العدد 677 صدر بتاريخ 17أغسطس2020
ثنائية الحضور والغياب .. الحياة والموت قدر محتوم لا نملك أمامه كمؤمنين إلا الإيمان بقدر الله تعالى والقول: “البقاء لله وحده وإنا لله وإنا إليه راجعون”. ولكن مع إيماننا بأن لكل أجل كتاب وموعد محتوم لا يمكننا السيطرة والتحكم في مشاعر الحزن والأسى التي تتفجر بعنف مع رحيل كل صديق من الأصدقاء والأحباب والزملاء الذين ربطتنا بهم الذكريات، وخاصة هؤلاء الذين حرصوا طول عمرهم وطوال مسيرتهم الفنية على إسعادنا وتقديم الفكر الجاد والبهجة لنا. بالأمس القريب وعلى مدى شهور قليلة خلال هذا العام رحل عن عالمنا الأصدقاء والزملاء والنجوم: ماجدة، نادية رفيق، سمير البنا، نادية لطفي، لينين الرملي، جورج سيدهم، إبراهيم نصر، حسن حسني، محمود الطوخي، عفاف شاكر، علي عبد الرحيم، نبيل خلف، محمود مسعود، محمود جمعة، رجاء الجداوي، محمود رضا، د.حسن عطية، سامية أمين، وأخيرا الأصدقاء والنجوم الأربعة: إبراهيم الشرقاوي، د.سناء شافع، سمير الإسكندراني، شويكار، ولا يسعنا إلا الدعوة لهم بالرحمة والمغفرة وجنة الرحمن جزاء ما أخلص كل منهم في عمله.
وداعا الصديق إبراهيم الشرقاوي
الفنان القدير إبراهيم الشرقاوي رحل عن عالمنا يوم الأثنين الموافق التاسع من أغسطس عام 2020 في صمت يليق بالنبلاء الصابرين ولكنه لا يليق أبدا بحجم موهبته وخبراته وتميزه، فلم تفرد الصحف والمجلات الصفحات لرحيله وكذلك لم تنوه عنه وسائل الإعلام ببرامجها المختلفة، وبالتالي لم يشارك في رثائه سوى مجموعة من الأصدقاء المقربين والزملاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي (الفيسبوك). وربما يعود السبب الأول في ذلك إلى كثرة الوفيات المتتالية، وذلك بالإضافة إلى اضطراره للإعتزال والابتعاد عن الوسط الفني لظروف مرضه القاسي لمدة تزيد عن عشرين عاما.
الفنان القدير إبراهيم محمد إبراهيم الشرقاوي من مواليد 28 يوليو عام 1948، وقد تخرج في معهد الفنون المسرحية دفعة عام 1975، وذلك ضمن دفعة متميزة من أبرز أعضائها الذين حققوا نجومية كبيرة: فاروق الفيشاوي، عماد رشاد، محمود مسعود، سامي العدل، إبراهيم يسري، فاطمة مظهر، وجدي العربي، إسماعيل محمود، راوية سعيد، عبد الله إسماعيل، نادية شكري، يوسف رجائي.
وفور تخرجه وإنهاء فترة تجنيده التحق الفنان إبراهيم الشرقاوي بفرقة “المسرح القومي”، وشارك في بطولة بعض المسرحيات الجادة من أبرزها “الفارس والأسيرة “التي قام ببطولتها نور الشريف وفردوس عبد الحميد، كما شارك في مسرحية “مجنون ليلى”، وكان من الطبيعي أن تجذب هذه الأدوار المسرحية انتباه مخرجي السينما والدراما التلفزيونية إلى موهبته، حيث رشحه المخرج الراحل حمادة عبد الوهاب ليشارك في بطولة المسلسل التلفزيوني “الغربة”، ثم توالت أعماله التلفزيونية الناجحة مثل “أبرياء في قفص الاتهام” مع كمال الشناوي، والذي شاركه أيضا في مسلسل “هند والدكتور نعمان”. ولم يقتصر نشاط الفنان إبراهيم الشرقاوي على مجالي المسرح والتليفزيون فقط، بل تألق أيضا بمجال العمل السينمائي، حيث كانت بداية لفت الأنظار إليه وتألقه في فيلم “خلف أسوار الجامعة” عام 1981، ومن أبرز الأدوار السينمائية الأخرى التي قام بأدائها على الشاشة الكبيرة دور “خضر الناجي” في فيلم “الحرافيش” الذي قام ببطولته مع محمود ياسين وليلى علوي وممدوح عبد العليم وأخرجه حسام الدين مصطفى عام 1986، وكذلك دور “قلب الأسد” في فيلم “الوحل” مع نور الشريف ونبيلة عبيد عام 1987، ورغم أن الدور كان قصيرا إلا أنه قد نجح في ترك انطباعا جديدا لدى الجمهور والنقاد. ومن خلال هذه الأدوار استطاع أن يثبت أنه موهبته تستحق الاهتمام خاصة وأنه لم يقصر موهبته وخبراته على آداء نمط واحد من الشخصيات أو بعض الأدوار المحددة.
والجدير بالذكر أنه الأخ الأكبر لكل من فنان السينوغرافيا مصطفى الشرقاوي والممثل والمخرج المسرحي أحمد خليل.
هذا ويمكن تصنيف مجموعة مشاركاته الفنية طبقا لاختلاف القنوات الفنية (المسرح، السينما، الدرما التليفزيونية، الإذاعة) مع مراعاة التتابع التاريخي كما يلي:
أولا - مشاركاته المسرحية:
يمثل المسرح بالنسبة للفنان إبراهيم الشرقاوي مجال تفجر واكتشاف موهبته وأيضا مجال دراسته وتألقه وعمله الأساسي (بفرقة المسرح القومي) وذلك بالرغم من ندرة أعماله التي يمكن تصنيفها كما يلي:
1 - بفرقة المسرح القومي: الفارس والأسيرة (1979)، مجنون ليلى (1986)، الملك لير (2002).
2 - بفرق أخرى: سوق الشطار (مسرح الغد - 2000)، أبو الفوارس عنترة (مسرح التلفزيون - 2004).
ويذكر أنه قد تعاون من خلال تلك المسرحيات مع نخبة من كبار المخرجين الذين يمثلون أكثر من جيل ومن بينهم الأساتذة: أحمد عبد الحليم، د.عادل هاشم، د.عوض محمد عوض، د.عمرو دوارة، هشام جمعة.
ثانيا - أفلامه السينمائية:
بدأت مشاكاته السينمائية عام 1980 من خلال مشاركته بفيلم “ كم أنت حزين أيها الحب “ من إخراج عبد المنعم شكري، وبطولة الفنانين شكري سرحان، ميرفت أمين، يوسف فخر الدين. وذلك في حين كانت آخر مشاركاته السينمائية بفيلم “أمواج الغضب” عام 1999 من إخراج إسماعيل جمال، وبطولة الفنانين وفاء عامر، نهلة سلامة، الشحات مبروك، فؤاد خليل.
هذا وتضم قائمة أعماله السينمائية مجموعة الأفلام التالية: كم أنت حزين أيها الحب، الدرب الأحمر، الثعالب الصغيرة (1980)، خلف أسوار الجامعة (1981)، العوامة 70 (1982)، أسوار المدابغ (1983)، الهلفوت، الأرملة والشيطان، الخزنجية (1984)، الجوهرة (1985)، الحرافيش، البريء والمشنقة، امرأة تحت الاختبار (1986)، الشرابية، الوحل، النمر والأنثى، سكة الندامة، الخرتيت (1987)، مخالب امرأة، الجوهرة، امبراطورية الجيارة (1988)، المغتصبون، فضيحة العمر، قاتل مغاوري (1989)، امرأة تحت الإختبار، أيام الماء والملح، فتاة المافيا (1990)، إحذروا هذه المرأة، الحلم القاتل (1991)، أولاد درغام (1993)، مصيدة الذئاب (1994)، بلطية بنت بحري (1995)، أمواج الغضب (1999).
ويمكن من خلال قائمة الأفلام السابقة رصد تعاونه مع نخبة من كبار المخرجين الذين يمثلون أكثر من جيل ومن بينهم الأساتذة: هنري بركات، عاطف سالم، حسام الدين مصطفى، سعيد مرزوق، خيري بشارة، سمير سيف، علي عبد الخالق، عبد المنعم شكري، سيد طنطاوي، عبد الفتاح مدبولي، ناجي أنجلو، عادل الأعصر، عادل صادق، أحمد السبعاوي، مدحت السباعي، محمد أباظة، نجدي حافظ، جمال عمار، رضا النجار، صلاح سري، شريف يحيى، محمد مرزوق، إسماعيل جمال، يوسف إبراهيم.
ثالثا - أعماله التلفزيونية:
نجحت الدراما التلفزيونية - بخلاف السينما والمسرح - في توظيف الإمكانيات والخبرات الفنية للفنان إبراهيم الشرقاوي بصورة جيدة، وإتاحة الفرصة كاملة له لتجسيد عدة شخصيات درامية ثرية ومتنوعة مما دفعه لتركيز عمله بها ومنحها مزيد من الوقت والجهد للمشاركة في أعمالها، وتضم قائمة أعماله بالدراما التليفزيونية مجموعة المسلسلات التالية: سر الأرض، لص الثلاثاء، الغربة (1977)، بستان الشوك (1978)، دعاة الحق، العملاق (1979)، أنف وثلاث عيون، حساب السنين، الخبايا (1980)، الرجل الذي فقد ذاكرته مرتين، محمد رسول الله - ج2 (1981)، أديب، الشاهد والمتهم (1982)، الحوت، عيون لا تعرف الدموع، عالم عم أمين (1983)، هند والدكتور نعمان، أبرياء في قفص الإتهام (1984)، دوامة الحياة (1985)، الخديعة، اسم العائلة (1986)، هاربات من الماضي، حساب السنين (1989)، الطاووس، الخطر، البريمو (1991)، مغامرات زكية هانم (1992)، الوعد الحق، المحاكمة، عروس البحر، حواديت فكري أباظة (1993)، آرابيسك، سر الأرض (1994)، الصبار (1995)، هارون الرشيد، الدوائر المغلقة (1997)، الوزير العاشق، القضاء في الإسلام - ج8، اللص والكلاب (1998)، ملاعيب شيحة (2004)، وذلك بخلاف بعض السهرات التلفزيونية ومن بينها: عيد زواج، الزحام، محاكمة في الزمن الضائع، بصمات على الطريق، الشنطة في مكان أمين، زمن الحب والكراهية، ابنتي والأيام، لا تحرقوا الخبز.
رابعا - أعماله الإذاعية:
يتميز الفنان إبراهيم الشرقاوي بصوته الهادئ الرصين ومخارج ألفاظه السليمة وإجادته التامة لفن الإلقاء مع إلتزام الكامل بجميع قواعد النحو، كما يحسب له إجادته للتمثيل باللغة العربية الفصحى بنفس كفاءة تمثيله باللهجة العامية، لذا كان من المنطقي أن يقوم بتركيز جهوده في الأعمال الإذاعية، وأن يساهم في إثراء الإذاعة المصرية ببطولة وأداء بعض الأدوار الرئيسة في عدد كبير من برامج المنوعات والأعمال الدرامية على مدار مايزيد عن خمسة وعشرين عاما تقريبا، شارك خلالها ببطولة عدد كبير من المسلسلات الإجتماعية والدينية،
ولكن للأسف يصعب حصر جميع المشاركات الإذاعية (في غياب القوائم والفهارس الاسترجاعية) نظرا لأننا نفتقد لجميع أشكال التوثيق العلمي بالنسبة للأعمال الإذاعية !! وتضم قائمة المسلسلات والتمثيليات الإذاعية التي شارك في بطولتها - على سبيل المثال فقط - مسلسلي: ابتسم الغضب، الحب الأخرس، بالإضافة إلى مشاركته ببطولة عدد كبير من المسرحيات العالمية المترجمة من إنتاج “البرنامج الثقافي” (البرنامج الثاني).
- وراء الكواليس:
نظرا لحساسيته الشديدة ورهافة مشاعره والتزامه الكبير بتقاليد المهنة بالإضافة إلى حرصه وإصراره على تقديم الأدوار المتميزة فقط ظل يفكر في اعتزال العمل الفني أكثر من مرة منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي، وبالفعل ظل يعتذر عن المشاركة بجميع الأعمال المسرحية التي تعرض عليه، خاصة وأن العمل المسرحي يتطلب منه ضرورة التعاون المباشر والمستمر مع عدد كبير من الزملاء طوال فترات البروفات والعروض، مما قد يعرضه للاصطدام مع بعض النجوم غير الملتزمين بأداب وتقاليد المهنة. لذا فقد ظل مبتعدا لسنوات طويلة عن العمل المسرحي وبالتحديد خمسة عشر عاما، وذلك بخلاف مشاركاته القليلة بباقي القنوات لفنية الأخرى. ونظرا للصداقة بيننا ولاقتناع كل منا بموهبة الآخر وامكانياته حرصت على اقناعه بضرورة المشاركة ببظولة مسرحية “سوق الشطار” الذي شرفت بإخراجه. والمسرحية من إنتاج فرقة “مسرح الغد” عام 2000، والنص من تأليف مختار العزبي، وقامت بتصميم الديكورات والملابس الفنانة مهيرة دراز، وبكتابة الأغاني الشاعر عوض بدوي، وبوضع الألحان الموسيقار محمود طلعت، وبتصميم الاستعراضات كريم التونسي، وشارك في بطولته كل من الفنانين: منال سلامة (شهرزاد وفية)، حسن فؤاد (شهريار لبيب)، إبراهيم الشرقاوي (الغجري شيخ المنسر)، عهدي صادق (الهباش، المهلباتي، بتاع كله)، ممدوح درويش (الصياد).
والمسرحية تتناول وبصورة غير مباشرة مشاكل وطموحات الشباب المعاصرة، وذلك من خلال إطار من الفانتازيا الغنائية الاستعراضية وتوظيف أجواء حكايات “ألف ليلة وليلة”، حيث تقوم الملكة شهرزاد - في أثناء محاولتها لاسترضاء الملك شهريار والهروب من تهديده بالقتل بسيف “مسرور” السياف - تسليته بالحكايات الشيقة، ولكنها بذكائها تختار بعض الحكايات التي يمكنها أن تكشف له بصورة غير مباشرة عن مساوئ وسلبيات حكمه، ومدى المعاناة التي يتحملها أفراد شعبه من فقر وجوع وفساد بخلاف تعرضهم لكافة أشكال القهر والنصب.
والحقيقة أن صديق العمر “إبراهيم” لم يتردد لحظة في القبول خاصة بعدما قرأ الدور وأعجب بالخطاب الدرامي الرئيسي للنص وأيضا بملامح تلك الشخصية الجديدة بالنسبة له والتي تتطلب منه مشاركة مجموعة الراقصين في رقصاتهم التي تعبر عن جماعة الغجر، الذين يجسد هو شخصية زعيمهم الكبير.
والحديث عن التزام أحد أعضاء أسرة “المسرح القومي” وتقديم شهادة بالتزامه لا لزمة لها، لأنه أمر منطقي ولكن ما يستدعي تسجيل الشهادة فعلا هو قدرته على تحمل كافة المعوقات التي واجهها مع أسرة العرض منذ بدء اجراءات انتدابه لفرقة “مسرح الغد”، ففي حين أنهت فرقة “المسرح القومي” اجراءات انتدابه بمنتهى السهولة وسلاسة وسرعة تعمد مدير فرقة “الغد” عرقلة وتأخير الإجراءات، كما تعمد بعد ذلك عدم توفير مكان بالمسرح لإجراء البروفات (ولا حتى بسطح المبنى الذي أتاحه لمجموعة عرض لفرقة أخرى)!! ليتحمل الفنان الحقيقي إبراهيم مع باقي الأصدقاء مهمة إجراء البروفات بمنزل الفنانة منال سلامة (بالمنزل القديم بشارع فيصل)، ثم بعد نضطر أيضا إلى تقديم العرض بقاعة “يوسف إدريس” بمسرح السلام!! وحتى بعد نجاح العرض وتحقيقه لأعلى الإيرادات لم يشفع ذلك لدى المدير ليرضى عن العرض ويوافق على مد فترة تقديمه!!، ليفاجئ بقرار ثنائي من الفنان القدير محمود الحديني رئيس البيت الفني للمسرح والفنان المخرج محمود الألفي مدير فرقة “المسرح الحديث” آنذاك بمد فترة العرض شهر آخر. حقا لقد تحمل صديقي إبراهيم الشرقاوي في هدوء وصمت معنا كل تلك المشاكل والمعوقات وهو الذي لم يبتعد أبدا قبل ذلك عن خشبة “المسرح القومي” بأصالته وعراقته، ولكن ما أشفى غليلي أنه كان دائما ما يذكر أن نجاح مشاركته بهذ العرض قد شجعته على العودة للمسرح ومشاركة النجم يحيى الفخراني بمسرحية “الملك لير” عام 2002، ثم التعاون مع مسارح التليفزيون - خارج المسرح القومي مرة أخرى - عام 2004.
حقا أنه نموذج محترم للفنان ومثال رائع للممثل الموهوب الدارس الذي ظل يدرك قيمة استحقاقه لعضوية فرقة “المسرح القومي”.
الفنان القدير سناء شافع
الفنان القدير د.سناء شافع هو الأستاذ الأكاديمي والمعلم الحقيقي والأب الحنون والأخ الأكبر والصديق المخلص، لذلك تنافس جميع الأصدقاء والزملاء والأبناء في مظاهرة حب شاركوا فيها جميعا بمجرد سماع خبر مروره بأزمة صحية، ثم وصلت إلى ذروتها للمشاركة في تأبيه ورثائه بمجرد رحيله يوم الأربعاء الماضي (الموافق 12 من أغسطس 2020). وذلك لإيمانهم وقناعتهم بأنه قامة فنية سامية وقيمة انسانية راقية، فهو الإنسان مرهف الحس والفنان الموهوب الملتزم والمثقف الجاد المهموم بقضايا وطنه، وقد ظل بالفعل رمزا للسلوكيات المثالية وللفن الجاد الهادف، وذلك بخلاف أنه ممثل قدير يمتلك جميع أدواته الفنية بكفاءة وجدارة، ونجح خلال مسيرته الفنية في إثراء حياتنا الفنية بتقديم عدد كبير من الأعمال الفنية المهمة ومن بينها: إخراجه لتسعة مسرحيات، ومشاركته بالتمثيل في بطولة أثنى عشر فيلما وخمس مسرحيات وعشرات المسلسلات الإذاعية، وما يزيد عن مائة مسلسلا تلفزيونيا وذلك بخلاف عمله بالتدريس الأكاديمي.
والفنان الكبير د.سناء شافع من مواليد 25 يناير عام 1943 بقرية “موشا” بمحافظة أسيوط بصعيد مصر، وقد مكث بالقرية قرابة ثمان سنوات قبل أن ينتقل إلى القاهرة مع والده الشيخ محمود شافع الذي كان أحد علماء الأزهر الشريف، حيث قرر والده الإقامة بصفة دائمة بالقرب من مشيخة الأزهر الشريف، ولذلك فقد نشأ الفنان سناء شافع بحي الجمالية والحسين، ودرس المرحلة الابتدائية بمدرسة الجمالية الابتدائية. وذلك قبل أن ينتقل إلى حي حدائق القبة بعد ذلك. وقد جذبه الفن مبكرا فالتحق بفرق هواة المسرح بشارع “عماد الدين”، إلى أن قرر أن يصقل موهبته بالدراسة الأكاديمية فالتحق “بالمعهد “العالي للفنون المسرحية”، الذي تخرج فيه عام 1964 ضمن دفعة ضمت عددا من المبدعين الذين حققوا نجوميتهم بعد ذلك ومن بينهم الأساتذة: إنعام سالوسة، سعيد طرابيك، محيي إسماعيل، محمد عناني، كمال الشامي، وذلك بخلاف مجموعة متميزة من المخرجين ضمت كل من الأساتذة: سمير العصفوري، عبد الغفار عودة، توفيق عبد اللطيف، أنور رستم، محمد صديق.
وقد بدأ الفنان سناء شافع حياته العملية بالإنضمام إلى فرق “مسارح التلفزيون” عام 1961، ثم انضم بالتحديد إلى فرقة “المسرح العالمي” عام 1962، حيث شارك بالتمثيل في مسرحيات: المتحذلقات، الحيوانات الزجاجية، أنتيجونا.
والطريف أنه قد رشح عام 1959 لبطولة فيلم “حسن ونعيمة” أمام النجمة سعاد حسني في أولى تجاربها السينمائية، وقد قام بالفعل بتوقيع العقد مع المؤلف عبد الرحمن الخميسي نظير مبلغ خمسين جنيها، لكن تأجيل تصوير الفيلم ثم إضطراره للسفر إلى ألمانيا لإستكمال دراسته العليا أضطره للإعتذار عن دور البطولة “حسن المغنواتي”، ليصبح الدور بعد ذلك - وفي آخر لحظة - من نصيب المطرب الجديد أنذاك محرم فؤاد.
سافر في منحة دراسية إلى ألمانيا الشرقية عام 1959، والتحق بالمعهد العالي للمسرح “هانز بول”، وأنهى دراسته عام 1970 ببحث عن مسرحية “كوريولانوس” بين “ماكيوس بلاوتوس” و”وليم شكسبير” و”برتولد بريخت”، وتأثير “برتولد بريخت” في المسرح المصري”، كما حصل بعد ذلك على منحة من وزارة الثقافة الألمانية للحصول على دبلوم في الإخراج المسرحي والدراماتورج بدراسة عن “المسرح الألماني” و”مسرح بريخت” بفرقة “برلين إنسامبل”، وكذلك في الدراما الموسيقية بدراسة عن “أوبرا برلين” عام 1972.
وهو رجل مسرح حقيقي وموهبة متفردة، فبخلاف أنه أستاذ أكاديمي بالمعهد العالي للفنون المسرحية مخرج مسرحي متميز وممثل نجح في تحقيق تميزه ووضع بصمة خاصة به بجميع القنوات الفنية. كانت أول المسرحيات التي أخرجها بعد عودته من البعثة “إللي رقصوا على السلم” لفرقة المسرح الكوميدي عام 1972، كما أخرج عدة مسرحيات أخرى بمسارح الدولة من أهمها مسرحية “دون كيشوت” عام 1975، كذلك عمل بالإذاعة والتلفزيون والسينما، ومن أهم أعماله السينمائية: دور “رؤوف” في فيلم “حتى لا يطير الدخان” وأيضا دور “إبراهيم” المحوري الذي دارت حوله معظم الأحداث الدرامية بالفيلم التلفزيوني الشهير “فوزية البرجوازية”، أما بالنسبة للدراما التلفزيونية فقد شارك في عدة مسلسلات من أهمها: “الزيني بركات”، “حضرة المتهم أبي”، “حنان وحنين”، “باب الخلق”، “الصفعة” “الأب الروحي”، “الجماعة” و”بعد البداية”.
عين عام 1972 بالمسرح القومي، ثم مديرا لمسرح الطليعة خلال الفترة 1974-1975، كما أسند إليه تدريس مادتي التمثيل والإخراج بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وعين مدرسا عام 1977، ثم تدرج ببعض الوظائف القيادية حتى تحمل مسئولية منصب عميد المعهد خلال الفترة 1987 -1990. والحقيقة أن دوره الأكاديمي - وإن استنفذ كثيرا من وقته وجهده - دور مهم فعلا، فقد استطاع من خلاله وبما يملكه من موهبة حسن القيادة والقدرة على تحقيق التواصل مع الأجيال الشابة تقديم وتوصيل المعلومات النظرية إليهم والنجاح في صقل مواهبهم وإكسابهم الخبرات العملية اللازمة.
جدير بالذكر أن الفنان سناء شافع بما يتمتع به من حساسية مفرطة وبحثه الدائم عن السعادة وإصراره على الصدق والوضوح بكل شفافية منهجا أضطر للزواج تسعة مرات من جنسيات مختلفة (مصرية وألمانية وكويتية) !!، كان زواجه الأول وهو في الواحد والعشرين من عمره، وذلك عندما تزوج بعد قصة حب عنيفة من ليلى كامل المضيفة بشركة مصر للطيران (كان عمرها آنذاك تسعة عشر عاما، وكان والدها جواهرجيا)، أما زواجه الثاني فقد تم عندما توجه إلى ألمانيا للدراسة وقضى فيها ما يقرب من عشرة أعوام، فتزوج خلالها من الطبيبة كرستينا التي أنجب منها ابنه عبد الله النديم، كما تزوج لفترة من الفنانة القديرة ناهد جبر، وأيضا من تلميذته الفنانة ندى بسيوني وأنجب منها ابنته مايا، ثم بعد انفصاله عنها وأثناء عمله في المعهد العالي للفنون المسرحية في “الكويت” تزوج مرتين على التوالي من خارج الوسط الفني، وحاليا هو متزوج من الأستاذة ماجدة حافظ.
هذا ويمكن تصنيف مجموعة الأعمال الفنية للفنان القدير سناء شافع طبقا لإختلاف القنوات الفنية (المسرح السينما التلفزيون الإذاعة) وطبقا للتسلسل الزمني كما يلي:
أولا - أعماله المسرحية:
ظل المسرح لسنوات طويلة هو المجال المحبب للفنان د.سناء شافع ومجال إبداعه الأساسي، وهو الذي قضى في العمل به كممثل محترف ما يقرب من ثلاثين عاما، وكمخرج ما يقرب من نصف قرن شارك خلالها بإخراج عدد من المسرحيات المتميزة بعدة فرق مسرحية مهمة (ومن بينها: المسرح القومي، المسرح الطليعة، المسرح الكوميدي)، هذا ويمكن تصنيف مجموعة أعماله المسرحية - وجميعها بفرق مسارح الدولة - طبقا لاختلاف الفرق المسرحية وطبيعة الإنتاج وطبقا للتسلسل الزمني كما يلي:
1 - في مجال التمثيل:
شارك الفنان سناء شافع في بطولة عدد من المسرحيات العالمية المهمة وتعاون خلالها مع نخبة من كبار المخرجين والنجوم، وتضم قائمة إسهاماته بالتمثيل المسرحيات التالية:
- المتحذلقات: المسرح العالمي (1964)، إخراج محمد مرجان.
- الحيوانات الزجاجية: المسرح العالمي (1965)، إخراج نور الدمرداش.
- أنتيجونا: المسرح العالمي (1965)، إخراج سعد أردش.
- قاتل الزوجة: مسرح الطليعة (1975)، إخراج شاكر عبد اللطيف.
- السيرك الدولي: مسرح الغد (1993)، إخراج محمد صديق.
- صباح الخير ياوطن: المسرح الحديث (1994)، إخراج أحمد زكي.
2 - في مجال الإخراج:
- “المسرح الكوميدي”: إللي رقصوا على السلم (1972).
- “المسرح القومي”: سقوط بارليف (1974)، أنتيجون (1978)، روميو وجوليت (2008).
- “مسرح الطليعة”: دون كيشوت (1975)، السهرة - “مين يخاف فيرجينيا ولف” (2012).
كما أخرج عدة عروض موسيقية ومن بينها: “الشخص” (1989) إنتاج وزارة الثقافة وأكاديمية الفنون، و”بترفلاي” (1978)، “توسكا” (1979) لفرقة أوبرا القاهرة والتي قدمت العرضين على مسرح “أبو الهول”.
وجدير بالذكر أنه قد تعاون من خلال المسرحيات السابقة التي قام بإخراجها مع نخبة من كبار النجوم والمسرحيين الذين يمثلون أكثر من جيل وفي مقدمتهم الأساتذة: حمدي غيث، جلال الشرقاوي، عبد السلام محمد، فاروق الفيشاوي، فردوس عبد الحميد، أحمد مرعي، حمدي أحمد، عزيزة راشد، ناهد جبر، أحمد راتب، صبري عبد المنعم، خالد زكي، فاتن أنور، محمد أحمد المصري، محمود القلعاوي، أحمد فؤاد سليم، منال سلامة، نيفين رفعت، يحيى أحمد.
ثانيا - أعماله السينمائية:
شارك الفنان القدير سناء شافع خلال مسيرته الفنية التي تزيد عن نصف قرن بأداء بعض الأدوار الرئيسة المؤثرة وبعض أدوار البطولة الثانية في عدد يعد قليلا جدا من الأفلام السينمائية (أثنى عشر فيلما فقط)، وهذا العدد لا يتناسب أبدا بالطبع مع حجم موهبته وخبراته ومهاراته الأدائية في تجسيد مختلف الشخصيات الدرامية، ومما يؤكد ذلك أن جميع الأفلام التي شارك ببطولته تعد أفلاما مهمة ومتميزة، وقد نجح من خلالها في تجسيد شخصيات درامية متنوعة ومتميزة. هذا وتضم قائمة أعماله الأفلام التالية: حتى لا يطير الدخان (1984)، الموظفون في الأرض، فوزية البرجوازية، عندما يأتي المساء (1985)، الخط الساخن (1986)، مسجل خطر (1991)، السجينة 67، سمارة الأمير (1992)، حادثة النيل هليتون - فيلم ألماني، خير وبركة (2017). وذلك بخلاف بعض الأفلام الأخرى ومثال لها: مرآة في الكف، عندما تشرق الأحزان. ويمكن من خلال قائمة الأفلام السابقة رصد تعاونه مع نخبة من كبار المخرجين الذين يمثلون أكثر من جيل ومن بينهم الأساتذة: كمال عيد، إبراهيم الشقنقيري، سمير سيف، أحمد يحيى، هاني لاشين، سامح عبد العزيز.
ثالثا - أعماله التلفزيونية:
يمكن من خلال رصد الإسهامات الثرية للفنان الكبير سناء شافع في مجال التمثيل بمختلف القنوات الفنية تسجيل حقيقية مهمة وهي أن الدراما التلفزيونية - بخلاف السينما والمسرح - هي التي استطاعت توظيف إمكانياته وخبراته الفنية بصورة جيدة، مما دفعه لمنحها مزيد من الوقت والجهد والتركيز في أعمالها، وربما يفسر ذلك مشاركته بأداء بعض الأدوار الرئيسة في عدد يزيد عن مائة مسلسلا تلفزيونيا على مدى ما يقرب من أربعين عاما ومن بينها المسلسلات التالية: ابن عمار، أنا وبعدي الطوفان، فارس الأحلام، الفارس العاشق، العطاء، مبارك، لا تطفئ الشمس، نادية، المجانين، قشتمر، اسم العائلة، حارة الشرفاء، أولاد آدم، برج الأكابر، سجن أملكه، مكان في القلب، مولود في الوقت الضائع، أنا وأنت وبابا في المشمش، مغامرات زكية هانم، هنادي، المحاكمة، دموع صاحبة الجلالة، غاضبون وغاضبات، صباح الخير يا جاري، ساكن قصادي (ج2)، أنا وزوجتي والنصاب، ليالي الحلمية (ج5،6)، عريس من باريس، دوائر الحب والوهم، أولاد الأصول، الزيني بركات، حلم الجنوبي، جمهورية زفتى، أوقات خادعة، همام يبحث عن همام، دقات الساعة، القرار، حضرة المتهم أبي، حنان وحنين، عزيز على القلب، الهاربة، دموع في نهر الحب، فستان الفرح، مش ألف ليلة وليلة، بالشمع الأحمر، على باب مصر، موعد مع الوحوش، حارة خمس نجوم، الشوارع الخلفية، الخفافيش، باب الخلق، الصفعة، فرح العمدة، حكاية حياة، فيفا أطاطا، العملية مسي، السيدة الأولى، الصياد، مكان في القصر، بعد البداية، أريد رجلا (ج1،2)، ألف ليلة وليلة، أوراق التوت، ولاد السيدة، ابن موت، فض إشتباك، الميزان، أهل الهوى، رأس الغول، شهادة ميلاد، الخروج، القيصر، الأب الروحي، الحصان الأسود، إختيار إجباري، الأستاذ بلبل وحرمه، قصر العشاق، وضع أمني، الجماعة (ج2)، الوتر، الشارع إللي ورانا، أهل التكية، أبو عمر المصري، رمضان كريم، خيبر، سقوط الخلافة، الفرسان، الإمام الغزالي، هارون الرشيد، عمر بن عبد العزيز، خليل الله إبراهيم عليه السلام، الإسلام حضارة، ساعة ولد الهدى، محمد رسول الإنسانية، محمد رسول الله. وذلك بخلاف عدد من السهرات والتمثيليات التلفزيونية ومن بينها: الحلقة المفقودة، الأب، العطاء.
رابعا - أعماله الإذاعية:
للأسف الشديد أننا نفتقد لجميع أشكال التوثيق العلمي بالنسبة للأعمال الإذاعية، وبالتالي يصعب حصر جميع المشاركات الإذاعية (في غياب القوائم والفهارس الاسترجاعية) لهذا الفنان القدير الذي ساهم في إثراء الإذاعة المصرية ببعض برامج المنوعات والأعمال الدرامية على مدار مايزيد عن نصف قرن تقريبا، شارك خلالها ببطولة عدد كبير من المسلسلات الإجتماعية والدينية، خاصة وأنه يجيد التمثيل باللغة العربية الفصحى بنفس كفاءة تمثيله باللهجة العامية، وذلك بخلاف تميزه بصوته الهادئ الرصين ومخارج ألفاظه السليمة وإجادته لفن الإلقاء مع الإلتزام بجميع قواعد النحو. وتضم قائمة المسلسلات والتمثيليات الإذاعية التي شارك في بطولتها الأعمال التالية: هذا الوجه الآخر، رحلة الليل، رد قلبي، الحادثة، بالحب نحيا سعداء، العودة، قصة حبي، حب لا يموت، فرقة سيكا، أوراق رسمية، أغرب القضايا (أكثر من قضية)، وذلك بالإضافة إلى مشاركته في بطولة عدد كبير من المسرحيات العالمية التي يقدمها “البرنامج الثقافي” (البرنامج الثاني) ومن بينها: القصة المزدوجة للدكتور بالمي.
كان من المنطقي أن يتم تتويج تلك المسيرة العطرة والمشوار الفني الثري لهذا الفنان القدير بحصوله على بعض الجوائز والأوسمة وشهادات التقدير عن بعض أدواره ومشاركاته المتميزة، وكذلك علي بعض مظاهر التكريم ولعل من أهمها: حصوله على درع مهرجان “زكي طليمات” بالمعهد العالي للفنون المسرحية عام 2004، وأيضا تكريمه من خلال مهرجان “المسرح العربي” (الذي تنظمه الجمعية المصرية لهواة المسرح) في دورته الثانية عشر عام 2014، وذلك بخلاف حصول على الميدالية الذهبية بأيام “الشارقة المسرحية” عام 2014، وإن كان أعظم تكريم يحظى به ويسعده دائما - كما صرح أكثر من مرة - هو تألق أبنائه وتلاميذه فنيا وحصول بعضهم على أعلى الشهادات الأكاديمية، كما تظل جائزته الكبرى التي يعتز بها هى إعجاب وتقدير الجمهور لأعماله الفنية.
وأخيرا لا يسعني إلا أن أتوجه إلى الله بالدعاء أن يرحمه ويغفر له ويدخله فسيح جناته جزاء ما أخلص في عمله وسعى إلى أسعادنا، فقد حرص طوال مسيرته أن يحافظ على صورة الأستاذ المعطاء والقدوة المثالية للأجيال التالية بدماثة خلقه ونصائحه، فكان بالفعل نعم القدوة الحسنة والأب الحنون لجميع الفنانين، وخير مثال مشرف للفنان العربي المثقف الذي يعي أهمية دوره في التنوير ونشر الوعي.