العدد 813 صدر بتاريخ 27مارس2023
من الواضح أن برودواى عاصمة المسرح الامريكى فى طريقها للانتعاش بعد كساد عانته منذ بدء ازمة كورونا قبل ثلاث سنوات وكادت العروض على الانترنت تحل محل خشبة المسرح التى يتفاعل فوقها الممثلون مع الجمهور.
اتضح ذلك من احصائية جاء فيها ان الاسبوع الماضى شهد نجاح 21 مسرحية من 33 مسرحية معروضة فى برودواى عاصمة المسرح الامريكى فى تحقيق ايرادات زادت عن مليون دولار للمسرحية الواحدة.
وجاءت فى المركز الاول مسرحية الملك الأسد التى تعرض على برودواى للعام الخامس والعشرين على التوالى. وقد حققت المسرحية فى تسعة عروض على مدى ستة ايام (ستة عروض سواريه وثلاثة ماتينيه) أربعة ملايين و315 الف دولار وهو رقم لم يحققه أى عرض أخر فى تاريخ برودواى. هذا رغم أنه لا يشارك فيه عادة ممثلون مشهورون عكس العروض الاخرى. فكل أبطالها يرتدون ملابس حيوانات ويقبل عليها الكبار والصغار على حد سواء وجاء فى المركز الثانى مباشرة “الرجل الموسيقى”التى يشارك فيها اثنان من النجوم وهما ساتون فوستر وهيو جاكمان واقترب إيرادها من أربعة ملايين دولار (3 ملايين و971 الفا ). ومن المفارقات أن أغلى تذكرة فى العرضين كانت واحدة تقريبا وهى 285 دولارا.
وجاءت فى المركز الثالث مسرحية الشرير. وكانت اقل المسرحيات إيرادا هى “ريفر سايد والمجنون “ حيث لم تحقق اكثر من ربع مليون دولار. وهى مسرحية كوميدية يقوم ببطولتها مطرب الراب الشهير كومون.
طريق طويل
إلا أن الطريق لا يزال طويلا كى تتعافى برودواى وتلعب دورها فى دعم اقتصاد نيويورك خاصة فيما يتعلق بالسياحة الداخلية والاجنبية التى كانت مسرحيات برودواى تلعب دورا كبيرا فى ترويجها.
وسوف يشجع ذلك على انطلاق عروض اخرى فى موسمى الربيع والصيف .وهناك بالفعل عروض توشك ان تنطلق ونأمل ان نوافى القارئ بعرض لها قريبا. من هذه المسرحيات “درس الموسيقى “ و”نيويورك ...نيويورك “.
وعموما دفع عشاق المسرح فى برودواى وحدها اكثر من 55 مليون دولار فى اسبوع واحد.
ونعود إلى مسرحية الأسد الملك التى لا تزال تحقق كل هذا النجاح رغم مرور نحو 26 سنة على بدء عرضها فى 8 يوليو 1997. وكان عرضها الاول فى منيسوتا ثم تنقلت بين اكثر من ولاية حتى وصلا إلى برودواى بعد حوالى ثلاثة شهور فقط وبفضل نجاحها الكبير عرضت المسرحية حتى الان لاكثر من تسعة الاف ليلة عرض لتصبح ثالث اطول عرض فى تاريخ برودواى. وشاهدها حتى الأن اكثر 122 مليون مشاهد فى جميع انحاء العالم وحققت حتى الان ايرادات فاقت 8مليار دولار وهو اعلى ايراد لمسرحية واحدة فى تاريخ برودواى. وهى مأخوذة اصلا عن فيلم عرض لاول مرة فى 1994وتعرض على مسرح منسكوف. وسبق لها الفوز بست من جوائز تونى فضلا عن جوائز اخرى. وكانت مخرجتها اول امرأة تحصل على جائزة افضل مخرج فى مسرحية موسيقية فى تاريخ الجائزة . وقدمت فى ولايات امريكية ودول اخرى بلغات ورؤى اخراجية متعددة.
ولكن الواضح ان المسرح له جاذبية خاصة لايقاومها عشاقه. وتدور المسرحية حول الصراع على السلطة بين الاسود والاسد الصغير سيمبا الذى يسعى عمه سكار إلى الاطاحة به من عرش ملك الغابة الذى ورثه عن ابويه موفاسا وسارابى.
ويستعين العم الشرير بالارواح الشريرة ووسائل اخرى لكنه يفشل فى النهاية ويسترد سيمبا عرشه بعد صراع مرر تشترك فيه حيوانات عديدة منها الضباع والخنازير.
كلاكيت ...سابع مرة
تأجيل الأخوات الثلاثة لأجل غير مسمى
رغم الانتعاش الذى يشهده المسرح فى برودواى وخارجها اعلنت فرقة نيويورك المسرحية المنتجة لمسرحية الاخوات الثلاث للطبيب الاديب الروسى “انطون تشيكوف”(1860 -1904 ) للمرة السابعة تأجيل عرض المسرحية التى كان مقررا البدء فى عرضها اوائل ابريل على مسرح امستردام خارج برودواى.
وكان مقررا عرض هذه المسرحية فى ربيع 2020 وتم الاعداد لها كى يقوم ببطولتها الممثل الامريكى الكوبى الاصل الجواتيمالى المولد اوسكار ايزاك (44 سنة) الممثلة والكاتبة المسرحية والمخرجة الامريكية جريتا جريويج(38 سنة). وجاءت مشكلة كورونا لتحول دون الافتتاح لست مرات.
وكانت هناك محاولات لتصويرها وعرضها عبر الانترنت كما فعلت فرق عديدة لكن الفرقة لم ترحب بذلك لاسباب غير واضحة.
واخيرا كان من المتوقع ان يبدأ العرض فى موعده المقرر لكن الفرقة فاجأت الجماهير المتعطشة بالاعلان عن تأجيل العرض لاجل غير مسمى بسبب صعوبات ناجمة عن الارتباطات الفنية لابطال العمل. وعلى سبيل المثال يقيم اوسكار ايزاك فى سيدنى حاليا للمشاركة فى عرض مسرحى اخر هو العلامة مع النجمة راكيل بروزنان. أما جريتا جريويج فتنتظر طفلها الثانى واعربت الفرقة فى بيان لها عن انها تشاطر عشاق المسرح شعورهم بالاحباط الذين اعتادوا منها تقديم الاعمال المسرحية المتميزة. واعربت عن املها فى ان تتمكن من عرض المسرحية فى وقت قريب. وقالت ان ذلك لن يمنع من افتتاح عروض اخرى فى موعدها فى شهر ابريل منها “دافع عن نفسك “ و”نصف اله المطر”. ولم تذكر الفرقة فى الوقت نفسه السبب الذى جعلها لا تستبدل بطلى العمل بأخرين تسمح ارتباطاتهما ببدء العرض فى موعده.
وكان من المقرر تقديم العمل برؤية درامية جديدة للكاتبة المسرحية كلير بارون ورؤية إخراجية جديدة للمخرج الشهير سام جولد.
أواخر الأعمال
وتعد الأخوات الثلاث من أواخر أعمال تشيكوف حيث كتبها عام 1900 . وقد طبعت وعرضت على المسارح الروسية فى العام التالى مباشرة . وعرضت بعد ذلك على مسارح أوروبية بلغات مختلفة. وكان اول عرض لها باللغة الانجليزية عام 1936 فى لندن من انتاج هيئة الإذاعة البريطانية . وكان أول عرض فى الولايات المتحدة عام 1942 وعرضت فى معظم الولايات بواسطة فرق مختلفة.
وكانت أحيانا تعرض بشكل مباشر واحيانا بشكل مختلف يعتمد على الفكرة الاساسية او يتم الاسقاط على موضوع اخر وهو ماكان النص يساعد عليه بسبب ثرائه. وكانت ابرز الحالات عرضا يعالج الحرب الاهلية النيجيرية بين عامى 1967 و1970 الذى قدم على احد مسارح لندن. وحملت احدى المسرحيات اسم “موسكو موسكو موسكو موسكو موسكو موسكو”(6مرات). واعتمدت على نفس فكرة المسرحية عدة افلام سنيمائية. واستوحى منها الموسيقار المجرى بيتر اوتوفوس اوبرا اطلق عليها نفس الاسم.
الشعب الروسى
وتتحدث المسرحية عن التدهور الذى أصاب الحياة الاجتماعية الروسية عند نهايات القرن التاسع عشر وتواصلا بدايات القرن العشرين، وذلك من خلال حكاية الاخوات الثلاث اللاتى يعشن منزويات في الريف الروسي. كبيرتهنّ أولجا، التي امتهنت التدريس تبدو ناقمة على وضعها تريد الخروج منه مهما كان الثمن، لكنها عاجزة عن فعل أي شيء يوصلها إلى خلاصها، والوسطى ماشا أتعسها زواج غير ناجح، فعاشت مكتئبة تلتجئ في لحظات اليأس المطلق إلى حلم يزيدها حزناً وكآبة. أما الصغرى إيرينا، فإنها الوحيدة التي تبدو لنا حيوية راغبة في فعل شيء مفيد، لكن خيباتها تتلاحق من دون هوادة مع زوج لايشعر بها .
ليس للأخوات الثلاث، معاً، سوى حلم مشترك وحيد: الذهاب إلى موسكو من دون عودة إلى ذلك الريف الذي يمزقهنّ ضجره بشكل لا يطاق. وفجأة يلوح لهنّ الأمل على شكل فرقة عسكرية تأتي لترابط في المنطقة. مع مجيء الفرقة تبدو الأمور كلها وقد تبدلت بالنسبة إلى الشقيقات، حيث تأتي علاقات يقمنها مع عدد من الضباط لتعطيهنّ أملاً ومذاقاً لحياة جديدة، ولكن في الوقت نفسه الذي تبدأ الشقيقات بمداعبة الأمل، حيث يتقدم ضابط لخطبة الصغرى، وآخر يشجع الكبرى على ترك التعليم الذي تمقته، وفي الوقت الذي تغرم الوسطى بضابط مدفعية، تصدر الأوامر فجأة للفرقة العسكرية بمغادرة المواقع التي تمركزت فيها. وهكذا تترك الفرقة المنطقة، وتعود الشقيقات الثلاث إلى وحدتهنّ وقد زادت حدّتها: أولجا تعود إلى التدريس وإلى يأسها، ماشا تكتشف أن غرامها لم يكن أكثر من سراب، أما إيرينا، التي يقتل خطيبها بشكل مباغت، فتحبط نهائياً وتشعر أن العالم كله قد انتهى بالنسبة إليها. وتجد الشقيقات الثلاث أنفسهنّ أمام الحقيقة القاتلة: بعد كل شيء لن يتمكنّ أبداً من الذهاب إلى موسكو، ولن يتمكنّ أبداً من مبارحة ريفهنّ... وهنا لا يعود أمامهنّ سوى الإذعان للمصير، وربما سيجدن فيه وفي اليأس المصاحب له نوعاً من العزاء، لأن اليأس المطلق، أسهل من الأمل الكاذب... هكذا تخلد الشقيقات إلى ذلك اليأس الذي يحمل في طياته أملاً في حياة جديدة... ذات يوم.
ويقول النقاد ان المسرحية كانت تعبر عن معاناة الشعب الروسى وقتها مما جعل الشيوعيين يحتفون بها بعد ان وصلوا إلى الحكم عام 1917 على انها تنبأت بالثورة الشيوعية.