حق اللجوء العاطفي الأنثي في مواجهة الوعي

حق اللجوء العاطفي الأنثي في مواجهة الوعي

العدد 664 صدر بتاريخ 18مايو2020

ومازال الصراع محتدما بين الأنثي والذكر / بين المرأة والرجل هذان اللذان بني العالم الانساني علي اكتافهما منذ بدء الخليقة ومازالت النظرة للانثي في بعض الثقافات الانسانية نظرة دونية تراها بوضوح جلي النساء كامتهان لكيننونتهم
ولما كان المسرح قوة كاشفة لمشكلات المجتمع يري ما به من قصور ويطرح علاجات ان أمكن في حدود ويكشف بشكل اساسي تلك المشكلة مسلطا عليها الضوء الاكثر ابهارا لتطفو علي السطح كانت عين المبدع الراحل محمد الشربيني اكثر تلكأ أمام تلك الظاهرة وكانت أنامل الكاتب المسرحي الراحل تكيل بميزان الذهب كتابات الدكتورة عزة بدر وصاغ بالتالي منها المونودراما الانسانية / النسائية حق اللجوء العاطفي فأتفقت رؤية المثقف المهموم بقضايا مجتمعه مع رؤية الانثي التي امتهنها ثقافة ذكورية متسلطة وغير مدركة لاهمية كينونتها ليحيلها الي قضية اكثر شمولا عن امتهان الانسان في مطلق القول متخطيا ذاتية التجربة النسائية الي عمومية التجربة الانسانية
حق اللجوء العاطفي مونودراما من تمثيل وإخراج رحاب المهداوي والتي قدمت علي خشبة مسرح مكتبة مصر العامة في مهرجان الزقازيق الأول للمسرح الحر ليست الا لحظات حياتية ممسرحة صاغها باقتدار الراحل محمد الشربيني وادتها الممثلة / المخرجة في رؤية اقتربت من الحكي الطامح الي عرض قضية ذاتية / عامة الي حد التخصيص وان احتاجت للتكثيف لبيان مقتضي الحال .
هي انثي شعرت بوجودها في مجتمع ثقافي راكد لا يلوذ بالامان فيه الا الرجل / الذكر وهي مجرد رقم في كشوف المواليد والوفيات في ذاك المجتمع فعدت هذه الانثي مجرد كائن ينتظر ، ينتظر الأيام الضائعة في انتظار أي شئ أو حتي انتظار كل شئ فلا شئ يتحقق في حياة تلك الانثي غير الالية والرتابة والروتين المعتاد دون اي مصدر اخر من مصادر التجديد او التحديث فكل شئ اليوم مثل كل شئ غدا وكل شئ تم في الأمس سيتم في الغد وبعد الغد حتي مع بعض الاشارات العابرة التي ادرجت في متن العرض من رجوع القوات المصرية الي أرض الوطن بعد حرب الخليج او تصريحات القادة ان الاصلاح الاقتصادي كان شرا لابد منه الا ان ذاك الاصلاح السياسي ممثلا في انقاذ دولة من الاستعمار والاصلاح الاقتصادي لم يوازيه اصلاحا اجتماعيا يحيل الانثي انسانا من وجهة نظر الاناث فمازالت بطلة العرض تؤدي حياتها بروتين مميت ومازالت تنتظر ( اتوبيس 32 ) ذاك الاتوبيس الذي يقلها الي عملها ويعود بها الي مسكنها وهي في ذهابها وعودتها تخترق خصوصيتها وخصوصية كل انثي تركب هذا الاتوبيس المزدحم بشدة الي درجة اختراق المسافات البونية لكل شخصية الي حد الاعتداء علي المساحة الشخصية لفظا وجسدا اما جسدا فالجسد ينتهك في الزحام خاصة اذا كان في المنتصف امرأة أما لفظا فلزاما علي كل من تركب ( اتوبيس 32 ) ان تسمع اهانات مباشرة عن ان الانثي لا يحق لها ان تعمل فهي المتسبب الاول والاخير في الزحام وضيق الحال وبالتالي فعقابها الاساسي والواضح ان تخترق مساحتها الشخصية فلن يقف لها ذكر ليعطيها كرسيه وقد يدنو ويقترب بغية التحرش الجسدي بهاتيك الانثي اذا سنحت له الفرصة فما كان علي الأنثي التي تزاحم الوعي الذكري في هذا المجتمع الا ان تحتمل رائحة العرق والاجساد الملتصقة فضلا عن الكلمات الموبوئة الخارجة من افواه الذكور المعدومي الانسانية فما كان من الانثي في هذا العرض الا الاعتصام بالروح والاعتصام بالوحدة انتظارا لوعي مغاير لمجتمع يري ويسمع ويشعر بالجميع
حق اللجوء العاطفي عرضا مسرحيا في قالب المونودراما اقترنت فيه الأنفاس المتلاحقة فرحا وطربا ؛ عشقا وانتظارا بالرؤية الشخصية جدا معلنة عن ممثلة طامحة الي امتلاك فنون التعبير والأداء فكان الصراع بين الذات والاخر محتدا وظهر جليا محاولة التخلي عن الشكل في سبيل المضمون فلم يأتي علي المستوي التشكيلي والسينوغرافي بما يعضد الرؤية الذاتية الشخصية التي احتملت خصوصية كبيرة وبدا جليا ابتعاد السينوغرافيا عن التفسير والطرح السيمولوجي الاكثر عمقا وجاء البناء التشكيلي لخشبة المسرح عبارة عن مقعدين في منتصف منصة العرض لم يتحركا من مكانهما ولم يتغير وضعهما علي الرغم من تعدد الزمان والمكان في هذا العرض وبالرغم من ذلك جاء التصميم المعماري لخشبة مصر مكتبة مصر العامة مناسبا بامتياز للحالة النفسية الاجمالية للعرض من حيث صغر مساحة خشبة المسرح مما اشار بالضيق وقلة المساحة الحياتية الممنوحة للانثي في المجتمع ووجود خطوط طولية لامعة علي يمين الخشبة ويسارها فظهرت وكأنها قضبان تسجن فيها الانثي ولان العرض قدم في قالب المونودراما ولان مخرجة العرض هي بطلته فقد اتضح جليا تفوق الممثلة علي المخرجة في التحليل الاخير لاقتراب القضية من روحها لفظا وحياة فاستسلمت المخرجة للممثلة لتمارس ( الحكي / الفضفضة ) علها تقترب من التطهر مما حاق بروحها من أدران تراها حقيقية
لعبة الاضاءة دورا كبيرا في تحقيق رتابة الصورة المسرحية وهي حالة مناسبة بشكل واضح مع الحالة النفسية للانثي التي تعيش روتين ممل فاعتمدت حركات الاضاءة علي غمر خشبة المسرح بالضوء ثم تركيزه عن طريق بؤرة ضيقة ( الزوووم ) وما تلبس ان تعود الي الغمر بالضوء فالبؤرة متخطيا فقر الامكانات التقنية ومحققا تدفق بصري خاصة مع ثبات الرؤية التشكيلىة لتصبح من اميز مفردات العرض بعد التمثيل بطبيعة الحال
مونودراما حق اللجوء العاطفي تأليف محمد الشربيني عن كتابات الدكتورة عزة بدر تمثيل وإخراج رحاب المهداوي


محمد النجار

mae_nagar@yahoo.com‏