حصلت على جائزة الأوردراما.. كرمة سامي: الهوية همي الأول

حصلت على جائزة الأوردراما.. كرمة سامي: الهوية همي الأول

العدد 661 صدر بتاريخ 27أبريل2020

د. كارمة سامي أستاذ للدراما بقسم اللغة الإنجليزية، بكلية الألسن جامعة عين شمس، شغلت منصب رئيس قسم اللغة الإنجليزية ، ثم وكيل الدراسات العليا والبحوث كما  منحتها  مؤسسة عبد الحميد شومان جائزتها للعلوم الإنسانية عن أعمالها النقدية والإبداعية. ومؤخرا  فازت مجموعتها ( بهية – وخمس وجوه مصرية ) بجائزة الترجمة إلي ثلاث لغات من شبكة «اورودرام « .. حول مشروعها الثقافي والفوز بهذه الجائزة كان لمسرحنا معها هذا الحوار.
_ في البداية نود التعرف علي مشروعك الثقافي والفني ؟
لي عدة مجموعات قصصية وكتب نقدية وثقافية وترجمات ومجموعة مسرحية،  كان موضوع رسالتي للماجستير هو “الغاصبون والمغتصبون فى مسرحيات هارولد بنتر” وأنجزته في 1990 ،  وهي دراسة في أعمال پنتر المسرحية تناولت فيها جوهر الحدث المسرحي في أعمالِه ، وهو الذي يتخذ أشكال الصراع على  الذاكرة واللغة والمكان والزمان والهوية. وقد كان لپنتر الفضل في دفعي للاهتمام  باللغة المسرحية بأشكالها المجردة الطبيعية دون الزخارف التي يفرضها عليها المسرح التقليدي، وكذلك تعلمت منه تقنيات الاقتراب بالمسرح من الأشكال الفنية المتنوعة والأجناس الأدبية بكل ثرائها، خاصة أن پنتر كان في طليعة كتاب السيناريو المتميزين للسينما والتليفزيون، أما رسالتي للدكتوراه فكان عنوانها  “النماذج النسائية الأصلية في مسرحيات آرنولد وسكر أحادية البطلة” 1994، وقد حصلت عليها مع مرتبة الشرف الأولى وتوصية بطبع الرسالة على نفقة الجامعة وتبادلها مع الجامعات الأخرى وهي قراءة في النماذج الأصلية المستمدة من الميثولوجيا لمجموعة مسرحية آرنولد وسكر،  تأثرت فيها بأسلوب كتابته المونودرامي وتفرده بكتابة المونولوج المسرحي الثري بتفاصيل دراما البقاء والمقاومة، كما نشرت العديد من الأبحاث فى المسرح عن نصوص د.ه. لورنس، وتنسى ويليامز، وويليام شيكسبير، وعلى أحمد باكثير، وآرنولد وسكر، وهارولد پنتر، واستيللا بورتيللو ترامبلى، وهورتون فوت، وأنطون تشيكوف، ووندى واسرستاين، وأسامة أنور عكاشة، وروبرت هارلينج، وديفيد هنرى وونج، وآرون سوركين، وبرتولت بريخت، وزيامى موتوكيو، وآلان ريكمان وكاثرين ?ينر وغيرهم، وبحكم عملي الأكاديمي أشرفت على رسائل جامعية عدة تناولت أعمال مسرحية لـ  شيلا ديلانى وإدوارد ألبى، وسوزان جلاسبل، ومارشا نورمان، وهورتون فوت، وويليام شيكسبير وجون دريدن وويليام دافنانت، وو. ه. أودن، ومارى دروس، ويوسف الجندى، والنصين السينيمائيين جى إف كى لـ أوليفر ستون وحُفنة من الرجال الأخيار لـ آرون سوركين، كذلك  شرفت بالمشاركة فى الاحتفال بمئوية شيكسبير الرابعة في مصر: “المملكة الشكسبيرية المتحدة: شيكسبير والنقد الثقافي” ضمن  احتفالية المجلس الأعلى للثقافة “نحن وشيكسبير” في ابريل 2016. و”’البحث عن ويليام’: المشهد الثقافي الشيكسبيرى المتعدد” فى مكتبة الإسكندرية،  وآخر ما نشر لي كان مقالي عن عرض “اضحك لما تموت” للمخرج عصام السيد ولينين الرملي بمجلة  Arab Stages عدد نو?مبر الماضي   وهي التي يرأس تحريرها مار?ين كارلسون. ومن أعمالي النقدية كذلك قدمت: فسيفساء قاهرية: مقالات في الأدب والفن 1999. الميتادراما: صورة المسرح في المرآة 2001. السينما تقود الشعوب 2004، علامات الحضور والغياب: دراسات نقدية 2004، زهور المرج: شجون مواطنة عربية 2005، صلاح جاهين: أنغام ديسمبرية 2008.
كذلك صدرت لي في الأردن ترجمات لقصائد مختارة لهارون هاشم رشيد عام 2009، ولدي ترجمات لنصوص مسرحية ملحق بها دراسات عن كل من: آرنولد وسكر، وهارولد پنتر، ولورنس هاوسمان، وآرثر ميلر، و بحكم تخصصي قمت بترجمة عدد من نصوص المسرح الأمريكي المعاصر لأنه مسرح ثرى قاعدته عريضة تعبر عن جميع الأعراق والأجناس والأديان من بينها أعمال لويس بالديث، ووندى واسرستاين، وآخر ما صدر لي من ترجمات كتابان إلكترونيان، هما مسرحيات مختارة لكل من نيومى والاس ودي?يد هنرى وونج ضمن مطبوعات مهرجان القاهرة للمسرح المعاصر والتجريبي الدورة الخامسة والعشرين.
ذلك فضلا عن  إصداري العديد من الكتب الإبداعية في القصة القصيرة وهي : جميلة 1999، مريم.. حكايا 2002، حكاية مرج صغير: أحاديث جانبية 2005، قمرية: (أحاديث جانبية2) 2008، ورواية قصيرة بعنوان  “خليج القديسة ميري” 2002، و صدرت  آخر مجموعة قصصية لي عام 2019 بعنوان “ حق سف التراب”. وأعمل حاليا على عدة مشروعات إبداعية قصصية ومسرحية.
- إلي أي مدي تعبر  النصوص و الكتاب الجدد عن واقعنا؟
مجمل أعمالي النقدية والإبداعية وفي الترجمة يتمحور حول مفهوم الدراما وجوهرها الذي يسيطر على كل نشاط إنساني. أنا مواطنة مصرية عربية مهمومة بالتاريخ والجغرافيا وقضايا الهوية ولهذا تهيمن قضية الهوية الثقافية على أعمالي واختياراتي في العمل الجامعي الذي أحاول من خلاله أن أنقل لطلابي في مرحلتي الليسانس والدراسات العليا الاهتمام بل والفخر بفنوننا التراثية وفي مقدمتها فنون الفرجة بشكل خاص  لإيماني بدور أقسام اللغات في الجامعات المصرية بتدريس الندية وليس التبعية في مناهجها. ولهذا أثمن جهود الأساتذة العظماء يحيى حقي وفاروق خورشيد وذكريا الحجازي وعبد الرحمن الشافعي وغيرهم في الحفاظ على هويتنا ومقومات شخصيتنا الثقافية.
_كيف تم ترشيح مجموعتك المسرحية لشبكة يورودرام الاوروبية؟
وقع الاختيار على مجموعتي المسرحية مع عملين آخرين باللغة العربية أتمنى قراءتهما للكاتبين عمار نعمة جابر ومحمد سامر إسماعيل من قبل إحدى لجان الاختيار التي شكلتها يورودرام ، الشبكة الأوروبية للدراما المترجمة وهي مؤسسة غير ربحية تقوم بدور الوسيط بين كتاب المسرح ومترجميه ومخرجيه وذلك باختيار نصوص مسرحية كتبت بلغات متعددة وطرحها باعتبارها قابلة للترجمة أو للعرض وتلك هي الجائزة! ، تلقت المؤسسة هذا العام841  مسرحية كتبت ضمن 29 لغة مختلفة من بينها العربية والأرمينية والبلغارية والكاتالانية والألمانية واليونانية والكردية والمقدونية وغيرها، وقرأ 290 عضوا تلك الأعمال وفق لغاتها للقيام بعملية الاختيار، وكان الاختلاف هذا العام هو في فتح الباب لنصوص باللغة العربية لتكون داخل المنظومة العالمية، فما فائدة النص المسرحي إذا لم يصل إلى شريكه على الطرف الثاني من العمل الإبداعي: المتفرج؟ وما قيمة العمل الثقافي الذي لا يتجاوز حدوده المحلية ليتفاعل مع الثقافات الأخرى؟ دور المؤسسة  نبيل ويجسد إشارات الخروج من شرنقة الثقافة الأنجلوفونية والفرانكفونية، ويطبق بشكل غير مباشر المبدأ القرآني: “لتعارفوا”.
- مار أيك في النصوص التي تكتب خصيصا للمسابقات مع عدم الاهتمام بتناولها فوق خشبة المسرح؟
انا أتحدث ككاتبة وقع اختيار اللجنة على عملها وإنما كقارئة ومتفرجة وناقدة أدين بأوقات ممتعة لعروض مسرحية مبهرة شاهدتها داخل مصر وخارجها، ولمترجمين ضحوا بجهدهم  لنقل فكر الأدباء الروس العظماء أو أدباء أمريكا اللاتينية مثلًا. أنا ابنة حكايا والدي لي عن مسرح الستينيات الذي أنارت خشبته أعمال مصرية وعالمية، وابنة مكتبة والدي التي خصص فيها قسمًا كبيرًا لترجمات المسرح العالمي من خلال سلسلة مسرحيات عالمية التى كانت تصدرها لجنة المسرح العالمى وتطبع فى الدار القومية للطباعة والنشر، وسلسلة روائع المسرح العالمى التى كانت تطبع فى الدار المصرية للتأليف والترجمة، بعشرة قروش أو خمسة عشر قرشا، اقتنى والدي نصوصا مسرحية إبداعية لكبار كتاب المسرح من القدماء والمعاصرين وقتئذ: شيكسبير، موليير، راسين، سوفوكليس، تنيسى ويليامز، براندللو، إليوت ،  صلاح عبد الصبور وحده ترجم حفل الكوكتيل وجريمة فى الكاتدرائية، تشيخوف، برخت، سارتر، ويونسكو، وشو، إبسن، والقائمة طويلة وثرية لمترجمين أساتذة عظماء أمثال: لويس عِوَض، وصلاح عبد الصبور، وسعد مكاوي، وعبد القادر القط، ويحيى حقى، وعبد الغفار مكاوى، ومحمد غنيمى هلال وغيرهم.
- وما ظروف كتابتك للمجموعة المسرحية الفائزة؟
كتبت المجموعة المسرحية بهية.. خمسة وجوه مصرية عام 2013 حبًا في لوحات قلمية عن المرأة كتبها والدي سامي فريد ونشرها في مجلة نصف الدنيا، تحركت أمام عينيّ المادة الدرامية التي تحتويها، فأعدت كتابتها وأضفت إليها أجزاء ومشاهد خاصة بي، وتنوعت لغة الحكى المسرحي بين العامية والفصحى. لذلك هي مزيج من المسرحية والكتابة المسرحية المباشرة. استمتعت بتجربة مسرحتها ودفعني هذا للعمل على مشروع مسرحي جديد أكتبه حاليا.
- ما رأيك في المسرح المستقل.. وهل حقا هناك أزمة نصوص مسرحية؟
لا توجد أزمة نصوص وإنما أزمة نشر ونقد، ودوائر مغلقة لا يقتحمها أحد، وصحف ومجلات تقلصت مساحات الإبداع فيها، افتحوا الأبواب للنشر وللعرض  لتجدوا فيضا من الإبداع. لا أنكر أن المشهد الثقافي العام يبدو مهتزًا لكنه في جوهره بخير، وبحكم موقعي أشاهد وأقرأ أعمالًا مبشرة وتدل على أن الجسم الثقافي بخير وما يبدو عليه من علة ليس سوى كبوة بسيطة تحتاج إلى تضافر من كيانات وزارة الثقافة ووسائل الإعلام والمدارس والجامعات. ينقصنا تكوين ذائقة ثقافية رفيعة للمواطنين حتى ينحاز الجمهور للطيب وينبذ الخبيث.
- هل أصبح الكتاب يكتبون فقط للدخول في المسابقات كمسابقة بن راشد ومسابقة ساويرس وغيرهما بسبب ضعف التمويل من قبل الجهات المنتجة النصوص؟
لا أؤمن بأن الجوائز هي التي تحدد قيمة العمل، أو أن يكتب المبدع عملًا وفق ضوابط جائزة ما، في تلك اللحظة يتخلى عن إبداعه ويتحول إلى الصنعة التي تقتل الإبداع. لدي ثقة كبيرة في المسارح الصغيرة التي ظهرت مؤخرا وانتشرت في القاهرة والجيزة وباقي المحافظات وشاهدت أعمالا مبشرة في مسارح مختلفة منها شقة في وسط البلد، لكن بعضها يحتاج إلى توجيه فكري وفني حتى تصل إلى المستوى المطلوب، ومن أجمل ما شاهدت في السنوات الأخيرة عرض “نساء شيكسبير” للكاتب سامح عثمان وإخراج محمد الطايع.  وأراهن على المهرجان القومي للمسرح الذي فتح طاقة نور للمسرحيين الشباب لضخ دماء جديدة في المشهد المسرحي. وما ينقصنا هو خروج هذه الأعمال من حدود بيتها المسرحي إلى المواطن في جامعته ومدرسته وساحته ونواديه.
-  لماذا لا نرى كتابا بثقل نجيب محفوظ وصلاح عبد الصبور وغيرهما في الأجيال الجديدة؟
عندما ينتقل المسرحيون إلى الجمهور سنرى بيننا قامات كبيرة لا تقل عن أساتذتنا الذين كتبوا تاريخ المسرح المصري والعربي.
- كيف تري مستقبل المسرح ،  وما رؤيتك في هذا الصدد؟
أثمن تجربتي مع مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي لعدة أعوام، فهي  تجعلني أراهن عليه للارتقاء بثقافتنا المسرحية.  تشكل كيان المهرجان واتضحت ملامحه، لهذا أتمنى أن يلحق بالمهرجان مركز دراسات المسرح المعاصر والتجريبي والترجمات لدراسة وترجمة كل ما له علاقة بالمسرح وعناصره التشكيلية والأدائية والموسيقية، ولتوثيق ذاكرة مطبوعات المهرجان. هذا إلى جانب العروض المسرحية العالمية التي شاهدت بنفسي إقبال الأسرة المصرية عليها، بل أتمنى أن يمتد المهرجان وينتقل  من محافظة إلى أخرى، أعلم أن هذا سيشكل عبئا على وزارة الثقافة لكننا ليس لدينا أقوى من سلاح الفن المسرحي للنهوض بذائقتنا.
لسنا فقراء، الفقر في الفكر، والضعف فى الجهل، من هنا أحذر من خطورة الأنيميا المعرفية كما وصفها المفكر دكتور نبيل على. لهذا أنتقل إلى مشروعية الحُلم وأهميته بالنسبة لكل فنان ومثقف ومواطن.عندما حلم صلاح جاهين في أغنية “المسئولية” عام 1963بتماثيل رخام ع الترعة وأوبرا فى كل قرية عربية، لم تكن هلوسة.. وإنما حُلم مشروع ربما كان يراه ببصيرته كفنان، وسيراه أولادنا فى المستقبل. لأن ثروة مصر الحقيقية فى شعبها، وثروة الأمة العربية فى فكر أبنائها وانجازهم الحضارى.


منار سعد