كنس المسرح... عنوان المحبة

كنس المسرح... عنوان المحبة

العدد 671 صدر بتاريخ 6يوليو2020

من اهم الادبيات التي كانت سائدة والتي تم تناقلها عبر روايات متعددة لفنانين عاصروا فنانين مسرحيين كبار وعلى مبدأ قدسية خشبة المسرح واصالتها بأن هؤلاء العظام كانوا يكنسون خشبة المسرح يوميا بايديهم ويتلذذون بذلك بشغف عجيب ويؤاجر ايضا بذلك الممثلون المتواجدون في ذاك العرض المسرحي او في تمرينه بأخذ المكنسة ممن بادر ويكملون كنس الخشبة وهذه اصبحت عادة ومبدأ عظيما ضمن ركن اخلاقيات المهنة التي حوت العديد من المباديء ليس التزاما بما وضعه ستانسلافسكي من اخلاقيات ولكنها التزام ادبي لحب الفنان المسرحي لخشبة المسرح،  وتوارث هذا العقد الادبي الى ان اصبح عيبا لدى العديد من الفنانين المشتغلين في الحقل المسرحي بل وينظون نظرة دونية لكل من يحاول ان يكنس الخشبة او زاوية يقف بها ويعتبرون ذلك انحطاطا وهنا بدأت خشبة المسرح تفقد محبيها وابقت على مشتغليها الذين اتخذوا الخشبة وسيلة لا غاية من اجل الظهور او النجومية وليس لاطلاق الطاقة الكامنة لديه ، وهذا الفعل او الممارسة افقد المسرح بريقه المبدع فلم تعد ترى عروضا خارقة وانما عروضا مسرحية باهتة وسطحية وفنانين يؤدون ما يريده المخرج بلا احساس او انسجام جمعي والمخرج هنا يصول ويجول مشبرا بيديه ممارسا ساديته على فريق مسرحي ناشيء ويخاف العمل مع ممثلين اصحاب خبرات لان ذلك سيكشف ضحالة تفكيره وانحسار خياله واللجوء الى الابهار في الصورة على حساب المضمون وجعل الممثلين عبارة عن ماريونيت تتحرك بلا وعي معرفي ودون معرفة لماذا هي تتحرك وكيف تنطق وتتعلب بهذا الوضع التخريبي الواضح .
 في العام 1994 كان قد تشكل فريق مسرحي تحت مسمى “ مختبر موال المسرحي “ كان المبادر فيه غنام غنام وكان وقتها قد كتب نص مسرحية الزير سالم ووضع فيه الوصايا العشر التي وضعها كليب لاخيه الزير سالم وكان في تلك المرحلة اندفاع كبير نحو عملية السلام مع العدو الصهيوني فتصدى المخرج محمد الضمور لاخراج العمل وتم تقديم النص لوزارة الثقافة لغايات الحصول على انتاج له من ميزانية مهرجان المسرح الاردني والذي كان ينتج في كل عام ما يقارب خمسة عشر عرضا مسرحيا ولكن تم رفض النص ربما لاسباب سياسية لما يحمله النص من رفض للتعاطي مع العدو،  وهنا اصر فريق العمل على تقديمه بلا انتاج وبلا اجور وبلا اي دعم كان فتشكل فريق المسرحية من غنام غنام والذي لعب شخصية الزير وانا قدمت شخصية جساس وباقي فريق المسرحية كان يلعب شخصيات متعددة وكان منهم رانيا فهد وعصمت فاروق وفراس الريموني وجمانه بركات وعلاء عبدالهادي ومحمد غباشي ونايف الزعبي   وتصدى نصر الزعبي لتلحين موسيقى واغاني المسرحية الفرجوية وكان ختام العرض اغنية عظيمة لحنها نصر الزعبي لقصيدة “ لا تصالح “ .
 كانت تمارين المسرحية تجري على مسرح اسامة المشيني بجبل اللويبدة وكان مهجورا الى حد ما كون سقفه قد انهار نصفه وبقي النصف الثاني ولانه تم رفض النص ولا يوجد اي قاعة مسموح لنا ان نعمل تمارين المسرحية عليها فقد طلبنا ان نعمل التمارين في هذا المسرح المهجور وخشبته بلا سقف والبرد قارص جدا والمطر ينهمر يوميا بغزارة شديدة وحتى الثلوج تتساقط في معظم الايام وسمح لنا بذلك وعلامات السخرية واضحة على وجوه موظفي وزارة الثقافة التي كانت وقتها لا زالت بنفس المبنى الذي تشغله الان مديرية المسرح والفنون ولكن كان اكثر شخص متحمس لنا بشكل يومي هو حارس وزارة الثقافة الراحل “ ابو جميل “ والذي كان يحفظ حواراتنا عن ظهر قلب لسنوات عديدة ، كيف سنعمل تمرين المسرحية والدنيا “ كب من الرب “ وخشبة المسرح نصف سقفها قد طار في الهواء فاحضر لنا ابو جميل “ قشاطة مياه ومكنسة “ ونتسابق فريق العمل على قشط المياه ونعمل التمرين في الجزء اليسار من الخشبة والجزء اليمين مليء بالماء وحين يزداد المطر يسيل ماء الجزء الايمن علينا فنوقف التمرين ونقوم بقشط المياه من جديد ويستمر التمرين يوميا الى ست ساعات بلا كلل او ملل والامطار الغزيرة تملؤ السماء والارض ونغادر مشيا على الاقدام الى وسط البلد  حتى نجد سيارة سرفيس عمومي ونصل بيوتنا شرايط مبلولة.
 تم تقديم المسرحية عنوة ضمن عروض خاصة في نادي نقابة الفنانين واماكن اخرى وهنا كتبت الصحافة عن المسرحية واهميتها وانها تقف في الصف الاول في مجابهة التطبيع مع العدو الصهيوني ووصل الخبر الى الصحافة المصرية وكان وقتها يتم التحضير لمهرجان الملتقى العلمي لعروض المسرح العربي وتم توجيه الدعوة للمسرحية للمشاركة في الملتقى مما الهب حماسنا وجعلنا نشعر بالانتصار وكانت المفاجأة ان الدعوة قد وجهت الى وزارة الثقافة فكيف ذلك وهي كانت قد رفضت النص ورفضت تقديم اي منحة انتاج له والمفاجأة الكبرى انه حينما وصلت الدعوة لوزارة الثقافة وكان وقتها الكاتب محمد ناجي عمايرة امينا عاما للوزارة وقد قال كلمته بان هناك قرار تطبيع سياسي ولكن لا يوجد قرار تطبيع ثقافي مع العدو  وقرر مشاركة المسرحية في القاهرة وانه سيكون هو رئيسا للوفد المشارك وتحملت وزارة الثقافة شراء تذاكر الطيران بل ودفع مياومات كاملة لفريق المسرحية وهناك في مصر حكاية اخرى  وعدنا الى عمان وطلبت وزارة الثقافة ان يتم تقديم المسرحية في افتتاح مهرجان المسرح الاردني الذي رفض ان يقدم لنا منحة انتاج للعرض لكننا بقينا على نهج كنس المسرح .


علي عليان