ريا وسكينة 1921 رؤية جديدة لحكاية قديمة

ريا وسكينة 1921 رؤية جديدة لحكاية قديمة

العدد 685 صدر بتاريخ 12أكتوبر2020

ضمن فاعليات الدورة 27 لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في مسابقة  ا.د. حسن عطية للعروض الحية ، قدمت فرقة فرسان الشرق للتراث والرقص المعاصر – دار الأوبرا المصرية – العرض الراقص ريا وسكينة بمسرح الجمهورية، وهو إبداع فني جديد مستلهم من الواقع الحياتي ، فمنذ قرن مضي من الزمان حكم القاضي الجنائي يوم  4 / 5 / 1921  بالإعدام شنقا على نساء وهي المرة الاولي منذ وضع قانون العقوبات المصري يصدر حكم بإعدام نساء ، وفي نفس العام والى الأن يستلهم المبدع المصري الحكاية وينسجها في أعمال فنية في الوسائط المختلفة وأيضا تم تقديم الحكاية في كتاب وفي بحث علمي . نشاهد الحكاية بمنظور مختلف فمن عالم الموتي ومن خلال مقبرة ينزل إليها حفار قبور بيده مصباح ويتعرف على بديعة بنت ريا والتي كانت شاهدة على جميع الجرائم وهي طفلة وتحكي القصة ما حدث في الماضي والتي ركز فيها المؤلف ( محمد فؤاد ) على البعد النفسي لثلاث شخصيات  بديعة التي تمثل الخوف فمنذ ان كانت طفلة ترسم دائرة علي الارض وتلعب الحجلة وتغني يامطره رخي رخي وتتمني أن ترتدي منديل بقوية مثل الكبار لكنها عندما امتلكته كان منديل ضحية من ضحايا أمها ريا وخالتها سكينة فيتملكها الخوف دائما وتتحول من براءة الطفولة لما شاهدته الى سفاحة مثلهم عندما تقتل حفار القبور بنفس طريقتهم ،  وسكينة التي تمثل الحب تشرب الخمر وتعشق الرجال فهي رمزا لحب شهوة الجسد ، اما ريا التي تمثل الكره فهي بلا عاطفة صلبة كالحديد  تكره كل من حولها فقد كانت تتمني من خلال حكايات جدتها بان يخطفها الشاطر حسن على حصان ابيض ، أو تملك عرش الملكة بلقيس لكنها لفت البلد من جنوبها لشمالها  تعمل خادمة في البيوت وينهش جسدها الرجال ، وكما جاء علي لسانها راحت تأخد  بالتار رجعت حبله ولذلك وصل الأمر أن ريا وسكينة قامتا بتكوين عصابة مع بعض الرجال ( لم يهتم المؤلف بتعريفهم او ابراز دورهم في الأحداث) لخطف الستات وقتلهم ثم سرقتهم ، فبعد ان كانتا ضحيتان للجهل والفقر تحولتا الى سفاحتان ، و لهذا صدر الحكم بالإعدام شنقا ، ويؤكد لنا المؤلف على أن أحداث العرض بدأت من داخل مقبرة فنري لوحة راقصة لنساء تشبه الهياكل العظمية ورجال ، عندما يتقدم منهم حفار القبور تدب في أجسادهم الحياة وتتحول النساء إلى عرائس ويحدث الزواج مع الرجال .   وتشير الأحداث بأن الحكاية قد حدثت في مدينة ساحلية وخصوصا الاسكندرية من خلال رقصة الصيادين وصوت موج البحر، ثم تستعرض حياة النساء في هذه الفترة الزمنية وكيف كانت الحياة واشكال ملابسهم وكيف تمت عملية القتل للنساء من خلال اللوحات الراقصة ، وبعد صدور حكم الإعدام ولف حبل المشنقة حول رقبتا ريا وسكينة نجد بديعة تقتل حفار القبور بالمنديل  ابو قوية بنفس الطريقة التي قتلت بها ريا وسكينة النساء سابقا ، تم تتقدم لمقدمة المسرح وتضع رأسها بجوار رأس حفار القبور ويتمددان في خط مستقيم في منتصف مقدمة المسرح ويأتي باقي الراقصين ليتشكل كوم من الجماجم ويتم رفع ريا وسكينة أعلى هذا التكوين في دلالة على انه بالرغم من صعود روحهما الا ان الجريمة لم تنتهي وستظل مع إدانة للمجتمع الذي ساعد على وجود مثل هذه الجريمة ، فكل أصوات الذكور والإناث التي علقت علي الأحداث كانت تأتي من خارج خشبة المسرح ، فتسمع القاضي ينطق بالحكم ، ولكنك تسمع أيضا انطباعات من الصالة تقول ( الراجل عجوز ومكحكح ، البت زي المرته ، متقولش ليه ان سكينة دي حربايه ، ريا دي قردة )، فلن تصمت الالسنة . وقد كان الديكور ( أنيس اسماعيل وهو مصمم السينوغرافيا ) عبارة عن منظر واحد فيمين وعمق ويسار المسرح مبطن كاملا بألواح من الصاج والتي تشبه  أبواب المحلات ، ويوجد أعلى يسار عمق المسرح شباك خشب بجواره سلم ينزل عليه حفار القبور بعد دخوله من الشباك وهي الفتحة الوحيدة في المقبرة للدخول ويشبه شيش الشباك الفواصل بين الالواح الخرسانية التي ترص لغلق المقبرة من أعلي ، ويوجد يسار مقدمة المسرح كوم من الجماجم ، كذلك تتدلى كشافات اضاءة من أعلى على شكل جماجم ، مع تثبيت كشافان منتصف يمين ويسار المسرح ، وكانت الإضاءة في معظم الأوقات قاتمة وخافتة لتعبر عن كآبة المكان   وكانت تستطع قليلا في بعض اللوحات وخاصة رقصة الملايات وقد سيطر اللون الاحمر على معظم لوحات العرض وخاصة مع  الملابس الحمراء في لوحة الإعدام ، كما كانت الملابس مناسبة لزمن الحادثة وطبيعة سكان مدينة الاسكندرية  فنجد كلا من بديعة وريا ترتدي جلابية بيت عادية ، اما سكينه ترتدي قميص نسائي لونه اصفر في دلالته علي غيرة النساء منها ويتغير لون القميص الي الأزرق الفاتح كلون مياه البحر ترتديه كل النساء وفوقه ملاية الخروج ، كما ارتدى كل الراقصين عفريتة ذو لون أحمر لتعبر عن أن من يرتديها محكوم علية بالإعدام ، ثم يظهر الراقصين الجزء العلوي من اجسادهم فنشاهد كل منهم يرتدي تي شيرت ابيض وبنطلون احمر في مشهد تكوين الجماجم معبرا عن الخلط بين من يحبس علي ذمة قضية أو من صدور عليه حكم الاعدام فالجريمة لم تنهي ، وقد ساعد المكياج علي إظهار القبح والمسخ للوجوه ، وقامت المخرجة ومصممة الرقصات ( كريمة بدير) بالجمع بين الاستعراضات التراثية والرقص الحديث وكان كل من استعراض الملايات والإعدام من اعلى اللوحات فشاهدنا في استعراض الملاية أنه باستخدام قطعة من القماش لونها اسود نستعرض حياة النساء كحالة الفرح والحزن والدلع والدلال ( يشمك - ملاية للخروج – ملاية للسرير – غطاء - حزام وسط للرقص - خيشة للمسح – اتشاح بالسواد والندب على المتوفي ) . اما الموسيقي فقد كان للألات الوترية تأثير كبير لإيضاح الحالة النفسية لريا وسكينة وكانت المؤثرات الصوتية بدق الطبول وصوت الغربان لتأكيد الحدث ، اعتمد العرض علي بعض الكلمات المنطوقة وكانت أضعف حلقات العرض لعدم التدريب الجيد للراقصين ، وبشكل عام من الممكن فك شفرات العرض بطرق مختلفة ، التحية واجبة لكل من ساهم في اضافة ابداع جديد


جمال الفيشاوي