وداعا.. عاشقة المسرح ناهد عز العرب

وداعا.. عاشقة المسرح ناهد عز العرب

العدد 661 صدر بتاريخ 27أبريل2020

ودع المسرح المصري الأسبوع الماضي واحدة من أهم وأبرز النقاد المسرحيين، وهي الناقدة والشاعرة والكاتبة ناهد عز العرب التي أثرت الحركة المسرحية المصرية بإسهامات نقدية كثيرة ومميزة، كما كانت شاعرة متميزة ولها عدة دواوين.
اتصفت عز العرب بموضوعيتها الشديدة، فكانت صاحبة قلم مميز وموضوعي وبناء وعرفت بدعمها لحركة مسرح الهواة والمستقلين ومسرح الثقافة الجماهيرية،  فكانت داعمة للشباب بشكل كبير، د دفعت العديد من الأجيال المسرحية  إلى التحقق وكان لها أسلوبها المميز والمختلف، تعتمد في نقدها على التوجيه الدائم نحو اكتشاف الأخطاء ومعالجتها. وهذه  بعض  شهادات للمسرحيين عنها وعن مواقفها المختلفة و رصد سريع لأصداء رحيل هذه القامة المسرحية والفنية الكبيرة .                              
ستظل مواقفها الرائعة في ذاكرتنا
قال الناقد والمؤرخ «عمرو دوارة:  برحيل الناقدة المسرحية ناهد عز العرب فقدت الحركة المسرحية قامة متميزة وقلم نزيه،  انحاز دائما للقيم النبيلة، وفقدت أنا على المستوى الشخصي  ومعي عدد كبير من الأصدقاء المشتركين  شقيقة غالية وزميلة عزيزة ستظل مواقفها الرائعة في ذاكرتنا، لندعو لها ما بقي من العمر بالرحمة والمغفرة وجنة الخلد بإذن الله. أضاف : لقد مثل لي خبر رحيلها صدمة قاسية جدا خاصة وأن روحها الطاهرة كانت ترفرف على محادثتي مع الصديق الفنان القدير يوسف إسماعيل - رئيس المهرجان القومي للمسرح  قبل سماعه بساعة فقط، كنا نتحاور في كيفية استقطابها لفعاليات المهرجان للاستفادة من خبراتها الكبيرة، وكان يتساءل عن أسباب اختفائها عن الساحة خلال السنوات الماضية فكانت إجابتي المختصرة هي عزة النفس والكبرياء بلا غرور، ورفضها القاطع لاختلاط الحابل بالنابل وضياع كثير من القيم التي تربينا عليها وتمسكنا بها طوال مشوارنا الفني.
إن شريط الذكريات بتفاصيله الرائعة لم يتركني لوهلة منذ سماعي لخبر رحيلها، وما أجمل الذكريات حينما تكون سماتها الأساسية الاحترام والتقدير والعطاء بلا مقابل وتتضمن كثير من المواقف المشرفة التي تؤكد على صدق مشاعرها ووعيها الكبير وثقافتها الحقيقية. تابع دوارة: أتذكر جيدا اللقاء الأول بيننا في فبراير 1984 مع افتتاح فعاليات «المهرجان الأول للمونودراما» الذي نظمته الجمعية المصرية لهواة المسرح بمسرح الطليعة، كانت في بداية عملها الصحفي والكتابة عن الفعاليات المسرحية والعروض بمجلة الإذاعة والتليفزيون، لفت نظرها نجاح مجموعة من الشباب في استقطاب نجم كبير بقامة نور الشريف ليشاركهم إخراج عرض بمهرجانهم، كما لفت نظرها دقة التنظيم وتميز المستوى الفني لعروض المهرجان وتألق عدد من الوجوه الجديدة وفي مقدمتهم: خالد صالح، عبلة كامل خالد الصاوي، عمرو عبد الجليل، ماجد الكدواني، منير مكرم، محمد شومان، عزة الحسيني،
فأفردت عدد من الصفحات بالمجلة للمهرجان، وأتذكر جيدا كلمتها التي كتبتها في مقدمة الموضوع الأول: (الطريق إلى مسرح الطليعة مفروش بالأفيشات التي تعلن عن المناسبة، والجمهور الكبير يتزاحم للحضور، والنداءات لا تنقطع على رئيس المهرجان الفنان عمرو دوارة الذي يتحمل كثير من المسئوليات ومع ذلك فالابتسامة لا تفارقه، منذ ذلك اليوم توثقت صداقتنا لنبدأ مرحلة جديدة من الزمالة بالمشاركة معا بعدة لجان للتحكيم بمهرجانات الثقافة الجماهيرية (هيئة قصور الثقافة)، فنتجول من خلالها بجميع أقاليم مصر ونؤكد معا مدى حرصنا على رعاية المواهب الشابة وصقلها وتيسير كثير من المعوقات التي تواجههم. كذلك أتذكر موقفا أثار دهشة الجميع عندما تأخر صرف بعض بنود ميزانية مهرجان نوادي المسرح بالإسماعيلية لتبادر هي على الفور بتقديم قرض مالي كبير لإدارة المهرجان لحين إنهاء باقي الإجراءات الإدارية!! لذا فقد كان من المنطقي أن نستفيد من خبراتها الفنية ودعمها المستمر لأنشطة الشباب في مشاركاتها بلجان المشاهدة والتحكيم بعدة مهرجانات ومن أهمها - من وجهة نظري - مهرجانات: الضاحك الأول والثاني عامي 1994، 1996، مهرجان المسرح الشعبي عام 1995 وغيرها مما أهلها بجدارة لتكرم من خلال فعاليات «مهرجان المسرح العربي» بعد ذلك. ويرى دوارة أن القارئ أو الناقد المتخصص المتتبع لمقالاتها بمجال النقد المسرحي يمكنه على الفور إدراك مدى حرصها على البناء وليس الهدم وذك بالتوجيه الهادئ وتسجيل المزايا والنقاط المضيئة قبل رصد السلبيات، وهي في هذه النقطة تذكرني بكتابات الناقدات الثلاث الرائعات رحمهم الله (فوزية مهران، سناء فتح الله، د.نهاد صليحة) وذلك بالطبع مع اختلاف مستوى التخصص والتوجهات بينهن, والحمد لله لم تنقطع الصلات بيننا برغم اختلاف الظروف ومشاغل الحياة واعتزالها المتابعة المنتظمة للعروض المسرحية خلال السنوات الأخيرة. تابع : ومن النقاط المضيئة التي يجب تسجيلها هو سعادتها البالغة بانجازي لموسوعة المسرح المصري المصورة بأجزائها السبعة عشر، حيث قامت بتخصيص مقال نقدي عنها وعن أهميتها بمجلة الإذاعة والتليفزيون أثناء فترة رئاستها للتحرير، ثم وفائها بوعدها بالاتصال بي لتسليمي جميع الصور المسرحية التي بأرشيفها الخاص لاستكمال أو تجويد الصور بالموسوعة
وأخيرا كانت مشاركتها الإيجابية خلال شهر أكتوبر الماضي حينما سارعت بتأييد مبادرتي للاحتفال بذكرى مرور مئة وخمسين عاما على تأسيس المسرحي المصري وتخصيص عام 2020 عاما للمسرح، وبالفعل قدمت بعض الاقتراحات الإيجابية التي بإذن الله سوف ترى النور بفعاليات الدورة الثالثة عشر للمهرجان القومي للمسرح المصري كما وعدني رئيسه الحالي الفنان يوسف إسماعيل.
ولهذا كله  أتقدم باقتراح  تكريمها بفعاليات المهرجان وإصدار كتاب يتضمن أهم مقالاتها المسرحية ليكون شاهدا على العصر وتستفيد منه الأجيال الحالية والقادمة بإذن الله، كما أتمنى ان تجمع مقالاتها في كتاب يوثق أفكارها و كتاباتها المبدعة .
الحب والشغف والجمال
وصفت الناقدة د. وفاء كمالو الراحلة ناهد عز العرب بقولها : هي « الحب والشغف والجمال...الصدق في أبهى صوره،  الوعي المثير بالمعنى والهدف واليقين المطلق بالحياة والإنسان. لم تكن ناهد عز العرب شخصية عادية لكنها استثناء مدهش. كانت تتصف بالنقاء والرونق والبهاء و الحضور اللامع والثقة العارمة  وعشق المسرح الذي هو الحرية والإبداع والجدل والجمال. أضافت: التقينا كثيرا في الحياة و جمعتنا برامج التليفزيون كضيوف لمناقشة قضايا ثقافية وفنية، و أذكر أنها كانت صاحبة آراء ثائرة،  و تدافع بقوة عن أرائها  التي تتجه دوما نحو ثراء الحركة المسرحية وتصعيد الجمال الباحث عن الإرادة والإنسان.
 كانت ناهد عز العرب تقوم بإعداد برنامج «رفع الستار»  أشهر البرامج التي تناولت الواقع المسرحى المصري على امتداد سنوات طويلة، و جمعتها بالمذيعة المتميزة نانو حمدي علاقة فكرية وإنسانية شديدة الثراء انعكست على الحضور اللامع القوى للبرنامج الشهير الذي تابعه الجمهور العريض بشغف، وأذكر إننى كنت ضيفة فى العديد من الحلقات التي تناقش عروض المسرح  وكانت الأسئلة تأتى حارة ساخنة  تكشف عن وعي ناهد وثقافتها الغزيرة وحسها الفني الجميل، الذي من المؤكد أن الواقع المسرحى الحالي يفتقد وجود مثل هذا البرنامج المؤثر. وفي رسالة مباشرة قالت: يا ناهد كل الوسط المسرحي والإعلامي يتحدث عنك، الجميع يشهدون انك مدهشة مخلصة صادقة ومتميزة،  مقالاتك بصماتك و رؤاك ستظل حاضرة تكشف عن كيان إنساني فريد مسكون بالصدق والجمال، لك كل الحب والتقدير يا جميلة الجميلات وأيقونة العطاء.
قلم رشيق يوجه بلطف
فيما قال الكاتب الصحفي والناقد محمد بهجت : « الزميلة العزيزة ناهد عز العرب ناقدة فنية ومسرحية موهوبة ومثقفة وصاحبة قلم رشيق يوجه بلطف وحتى عندما تتناول عملا فنيا بأسلوب ساخر تختار السخرية المهذبة التي لا تجرح أو تؤدى إلى إحباط فنان شاب فى أول طريقه، وكثيرا ما تناقشنا أثناء حضور عروض مسرحية وأكتشف من خلال هذه المناقشة ثراء المعرفة وتعدد مصادر الثقافة وبساطة الحكى وعدم اللجوء مطلقا إلى التعالم، و كان بيننا دائما سخرية مشتركة من النقاد أصحاب الأسلوب الحنجورى وهو تعبير اخترعه عمنا الكاتب الساخر محمود السعدنى، ويقصد به المثقفين المتقعرين لغة،  وعلى المستوى الإنساني كانت العزيزة ناهد أبسط من البساطة وكثيرا ما دعوتها او دعتني هى لتناول الطعام في محلات شعبية كالفول والطعمية والكشري والكبدة والمخ، كما كانت قادرة على الإنصات لمشاكل الأصدقاء واحتواء الجميع، و لها أراء ذكية وأفكار مبتكرة في موضوعاتها الصحفية،
والعجيب أننا لم نعرف اى شىء عن تفاصيل مرضها لأنها كانت تتعفف عن الشكوى رغم أنها الصديقة الطيبة التي يلجأ لها الجميع فى وقت الضيق، وبرحيلها يفقد النقد الفني والمسرحي بوجه خاص قلما مضيئا بالحكمة و المحبة والنقد البناء كما نخسر نحن أصدقاؤها قلبا طاهرا ولسانا عفا وصحبة طيبة وأتمنى أن تجمع مقالاتها في كتاب يوثق لأفكارها و كتاباتها المبدعة.
دعم مسرح الأقاليم
و ذكر الكاتب والناقد طارق عمار أن عز العرب تعد واحدة من أهم النقاد الذين عملوا فى جميع أنحاء الجمهورية، وكان دعمها واضحا بشكل كبير للحركة المسرحية فى أقاليم مصر ولشباب المسرحيين والهواة . وتابع قائلا : « كانت رحمه الله عليها منتهجة نفس نهج الراحلة العظيمة ناهد صليحة في تشجيع المواهب وإظهارها إضافة إلى أنها  كانت من النقاد و المحكمين غير القساة في الحكم على العروض التي تقدم، خاصة أنها من أبناء الثقافة الجماهيرية وتعلم العقبات والمشكلات التي تواجهنا فى تنفيذ العمل المسرحى، والفائدة من تقديم الإنتاج المسرحى فى الثقافة الجماهيرية على أبناء الأقاليم، كانت مدركة لكل هذة الأبعاد، وبناء عليه كان قرارها التحكيمى من القرارات التى تحظى بقبول وشعبية كبيرة من المسرحيين  فى الأقاليم لأنهم يدركون أنها تشعر بأوجاعهم و تهتم فى عملها بإبراز مواطن القوة والمرتكزات التي يبنى عليها عمل مسرحى حقيقى فى الأقاليم يفيد ويثرى القيم المسرحية والجمالية والأخلاقية للحركة المسرحية فى مصر، كذلك  كان دعمها لحركات الهواة،  فكانت تقف بجانبهم وتستمع لمشكلاتهم،  وقد كرست أغلب مقالاتها لهذا الاتجاه بالفعل ورحيلها يعد خسارة فادحة للحركة المسرحية والنقدية.
واستطرد عمار قائلا:  « عام 97 كانت أول من قامت بعمل حوار إذاعي معى أثناء عملها بإذاعة صوت العرب عن تجربتي مع المخرج الكبير السيد فجل فى بسيون بمحافظة الغربية، على شاطئ النيل و كانت تحمل اسم « تمن القمر» وهي تجربة فى مكان مفتوح،  وكانت آنذاك تجربة مختلفة على مسرح الأقاليم، شاهدت العرض وقامت بعمل حلقة مطولة مع كل صناع العمل وكان سينوغراف العرض هو د. مدحت الكاشف عميد المعهد العالي للفنون المسرحية، كذلك قدمت تحقيقا إذاعيا شاملا عن أهمية إيجاد أماكن بديلة للمسرح، ذلك لأننا في تلك الفترة كنا نعانى من غلق معظم المسارح ودور العرض، و نبهت لأهمية توفير الفضاءات البديلة للحركة المسرحية، حتى لا يتوقف الإنتاج المسرحى في الأقاليم.
دفعت بجيلي إلى المسرح الساحر
وتحدث الكاتب متولي حامد عن دور الراحلة ناهد عز العرب في دعم جيله من المسرحيين فقال:  « كنا نظن أن الأيام بعيدة ولن تأتى لكنها جاءت حاضرة تحمل معها أيام مسرح الهواة،  ذلك بعد ان شكلتنا الحروف والكلمات وعجبا أن ينتابك العجز في الكتابة عن الناقدة المبدعة ناهد عز العرب.. أضاف:
كيف تكتب عن هذه الرائعة التي بادرت وكتبت هي عنا ودفعت بجيلي إلى عالم المسرح الساحر بعد أن آمنت بمواهبنا في البدايات من خلال مهرجان هواة المسرح فلم تبخل علينا بخبراتها الطويلة و بابتسامة كانت لا تفارقها. تابع :  عرفت الناقدة الكبيرة من خلال مهرجان المسرح الشعبي وأشادت بي ككاتب مسرحي واعد في مجلة الكواكب بعدها تقابلنا كثيرا وتابعت أعمالي على مسرح الدولة وكانت دائما لا تبخل بالنصح والإرشاد لكل أبناء جيلي حتى زملائي في مسرح الأقاليم لأنها كانت مخلصة وعاشقة للمسرح ودائما ما كان قلمها الجاد يحتضن الجميع، وأذكر هنا واقعة حدثت أثناء مهرجان المسرح الضاحك، فأثناء تقديم عرض مسرحية ( عصري المصري) وهو من تأليفي وهي كانت عضو لجنة التحكيم قال الممثل جملة داخل النص وهي أن لجان التحكيم بزجاجة حاجة ساقعة ممكن يصعدوا عرض،  وبالطبع كان ذلك داخل أحداث المسرحية فغضبت ونهضت من المسرح رافضة ما قاله الممثل، وتم استبعاد العرض من المهرجان.  كانت مبدعة حرة تعطي الجميع من وقتها بحب شديد. وختم حامد بقوله: رحم الله المبدعة الكبيرة ناهد عز العرب  نعم جاءت الأيام سيدتي ولا اصدق أنني اكتب عنك هذه المرة.  عزاؤنا أن سيرتك باقية لدى جميع أبناء جيلي الذي لن ينسى قلمك الجاد الذي دفع بنا نحو المسرح وفنونه
عاشقة المسرح
أوضح الناقد أحمد هاشم أن الناقدة ناهد عز العرب كانت صديقة وزميلة على الرغم من أنها سبقته في ممارسة مهنة النقد  بفترة طويلة، وأن كان اقترابه منها كان فى بداية التسعينيات من القرن الماضي، وأضاف:  «كنت قد كتبت مقالا بإحدى النشرات المصاحبة لأحد المهرجانات فى ذلك الحين، وكنت حديث التخرج، ولم أكن أعرفها معرفة شخصية ولكن أعرفها كاسم لامع، وكانت تكتب فى مجلة لامعة في ذلك الوقت هي مجلة «الإذاعة والتلفزيون» و  كانت عز العرب تختص بالكتابة للمسرح على صفحاتها دون غيرها من النقاد، وظلت بها حتى تقلدت منصب رئيس تحرير ورئيس مجلس إدارة.  كنت حديث العهد بالتخرج، ومثل كل النقاد الشباب يبحث عن الطريق، وبعد كتابة المقال بعدة أيام وأنا فى الهيئة العامة للكتاب أتابع طبع هذه النشرة،
حيث كنت مديرا لتحريرها فوجئت بسيدة مشرقة  ابتسامتها تسبقها و بصحبتها فى ذلك الوقت الناقد الراحل د. حازم شحاتة الذى كنت أعرف اسمه فقط، و قرأت له كثيرا من مقالاته، ولم يكن قد حالفني الحظ بعد للتعرف عليهما، وأخبرتني ساعتها أنها جاءت للتعرف على صاحب المقال الذي أعجبها بالنشرة، وهى الناقدة الكبيرة صاحبة الاسم المرصع بالكتابات المتميزة.
وتابع هاشم:  «كانت عز العرب اسم له وزنه في تلك الحقبة، وفى لقائنا عبرت عن فرحتها بمقالى وأثنت على كتابتي كثيرا وتساءلت عن سبب عدم ظهوري كثيرا،  ولماذا لا أكتب ؟  ومن ذلك الوقت ارتبطت بصداقة معها،  وبعد عام جمعتني الصدفه بها فى رحلة لتحكيم عروض الثقافة الجماهيرية فى إقليم شرق ووسط الدلتا،  فتعرفت أكثر على ناهد عز العرب الإنسانة، التي لم تكن أقل في جمال شخصيتها الإنسانية من جمال كتابتها النقدية وتشجيعها لكل من ترى فيهم  موهبة جديدة فى مجالات المسرح،  وقد لمست ذلك أيضا في علاقتها مع زملائي النقاد الذين يذهبون لتحكيم عروض مسرحية، و يقيمون ندوات تطبيقيه عن العروض التي شاهدوها،  وكنت شديد التحفظ فى الثناء على مخرج أو ممثل أو مؤلف، وهذا كان خطأ منى لقلة خبرتي فى ذلك الوقت،  ثم  فؤجئت بهذه القامة الفنية الكبيرة تشع عينها بالفرح والسعادة حين ترى ممثلا مغمورا من إقليم أو قرية أو نجع موهوب في عمله أو مصمم للديكور أجاد تنفيذ أو تصميم عمله، وغير ذلك من الموهوبين فى مجالات المسرح المختلفة،  وقد تعلمت منها لاحقا أن لا أتحفظ على الإطلاق في الإشادة بأي فنان تبدو منه موهبة فى عمله، سواء كان ممثلا أو مخرجا.
واستطرد هاشم « تعددت جولاتى فى الأقاليم فيما بعد مع هذه الإنسانة الراقية، وكنت أستفيد منها كناقدة سبقتني على الطريق، وأستفيد منها أيضا على المستوى الإنساني وأتعلم منها الكثير.  كانت ناهد عز العرب مخلصة فى حبها للمسرح ربما لأنها لم تحتاج على المستوى المادي أن تذهب للأقاليم وقرى الصعيد أو شرق الدلتا، لم تكن تذهب لما كنا نحن كنقاد صغار نبحث عنه،  وهو ما نتقاضاه من مكافآت نظير مشاركتنا في اللجان، كانت فى ذلك الحين تعمل فى مجلة الإذاعة والتلفزيون وغيرها من المجلات، و كانت تذهب لمشاهدة المسرح من منطلق حبها وعشقها فقط، وكانت متفرغة للكتابة عنه  ولم يكن يصدر عنها إلا الحب للجميع، لذلك أراها الناقدة المبدعة التى رحلت بجسدها ولم ترحل بكتابتها وبعشقها للمسرح.
نظرة ثاقبة
وروى المخرج المسرحى السيد فجل أنه  أثناء تقديمه لتجربة «تمن القمر» فى بسيون بالغربية، بمكان مفتوح حضرت الناقدة ناهد عز العرب معي ومع المجموعة الفائزة على مستوى الجمهورية حفل تكريم لنا تم في القاهرة، وأصرت على عمل تكريم خاص بنا أنا وثلاثة من زملائي من بينهم الكاتب المسرحى طارق عمار، و استضافتنا فى الحسين استضافة كاملة مع الناقد الراحل حازم شحاتة ومجموعة من الزملاء النقاد وتناولنا السحور سويا،  وكان هذا هو أول لقاء طويل لي مع الراحلة، وقد كانت على المستوى الإنساني إنسانة طاهرة القلب، صادقة ومحبة وحنونة وكان تتحلى بالكثير من الصفات الإنسانية. أضاف: بدأت من ذلك الحين معرفتي بها وصداقتي لها وكان  لعز العرب عين جيدة فى قراءة العرض المسرحى وتحليله والكتابة بشكل جيد ومنمق وأدبي عنه، رحمة الله عليها.
إلى متى ؟!
ووصف الناقد المسرحى مجدي الحمزاوى الناقدة ناهد عز العرب بأنها جزء أصيل من تاريخ المسرح المصري، وخاصة مسرح الهواة المتمثل في الثقافة الجماهيرية، وكانت تشتهر بآرائها الصادقة التي لا تعرف المجاملة و لها نظرة في عموم المسرح وماذا يجب أن يكون، وأن المسرح  له غاية و رسالة تنويرية. أضاف:
نشأت ناهد عز العرب وسط مجموعة هامة من النقاد،  الناقدة الراحلة د. نهاد صليحة رحمها الله، وزينب منتصر وسناء فتح الله وغيرهن، فرسخت ناهد عز العرب القول بوجود  ناقدات مسرح في مصر،  خاصة بحضورها فى جميع الأماكن التى تقدم المسرح في مصر، و تم الإستعانه بها فى الثقافة الجماهيرية منذ السبعينيات وكانت تذهب إلى جميع أقاليم مصر بلا استثناء، حتى داهمها المرض في الفترة الأخيرة.
وتابع  الحمزاوي: لا يجب أن نقف عند القول بأن ناهد عز العرب ناقدة صحفية فقط فهي  مبدعة، كانت تكتب القصة والشعر وتغطى كل مجالات الفنون والأدب،  المرات  الأولى التي التقيت بها فيها  لم تكن فى المسرح إنما كانت في  أمسيات أدبية ومهرجانات شعرية، وكان ذلك فى أواخر السبعينيات. لذلك  لا يجب ألا نحصر قيمة ناهد عز العرب في كونها ناقدة مسرحية فقط،  حيث كانت مسرحية مبدعة و صحفية جادة. إستطرد قائلا:  للأسف الشديد نحن نحتفي بالمبدعين بعد موتهم فقط  فقد مكثت ناهد عز العرب في بيتها ثلاثة سنوات مريضة، ولم يسأل أحد عنها، واستبعدت فى العشر سنوات الأخيرة عن أى فعاليات ثقافية .. ونتساءل لماذا ؟! إلى متى سنظل نحتفي بالمبدعين بعد موتهم.  إن رحيل ناهد عز العرب بعيدة عن الحقل الثقافي والفني يعتبر بصقة في وجه هذا الواقع الفني الرديء الذي لا يشعر بوجود قيمة إلا بعد رحيلها.
الإنصاف في عالم آخر
ونعت الكاتبة المسرحية رشا عبد المنعم  الناقدة الراحلة قائلة « مع السلامة يا ناهد .. الناقدة المهمة التي ظلت مخلصة بتفاني لكل ما أحبته حتى لو أضرها.. الإنصاف ينتظرك في عالم آخر.


رنا رأفت