العدد 597 صدر بتاريخ 4فبراير2019
الفنانة المتميزة محسنة توفيق عبد العزيز رمز من رموز الجودة الفنية، فهي من أصحاب المواهب المتفردة، وتتميز كفنانة بحساسيتها المرهفة وقدرتها على معايشة وتجسيد مختلف الأدوار، فهي تجيد أداء الشخصيات المركبة، وتوظيف انفعالاتها بدقة طبقا لطبيعة كل شخصية وطبيعة الموقف الدرامي فتنجح في الانتقال من قمة القوة إلى لحظات الضعف، وبالتالي الانتقال من قمة الإنفعال إلي الصوت الهامس بسلاسة ومرونة، وبرغم تميزها بالصدق الفني ومعايشة الشخصيات التي تؤديها بكل خلجاتها إلا أنها بخبرتها الكبيرة تستطيع توظيف جميع حواسها في التعبير عن المواقف المختلفة حتى ولو استدعت البكاء، فهي ترفض استخدام الحيل الفنية وتفضل دائما المعايشة الكاملة، وقد تميزت بالتعبير عن الشخصيات النسائية المقهورة كما تفوقت في تجسيد المرأة المصرية بمختلف مستواياتها الإجتماعية.
وهي من مواليد 29 ديسمبر عام 1939، وكانت بدايتها الفنية مبكرة جدا خاصة مع تشجيعها من قبل شقيقتيها المذيعتين (يسرا ، وفضيلة توفيق - الشهيرة ب”ماما فضيلة”)، حيث انضمت خلال المرحلة الابتدائية إلى كل من فريقي الموسيقى والمسرح، وبعد ذلك مارست هواية التمثيل من خلال المسرح المدرسي بالمرحلة الثانوية ثم من خلال فرق المسرح الجامعي، وخلال تلك الفترة أسند لها المخرج الكبير نبيل الألفي بطولة مسرحية “الأشباح” للكاتب العالمي إبسن لإحدى الفرق الجامعية، وقد رشحها تميزها بالمسرح الجامعي إلى إحتراف الفن مبكرا - وهى مازالت طالبة بكلية الزراعة - فاشتركت بالتمثيل في عروض فرقة “عبد الرحمن الخميسي” (خلال فترة 1960 -1961)، وبعدها شاركت بمسرحية “مأساة جميلة” بفرقة “المسرح القومي” عام 1961، ثم تألقت من خلال عدة مسرحيات خلال تلك الفترة ومن أهمها مسرحية “أجاممنون” عام 1966 بمسرح الجيب، وبعد تخرجها من الجامعة مباشرة قدمت دورا من أهم أدوارها وذلك بمسرحية “حاملات القرابين” للمخرج اليوناني تاكيس موزينيدس عام 1968. ويتضح مما سبق أن فترة الستينيات تعتبر من أخصب فترات توهجها المسرحي حيث نجحت في لفت الأنظار إلى موهبتها وخاصة من خلال مسرحيتي: “مأساة جميلة”، “الدخان” بفرقة المسرح القومي، وبعد ذلك أكدت موهبتها ومكانتها الفنية من خلال مسرحية “أجاممنون” بفرقة مسرح الجيب. وبالتالي فقد نجحت مبكرا في أنت تنضم إلى قائمة سيدات المسرح المصري في ستينيات القرن العشرين مع نخبة من القديرات التي ضمت كل من الفنانات: سميحة أيوب، سناءجميل، نعيمة وصفي، ملك الجمل، عايدة كامل، سهير البابلي، ليلى طاهر، نادية السبع، سلوى محمود، برلنتي عبد الحميد، عايدة عبد الجواد، عايدة عبد العزيز، رجاء حسين، سميرة عبد العزيز، مديحة حمدي، نادية رشاد، سهير المرشدي، فاتن أنور.
وقد استطاعت الفنانة محسنة توفيق من خلال تألقها المسرحي أن تشارك وتتألق أيضا في عدة مسلسلات تليفزيونية مهمة وفي مقدمتها: الوسية، الشوارع الخلفية، المرسي والبحار، الكتابة على لحم يحترق، ليالي الحلمية بأجزائها المختلفة، وأيضا ببعض الأفلام السينمائية، ويذكر أنه بعد مشاركتها بفيلم “عظماء الإسلام” عام 1970 انطلقت مسيرتها السينمائية بفيلم “حادثة شرف” عام 1971، والذي جسدت فيه شخصية “مسعدة” زوجة فرج (النجم شكرى سرحان)، ومن بعد ذلك شاركت في بطولة بعض الأفلام المهمة في مسيرتنا السينمائية ولعل من أهمها: العصفور، البؤساء، أسكندرية ليه؟
ويذكر أن هذه الفنانة القديرة قد حصلت على بكالوريوس الزراعة عام 1968، وأنها قد تزوجت من المفكر السياسي أحمد خليل (وهو بالطبع شخص آخر غير الفنان أحمد خليل) - وأنجبا النشط السياسي وائل خليل) مواليد 21 ديسمبر 1965، ويعمل مهندسا للبرمجيات، ومتزوج من الدكتورة لمياء بلبل، وقد عرف بنشاطه السياسي وبمعارضته لنظام حسني مبارك)، والابنة عزة خليل (تعمل طبيبة)، وقد توفي زوجها في عام 2017.
وجدير بالذكر أيضا أن للفنانة محسنة توفيق مواقفها السياسية الواضحة، فهي لا تعرف المهادنة وترفض كل أشكال الظلم والقهر، وتعلن دائما آرائها بكل صراحة، سواء ببعض المؤتمرات السياسية أو بمشاركتها ببعض المسيرات والمظاهرات، وقد انضمت في فترة مبكرة إلى حزب “التجمع” عند تأسيسه مع عدد كبير من النجوم والأدباء (في مقدمتهم: ألفريد فرج، يوسف شاهين، جميل راتب، كمال الشيخ، سيد حجاب، علي سالم، عبد العزيز مخيون، الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم، عبد الله الطوخي وفتحية العسال، مهدي بندق، سيد رجب)، وقد عرضتها هذه المواقف السياسية إلى القبض عليها وتعرضها للتحقيقات وأيضا للقهر والإضطهاد مع بعض سجينات الرأي (ومن بينهن المسرحيات: فتحية العسال، فريدة النقاش، حياة الشيمي، د.كريمة الحفناوي، ماجدة منير، عزة بلبع، صافي ناز كاظم، حنان يوسف). ويذكر أن آخر مشاركاتها السياسية كانت مشاركتها الإيجابية الفعالة فى ثورة يناير 2011.
×××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××
هذا ويمكن تصنيف مجموعة أعمالها الفنية طبقا لإختلاف القنوات المختلفة (سينما، مسرح، إذاعة، تليفزيون) مع مراعاة التتابع التاريخي كما يلي:
أولا - أهم الأعمال التلفزيونية:
شاركت ببطولة عدد كبير من المسلسلات التليفزيونية ومن بينها: هارب من الأيام، الجوارح، المفسدون في الأرض، طريق الذئاب، اللص والكلاب، العقاب، الشوارع الخلفية، على باب زويلة، سليمان الحلبي، ليالي الحلمية (ج2،3،4،5)، الوسية، الصبر في الملاحات، أم كلثوم، زغلول يلمظ شقوب، حبنا الكبير، العودة الأخيرة، وجع البعاد، ملكة من الجنوب، المرسي والبحار، لمن تضحك الأيام، الصعود إلى القمة، أهل إسكندرية، منيل شيحة، حلم الثراء الجميل، زمن الحب، المطاردة، بستان على الفرات، أحمد باشا الجزار، الكتابة على لحم يحترق، فرسان الله، الكعبة المشرفة، محمد رسول الله (ج2)، لا إله إلا الله (ج3)، وذلك بخلاف بعض التمثيليات والسهرات التلفزيونية ومن بينها: ألف وجه للحقيقة، موعد مع الزمان، ذات النطاقين، الرحمة المهداة.
ويجب التنويه إلى أنها تألقت بالدراما التليفزيونية مع نخبة من كبار المخرجين من مختلف الأجيال وفي مقدمتهم الأساتذة: المخرج القدير إسماعيل عبد الحافظ في مسلسلي: “الوسية”، و”ليالي الحلمية” بأجزائه المتتالية، المخرج المتميز أحمد صقر بمسلسل “المرسي والبحار”، الفنانة المتألقة إنعام محمد علي بمسلسل “أم كلثوم”، والمخرج الكبير أحمد طنطاوي بمسلسلي: “الكعبة المشرفة” و”محمد رسول الله” بأجزائه المتتالية.
ثانيا - أهم الأفلام السينمائية:
برغم عدد الأفلام القليل نسبيا والذي لا يتناسب مع حجم موهبتها إلا أنها استطاعت أن تؤكد على مقولة “الكيف أهم من الكم”، وكانت أولى مشاركاتها السينمائية بفيلم “عظماء الإسلام” عام 1970 من إخراج نيازي مصطفى، في حين كانت آخر مشاركتها - حتى الآن - بفيلم “ديل السمكة” عام 2003 ومن إخراج سمير سيف.
هذا وتضم قائمة أعمالها الأفلام التالية: من عظماء الإسلام (1970)، حادثة شرف، الاختيار، الغفران (1971)، العصفور (1974)، الحب قبل الخبز أحيانا (1977)، البؤساء (1978)، إسكندرية ليه؟ (1979)، بيت القاصرات، الزمار (1984)، وداعا يا بونابرت (1985)، الإنتفاضة (1987)، قلب الليل (1989)، الطقم المذهب (1990)، ديل السمكة (2003).
وذلك بخلاف بعض الأفلام القصيرة ومن بينها على سبيل المثال: علامات أبريل، كفر المصيلحة.
ويذكر أنها قد تعاونت من خلال مجموعة الأفلام السابقة من نخبة متميزة من كبار المخرجين الذين يمثلون أكثر من جيل وفي مقدمتهم الأساتذة: نيازي مصطفى، يوسف شاهين، عاطف سالم، سعد عرفة، أحمد فؤاد، عاطف الطيب، سمير سيف، شفيق شامية، أحمد الخطيب، عبد الرحمن شريف، ناجي رياض.
ويجب التنويه - من خلال رصد قائمة أعمالها السينمائية - إلى أن الفنانة الكبيرة محسنة توفيق قد اشتركت ببطولة فيلمي: “العصفور”، و”أسكندرية ليه ؟”، والذين تم أختيارهم فى قائمة أفضل (100) مائة فيلم بذاكرة السينما المصرية (طبقا لإستفتاء النقاد والسينمائيين عام 1966).
ويذكر في هذا الصدد أنها قد وقفت أمام المخرج يوسف شاهين في عدة تجارب سينمائية من بينها تجسيدها لشخصية “أم يحيي” (زوجة الفنان محمود المليجى) من خلال فيلم “إسكندرية ليه”، وشخصية الأم من خلال فيلم “الوداع يا بونابارت”، إلا أن دورها فى فيلم “العصفور” جاء مختلفا حيث تميزت بدور “بهية”، وأصبحت رمزا للوطنية ورمزا لمصر، والمعبرة عن صوت ورغبة الشعب المصري في النضال بعد تنحي الزعيم جمال عبد الناصر عن الحكم بصرختها في نهاية الفيلم: “لأ ها نحارب لأ ها نحارب”، فارتبطت في وجدان الجماهير بكلمات الشاعر الوطني أحمد فؤاد نجم و اللحن الرائع للشيخ إمام عيسى في أغنيته البديعة بالفيلم “مصر يامة يا بهية”. وقد وصف المخرج الراحل يوسف شاهين الفنانة محسنة توفيق بأنها واحدة من مجاذيب الفن العربي وبالتحديد السينما المصرية.
ثالثا - أهم الأعمال الإذاعية:
تميزت الفنانة القديرة محسنة توفيق بصوتها الحساس المتميز ومخارج ألفاظه السليمة، وبمهاراتها البديعة في التلوين الصوتي وقدرتها على التعبير عن مختلف المشاعر والمواقف الإنسانية، وبأدائها البديع وخاصة في التمثيل باللغة العربية أو إلقاء الشعر، ولذا فقد أسند إليها المخرجون أحيانا مهمة التعليق على الأحداث أو شخصية الرواية في بعض أعمال المناسبات الوطنية والرسمية، كما نجح مخرجو الإذاعة في توظيف موهبتها ومهاراتها في عدد كبير من التمثيليات والمسلسلات الإذاعية، ولكن للأسف الشديد يصعب بل ويستحيل حصر جميع المشاركات الإذاعية للفنانة القديرة محسنة توفيق والتي ساهمت في إثراء الإذاعة المصرية بعدد كبير من الأعمال الدرامية على مدار مايقرب من نصف قرن، وذلك لأننا نفتقد لجميع أشكال التوثيق العلمي بالنسبة للأعمال الإذاعية. هذا وتضم قائمة أعمالها الإذاعية مجموعة كبيرة من المسلسلات والتمثيليات الإذاعية ومن بينها: بيتك بيتك، السندباد البحري ورحلاته السبع، المعجزة الكبرى، ثقوب في الثوب الأسود، قلب امرأة، أنا وأنت وسنوات العمر، ألف يوم ويوم، وأشرق النور، أحلام روبابيكيا، لا تلوموا الخريف.
رابعا - أهم المسرحيات:
ظل المسرح منذ بدايات الفنانة محسنة توفيق هو المجال المحبب لها ومجال إبداعها الأساسي، وهو الذي قضت في العمل به كممثلة محترفة ما يقرب من نصف قرن، شاركت خلالها ببطولة عدد كبير من العروض ببعض الفرق المسرحية المهمة (ومن بينها: المسرح القومي، مسرح الجيب، المسرح العالمي)، حيث شاركت في بطولة عدد كبير من المسرحيات المهمة، وتألقت في تجسيد عدد من الشخصيات الدرامية الخالدة ومن بينها شخصيات: الفتاة المناضلة هند بمسرحية “مأساة جميلة” لعبد الرحمن الشرقاوي، الأسيرة كاسندرا بمسرحية “أجاممنون” لسوفوكليس، الزوجة بمسرحية “المحلل” لفتحي رضوان، الزوجة حسنية (زوجة حمدي الشاب المثقف المدمن) بمسرحية “الدخان” لميخائيل رومان”، الفتاة العاشقة نعيمة بمسرحية “حسن ونعيمة” لشوقي عبد الحكيم، كاترين بمسرحية “مرتفعات وذرينج” لأميلي برونتي، المرأة الريفية يرما بمسرحية “يرما” لجارسيا لوركا، أنا خطيبة الجندي بمسرحية “طبول الليل” لبرتولد بريخت، المرأة المتوحشة بمسرحية “الأسلاف يتميزون غضبا” للكاتب الجزائري كاتب ياسين، ألكترا بمسرحية “حاملات القرابين” للكاتب الإغريقي إسخيلوس، “وطفاء” زوجة زعيم الثورة عبد الله بن محمد بمسرحية “ثورة الزنج” للشاعر الفلسطيني معين بسيسو، أستاذة الفلسفة التي اعتقلت مراكز القوى زوجها بمسرحية “عفاريت مصر الجديدة” لعلي سالم، زوجة ضابط المخابرات التي تكتشف الجرائم اللاأخلاقية التي يمارسها زوجها ضد المسجونين السياسيين بمسرحية “دماء على ملابس السهرة” لأنطونيو باييخو، الغانية التي أصبحت الملكة بمسرحية “الأستاذ” لسعد الدين وهبة.
هذا ويمكن تصنيف مشاركاتها المسرحية طبقا لتنوع واختلاف الفرق المسرحية مع مراعاة التتابع الزمني كما يلي:
1 - بفرقة “المسرح القومي”: مأساة جميلة (1961)، المحلل (1961)، الدخان (1962)، طيور الحب (1964)، حاملات القرابين (1968)، الجنس الثالث، 28 سبتمبر (1970)، عفاريت مصر الجديدة (1971)، دماء على ملابس السهرة (1979)، الأستاذ (1981).
2 - بفرقة “مسرح الجيب”: شفيقة ومتولي (1963)، يرما (1964)، حسن ونعيمة (1965)، أجاممنون، طبول في الليل (1966)، الأسلاف يتميزون غضبا، مسحوق الذكاء، المسير الطويل (1967)، تحت المظلة (التركة يحيي ويميت - 1969)، ثورة الزنج (1970).
3 - بفرقة “المسرح العالمي”: أنتيجونا، مرتفعات وذرينج (1965).
4 - بفرق مسرحية أخرى: عزبة بنايوتي (عبد الرحمن الخميسي - 1960)، ست شخصيات تبحث عن مؤلف (جمعية أنصار التمثيل والسينما - 1961)، منين أجيب ناس (المسرح المتجول - 1985)، وذلك بخلاف مسرحيتي: الإبن (1973)، قمبيز.
هذا وقد تعاونت من خلال هذه المسرحيات مع نخبة من كبار المخرجين من بينهم الأساتذة: نبيل الألفي، حمدي غيث، سعد أردش، د.كمال عيد، كرم مطاوع، جلال الشرقاوي، أحمد عبد الحليم، محمد عبد العزيز، فاروق الدمرداش، محمود السباع، عبد الرحمن الخميسي، مراد منير، جميل راتب وذلك بالإضافة إلى المخرج اليوناني تاكيس موزينيدس.
كان من المنطقي أن تتوج هذه المسيرة الفنية الثرية ببعض مظاهر التكريم وحصد عدد من الجوائز بالمهرجانات المحلية والعربية، والجدير بالذكر أن الفنانة محسنة توفيق حصلت على وسام الدولة للعلوم والفنون عام 1967، كما حصلت على شهادات تقدير لمشاركتها بكل من فيلمي: العصفور، بيت القاصرات، وفازت أيضا بجائزة الدولة التقديرية عن مجمل أعمالها الفنية عام 2013.
وذلك بخلاف تكريمها ببعض المهرجانات الفنية العربية وحصولها على عدة جوائز ومن بينها الجائزة الأولى بمهرجان “بغداد المسرحي” عام 1985، عن تجسيدها لشخصية “نعيمة” بمسرحية “منين أجيب ناس” لنجيب سرور ومن إخراج مراد منير.
كما تم تكريمها بالدورة السابعة لمهرجان “القاهرة الدولي للمسرح التجريبي” عام 1995، وبالدورة الرابعة لمهرجان “المسرح العربي” (الذي تنظمه “الجمعية المصرية لهواة المسرح”) عام 2005, وكذلك كرمت بالدورة الثالثة لمهرجان “أسوان لأفلام المرأة” عام 2018.