بمناسبة افتتاح المسرح العائم محمد شافعي: العائم منارة ثقافية نباهي بها العالم

بمناسبة افتتاح المسرح العائم محمد شافعي: العائم منارة ثقافية نباهي بها العالم

العدد 608 صدر بتاريخ 22أبريل2019

عرس مسرحي كبير تمثل في إعادة افتتاح المسرح العائم بعد ثلاث سنوات من الإغلاق بسبب عمليات الإصلاحات والتطوير التي تعتبر عودة الروح وبث الحياة في أحد أهم شرايين الحركة المسرحية في مصر.. يحمل المسرح العائم (مسرح فاطمة رشدي) والتابع للبيت الفني للمسرح بوزارة الثقافة، تاريخا طويلا وحافلا يشهد على تطور ونهضة المسرح المصري في الكثير من الفترات، كما شهد سطوع نجوم وفنانين كبار وقدمت عليه أعمال كبار المخرجين. ويعد المخرج محمد شافعي مدير عام المسرح العائم فترة تنفيذ التطوير والتجديد في السنوات الثلاث السابقة هي أيقونة النجاح والجندي المعلوم للجميع في إعادة هذا المتنفس المهم لمنظومة العمل المسرحي، فكان لنا معه هذا الحوار.
كيف كانت بدايات المسرح العائم؟
بداية إنشاء المسرح العائم كانت في الخمسينات، من خلال عوامة (تم نقلها حاليا للمسرح العائم بالجيزة التابع لهيئة قصور الثقافة بالبحر الأعظم)، وتم اقتراح إنشاء مصطبة ثابتة مكانها كخشبة مسرح غير متحركة. لأن العوامة من قبل كانت تتحرك كخشبة مسرح متنقلة بين كل محافظات مصر المطلة على النيل لتقديم العروض المسرحية بها، وكان يقودها شخص يدعى عم هاشم وهو والد الزميل فاروق هاشم، حيث كان يقودها بواسطة صندل مائي، كان ذلك في عهد د. ثروت عكاشة وزير الثقافة والإرشاد القومي. وذلك لنشر الثقافة في جميع المحافظات، ثم تعود العوامة بعد ذلك إلى مقرها في مقر المسرح العائم الحالي. في ذلك الوقت كانت الأوبرا والباليه والسينما والتلفزيون والمسرح كلهم تابعون لمؤسسة واحدة، وتم بعد ذلك تقسيمهم لهيئات مختلفة. وفي ذلك الوقت تولى السيد بدير تلك المؤسسة التي ساهمت في نهضة المسرح حينها.
متى سمي باسم الفنانة فاطمة رشدي؟
أطلق على المسرح العائم اسم الفنانة فاطمة رشدي عندما تم تكريمها في السبعينات من قبل الرئيس السادات في عيد الفن مع الفنانة زينات صدقي.
لأي جهة يتبع المسرح العائم؟
مكان المسرح العائم أساسا هو ملك محافظة القاهرة ويتولاه البيت الفني للمسرح بالأمر المباشر منذ الستينات كحق انتفاع مدى الحياة. وهو في الأساس كان دارا مستقلة للعرض تستقبل جميع الفرق ولكن كانت الأفضلية والأسبقية للمسرح الكوميدي.
والمسرح العائم له تاريخ كبير جدا فمثلا عرض عليه مسرحية «بداية ونهاية» بطولة فريد شوقي ومحمود يس، ولأول مرة في التاريخ تم تأجيره لفرقة خاصة وهي «الأخوة المتحدين». وتم إقامة خيمة من الفراشة بالمسرح. فكانت تلك البداية لاستقطاب عروض الفرق الخاصة لتقدم عليه.
ذكريات فنية
كيف كانت تجربة الشراكة مع القطاع الخاص؟
شهد المسرح الكوميدي في أوائل الثمانينات أول وآخر تجربة إنتاج مشترك بين وزارة الثقافة ممثلة في البيت الفني للمسرح وبين فرقة الكوميدي المصري لفؤاد المهندس ومحمد عوض وصلاح يسري. وقدما من خلالها مسرحية (قسمتي) من إخراج السيد راضي وبطولة فؤاد المهندس وهشام عبد الحميد وسحر رامي وكوكبة كبيرة من فناني المسرح الكوميدي. وبحمد الله حققت نجاحا كبيرا تخطى كل التصورات واشتركت أنا بهذا العمل كمساعد مخرج وكان الفنان الكبير فؤاد المهندس يقدرني لدرجة أنه عندما تم حل الشراكة وانتقل لمسرح الزمالك أخذني معه هناك. وهذا العرض يعتبر باكورة لفكرة استغلال المشاركة مع القطاع الخاص أو حتى التلفزيون، لأنه قدم بشكل محترم جدا والتعاقد به بنود مناسبة، حيث كان على الفرقة الخاصة استحضار النص والنجوم وكان علينا كمسرح دولة عمل الديكورات والتكلفة الإنتاجية، فكانت المصروفات متوازية ويتم تقسيمها على الجانبين، وبالتالي فالعائد المربح كان يعود على الجانبين.
ماذا يحمل المسرح العائم من تاريخ وذكريات لنجوم الفن؟
المسرح العائم كان ملتقى الفنانين فلم يكن هناك نادٍ خاص بالفنانين، مثل بليغ حمدي وسمير خفاجي وسعيد صالح وفريد شوقي وصلاح السعدني وكل نجوم زمن الفن الجميل. والكافيتيريا التي أصبحت مخزنا للملابس الآن كان يديرها عم عباس، حيث كان يقدم لهم أطيب الأطعمة والمشروبات. وكان الموسم الصيفي هو موسم العرب وكان الجمهور به دائما مكتمل العدد لدرجة أنه كان يوجد بخارجه سوق سوداء لبيع التذاكر من شدة الإقبال، وكان يقدم أفضل وأهم العروض المسرحية على مستوى الوطن العربي وكان المنافس الوحيد للقطاع الخاص.
إحداثيات المسرح
ما أهم ملامح ومكونات المسرح كدار عرض وأهم التجديدات فيه؟
أشير أولا إلى أنه قد تولى إدارة المسرح العائم كدار عرض أساتذة كبار سبقونا منهم يحيى سليط وبدر شديد ومحمد شوقي وجمال أبو العلا وكان حينها عبارة عن دار عرض واحدة فقط ولم يكن قد أنشئ المسرح الصغير، فكانت ملحقاته حديقة وكافيتيريا.
أهم ميزة في الموقع الجغرافي للمسرح العائم أنه استثماري واستراتيجي جدا لأنه يقع في منطقة حيوية، وهي منطقة المنيل على حدود كوبري الجامعة وهو يتوسط جميع الجهات مع سهولة التحرك والتنقل إليه وأمامه شارع عريض كموقف للسيارات, والمسرح يتكون من أربعة أجزاء، عبارة عن قاعتين كبار والساحة الخارجية بالحديقة والتي تم تجديدها بشكل جمالي رائع، والجزء الرابع هو الكواليس وغرف الممثلين والتي تطل على النيل وأصبح تحفة جمالية بحيث يجلس الفنانون في غرفهم وكأنهم في شاليهات، كي يستمتع الفنان في انتظار بدء العرض ليستطيع أن يبدع بنفس صافية ويخرج فنه بجدية، لأنه كي يبدع الفنان لا بد أن توفر له سبل الراحة منها غرفته وجلسته ودورات المياه الملحقة والشيزلونج الذي يرتاح عليه. ونفس الكلام بالنسبة للمتفرج كي توفر له المتعة لا بد أن توفر خدمات مماثلة مثل موقف للسيارات أو سهولة المواصلات لمكان المسرح ومقعد مريح بالصالة وحمامات نظيفة وكافيتيريا جيدة ونظافة المكان، لأن الفن ليس مجرد تقديم عرض فقط، لكن توجد لغة بين المشاهد وبين الفنان لأننا هنا في مجال فن مباشر بينهما يعتمد على الحميمية والتفاعل بينهما لذا لا بد من توفير الخدمات الجميلة للطرفين كي يستمتع الفنان أثناء تقديم فنه وكذلك يستمتع المشاهد أثناء مشاهدة العرض.
كيف تم تنظيم العمل بصالة العرض لراحة المشاهد؟
المسرح العائم الكبير عدد مقاعد الصالة به أربعمائة وخمسين كرسي، وبحمد الله قمت بتوزيع الكراسي بنفسي، حيث كانت هناك فكرة بيني وبين الفنان مجدي صبحي أثناء توليه فرقة المسرح الكوميدي وهي أن يكون كل ثلاثة صفوف بلون مختلف كي يسهل على الأبلاسير تنظم جلوس المشاهدين في الصالة من خلال اللون، المقاعد مريحة والرؤية متدرجة من أسفل لأعلى وبين كل صف والذي يليه من خمسة عشر إلى عشرين سنتيمتر في الارتفاع كي يستطيع المشاهد الرؤية بسهولة ودون عائق من المقاعد التي أمامه.
وهل هناك تجديد بالخشبة أو الكواليس والسوفياتا والأجهزة الفنية؟
كواليس خشبة المسرح نفسها هي عبارة عن عمق أربعة كواليس، ومن عيوب خشبة المسرح العائم أن بها ميل خفيف من الأمام لكن يمكن تصلحيها بتكاليف قليلة، وذلك بإعادة تصميم الواجهة (البروثينيوم) بشكل مناسب، لكن لم يتم ذلك في تلك المرحلة. وهي طولها 12 مترا للعرض 9 أمتار للعمق. لم يتم تغيير الأرضية ولكن تم كشط الأرضية وإعادة دهانها عن طريق إدارة الخدمات الفنية برئاسة المهندس محمد هاشم، أما السوفياتا بما تحمل من شواية وهرس فتم تجديدها وتم تنفيذها عن طريق إبراهيم الشنديدي مع مراعاة ملاحظات الفنيين لتلاشي أي أخطاء، كنا نطمع أن تكون كل السكك بها مواتير ولكن تم عمل البعض بمواتير والبعض الآخر بمانافيلا مؤقتا لظروف ما، وأتمنى في التطوير القادم أن يتم تغيير الأجهزة كلها إلى أجهزة حديثة للإضاءة حيث تم الإبقاء على الأجهزة القديمة للمسرح. أما الصوت فالأجهزة تعرضت لبعض المشكلات وتم علاجها، وتم تركيب السماعات القديمة وكذلك طلبنا استحضار وحدة سماعات حديثة بمونيتور ليكون جزء من السماعات بالحديقة للجمهور المنتظر، جزء آخر قريب من غرف الممثلين كي يتابع الممثلون أحداث العرض وتوقيتات دخولهم للخشبة.
كم مرة تم عمل تجديدات بالمسرح؟
تم تجديد المسرح العائم أكثر من مرة، في عهد السيد راضي ومرة أخرى في عهد أشرف زكي والمرحلة الأخيرة بدأت في عهد فتوح أحمد.
نجوم وشباب بالعائم
حملت خشبة المسرح العائم تاريخا كبيرا لكثير من الفنانين. حدثنا عن أهمهم؟
كثير من الممثلين اعتلوا خشبة المسرح العائم منهم مجدي وهبة ونوال أبو الفتوح ومحسن سرحان وإبراهيم الشامي وسعد أردش وإحسان القلعاوي وفؤاد المهندس ومحمد عوض وفريد شوقي، أبوبكر عزت، صلاح ذو الفقار، صلاح السعدني وسعيد صالح ونجاح الموجي والمنتصر بالله وفيفي عبده ووائل نور وحنان ترك وإيناس مكي وأحمد سلامة وغيرهم الكثيرين من قمم النجوم والعمالقة الفن.
أما أهم المخرجين الذين قدموا عروضهم على المسرح العائم فمنهم جلال الشرقاوي وسعيد أبو بكر وكمال يس وعبد الغفار عودة والسيد راضي ومجدي مجاهد وجلال عبد القادر ومحمد أبو داود ورزيق البهنساوي وهاني مطاوع وأشرف زكي وأحمد خليل، فالعائم قد شهد نجاحا لكل المخرجين الكبار في مصر. وهو الواجهة الحقيقية لمصر بعد المسرح القومي.
ومن أهم المسرحيات التي عرضت عليه مسرحية زقاق المدق، قسمتي لفؤاد المهندس، مولد سيدي المرعب لنجاح الموجي، خلي بالك من راسك، اللي بنى مصر لمحمود الجندي، مسرحية نواعم لفيفي عبده، أنا الرئيس لسامح حسين.
ومن النجوم الحاليين الذين نشأوا من خلال المسرح العائم مجموعة الشباب ونجوم مسرح أشرف عبد الباقي الذين قدموا مسرحية شيزلونج في عهد إدارة شادي سرور، حيث حققت الحفلات كاملة العدد منهم مصطفى خاطر.

تعلمت من السيد راضي
كيف تعلمت إدارة المسرح رغم أنك خريج قسم النقد؟
أنا خريج دفعة 1988 قسم الدراما والنقد، حصلت على دبلوم الدراسات العليا، سافرت إلى السعودية حيث سميت خبير تجهيزات. أعود قليلا إلى الوراء حيث تعلمت الكثير من أبي الروحي الفنان السيد راضي الذي علمني كيف أقوم بتجهيز مسرح في الصعيد، وكيف استعين بنجار مسلح لإنشاء مصطبة أو خشبة مسرح وكيف أصعد على السلم لأعاين أجهزة الإضاءة كي استوعب كل التفاصيل الفنية، وعلمني أذهب صباحا إلى مسرح محمد فريد لأنام في مكتبه حتى الصباح لأخرج مبكرا مع النجارين لمتابعة تنفيذ الديكور، ومن علمني كيف أقوم بتلقين الممثلين هو السيد خطاب ملقن المسرح القومي، ومن علمني كيف أكون مديرا لخشبة المسرح رحمه الله جلال الحكيم. ومن علمني إدارة الخشبة ومساعدة الإخراج هو السيد راضي، تعلمت من كثيرين منهم زكريا صالح ويحيى الليثي، حيث أصبح أمتلك خبرة كبيرة في كواليس المسرح.
بعد عودتي من السعودية التحقت ببيتي المسرح الكوميدي، وعملت بمسرحية خايف أقول اللي في قلبي إخراج جلال عبد القادر، وتوالى العمل بالعروض، حاولت أن أمارس بالإخراج لكن لم يكتب لي، وبما أني خريج كلية الحقوق عملت ببعض الأعمال بعيدا عن الفن في فترة ما.
كيف كانت بداياتك في ممارسة الإدارة فعليا؟
كانت أول علاقتي بإدارة المسارح في مسرح الحديقة الدولية حيث اجتذبني إليه د. أشرف زكي حينما كان رئيسا للبيت الفني للمسرح، وقد استلمت المكان خاويا من كل شيء فلا توجد خشبة مسرح ولا كابلات للكهرباء ولا أي شيء وكان عبارة عن مخزن لكراسي الهيئة المشونة، وفي خلال خمس سنوات من المعاناة أنشأت كل شيء به ليصبح مسرحا متكاملا بكل عناصره، حيث أصبح به الآن عشر غرف للممثلين واستراحة وخزان للمياه ومتطلبات الدفاع المدني وسيستم إضاءة كامل وغرفتين للإضاءة والصوت ومبنى إداري. وقاعة لكبار الزوار وخطوط جديدة للكهرباء ومدخل وواجهة للمسرح. وبعد الثورة تم نقلي للمسرح العائم الصغير وأثبت نجاحا كبيرا به، وعندما تولي الفنان ماهر سليم هيئة المسرح أصدر قرارا باستبعاد بعض المديرين من إداراتهم لعدم تخصص المؤهل فتظلمت مبررا بخبرتي فتم إقرار استمراري في الوظيفة، فانتقلت إلى مسرح الطليعة ثم مسرح بيرم التونسي بالإسكندرية وعدت منه إلى الطليعة ثم مسرح ميامي، ومن أهم ما أحبه في عملي في كل هذا هو أني أعشق العمل بيدي بنفسي. حتى توليت إدارة المسرح العائم منذ 2015، وكان مدير المسرح الكوميدي حينها الفنان القدير مجدي صبحي، ودخل المسرح مرحلة التطوير في عام 2016، حيث كان مقررا أن يستغرق التجديد نحو ستة أشهر لكن لظروف العمل تأخر حتى الآن لمدة ثلاث سنوات.
وماذا بعد أن تم تطوير وتجديد المسرح العائم؟
أود أن أقول لمعالي وزيرة الثقافة أنك ستتباهين أمام العالم قبل مصر بأن لديك المسرح العائم وهو منارة كمنطقة جغرافية استراتيجية غير موجودة في العالم إلا في مصر، مسرح على النيل في وسط البلد ومنارة ثقافية، وأتمنى أن يتم التنسيق مع هيئة الكتاب لتنظيم معرض دائم للكتاب مثلما كان قديما وأن يتم الاتفاق مع شركات تساهم في عمل شكليات للمسرح.


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏