التفاصيل المجهولة لأول معهد مسرحي في مصر (2) الإعلان الرسمي لمعهد فن التمثيل

التفاصيل المجهولة لأول معهد مسرحي في مصر (2) الإعلان الرسمي لمعهد فن التمثيل

العدد 652 صدر بتاريخ 24فبراير2020

انتهينا في مقالتنا السابقة إلى أن دني دينيس – رئيس الكوميدي فرانسيز – عندما زار مصر، تحدث عن تخطيط للارتقاء بالمسرح المصري، أهم ما جاء فيه « إيجاد معهد لتعليم فنون التمثيل»! وهو الأمر الذي تبناه زكي طليمات، وعزف على وتره، فكتب سلسلة مقالات بعنوان «المسرح المصري»، نشرتها جريدة الأهرام – في إبريل 1930 – يهمنا منها ما ذكره طليمات – تلميحاً – عن ضرورة إيجاد معهد للتمثيل في مصر، قائلاً تحت عنوان فرعي (حاجة الممثل والممثلة والمخرج إلى التعليم الفني والتهذيب):
«أثبت الممثل المصري إنه على كثير من الذكاء والاستعداد للتفوق والنبوغ في فن التمثيل، غير إن مواهبه يعوزها العقل والتهذيب. وينعي النقاد وصفوة الجمهور المهذب على المخرج المصري نصيبه القاصر من الاستقراء والعلم بصناعات المسرح المختلفة، ويأخذون عليه جنوحه عما يوحي به المنطق السليم وإصابة الحس. وإذا ذكرت المخرج، فإنما أعني به ذلك الرجل الخلاق، قائد المسرح، الذي يبرز الرواية فوق المسرح، ويقرّ بها في أذهان النظارة، وينفخ الحياة فيما بين سطورها، ويعطيها الحركة الصائبة، فيرسم وينحت ويزخرف، مستمداً وحيه من خيال خصب، وذهن مثقف عليم بخبايا النفس، وبظاهر نزعاتها. مستنداً في عمله هذا إلى أساس وطيد من العلم بفنون المسرح، كإشادة المناظر المسرحية، وتنظيم الإضاءة، وتنسيق المشهد، وكل ما يرمي إلى إحياء الجو، الذي تقع فيه حوادث الرواية. أضف إلى ما ذكرناه افتقارنا إلى الأخصائيين في فنون المسرح، التي ذكرتها. فمسرحنا والحالة هذه يعاني فاقة (تكنيكية)».
وخلاصة هذا الكلام، يقول: إن العلاج الوحيد هو إيجاد معهد للتمثيل في مصر!! وما كتبه طليمات، كان تعضيداً لفكرة إنشاء المعهد، التي كانت معروضة أمام الحكومة في ذلك الوقت!! ففي منتصف إبريل 1930، نشرت مجلة روز اليوسف مقالة بعنوان (معهد التمثيل)، أبانت فيها أن أمنية إنشاء هذا المعهد في مصر، تكاد تتحقق، وسيكون هذا المعهد تحت إشراف الحكومة المصرية، مثله مثل الكونسيرفتوار في فرنسا. فقد وافقت اللجنة البرلمانية لوزارة المعارف على الاعتماد المطلوب لإنشاء هذا المعهد، الذي سيفتح أبوابه أمام الدارسين في العام الدراسي القادم!
وعلى الرغم من أن المجلة لا تحمل أيه معلومات أخرى غير معلومة موافقة البرلمان على إنشاء هذا المعهد، إلا إنها بدأت في تسريب بعض المعلومات، وإثارة بعض الأسئلة الشائكة، ومصدرها موثوق فيه – حيث إن صاحبة المجلة روز اليوسف، هي زوجة زكي طليمات – ومن هذه التسريبات، أن شروط الالتحاق لم توضع بعد، مثل: المؤهلات والشهادات والسن .. إلخ! كذلك البرنامج الدراسي غير معروف، إلا إن المجلة سمعت بأن أساتذة هذا المعهد، سيكون منهم زكي طليمات، وجورج أبيض، وعزيز عيد. كما أثارت المجلة نقطة مهمة، قالت فيها: «بقيت نقطة أخرى لم يلق عليها أحد بعد الضوء الكافي، وهي عنصر البنات أو النساء! هل سيباح للفتاة المصرية الالتحاق بالمعهد أم لا؟ وإذا كان الجواب نعم، فهل يتولى التدريس نفس الأساتذة الرجال؟ وهل ستجلس الفتاة المصرية إلى جانب الفتى المصري، أم تنشأ لها فصول دراسية خاصة؟».
بعد أيام من نشر خبر موافقة الحكومة على إنشاء المعهد، كتب الأستاذ غبن – وأظنه عبد الفتاح غبن والد المرحوم الدكتور هناء عبد الفتاح، والفنان انتصار عبد الفتاح – مقالة في مجلة العروسة بعنوان (الحكومة والنهضة التمثيلية بمناسبة إنشاء معهد التمثيل)، تحدث فيها عن أمرين: الأول، عن عدم تحديد مكان هذا المعهد، أو تجهيزه وتأسيسه، قائلاً: « أول ما يلفت نظرنا في هذا العمل أنه نواة مهددة بالزوال، وأنها ستظل هكذا ما لم يهيأ لها مكان خاص بها، شأن دور العلم ومعاهد الثقافة، لا سيما وأن هذا الفن يضارع في أهميته ونفعه، سائر العلوم والفنون. فضلاً عن أن تهيئة المكان المستديم، الصالح المستقر لتدريس هذا الفن، فيه الكثير من عوامل الطمأنينة والاستقرار. وبهذا نأمن هذه النواة، خطر الأهواء، وشر تقلب السياسات ورجال الحكم في البلاد. وما دامت الحكومة أقدمت على عمل، تعتقد نفعه واتفاقه والصالح العام؛ فإن الحزم وحسن الإدارة، يحتمان عليها أن تحوط عملها هذا بخير وسائل الحفظ والصيانة، وبهذا تأمن عليه غوائل الزمن».
أما الأمر الآخر، فيتعلق بعزيز عيد، حيث قررت لجنة ترقية التمثيل عدم الاستعانة به في التدريس، أسوة بزكي طليمات وجورج أبيض، فقال غبن: «ونضيف إلى ذلك ما كنا نوده أن يكون، وذلك بأن يشترك في التدريس في هذا المعهد أستاذ جليل وممثل قدير، جمع بين العلم والعمل، وبين الدرس والمران، وهو الأستاذ عزيز عيد، الذي تخرج على يديه الغالبية الغالبة من ممثلينا الكبار الحاليين. فضلاً عن أنه ذو براعة وحنكة في الإخراج، لا يكاد ينكرها عليه أحد. وإنه لمن الخسارة الكبرى أن يحرم طلبة المعهد من خبرة عزيز، طوال مرانه وسابق خبرته بهذا الفن، الذي نبغ فيه من عشرات السنين. ولا أظن أن هذا المعهد، على رحبه وعلى كثرة من سيلتحقون به، يضيق عن أن يتسع للأساتذة الثلاثة زكي طليمات وجورج أبيض وعزيز عيد».
وهكذا بدأت التسريبات حول إنشاء هذا المعهد، ونظامه، حتى كتب عبد الله حسين مقالة في جريدة الأهرام في سبتمبر 1930، بعنوان (النهضة المسرحية الجديدة لإنشاء الحكومة معهداً لفن التمثيل)، ناقش فيها ما أعلنته رسمياً الحكومة بخصوص إنشاء معهد فن التمثيل؛ عندما قالت: «أنشئ هذا المعهد لتدعيم أساس المسرح المصري، ولنشر ثقافة فن التمثيل، بإعداد ممثلات وممثلين يشتغلن في الفرق، التي تعينها الحكومة، ويكون لهم فرصة الاشتغال في إدارة نوادي التمثيل بالمدارس». واشترطت الوزارة في طالب الالتحاق من الذكور أن يكون حائزاً لشهادة الدراسة الثانوية قسم ثان، أو ما يعادلها من الشهادات، وأن يكون سنه 18 سنة كحد أدنى، و25 سنة كحد أقصى. ولم تشترط الوزارة في الطالبات الحصول على شهادة البكالوريا، بل ستكون ضمن عوامل التفضيل من حصلت على شهادة، وقررت الوزارة منح مكافآت مالية شهرية للطالبات، تشجيهاً لهن في الدراسة بالمعهد».
وبدأت أخبار المعهد تنتشر، ومنها: أن الدراسة ستكون مجانية عامة وخاصة، والعامة للجميع، والخاصة للحاصلين على شهادة البكالوريا، ومن طلاب الدراسة الخاصة سيتم تشكيل الفرقة الحكومية، وسيتم ابتعاث المتفوقين إلى أوروبا. والدراسة بالمعهد ستبدأ في أكتوبر 1930، ومقر المعهد سيكون في سراي موصيري بشارع عماد الدين، وتم تشكيل لجنة لاختيار المتقدمين .. إلخ!! وهذه الأخبار - بالإضافة إلى شروط الالتحاق – لم تلق ترحيباً عند الممثلين الهواة، فقام أحدهم بكتابة مقالة – ووقع عليها هكذا: «ممثل من الممثلين المبتدئين» - نشرتها له مجلة الصباح، تحت عنوان (فلتسمع وزارة المعارف آراء الممثلين والهواة في شروط الالتحاق بمعهد التمثيل)، قال فيها:
«... قسمت الوزارة المعهد إلى قسمين: قسم خاص لحاملي البكالوريا، ومنه ترسل البعثات، وتتألف الفرقة الحكومية. وقسم عام لمن شاء أن يزيد معلوماته من الممثلين! فأي فرقة تمثيلية تقبل أن يتعلم أحد أفرادها في المعهد، ثم يعمل في مسرحها كممثل؟! ففي كل فرقة مدير فني له وجهة نظر فيما يتعلق بالإلقاء وبأصول التمثيل، فهل يقبل مدير فني أن يتعلم ممثل ما طريقة تمثيل أو إلقاء أو إشارات أو مواقف على المسرح من غيره، ثم يعمل معه بطريقة مخالفة لطريقته أو لوجهة نظره؟ أم أن المسألة هي تعجيز الممثل عن دخول المعهد، وجعله قاصراً على فئة دون أخرى. إننا أحق بدخول المعهد، والفرقة الحكومية والبعثة، من طالب البكالوريا؛ إذ إننا مارسنا هذا الفن بضع سنين، فضلاً عن إننا متعلمون. ففينا من ترك مدرسة الفنون والصناعات، ولم يبق له إلا سنتين للحصول على دبلومها، والبعض حاصل على الكفاءة، وآخرون راسبو كفاءة، وهل يتعلم طلبة البكالوريا أشياء، يستفيد منها الطالب في المعهد غير تلك التي تعلمناها؟ إن كان على اللغات فمنا من يتقن الفرنسية والإنكليزية، ومنا من يتقن الإنكليزية ويتفوق على طلاب البكالوريا. وإن كان على السن فتتراوح سننا ما بين العشرين والخامسة والعشرين. وإن كان على اللغة العربية فقد درسنا منها الشيء الكثير، كما إننا بحكم عملنا مدة هذه السنين خبرناها علمياً وعملياً. وإن كان على باقي العلوم فقد تعلمناها أيضاً، ولم نجد منها أي فائدة للمسرح، ولا أذكر إني اضطررت في دور من أدواري أن أشرح للجمهور (س – ص زائد ع تساوي كم!!) أو أن أشرح لهم الموانئ التي تمر عليها باخرة قائمة من الإسكندرية إلى برنديزي، أو شرحت لهم شيئاً من الكيمياء أو الطبيعة!! لا أنكر أن هناك مواداً يجب أن يلم بها طالب التمثيل، كالتصوير والرسم والكهرباء وتاريخ كل أمة، وكل عهد مرّ بها، وتاريخ الملوك وعظماء الأمم وملابسهم إلخ .. وهذه أشياء يجب أن تدرس في المعهد ويجهلها طلاب البكالوريا أنفسهم. ولا فرق بيننا وبينهم سوى إننا لا نحمل شهادات؛ ولكن برؤوسنا كل ما يلزمنا في عملنا، وطالب البكالوريا يضع تحت أبطه ورقة هي شهادته، دون أن يكون لديه أي فكرة عن التمثيل، أو مستلزماته، أو شروطه، أو استعداده الطبيعي، أو أي فكرة عن الحياة، سوى تلك الحكايات المزخرفة التي تدرس له! آن لنا في عطف المنصفين من الكُتّاب ما يطمئنا نوعاً ما على مستقبلنا. وإننا لا نطلب سوى أن نتساوى وطلبة البكالوريا في كل الحقوق من البعثات إلى أقسام المعهد بل الأفضلية عليهم في دخول المعهد والالتحاق بالفرقة الحكومية والبعثة».
فاطمة رشدي
أما فاطمة رشدي – بوصفها من الممثلين المحترفين ومن أصحاب الفرق القوية والشهيرة – فقد نشرت لها مجلة الصباح حواراً، حول المعهد المرتقب، قامت فيه بهجوم كبير، كان له أثره الفعال!! فقد هاجمت الوزارة؛ لأنها لم ترجع إلى الخبراء والفنيين، عندما فكرت في التخطيط لهذا المعهد، مشككة في لجنة ترقية التمثيل، التي ستجعل من متخرجي المعهد أفراداً في للفرقة الحكومية، مما يعني أن الحكومة غير معترفة بوجود التمثيل في مصر قبل إنشاء هذا المعهد، وبالتالي عدم الاعتراف بوجود أكبر الفرق المسرحية في مصر، مثل فرقة يوسف وهبي وفرقة فاطمة رشدي! ثم هاجمت أهم مؤسسين لهذا المعهد، وهما: جورج أبيض وزكي طليمات، قائلة: « كلمة أقولها صريحة لولاة الأمور، وهي إن الأشخاص الذين تعتمد على آرائهم، وتظن أنهم بمعلوماتهم، يستطيعون أن يكونوا فرقة كبيرة، تغني الجمهور عن الفرق الأخرى القائمة، ليسوا ممن يصح أن يُعتمد على رأيهم في هذا. فهم بين قديم عفى عليه الزمن وأصبح فنه لا يتفق مع تطور النهضة المسرحية الحديثة، التي هي سريعة التقلب والتغير [تقصد جورج أبيض]، أو حدث لا يزال في دور التكوين، لم ينضج بعلمه، وما يزال في حاجة إلى التدريب والتمرين؛ لأن يكون ممثلاً أولاً لا أستاذاً [تقصد زكي طليمات]».
هذا الكلام الذي نشرته فاطمة رشدي – بوصفها النجمة المتألقة وصاحبة أشهر فرقة في ذلك الوقت – لاقى قبولاً عند أغلب الممثلين، مما جعل جورج أبيض يرد عليها في جريدة الوادي، حيث أبان أنها مدفوعة من قبل آخرين للهجوم على المعهد قبل افتتاحه، وهذا أمر متوقع، لأن جميع الأعمال المفيدة، لا بد أن تًقابل بالهجوم في بادئ الأمر، لا سيما وأن نجاح المعهد تتخيل فاطمة رشدي إنه ضد مصلحتها الشخصية. والحقيقة أن جورج أبيض تأثر كثيراً بهجوم فاطمة رشدي على شخصه، واتهامه بأن يعمل ضد الممثلين!! لذلك رد عليها رداً مؤثراً، يجب أن أنقله بنصه لما فيه من إفادة، وفيه يقول جورج أبيض:
«... تتهمني السيدة أنا جورج أبيض بأني وضعت مشروعاً أحارب فيه مجهودات أبنائي الممثلين، الذين أفنيت زهرة شبابي، وأيام حياتي في تعليمهم وتدريبهم، والذين قاسموني سرائي وضرائي، وشدتي ورخائي، بل وغالت في هذا فزعمت أني أعمل على هدمهم وإنكار استعداد الأكفاء المبرزين منهم، ولأول مرة أسمع عن بانٍ أقام صرحاً، ثم وضع بيديه (الديناميت) لنسفه وهدمه، ولم ينته هذا الصرح بعد. يؤلمني أنها توجه التهمة صراحة وعلى صفحات الجرائد لجورج أبيض الممثل، بأنه يحاول هدم الممثلين المصريين؟»
ويختتم جورج رده الطويل، بمفاجأة لم تكن معروفة في ذلك الوقت، قال عنها: «... ما دامت قد وجهت إليّ تهمة [يقصد فاطمة رشدي]، وعندي فرصة الرد عليها، فيجب أن أنتهزها، وأن أشرح موقفي إن كان لا يزال غامضاً، وفي حاجة إلى شرح جديد: إنني أذكر على أثر عودتي من فرنسا، بعد أن أتممت تعليمي هناك على يدي أستاذي المرحوم سيلفان، أن أرسل الخديوي السابق لاستقبالي سعادة أحمد شفيق باشا، وكان ناظر ديوانه العالي، وأوفدت الحكومة المصرية من استقبلني أيضاً على ظهر الباخرة، التي قدمت عليها مع فرقتي الفرنسية الأولى. وكان أول ما كلفتني الحكومة يعمله، أن أكتب مذكرة عن رأيي في خير الوسائل التي يخدم بها التمثيل في مصر، وقد قدمت هذه المذكرة فعلاً، ولا تزال بين ملفاتها. أتدري ماذا كانت تحتوي عليه هذه المذكرة، التي مرّ على تقديمها عشرون عاماً؟ كانت تحتوي على فكرة إنشاء المعهد التمثيلي! فليست هذه المسألة بنت اليوم فقط، ولا هي من المسائل التي تدعو إليها الحوادث، ولكنها مسألة قديمة، وفكرة اختمرت في رأسي منذ عشرين عاماً، وأحمد الله أن مدّ في أجلي حتى يكون تنفيذها على يدي».
الإعلان الرسمي للمعهد
لم تجد الحكومة بُدّاً لإيقاف هذه المهاترات والردود والتشاحن إلا بإصدار إعلانها الرسمي الخاص بالمعهد، والذي نشرته أغلب الصحف، وهذا نصه: «أنشئ هذا المعهد لتدعيم أساس المسرح المصري، ونشر ثقافة فن التمثيل، بإعداد ممثلات وممثلين، يشتغلون في الفرق التي تعينها الحكومة، ويكون لهم فرصة الاشتغال في إدارة نوادي التمثيل بالمدارس. ويجب أن يكون طالب الالتحاق حائزاً على شهادة الدراسة الثانوية (قسم ثان)، أو ما يعادلها من الشهادات. ويشترط أن لا يقل سنه في أول أكتوبر سنة 1930 عن 18 سنة وأن لا تزيد عن 25 سنة. ولا يشترط في الطالبات الحصول على الشهادة المذكورة، وإنما تُعطى الأسبقية في الالتحاق لمن يحملن شهادات دراسية. أما المفاضلة بين الحاصلات، وغير الحاصلات على شهادات دراسية، فتترك للجنة الاختبار، إلا أنه يتحتم على الطالبة أن تحسن الكتابة والقراءة العربية. وستضع إدارة المعهد نظاماً تمنح بمقتضاه جوائز مالية للمتفوقات والمتفوقين من طلبة المعهد أثناء سني الدراسة، ويقبل الطالب نهائياً بالمعهد بعد نجاحه في اختبار القبول، الذي يعقد أمام لجنة مختارة، وذلك في يوم السبت الموافق 4 أكتوبر سنة 1930 بدار المعهد بسراي موصيري بشارع فؤاد الأول. ولهذه اللجنة أن توصي بأن يُعفى من شروط الالتحاق كلها أو بعضها من يبدو منه استعداد ظاهر في اختبار القبول. وتبدأ الدراسة بالمعهد في يوم السبت الموافق 18 أكتوبر سنة 1930، ومدة الدراسة فيه عامان، يسمح للطالب بعدها بالتقدم للامتحان النهائي للمعهد. وإذا رسب يسمح له بسنة ثالثة، وهي الأخيرة. وقد حددت الوزارة يوم 30 سبتمبر الجاري آخر ميعاد لتقديم الطلبات».
المسرحيات المقررة
بناء على الإعلان الرسمي، بدأت الحكومة في تجهيز مكتبة المعهد، فقد أخبرتنا جريدة المقطم – في 11/9/1930 - بأن وزارة المعارف كتبت إلى إدارة المطبوعات من أجل موافاتها بنسخة من كل مسرحية مصرية التأليف، لحفظها في مكتبة المعهد، ليطلع عليها طلاب المعهد وزائروه! وفي اليوم التالي كتبت الجريدة أن مسرحية (مصرع كليوباترا) لأحمد شوقي، ستكون ضمن المسرحيات المقرر تدريسها في المعهد. أما جريدة الوادي فقالت يوم 29/9/1930، تحت عنوان (نصيب المؤلفين المصريين من التشجيع من الأمة وولاة الأمور):
«... قررت اللجنة تدريس عشر روايات مصرية في المعهد التمثيلي لمؤلفين مصريين، وقد كتبت إليهم وزارة المعارف فعلاً تستأذنهم في تمثيل رواياتهم. وهذه الروايات هي: رواية عبد الرحمن الناصر للأديب عباس علام، ورواية خضر زرعك للأستاذ محمد لطفي جمعة، ورواية مصرع كليوباترا لأمير الشعراء أحمد شوقي بك، وروايات البدوية، والحاكم بأمر الله، ودخول الحمام للأستاذ إبراهيم رمزي، ورواية أخناتون للأستاذ ميخائيل بشارة داود، وروايتا عبد الستار أفندي والهاوية للمرحوم محمد بك تيمور، ورواية الذكرى للأديب عبد العزيز أفندي الخانجي. وهذه الروايات العشر في الواقع من أبدع وأنضج ما أخرجته القرائح المصرية. وهذا تشجيع من اللجنة نقرها عليه، ونحمده لها وإن كان هناك عدا هؤلاء من المؤلفين المصريين البارزين، ومن أهملتهم اللجنة أو أهملت رواياتهم في حين أنها قطع مسرحية ناضجة، شهد الجمهور لها بالتفوق، وأقر الفنيون بأنها من خير ما ظهر على المسرح المصري: أين روايات يزبك أمثال عاصفة في بيت، والذبائح، والعواصف؟ وأين روايات الأستاذ إبراهيم المصري والأستاذ حامد الصعيدي، وغير هذين من أفاضل الكتاب المصريين؟!».
وهذا نموذج للخطاب المُرسل إلى كل مؤلف، تم اختيار مسرحيته لتكون جديرة بأن يدرسها الطلاب في المعهد. والخطاب أرسله زكي طليمات يوم 18/9/1930 إلى محمد لطفي جمعة مؤلف مسرحية (خضر أرضك)، أو (خضر زرعك)، وهذا نصه: «حضرة الأستاذ محمد لطفي جمعة المحامي، تقتضي دراسة فن الإلقاء بمعهد فن التمثيل، أن يقوم طلبة المعهد بدراسة وتمثيل أدوار مختلفة من روايات قيمة، مما أخرجته الأقلام المصرية في التأليف المسرحي. وقد رأت الوزارة أن تكون روايتكم المذكورة [أي المذكورة في ترويسة الخطاب، وهي «خضر زرعك»] ضمن الروايات التي تُدرس بالمعهد. فاقتضى تحريره إلى حضرتكم، رجاء التفضل بموافاتنا بصورة منها. هذا مع العلم بأن هذه الرواية لن يجري تمثيلها قبل استئذانكم والحصول على موافقة مدير الفرقة الذي يملك حق تمثيلها».
أول من بارك هذه الخطوات، كان الكاتب الكبير محمود كامل المحامي، الذي نشر كلمة في جريدة المقطم في منتصف سبتمبر 1930، تحت عنوان (معهد التمثيل حلم جميل يتحقق)، تحدث فيها عن هذا الحلم الذي تأخر تحقيقه طويلاً؛ حيث إن مصر أخرجت عدداً كبيراً من النصوص المسرحية وعروضها. كما تحدث عن مشكلة عمليه، عبر عنها بقوله: «... لقد عانينا الأمرين من جهل الممثلين المصريين، والممثلات المصريات؛ جهلاً كان يوحي إليهم أن القدرة على قراءة الدور، ثم إلقاءه بصوت مفخم، وحركات مرسلة كيفما اتفق، وتقلص في عضلات الوجه، سواء طابقت روح الدور، أو لم تطابقه، هي الفن بعينه!! إننا نريد الممثل الذي يعرف عن عقيدة ويقين أن مهمته الأولى، هي أن يخرج العمل الفني، كما يريده واضع هذا العمل، وأن يرضيه قبل أن يرضي الناس أجمعين».
وأخيراً وجدنا الكاتب ينبه الجميع إلى نقطة مهمة، وهي أن المعهد سيهتم فقط بتكوين الممثل وتعليمه وتدريبه، ولكن أين المؤلف المسرحي المصري من هذا المعهد؟! وفي ذلك، قال الكاتب: «وبعد .. فأين هم المؤلفون الذين سيوافون المسرح بروايات مصرية ذات قيمة فنية. إن تفكير الحكومة في إنشاء المعهد، الذي سيخرج ممثلين وممثلات، كان يجب أن يقترن بمجهود لتشجيع إنشاء القصة المسرحية المصرية، تشجيعاً صادقاً لإخراج المؤلف المصري بسرعة، وعلى أساس صالح. أما أن يخرج الجيل الجديد ليعود إلى تمثيل قصص برنشتين وباتاي .. إلخ، سيعكر صفو الحلم الجديد».
هذا رأي أحد الكُتّاب، ولعلك عزيزي القارئ متشوق لمعرفة آراء مشاهير المسرحيين في هذا المعهد، أمثال: نجيب الريحاني، وعلي الكسار، وزكي رستم، وعليه فوزي، واستفان روستي .. إلخ!! ولعل أكثر شوقاً لمعرفة رأي المتشددين في إقامة هذا المعهد!! هذه الآراء، سنتعرف عليها في المقالة القادمة .. فتابعونا!!

 


سيد علي إسماعيل