بعد مرور قرن على رحيله «السيد درويش» يعيد اكتشاف محمد عادل

بعد مرور قرن على رحيله «السيد درويش» يعيد اكتشاف محمد عادل

العدد 685 صدر بتاريخ 12أكتوبر2020

 منذ عدة سنوات وتحديدًا عام 2013، شن الفنان مصطفى كامل هجومًا عنيفًا على الفنان إيمان البحر درويش نقيب المهن الموسيقية في ذلك الوقت، وقد ذكر خلال لقاءه بأحد البرامج التليفزيونية أن من مخالفات إيمان أنه أصدر طابعًا يحمل صورة جده، حينها توقفت طويلاً أمام هذه العبارة، وتساءلت: هل أصدر إيمان هذا الطابع الذي يحمل صورة السيد درويش فقط لكونه جده؟ هل السيد درويش لا يستحق إصدار هذا الطابع؟ هل السيد درويش جد إيمان وحده؟ وكانت الإجابة على هذه الأسئلة تتطلب التعريف بالسيد درويش ودوره الفني والوطني حيث ساهمت أعماله الفنية في توعية المجتمع المصري من خلال موسيقاه وأغنياته التي عبرت عنه بكل طوائفه وحثته على الثورة ضد الظلم والفساد والاستعمار الأجنبي، فعلى الرغم من وجود العديد من المقالات والكتب التي تعرف من هو السيد درويش كذلك الفيلم الذي يحمل اسمه، إلا أن بعض الناس لم تكن تعرفه جيدًا، لذا كانت سعادتي كبيرة جدًا حين أعلن مسرح البالون التابع للبيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية عن تقديم مسرحية تحمل اسم فنان الشعب السيد درويش، فمما لا شك فيه أن تأثير المسرح أبو الفنون على كل الفئات أكبر وأعمق من أية وسيلة أخرى.
المسرحية بطولة: ميدو عادل، لقاء سويدان، سيد جبر، رشا سامي، ياسر الرفاعي. محمد الشربيني، تأليف السيد إبراهيم، إخراج أشرف عزب.
 أهم ما يميز النص الذي كتبه السيد إبراهيم أنه لم يهتم بما هو شخصي في حياة السيد درويش بقدر اهتمامه بفنه ومواقفه الوطنية والحانه وهو ما خلده وجعله الغائب الحاضر حتى الآن، فلم يذكر شيئًا عن علاقاته النسائية، حيث لم يظهر به سوى جليلة وحياة صبري لكونهما اشتركا معه في أعمالٍ فنية حتى أنه لم يؤكد أو ينفي زواجه بجليلة فهي التي قدمته بأنه زوجها، كما أنه حين قرر إنهاء علاقته بها قال لها أنت حرة ولم يقل طالق، كما لم يذكر أيضًا زواجه بحياة صبري، لكنه أثبت من خلال حواره أن المرأة بالنسبة له هي الملهمة وأنه لا يستطيع أن يعمل إلا وفي حياته امرأة. كذلك لم يذكر كيفية وفاته، فالنص يدور في السنوات الخمس التي بدأت باحترافه الفن وانتهت بوفاته، وتضمنت أهم الملامح المميزة لهذه المرحلة ونقاط التحول في حياته ومشواره الفني حيث: رحلتي الشام الأولى والثانية، تحول نشاطه الفني من الأسكندرية إلى القاهرة، اتجاهه إلى الفرق المسرحية، دوره الفني في ثورة 1919، ولقاءه بأهم الشخصيات الفنية في هذه المرحلة: أمين وسليم عطا الله، عثمان الموصلي، يونس القاضي، الشيخ سلامة حجازي، جليلة، حياة صبري، بديع خيري، نجيب الريحاني، بيرم التونسي، عبد الوهاب، والدور الذي قامت به كل شخصية من هذه الشخصيات في مشواره الفني.
كما ركز على أهم الأغاني والألحان التي قدمها، كذلك المسرحيات التي شارك فيها ومنها: مسرحية فيروز شاه وشهرزاد، كما ذكر أن أهم إنجازاته الفنية حيث أنه أول من ادخل البولوفونية في الموسيقى، كذلك تأليف النشيد الوطني بلادي بلادي والذي استوحاه من خطبة للزعيم مصطفى كامل.
التقط هذا النص مخرج واع هو الفنان أشرف عزب الذي قدمه في إطار استعراضي ضم معظم أعمال السيد درويش ومنها: “زروني كل سنة مرة، اهو ده اللي صار، انا هويته وانتهيت، يا هادي يا هادي، العشرة الطيبة، فري جود فري جود، يا بلح زغلول، أنا المصري كريم العنصرين، مصرنا وطنا سعدنا أملنا، قوم يا مصري” التي قدمها الفنان حمادة الحسيني بتوزيع جديد، وأهم ما يميز هذه الاستعراضات أنها لم تكن منفصلة عن السياق الدرامي بل تم غزلها وتوظيفها بحرفية عالية لتكون هي العمود الفقري الذي يعتمد عليه العرض المسرحي بشكل أساسي، خاصة أن أبطال العرض هم أنفسهم أبطال الاستعراضات، التي كشفت عن مواهب أخرى عديدة ربما لم تكتشف من قبل لدى الفنانين محمد عادل، لقاء سويدان، ورشا سامي. وقد كونت الاستعراضات تصميم الفنان وفيق كمال مع ملابس نجلاء الففي التي لم تعبر عن هذه المرحلة فحسب بل أضافت بعدًا جماليًا، مع إضاءة أبو بكر الشريف لوحة تشكيلية أقل ما يقال عنها أنها رائعة، وقد تضمنت هذه اللوحة بلا شك الديكور الذي تميز بثرائه وبساطته أيضًا خاصة ديكور بيت جليلة الذي احتوى على الارابيسك واللوحات الفنية، كذلك ديكور المقهى في الاسكندرية ومقهى حلب وشوارع الأسكندرية بما تشمله من بيوت والسماء والبحر، كما أضفت الأفلام التسجيلية التي أخرجها الفنان ضياء داود وتم عرضها في عمق الخشبة توثيقًا وتوضيحًا لأحداث هذه المرحلة، بلا شك فقد نجح المخرج اشرف عزب في أن يقدم لنا وجبة فنية متكاملة باختياره لعناصر العرض وتوظيفها توظيفًا دقيقًا خاصة التمثيل الذي أرجأته لأختم به.
كما أنه أنهى العرض بذكاء شديد جدًا فبعد إعلان وفاة سيد درويش لم يخرج الجمهور من حالة البهجة التي اتسم بها العرض طوال الوقت، بل ظهر أبطال العرض وفي مقدمتهم محمد عادل “السيد درويش” ولقاء سويدان “جليلة” ورشا سامي “حياة صبري” بملابس عصرية يغنون أغاني سيد درويش خاصة الأغاني التي ذكر فيها اسمه: يا أبو درويش. هز الهلال يا سيد ليؤكد أن السيد درويش مازال يحيا بيننا بتراثه الفني وأنه الغائب الحاضر.
 أما عن الممثلين فلم يكن محمد عادل فقط هو المفاجأة التي أبهرتني برشاقته وروعة آداءه السهل الممتنع الذي يجمع بين البساطة والعمق وما نشره على الجمهور من طاقة إيجابية نابعة من استمتاعه وسعادته وهو يقدم شخصية فنية عظيمة، وهو ما جعلني أراجع نفسي في حكمي على آداءه في عرض سابق حيث اعتقدت انه لا يصلح إلا للدراما التليفزيونية. لكن عرض السيد درويش لم يثبت نجاحه مسرحيًا فحسب بل إعادة اكتشافه كفنان شامل يغني ويرقص ويمثل.
والكلام نفسه ينطبق على الفنانتين الجميلتين لقاء سويدان ورشا سامي، وقد تعدت المسألة عن أنها مجرد آداء تمثيلي بل أنها توضح مدى التفاهم والمحبة بين الفنانين، يأتي بعدهم مباشرة –من وجهة نظري- الفنان ياسر الرفاعي فعلى الرغم من المساحة الصغيرة جدًا لدوره إلا أنه نجح في إثبات حضوره كفنان راسخ حيث أبدع في تجسيد شخصية يونس القاضي بخفة وذكاء.
طبعا سيد جبر هو بومبانية العرض وفاكهته بأدائه الكوميدي لشخصية كراوية عامل المقهى، محمد الشربيني “بديع خيري” كما تميز أيضًا جميع الممثلين في ادوارهم منهم يوسف عبيد في دور المعلم صاحب القهوة واشرف عبد العزيز في دور الظابط الوطني وحسام في دور كرياكو، وللأسف لم أعرف أسماء باقي الممثلين.


نور الهدى عبد المنعم