المسرح البريطانى بعد رفع قيود كورونا

المسرح البريطانى بعد رفع قيود كورونا

العدد 673 صدر بتاريخ 20يوليو2020


يشعر عشاق المسرح فى بريطانيا بسعادة كبيرة بعد انهاء حالات العزل التى اعلنتها السلطات بسبب وباء كورونا الذى اودى بحياة اكثر من 30 الف بريطانى واصاب اكثر من مائتى الف.
والسبب قرار الحكومة البريطانية السماح بعودة مسارح الهواء الطلق التى تقدم اعمالها المسرحية – واحيانا ما تقدم عروضا موسيقية وغنائية -  فى اماكن عامة  مفتوحة.  وهذه المسارح تعد من الملامح الرئيسة للحياة المسرحية والثقافية فى بريطانيا فى فصل الصيف. ويمكن ان تقدم العروض فرق تابعة للمسارح او فرق مستقلة .وهى ايضا تعد من الوجهات السياحية فى بريطانيا حيث تقام عادة فى مناطق   ذات مواقع خلابة تجذب السائحين. وتقدم هذه المسارح عروضها ليلا او نهارا فى الايام الجافة غير الممطرة حيث تعتمد على تقديرات الارصاد الجوية.
ويشعر عشاق المسرح بالتفاؤل  رغم ان تخفيف الحظر يشمل فقط خمسة من مسارح الهواء الطلق فى بريطانيا ويسمح لكل مسرح منها بتقديم عرض جماهيرى واحد فقط يوم الخميس من كل اسبوع تطبيقا لقواعد التباعد الاجتماعى وذلك الى حين اشعار اخر.  ويجعل ذلك من الصعب  تقديم اى عروض مسرحية لانها لن تكون اقتصادية مالم تقدم خمسة ايام على الاقل اسبوعيا  لارتفاع التكاليف   . ويزداد عشاق المسرح تفاؤلا رغم ذلك باعتبار ان اول الغيث قطرة.
واشهر هذه المسارح مسرح ميناك الذى نشأ فى ثلاثينيات القرن الماضى  ويقع   عند منحدرات كورنوال المطلة على المحيط الاطلنطى. وتقول “زو كورنو “ المدير الفنى للمسرح انه خلال اسبوع واحد فقط من رفع القيود الاحترازية تردد على المنطقة وعلى المسرح  اكثر من 2500 زائر  لم يمكن تقديم اى عرض مسرحى لهم رغم الطقس المثالى فى المنطقة فتم الاكتفاء بتقديم بعض العروض الموسيقية لارضائهم على امل ان يعودوا مرة اخرى.
حل بديل
 وللتعامل مع المشكلة قررت كورنو تقديم بعض العروض المسرحية البسيطة التى لا تحتاج ديكورات كثيرة . ويساعدها على ذلك ان العروض المسرحية التى تقدم على مسارح الهواء الطلق عادة ما تكون قصيرة لاتزيد عن ساعة او حتى نصف الساعة وبعدد محدود من الممثلين لايزيد عن ثلاثة  او اربعة فى المتوسط واحيانا ما يقدم المسرحية ممثل واحد وبديكورات بسيطة غالبا.
وتقول كورنو انها وضعت خطة للتطوير بدا تنفيذها بالفعل. تعتمد الخطة على تقديم عدد من مسرحيات الشخص الواحد على مدار اليوم لا تزيد مدة الواحدة منها عن نصف ساعة . ويضاف الى هذه المسرحيات تجربة مسرحية جديدة تتمثل فى عرض  مسرحية واحدة رئيسية تكون عبارة عن معالجة مختصرة لمسرحية حققت نجاحا فى عرضها على المسارح الامريكية والاوروبية حيث تقدم بمعالجة مختصرة تناسب طبيعة مسرح ميناك.
اختارت كورنو بدء التجربة بمسرحية “حجارة فى جيبه “ للممثلة والكاتبة المسرحية الايرلندية مارى جونز(69 سنة حاليا). عرضت هذه المسرحية فى الولايات المتحدة وكندا واستراليا وفى دول اخرى عديدة بلغات عديدة. وكان سبب نجاحها فكرتها المبتكرة التى كانت بمثابة رؤية عالجت من خلالها تعقيدات العلاقات الانسانية.
دارت الفكرة حول قرية ايرلندية فوجئت ذات يوم بوصول فريق تصوير لتصوير فيلم سنيمائى. ويستعين المخرج بعدد كبير من سكان القرية للعمل كومبارس فى الفيلم.   وتسير الامور عادية حتى يفاجا الجميع بانتحار احد افراد الكومبارس بوضع كمية من الحجارة فى جيبه ثم الغوص فى النهر ليغرق. وتبدا رحلة البحث عن سبب انتحاره حتى يتبين انه انتحر بسبب اهانة تلقاها من احدى الممثلات المشاركات فى الفيلم .
تفاؤل
وتقول كورنو انها اختارت هذا العمل لجودته وفكرته المتميزة ولانه من ابداع كاتبة ايرلندية حيث انها تعتز باصولها الايرلندية. وتقول انها تامل فى ان يجذب المسرح اكبر نسبة ممكنة من زوار المنطقة الذين يتجاوز عددهم 300 الف زائر سنويا معظمهم فى الفترة من يوليو الى سبتمبر.  وهى مستعدة لدراسة اى افكار اخرى تقدم اليها فى هذا الصدد.
ويتفق  معها فى التفاؤل مدير مسرح اخر من مسارح الهواء الطلق هو ويل ميوتام مدير مسرح برايتون المعروف باسم مسرح “القارب”. يقول ميوتام  انه سعيد بهذا القرار رغم   الوقت المحدود المتاح لاعداد اعمال مسرحية على مستوى لائق للاستفادة من الموسم الصيفى الذى مر منه شهران تقريبا حيث يبدا فى مايو وينتهى فى سبتمبر. كما يتعين تطبيق اجراءات للتامين والتباعد الاجتماعى فى المسرح تحتاج بعض الوقت  والنفقات.  وهو مصمم على خوض التحدى رغم ذلك وتقديم عروض يتمتع بها رواد المسارح الصيفية. وهو يأمل فى ان تدعم الدولة قطاع المسرح بوجه عام والمسارح الصيفية بوجه خاص لتعويض ما لحق بها من خسائر بسبب كورونا.
وينضم اليه فى رايه ادم نيكولز المدير الفنى لمسرح اخر من مسارح الهواء الطلق هو مسرح “مالتنج” فى هارتفورد شاير الذى قال انه كان يتوقع ان يصدر القرار فى وقت متاخر فبكر فى الاستعداد بمجموعة من مسرحيات شكسبير ستقدمها عدة فرق مسرحية على مدى الشهرين القادمين. وسبق ان قاد نيكولز حملة للدعوة لفتح المسرح وقدم عريضة موقعة من اكثر من 7 الاف من رواد مسرحه.
ويقول نيكولز ان عودة مسارح  الهواء الطلق الى نشاطها يجلب لها ايرادات لاباس به ويقلل من اعتمادها على الدولة.  وهى ايضا وسيلة ترفيه بتكلفة معقولة للاسر ولعشاق الثقافة. كما ان قواعد التباعد يمكن تطبيقها فى المسارح المفتوحة بشكل افضل من نظيرتها التقليدية. المشكلة تتمثل فقط فى ان قواعد التباعد سوف تمتد للاعمال نفسها ويتعين مراعاتها فى اخراج الاعمل بحيث يراعى وجود مساحات بين الممثلين وتقليل فترات اقترابهم من بعضهم البعض. وهذا نوع من التحدى يتعين على المخرجين التعامل معه بحيث لا يؤثر على جودة العمل. لذلك يتوقع نيكولز التركيز على الاعمال الكلاسيكية التى لا تحتاج تقاربا كبيرا بين الممثلين.
مكره اخوك لا بطل
واذا كان التباعد الاجتماعى مفروضا على مسارح الهواء الطلق .. فمن الاولى ان تلتزم به الفرق المسرحية التقليدية التى تقدم عروضها فى المسارح المغلقة. لكن الاسباب تتجاوز مجرد التباعد الاجتماعى والحد من انتشار الفيروس بل كانت له اهداف اخرى وفقا للمبدا القائل “مكره اخوك لا بطل “
واوضح مثال على ذلك نجده فى مسرح برمنجهام وهو احد المسارح الرئيسية فى بريطانيا رغم انه متخصص فى اعادة عرض الاعمال المسرحية فقط ولايقدم اعمالا من انتاجه وابتكاره.  ويتمتع المسرح بشعبية كبيرة فى برمنجهام وفى بريطانيا كلها.
اعلنت ادارة المسرح انها ستراعى فى عروضها القادمة  بعد السماح لها باستئناف عروضها تخفيض الشخصيات فى اى عرض مسرحى تقدمه مستقبلا بنسبة 40 %. وسوف يعنى ذلك تسريح نحو 47 من الممثلين والفنيين
وقال المدير الفنى للفرقة  ان السبب لا يرجع فقط الى تطبيق قواعد التباعد الاجتماعى. انه يرجع ايضا الى رغبة الفرقة فى تعويض الخسائر التى تعرضت لها من جراء الاغلاق بسبب كورونا. وهذه الخسائر لم يمكن تعويضها حتى بعد الدعم الذى تلقته الفرقة فى اطار خطة رئيس الوزراء بوريس جونسون لدعم الثقافة من خسائر كورونا التى تكلفت 1,6 مليار جنيه استرلينى. ويزيد نصيب الفرقة قليلا عن نصف مليون استرلينى.
ويقول المدير ان كل الفرق المسرحية تعرضت لخسائر لكن خسائر الفرقة كانت اكثر بسبب عملية تجديد لمبنى المسرح تكلفت اكثر من مائة مليون جنيه استرلينى على مدى عامين  تم تدبير معظمها من قروض مصرفية. وكان المسئولون فى المسرح يأملون فى سداد القروض من عوائد نشاطها . لكن توقف العروض لاكثر من اربعة شهور سبب لها ازمة فى سداد اقساط القروض لتتراكم عليها فوائد جديدة. ويعود تاسيس الفرقة الى عام 1913  وتحتل مبناها الحالى منذ عام 1971 .


ترجمة هشام عبد الرءوف