محمود الكرشابى: نصي يتعرض لقطر الندى من جانبها الإنساني

محمود الكرشابى: نصي يتعرض لقطر الندى من جانبها الإنساني

العدد 666 صدر بتاريخ 1يونيو2020

كعادتها أرض الصعيد تنبت وتثمر لنا دائما العديد من المبدعين في شتى فروع الأدب، لم يستطع بُعد المكان عن مركزية القاهرة منعهم من الإستمرار ومحاولة الوصول لأهدافهم وإيصال ونشر إبداعاتهم،وها هو احد أبنائها الحاصل على بكالوريوس خدمة إجتماعية ويعمل بالتجارة إلا إنه أحب الأدب عامة والشعر خاصة ،تردد على نوادي الأدب وقصور الثقافة ،لم تعرقله متطلبات الحياة من المضي ،وبعد أن كتب عددا من الدواووين الشعرية راح يغزو عالم المسرح فبدأ بكتابة نصه «الإسكافي» ثم «قطر الندى» الذي حصل من خلاله هذا العام على المركز الثاني من مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما الذي تُقام دورته كل عامين، يرى دائما أن الكتابة المسرحية قريبة للشعر لهذا لجأ إليها أبناء جيله عادة من الشعراء فأطلقت العنان لخيالاتهم لتبحر في نصوصهم المسرحية وعن النص الحاصل على الجائزة وبداياته وبعض الموضوعات الأخرى كان لمسرحنا مع الشاعر والمؤلف محمود الكرشابي هذا الحوار .
في البداية حدثنا عن بداياتك الأدبية ؟
بدايتي كانت بالشعر ،كتبت أربعة دواوين ،أول ديوان كان مشترك في 2004 تحت عنوان «أوقفنا فقلنا» ، وإنقطعت لعشرة سنوات عن الكتابة ،ثم أصدرت في 2014 ديوان «الرحيل الأول» ،ثم في 2016 أصدرت ديوان «كشحاذ يمسك دفترا» الصادر عن الهيئة العامة للكتاب ،والعام الماضي أصدرت ديوان «قطاع المناشي»،وتحت الطبع مسرحية شعرية بعنوان»يتابط ثورته» ، وحصلت على المركز الثاني جائزة الفجيرة للمونودراما عن النص المسرحي «الإسكافي» دورة 2018 ،وحصلت عليها أيضا هذا العام بنص «قطر الندى».
لماذا اخترت المونودراما تحديدا للبداية المسرحية؟
لأن الشعر قريب من المسرح بصفة عامة والمونودراما بصفة خاصة ،لأنها تعتمد على الممثل الواحد فتشبه القصيدة ،والإسكافي وقطر الندى مسرحيتان شعريتان وهما من التاريخ المصري .
ما الذي أضافته لك مشاركتك في المهرجان الدولي للمونودراما بالفجيرة؟
لم أتوقع الحصول على الجائزة للمرة الثانية ،ولكنهم بلغوا من الشفافية ماجعلهم لاينظرون للإسماء بل ينظروا للأعمال المشاركة بغض النظر أنه سبق أن حصل على الجائزة أم لا،فقد فوجئت بطرح اسمي ضمن القائمة الطويلة ثم القائمة القصيرة ،الإسكافي كتبتها خصيصا للجائزة بينما قطر الندى كتبتها لإني أردت كتابتها لم أكن أتوقع المشاركة بها وكنت أظن أن شروط المسابقة تمنعني من المشاركة للمرة الثانية على التوالي حتى أخبرني أحد الأصدقاء بإمكانية المشاركة وعلى الرغم من أن المنافسة كانت الأصعب هذا العام لزيادة عدد النصوص الذي تعدى 210 نصا إلا إنني حصلت على المركز الثاني،والمهرجان هام جدا لأنه محدد لفن المونودراما وبالتأكيد أضاف لي الكثير فهو تجربة رائعة بالنسبة لي.
إذن تتفق معنا على أهمية مهرجانات أيام القاهرة الدولي للمونودراما وساقية الصاوي للمونودراما ؟
للأسف لم أسمع عن هذه المهرجانات ربما يرجع ذلك لسوء الدعاية لها ،لكن مهرجان الفجيرة أعرفه منذ وقت طويل من خلال الإنترنت ومن خلال أصدقاءنا والذين يشارك معظمهم في دوراته وحصلوا من خلاله على جوائز ويُقام المهرجان كل عامين ويهدف لترسيخ حضور المسرح المونودرامي في المسرح العربي ،ويشكل المهرجان فعالية مثمرة وناجحة من خلال مشاركة الدول العربية والأجنبية ،و من الملفت أن مصر تحصل على نصيب الأسد في كل دورة ،فقد شارك في العام الماضي 32 مصري وهذه الدورة لاتخلو من اسم مصر،وتكمن أهمية هذه المهرجانات في تخصصها بجانب محدد من الأدب عامة وفنون المسرح خاصة ،وأتمنى أن تهتم الدولة بباقي الجوانب الأدبية.
حدثنا عن نصك الفائز قطر الندى؟
هي القصة المعروفة للأميرة قطر الندى بنت خمارويه بن أحمد بن طولون، التي تزوجت احمد المعتضد بالله الخليفة العباسي وعمره يقارب السبعون عاما وهي فتاة صغيرة في الخامسة عشر من عمرها،والزفاف الأسطوري الذي يُقال أنه أفرغ خزائن مصر ،بينما النص لم يتناول الحقائق التاريخية الثابتة كعمل تاريخي وإنما تناول القصة من جانبها الإنساني وكيف كانت تتمنى أن يتم زواجها وشكل مراسم زفافها ،يتناول قصة الفتاة بعيدا عن كونها أميرة وما يمر بداخلها حين تتزوج بشخص مُسن.
حدثنا إذن عن مشاركتك الأولى في المهرجان «الإسكافي»؟
يناقش نص الإسكافي فترة الحاكم بأمر الله أحد الحكام في العصر الفاطمي والذي كان له قوانين غريبة وأكثرها غرابة كان منع الإسكافي من صناعة أحذية الخروج للنساء معتقدا أنه بذلك يمنع النساء الخروج من المنزل منعا للفتن من أساسها.
 المونودراما من الفنون الصعبة؟
قد يرى البعض أنها صعبة نظرا لإعتمادها على الممثل الواحد ولأنها تقوم على الصراع النفسي ،ولكني لم أشعر بتلك الصعوبة لقرب المونودراما من الشعر .
أترى أننا في حاجة لمكتبات توثيقية لنصوص المونودراما؟
بالفعل للأسف الشديد الكتب غير متوافرة وليست منتشرة فحين أردت الكتابة في البداية لم أجد نصوصا للمونودراما ،فأتمنى أن تقوم وزارة الثقافة أو الهيئة العامة لقصور الثقافة بطباعة نصوص المونودراما المميزة وتوفرها بالمكتبات التابعة للوزارة ،ففقد المكتبة العربية في هذا الإتجاه غريب جدا .
هل تجد الكتابة المسرحية أصعب الكتابات؟
كتابة النص المسرحي أصعب من الرواية لأنه يشمل الكثير من العناصر ،وشخوصه متعددة ،حتى أن النص المسرحي العادي أوسع من نص المونودراما ،النص المسرحي نراعي فيه جانبان جانب النص المسرحي المكتوب وجانب التمثيل أو العرض المسرحي الذي ينقل النص حيا للجمهور،المسرح أبو الفنون وسعدت بكتاباتي المسرحية التي شجعني كل نص منها لكتابة النص التالي .
 جمهور المونودراما نخبوي فهل تتفق مع ذلك ؟
إذا سألت هذا السؤال قبل مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما لجاءت إجابتي مختلفة ،ولكن حين شاركت به وتابعت فعالياته ،وجدت عروض من مختلف الدول العربية والأجنبية ،شاهدت عرض فلسطيني عن القدس وكيف كان الجمهور متفاعل بشكل كبير مع العمل ،وغيرها من العروض العربية بخلاف الأجنبية التي على الرغم من صعوبة لغتها وفهمها إلا أنها لاقت أيضا إقبالا جماهيريا كبيرا ،للأسف نحن نبدي أحكام مسبقة أنه فن نخبوي أو له جمهوره الخاص دون أن نجرب ونتابع ،المونودراما فن مسرحي له جمهور مختلف الفئات والثقافات ،وأتمنى أن يتم إنتاج هذا الفن في قصور الثقافة وأثق أنها ستلقى قبولا كبيرا من الجمهور ،بالإضافة لتكلفتها المنخفضة والتي تتناسب وإمكانيات قصور الثقافة الضعيفة .
قلت أن إقصاء القصيدة النثرية يدفع الشاعر للكتابة في مختلف الفروع فهل ذلك مادفعك للكتابة المسرحية؟
هناك إقصاء في مصر للقصيدة النثرية من الجوائز ،بالإضافة لكون الجوانب الأدبية التي تقوم على المنافسة لايليق اسمها أو العائد المادي لها بإسم مصر ،فحين تكون الجائزة المركزية في الهيئة العامة لقصور الثقافة أكبر جائزة أدبية في الهيئة تبلغ قيمة المركز الأول أربعة ألاف جنيها والمراكز التالية تصل إلى 2000 جنيه أي لا تغطي قيمة طبع الكتاب فلاتليق بإسم مصر في حين أن الجوائز التي تتم بالمجاملات والإتفاقات العائد المادي لها كبير وهذا شئ غريب عكس مايحدث في مسابقات الإمارات والوطن العربي،أتمنى أن يكون هناك إهتمام من وزارة الثقافة بالمسابقات التابعة لها ووضعها في مستوى لائق بمصر وبالكُتاب .
معنى ذلك أن الكاتب قد يكتب فقط لأجل الجائزة؟
نعم ما المانع لذلك ،لكن سواء كتب لأجل الجائزة أو كتب لأنه يريد الكتابة عليه أن يكون مقتنعا بما كتبه ،أيضا ربما تكتب مرة للجائزة فتكون تشجيعا لك للإستمرار وتحمسك في وقت محدد للكتابة لأن الجائزة خصصت لتحفيز المبدعين ،بخلاف خلق حالة من التنافس الشريف فأنت تنافس كبار الأدباء ولا تعتمد على اسم الأديب بل كل يعتمد على ماكتبه .
هل مازال المبدع في الصعيد يواجه التحديات؟
لم يعد هناك مشاكل أو تحديدات خاصة مع وجود الإنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي ،فأصبحنا قادرين على إرسال أعمالنا أينما شئنا ،والمشاركة في أيا من المسابقات سواء داخل مصر أو التي تقام كل عام في الإمارات وغيرها من الدول العربية ،كما أصبح لدينا فرصة للإطلاع على مختلف الإصدارات من موقعنا ،والدليل أن معظم الجوائز الحاصل عليها المصريين 70%منها مبدعين من الصعيد،ولكن بالتأكيد نتمنى أن يكون هناك إهتمام أكبر فليس هناك إمكانية لإكتشاف الشباب من المواهب الجديدة إلا من خلال إعتماده على ذاته وبحثه عن الفرصة ،وأفضل المتاح هي قصور الثقافة وأندية الأدب أو بيوت الأدب نظرا لعدم إحتياجها لإمكانيات كبيرة بعكس الأنشطة الأخرى .
كيف أثرت البيئة في كتاباتك؟
أي بيئة لها تأثيرها على الكُتاب والمبدعين ،والجو القاسي للمحافظة يخلق الإبداع نظرا لطبيعة البيئة بالإضافة إلى غياب الأنشطة الرياضية وغيرها ،وبالتالي يتفرغ المؤلف للكتابات الأدبية ،الشعر ،والرواية، والقصة .
ما رأيك في المهرجانات لدينا مقارنة بما شاهدته من خلال مهرجان الفجيرة الدولي ؟
للأسف لم أتابع أية مهرجانات في مصر فدعوتي لمهرجان الفجيرة جاءت كوني مشاركا بنص فائز في المسابقة مرتين ،بينما الدعوه لأي مهرجان في مصر لها حسابات أخرى والمكان الوحيد الذي يمكن أن تدعى له هو بيت الشعر بدون معارف لكنني أتابع مؤتمرات قصور الثقافة بشكل مستمر.
بما انك كتبت نص للأطفال فهل مايقدم في كل أشكال الدراما مسرح او تليفزيون تجده مناسبا لأطفالنا؟
للأسف الشديد ليس لدينا مايقدم للأطفال ،فعلى سبيل المثال أبنائي في المنزل يتحدثون اللهجة الشامية متأثيرين بقناة طيور الجنة ،وهذا لأنهم لم يجدوا بديلا مناسب يجذبهم إليه أكثر منها ،أما عن نصي «بستان أم إبراهيم» فيمزج بين الخيال والتراث ،ويدعو الأطفال للعمل في فريق بعيدا عن العمل الفردي والأنانية .
معنى ذلك أنه لدينا في تراثنا مايمكن إعادة قراءته للأطفال؟
نعم بالتأكيد فحين كتبت هذا النص ذهبت لطفولتي في الصعيد وبساتين النخيل التي يأكل منها الطير والحيوان والإنسان،لدينا الكثير في تراثنا إذا أعيد قراءته بشكل جيد ومعاصر وموازي لعقلية طفل هذا القرن سنقدم للطفل فن يجذبه ويستفيد منه بشكل كبير بعيدا عما تقدمه القنوات من تسطيح لعقول.
أهمية الأندية الأدبية بالنسبة لكم خاصة في الصعيد؟
تعلمنا منها الكثير فقد أنشئت الأندية الأدبية بدافع اكتشاف المواهب الأدبية وصقلها وتنميتها وتعريف الجمهور بها،ونعتبرها معمل تفريغ حقيقي للمبدعين، وتطلعهم على مايجب أن يقرأوه لتنمية مواهبهم في شتى فروع الأدب ،وتولد نوع من الإعتياد على المناقشة والنقد من خلال اللقاءات الأسبوعية التي تقيمها الأندية الأدبية ،فهي البيت الرئيسي للمواهب خاصة في بداياتهم من كتاب الشعر والقصة ،وتاتي هذه الأهمية من إنتشارها في ربوع مصر وأعتبرها فكرة رائعة نظرا لبعدنا عن القاهرة وضمها لأدباء حقيقين


روفيدة خليفة