقطة التحول الجذري في علاقة المتفرج باللاعب، أي بالتغير الذي لحق العقد الضمني الذي يربط بين الخشبة والصالة، كما أنه يرصد خطوات تغيير طبيعة العلاقة التي تربط بين المسرح والواقع.
- حصلتم على جائزة الحكومة الألمانية للترجمة عن ترجمة كتاب «مسرح ما بعد الدراما» للمنظر الألماني هانز تيس ليمان إلى اللغة العربية، ما المعايير التي يتم من خلالها اعتماد الفائزين بهذه الجائزة؟
تمنح الحكومة الألمانية جائزة الترجمة الابداعية للمترجمين المحترفين، ممن قدموا ترجمات أصيلة وهامة، من اللغة الألمانية إلى اللغات الأخرى والعكس. وتعتمد معايير التحكيم فيها على دقة الترجمة، وحرفية المترجم وخبرته في المجال، كما تركز لجنة التحكيم على الأسلوب الأدبي للمترجم، و طريقته المتفردة في نقل العمل المترجم لثقافة أخرى، وتقوم لجنة التحكيم بتقييم أهمية ترجمة العنوان المختار في مجاله الاختصاصي، ودوره الفعال في نقل المعرفة بين الثقافات.
- ما الصعوبات التي يواجهها المترجم في النقل من لغة لأخرى خاصة مع اختلاف المصطلحات والثقافات؟
يحتوي كتاب مسرح ما بعد الدراما على شبكة ضخمة من المصطلحات المرتبطة والمستقلة في نفس الوقت. تزيد صفحات الكتاب عن 400 صفحة في الأصل الألماني، ويعتمد أسلوب ليمان على التكثيف، أي على (السهل الممتنع)، حيث يعطى أبعاد فلسفية وتاريخية عميقة للجمل، التي تبدو بسيطة. لذلك قمت بقراءة أعمال ليمان المتاحة، للتعرف على أسلوبه النقدي، واحتجت الكثير من الوقت، لعمل فهرس بالمصطلحات والمفاهيم الجديدة على اللغة العربية في أعماله النقدية، كما قمت بالتواصل مع البروفيسور ليمان شخصيا، والتقيته أكثر من مرة، للتأكد من استيعابي لما بين سطور كتابه.
ونظرا لجدة نظرية ليمان على الثقافة العربية، احتجت أكثر من ثلاث سنوات لفك طلاسم شبكة مصطلحات الكتاب بدقة، بداية من اختيار المفردات الملائمة، لسحب المصطلحات من اللغة الألمانية للعربية، وصولا إلى محاولتي وضع حدود واضحة لكل مصطلح، كما هو الحال لدى ليمان، الذي وضع عدد كبير من المصطلحات الجديدة، بهدف تحليل وفك طلاسم شكل المسرح الجديد، والإمساك بجوانبه التنظيرية والأدائية، التي لم تعد المصطلحات والمفردات النقدية الكلاسيكية تنطبق عليها.
- ما هي أهم معايير اختيارك لمؤلفين بعينهم لترجمة أعمالهم؟
تحتاج الترجمة لجهد ووقت طويل، ونظرا لانشغالي في المجال العلمي والمسرحي، أدقق جدا في اختيار العناوين التي أترجمها. ونظرا لأنني على دراية كافية بالحركة النقدية والتنظيرية الفعالة والثرية في ألمانيا، ونظرا لندرة الترجمات العربية في هذا المجال، أحاول أن أختار أمهات الكتب، التي يحتاجها الباحث في هذا المجال، والتي لا غنى عن ترجمتها عن لغتها الأصلية.
وهناك فجوة كبيرة بين الاصدارات المتوالية في مجال التنظير المسرحي باللغة الألمانية، وبين الترجمات العربية، وأنا أحاول بقدر استطاعتي سد هذه الفجوة باختيار العناوين المهمة، التي تفتح المجال للتواصل المعرفي في مجال تخصصي الدقيق وهو النقد المسرحي.
- كيف يمكن للمترجم تحقيق ترجمة محترفة وقريبة للنص الأصلي؟
عملية الترجمة هي عملية مركبة ومعقدة، ذات أبعاد متعددة، منها ما هو لغوي، ومنها ما يخرج عن إطار اللغة ويتجاوزها إلى ما وراء الكلام، أي إلى الشفرة الثقافية المخبأة وراء السطور، والتي ترتبط بالسياق الثقافي والحضاري الذي خرج منه النص الأصلي من جهة، و بالسياق الثقافي والحضاري الجديد، الذي يحوي النص الجديد المترجم، ليتحرك النص الأصلي إلى حيز الحياة في هيئة جديدة - من جهة أخرى-. وبناء عليه تعظم إشكالية النقل من لغة إلى أخرى، في حال نقل المفاهيم الفلسفية والاصطلاحية، خاصة المرتبطة بسياقات فكرية وتخصصات معينة.
وأنا أرى، أن الترجمة حالة إبداعية خاصة، رحلة متفردة يعيشها كل مترجم بطريقته الخاصة، فعلى الرغم من وجود النظريات والمنهجيات الخاصة بعلم الترجمة، إلا أن كل رحلة ترجمة تفرض خصوصيتها، على المترجم نفسه، لتتفاعل مع وعيه وطرق فهمه ومنطلقاته في الحياة.
بالنسبة لي، احتراف الترجمة يحتاج شغفا كبيرا بها، وهو الشرط الأساسي للاستمرارية في رحلات الترجمة الشاقة والمرهقة جسديا وعقليا، وتبقى الاستمرارية في الترجمة أكبر تحدي للمترجمين.
- حدثينا عن رحلتك الخاصة في الترجمة المتخصصة في مجال المسرح وفنون الأداء؟
«رحلتي الخاصة في الترجمة» تثير هذه الجملة، الكثير من الذكريات والمشاعر بداخلي، وتكشف لي أن الرحلة ليست بقصيرة، وكأنها تتوازى مع سنوات غربتي. أول ترجمة نشرت لي من الألمانية إلى العربية كان كتاب “جماليات الأداء” للمنظرة الألمانية وأستاذتي إيريكا فيشر ليشته في المركز القومي للترجمة في عام 2012. وهذا العام نشرت ترجمتي العربية لكتابها “الأدائية” ضمن منشورات مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي، وآخر ما تم نشره ورقيا هو كتاب “مسرح ما بعد الدراما” لـ ليمان. ثلاثة كتب شديدة التخصص، يجمعها التنظير للمسرح وفنون الأداء، وأنها من أهم المراجع البحثية في الحقل النقدي والأكاديمي في أوروبا، في العقود الأخيرة، وتعتبر هذه الكتب محطات مركزية في تاريخ النقد، رغم اختلافها في طرق التناول والمنهجيات البحثية المستخدمة.
وبالتأكيد، بدأت رحلة الترجمة قبل ذلك بسنوات، كنتيجة للحياة بين عالمين/ ثقافتين/ لغتين/ مسرحين…الخ، حيث يدفع التأرجح العقلي الإنساني، إلى محاولة التقريب بين العالمين، ليبني جسرا بينيا (بين - بين) يستطيع أن يعيش فوقه، ودعم ذلك عشقي للغة الألمانية، وهي لغة الفلسفة - من وجهة نظري- حيث تحمل كل جملة مستويات متعددة للمعنى، وربما يبرر ذلك ظهور الفلسفة الحديثة في ألمانيا.
غير تلك الرغبة التي ترافق المهاجر/ة، أقصد أن تظل جسور التواصل باقية وممتدة، مع وطنك ولغتك الأم، مما يستدعي القيام بدور ما، كرد لجميل الوطن علينا.
وبناء عليه، كانت رحلتي مع الترجمة وسيلتي لرد بعض من الجميل لمصر خصوصا والثقافة العربية عموما، من داخل تخصصي في حقل المسرح وفنون الأداء.
- في ظل الأحداث الأخيرة ، في رأيك هل استطاع المسرح أن يعبر عن قضايا الشعوب ومآسيها؟ وهل النضال من أجل الإنسانية وحاجات الشعوب يعد أحد مسؤوليات المسرح والمسرحيين؟
يدفعنا هذا السؤال للعودة إلى سؤال مغزى الفن عموما، ودوره في الحياة الإنسانية، خاصة في ظل الأزمات والأوقات الصعبة. لدي إيمان ويقين، بدور الفن في الحياة البشرية، وفي تطوير الوعي الإنساني ولكن دوره دور تراكمي، أي لا يمكن محاسبة الفن في لحظة بعينها، بل تتبع دوره عبر السنوات والعقود. وأذكر هنا قول أوسكار وايلد: «الفن هو الأداة التي نستخدمها لاستكشاف أنفسنا والعالم، خاصة في الأوقات الصعبة». وقال فيكتور هوجو، بما معناه، أن الفن ينتصر حين تفشل الأسلحة، بل أن الفنون هي التحدي الصارخ للظلم واليأس.
فتاريخيا، كان المسرح أداة فعالة في مقاومة الشعوب للظلم، وفي نشر الوعي السياسي والإنساني، وأذكر هنا برتولت بريشت ومسرحه الذي روج لأفكار معادية للديكتاتورية، وتم نفيه من ألمانيا، وغيره الكثير من الفنانين والأدباء المنفيين، لأنهم سعوا لتغيير العالم بواسطة الفن.
- هل يستطيع المسرح أن يغير العالم وتوجهاته؟ وكيف؟
بالطبع، يستطيع المسرح تغيير العالم، والأدلة التاريخية متعددة. أذكر برتولد بريشت وأوغست بوال وهارولد بنتر لورين هانسبري التي كتبت مسرحية «الشمس المشرقة في السماء»، لمعالجة قضايا العنصرية والتمييز ضد السود في الولايات المتحدة، والقائمة تطول.
فالمسرح جزء لا يتجزأ من الحياة الإنسانية، وهو يؤثر ويتأثر بالمجتمع في جدلية يصعب الإمساك بها، ولكن أثر المسرح هو أثر تراكمي، وبالتالي لا يمكن محاكمته في لحظة تاريخية بعينها. من ناحية أخرى، قد يصمت الفنان في اللحظات الصعبة، ويشعر بالعجز أمام الوحشية والقسوة التي تسود في الأوقات الصعبة، لأنه لا يستطع أن يحمل سلاحا ويذهب إلى أرض المعركة، لكنه يراقب ويتابع، ليخرج للعالم بسلاح الفن، ليوثق ويناقش ويتشابك مع الأحداث الاجتماعية والتاريخية، ومن ثم يعيد للحياة بريقها.
- هل للترجمة دور في تناسج الثقافات؟
الترجمة هي أساس التواصل بين الثقافات، ولولاها لما عرفنا الكثير عن بعضنا البعض.
وتلعب الترجمة دور الجسر الذي يربط بين الثقافات، ومن خلال هذا الجسر نتعرف على بعضنا البعض، ونكتشف أنواع مختلفة من الأدب والأفكار والمفاهيم الفلسفية والاجتماعية، و نتبادل تجاربنا الإنسانية والفنية والفلسفية. لدينا اليوم، العديد من المؤلفات العلمية والأدبية والفلسفية التي نقرأها، والمتاحة لنا بفضل الترجمة.
كما تُمكِّن الترجمة العلماء والباحثين والقراء من الاستفادة من المعرفة التي تم إنتاجها في لغات وثقافات أخرى. فالترجمة هي الوسيلة الحيوية الأولى لتبادل المعرفة بين الثقافات المختلفة، وهي عنصر نشط وفعال في بناء عالم واحد مترابط ومتفاهم، فهل يمكن تخيل العالم بلا ترجمة؟
- ما المسؤولية التي تقع على عاتق المترجم أثناء ترجمته من لغة لأخرى ؟
المترجم هو حامل النص من ضفة نهر إلى ضفة أخرى، لأن لديه قناعة أن هذا النص، مهم لقارئ ما في الضفة الأخرى ولابد أن يكون متاحا له بلغته. وتتم عملية الترجمة من خلال نقل النص وتحويله على يد المترجم ليكون مفهوما في لغة أخرى، ومن ثم فهو يخلق نصا جديدا، لابد أن يتوافق مع النص الأصلي، بطريقة تجعله مفهوماً باللغة الأخرى. ويكتسب النص بالضرورة، ومن داخل عملية النقل المركبة والمعقدة، عناصر جمالية جديدة، ربما لم تكن متاحة في الأصل. وبالتالي، فالمترجم يحمل مسؤولية كبيرة للعبور بالنص من ضفة إلى أخرى دون أن يحيد عن الأصل. وفي الغالب، يعمل المترجم تحت ظروف صعبة، مليئة بالتحديات الاقتصادية والزمنية، ويلي ذلك تحديات النشر والخروج بالترجمة إلى النور.
- حدثينا عن مشروع الترجمة الخاص بك، وما الهدف منه؟
نظرا لتخصصي كأستاذة في المسرح، درست الدراما والنقد المسرحي، وحصلت على درجتي للدكتوراه في هذا المجال. يتمحور مشروع الترجمة لدى، حول ترجمة الكتب المتخصصة في مجال النقد والتنظير المسرحي، كما أتعمد في اختياراتي النقل عن اللغة الأصلية للمؤلفين، وليس عن لغة ثانية، كما يحدث أحيانا، نظرا لقلة المترجمين المحترفين عن الألمانية إلى العربية.
تحوي المكتبة الألمانية العديد من الكتب التنظيرية في هذا المجال، وأحاول قدر استطاعتي أن أنقل الكتب الهامة منها إلى المكتبة العربية، وأنا أعرف مدى احتياج الباحثين والطلاب لها. يتمحور مشروع الترجمة لدي ببساطة، حول نقل المعارف التنظيرية في مجال المسرح وفنون الأداء، من الألمانية إلى العربية، ولدى قائمة طويلة من الكتب التي أود ترجمتها. وهدفي الأساسي هو خلق جسر للتواصل بين حركة النقد العربي والغربي، في مجال النقد المسرحي -على وجه الخصوص-.
- ما الذي تحتاجه الترجمة المتخصصة -بشكل عام - وترجمات المسرح بشكل خاص؟
تتعقد عملية الترجمة/ النقل من لغة إلى أخرى، في حال نقل المفاهيم الفلسفية والاصطلاحية، خاصة المرتبطة بسياقات فكرية وتخصصات معينة؛ لأن المصطلح هو تكثيف لأفكار مركبة ومشاهدات خاصة داخل حقل معرفي ما، وبالتالي تتطلب ترجمته، معرفة كاملة وإلمام بتداعياته و تاريخه ومراحل تطوره ونماذجه التطبيقية، والتي تعيش حالة حراك مستمر، ولا تقف عند حدود جامدة، بل تتعامل دائما مع أطر وتفسيرات وتداعيات جديدة، تتطور من داخلها وبها، حيث تستلهم المصطلحات مع تكرار استخدامها معاني وأفاق ثقافية وتخصصية جديدة، حتى لدى مطلقها نفسه، ليكون نقل المصطلح إلى لغة أخرى، أكثر تعقيدا من نقل الكلمة أو المعاني السياقية، وبسبب البنية الاصطلاحية المعقدة والمركبة في النظريات المتخصصة، يواجه المترجم/ة عددا من الصعوبات، لنقل المصطلح بتداعياته الثقافية من لغة إلى أخرى. ويزداد الأمر تركيبا وتعقيدا في ترجمة المسرح، نظرا للخصوصية الثقافية والمعرفية، ونظرا لكونه نشاط ثقافي له تفرده كفن مركب متداخل مع الكثير من الفنون والنواحي الاجتماعية والتاريخية والانسانية.
- ما رأيك في الحركة المسرحية في مصر؟ وهل من نصائح تساعد في تطورها واللحاق بركب الدول المتقدمة في المسرح؟
للأسف متابعتي للحركة المسرحية في مصر ليست دقيقة، وتقتصر على بعض العروض التي أشاهدها أثناء المهرجانات الدولية، وبشكل عام أرى تطورا ملفتا من عام إلى عام. وأذكر أن العرض المصري «من أجل الجنة» حاز على جائزة أفضل عرض في الدورة الأخيرة من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، وهذا علامة على ما يتم على خشبات المسرح في مصر في السنوات الأخيرة.
من ناحية أخرى، المسرح هو جزء لا يتجزأ من المجتمع، لذا تبدو المقارنة بين مسارح الدول المختلفة غير عادلة، لأن العروض المسرحية هي نتاج التشابك مع الحراك الاجتماعي والإنساني في مجتمع ما، وبالتالي لا يمكن مقارنة مجتمع بغيره أو مسرح بغيره، لأن المقارنة سوف تتخطى العديد من عناصر الخصوصية والتفرد تبعا للسياق.
- حدثينا عن الحركة المسرحية في أوروبا عموما وألمانيا بشكل خاص؟
اعتقد ان اجابة هذا السؤال تحتاج إلى كتب، ولكن وبشكل عام المسرح هو جزء من الممارسة اليومية للناس هنا، أي أنه طقس اجتماعي أساسي في حياة أغلب أعضاء المجتمع. وفي السنوات الأخيرة، ظهر المسرح متعدد اللغات، كنتيجة لحركة الهجرة واللجوء من مهاجرين من ثقافات مغايرة، وهذا يؤكد، على التفاعل الجدلي بين فن المسرح والحراك الاجتماعي.
ويتميز المسرح في ألمانيا- من وجهة نظري الخاصة- بالتنوع الشديد في العروض المتاحة للمشاهدة، بين العروض الكلاسيكية التي تقدمها المسارح سنويا، والتجارب المسرحية الجديدة، مسرح الشارع، والعروض الأدائية، الفرق الحكومية والخاصة والمستقلة بجانب الاستضافات المسرحية من دول أخرى، وهكذا ، تحتوى الساحة المسرحية الألمانية على تنوع ثري، مما يعطي للمتفرج فرصة الاختيار، بين متابعة الجديد والاستمتاع بـ الكلاسيكي.
- في رأيك ما الذي يجعل المخرجين يلجأون للنصوص الأجنبية في أعمالهم؟ هل لقلة او ضعف المؤلفات المصرية؟ أم ماذا؟
أعتقد أن العالم قد تحول إلى قرية صغيرة فعلا، والهموم الإنسانية التي يسعى المخرجين لمعالجتها أصبحت هموما مشتركة. والسؤال عن مصدر النص تحول بعد التفاعل الثقافي الحادث في عالمنا إلى سؤال زائد عن الحاجة.
يبحث المخرج عن نص يروي ظمأه، ليكون وسيلة للتعبير عن رؤيته، أيا كان مصدر النص، وهنا علينا أن ننوه لدور الترجمة، في فتح الأفق المسرحي، وعبور الحدود الجغرافية.
- حدثينا عن مشاريع التبادل الثقافي المسرحي في مركز المسرح العربي، وكيف يتم تطويرها؟
في السنوات الأخيرة، ركز مركز المسرح العربي نشاطه على التعاون الأوروبي، نظرا لصعوبة التنقل في السنوات الأخيرة، وتمت أغلب أنشطتنا أونلاين. وفي خطة 2024 - 2025 تم فتح التعاون مع الجهات المسرحية العربية، ونخطط لاستضافة مسرحية عربية في ألمانيا، كما نخطط لتنظيم ورش تدريبية في المنطقة العربية، على يد مدربين من أوروبا في مجال المسرح وفنون الأداء، ومن ثم تفعيل تبادل الخبرات، بين أوروبا والمنطقة العربية، ليس فقط على مستوى استضافة العروض المسرحية، بل على مستوى التدريب المحترف.
- ماذا تعني تقنية « الميتامورفوسيس “ وكيف يتعامل كتّاب المسرح مع هذه التقنية؟
كتاب «الميتامورفوسيس» هو أول بحث تنظيري نشر لي، وله محبة خاصة لدى. كلمة ميتامورفوسيس تعني التحول من شكل إلى شكل من منظور بيولوجي، أي تحول الكائن الحي من صورة إلى أخرى، مثل تحول اليرقة إلى فراشة. ويسحب الكتاب هذا المصطلح إلى عالم المسرح، ويتناول التقنيات الدرامية والمسرحية للتحول الشكلي على خشبة المسرح، المحدودة مكانيا، من خلال التطبيق على نصوص تعتمد دراميا على تقنية التحول، مثل نص «الخرتيت» ليوجين يونسكو وغيره من النصوص التي اعتمدت الدراما على تحول أبطالها من صورة إلى صورة أمام المتفرجين.
- هل من نصائح لشباب المترجمين حتى يصلوا إلى مرحلة الاحتراف؟
إذا لم يكن لديك شغف بالترجمة، فاتركها. الشغف هو مفتاح الاحترافية في أي مجال، ويأتي معه كل ما تحتاجه لتكون مترجما محترفا، أقصد الصبر والمثابرة والتعلم المستمر.
- ما الجديد لديكم في الفترة القادمة؟
بما أننا نتحدث عن النقد والترجمة، فأنا أعمل الآن التنظير لمشروع مسرح اللاجئين الذي بدأته في 2016 في برلين، الذي يعني بالتعامل مع المسرح كوسيط للتواصل الثقافي العابر للغات، عبر ورش الحكي. وبناء عليه، تم تطوير منهجية لتحويل الحكي/ السرد الشخصي إلى عرض مسرحي متعدد اللغات، من خلال تقنيات دراماتورجية ومسرحية متنوعة، واعمل الآن على رصد ذلك وتسجيله في كتاب باللغة العربية، تحت عنوان «مسرحة الحكي».
بالإضافة أني بدأت في ترجمة كتاب «المنشآت المسرحية - الفضاء الأدائي» عن المنظرة الألمانية باربرا جروناو، رئيس أكاديمية الفنون في برلين، ويتناول الكتاب الفضاء المسرحي الأدائي، وتقنيات تحويل الخشبة المسرحية التقليدية إلى فضاء أدائي، مع التطبيق على عروض عدد من فناني الأداء الألمان.
هذا غير البودكاست الأسبوعي الذي أطلقته في مايو هذا العام، تحت عنوان «عن الغربة مع مروة مهدي»، وأتحدث فيه عن مشاعر الغربة وأقرأ نصوص قصيرة كتبتها من تجربتي الشخصية في ألمانيا، وهو عبارة عن حلقات مسجلة صوتيا، بجهود شخصية، ومتاح مجانا على منصات البودكاست وسبوتيفاي وساوند كلاود.