قراءة النص المسرحي.. جدلية العلاقة بين المسرح والثقافة في ثلاثة مسرحيات

قراءة النص المسرحي..  جدلية العلاقة بين المسرح والثقافة في ثلاثة مسرحيات

العدد 658 صدر بتاريخ 6أبريل2020

إن ظهور كتاب ورقي جديد في العصر الرقمي، يتطلب النظر إليه بطريقة جديدة تربطها بسياقات هذه العصر بحيث لا تقتصر على المضمون الفكري الذي يحمله الكتاب، ولعل أبرز السياقات  التي ننظر بها إلى الكتاب طريقة تداوله بين القراء والخطاب الذي يشكل أرضيته الفكرية ويوطد أركانه في سياقنا المسرحي. إن النظر للكتاب من خلال هذه السياقات يجعل القارئ يتعامل مع الكتاب بمثابة حدث معرفي لأنه إضافة نوعية للمجال الذي يمتهنه الكاتب من جهة، ومن جهة أخرى حدث ثقافي لآنه يرتبط بقضايا النشر والتوزيع وقضايا التلقي والاستقبال.
من تلك الوضعية سوف نتناول الكتاب الجديد للدكتور أحمد مجاهد «قراءة النص المسرحي»، الذي يتناول مسرحيات مصرية وهي حكاية من وادي الملح لمحمد مهران السيد، ومسرحية سكان العمارة لجاذبية صدقي، ومسرحية إيزيس لنوال السعداوي، ويستخدم – مجاهد – في هذا الكتاب مناهج وأدوات نقدية مختلفة في دراسته لكل مسرحية، والتي تربط بين النص والمجتمع بعلاقات مختلفة تجعلها قراءات الكتاب للمسرحيات المختلفة تتخذ موقع بيني بين الداخل والخارج ولا يطغى طرف على آخر.
في البداية، يمكن القول إن الكتاب نشأ عن طريق تفاعل عوامل موضوعية وعوامل ذاتية، والنسبة للعوامل الموضوعية ينتمي الدكتور أحمد مجاهد إلى زمرة الحداثة النقدية بصفة عامة وخاصة النقد المسرحي، وهو من الجيل الذي تتلمذ على يد الآباء الحداثيين مثل الدكتور عز الدين اسماعيل والدكتور صلاح فضل الذين ساهموا بارساء دعائم الحداثة النقدية في الشعر والرواية، ثم يأتي جيل الدكتور مجاهد وحازم شحاتة وسامية حبيب وقاموا بتطبيق المناهج النقدية الجديدة على المسرح، سواء على النص أو العرض المسرحي.
ويمكن أن نحدد العوامل الذاتية التي تحدد موقع كتاب «قراءة النص المسرحي» للدكتور أحمد مجاهد إلى سببين:
1 - دراسة الفترات المهمة في تاريخ الإبداع العربي وهي فترتي الخمسينيات والستينيات، لذلك درس شعر أمل دنقل وأحمد عبد المعطي حجازي، كما درس في رسالته للدكتور مسرح صلاح عبد الصبور
2 - تنوعه إنتاجه النقدي من الشعر إلى المسرح ويرجع ذلك لمعرفته الجيدة بالنقد الحديث يدرك التمايز بين الأنواع والأجناس الإبداعية وطبيعته.
ولا يشذ كتاب «قراءة النص المسرحي» عن هذا التوجه، فهو يقوم بدراسة لنصوص ثلاثة كتاب مسرح مصريين ينتمون إلى الأفق الخمسيني والستيني، كما يطبق عدة منهجية مستمدة من أقطاب منظري التناص والنسوية وهي تبدو عصية في تطبيقها على الكثير من الباحثين نظرًا لأن معظمها مناهج بدأت من الشعر والرواية في حين أن المسرح له طبيعة خاصة مغايرة لهما. هذا ما يستدعي فحص مفهوم القراءة النقدية التي تظهر من خلال الكتاب
1 - مفهوم قراءة النص المسرحي:
إذا نظرنا إلى واقعنا المسرحي ارتبط مفهوم القراءة في النقد المسرحي، بفكرة التقاط مضمون الرسالة في النص. وكان هذا التصور راسخًا في ذهن أغلب النقاد، مما جعل مفهومي النص والمعنى الثابت كانا دالين دائما على مضمون ثابت في مواجهة قراء متعاقبين عليهم دائما أن يصلوا إليه باعتباره الحقيقة في كل الظروف والأحوال. لقد كانت القراءة في الماضي ينظر إليها من زاوية التبعية والخضوع لسلطة النص ومن قبله تجربة المؤلف وسلطتها هذا ما جعل هدف أي قراءة نقدية ترتكز على أسبقية المضمون على التجربة الإبداعية.
 لذا، هدف هذا الكتاب إلى إعادة النظر في علاقتنا بالنصوص الإبداعية وخاصة تلك الفكرة التي تتعامل مع النص الإبداعي باعتباره حاضنًا لمضمون محدد وثابت عبر العصور. وساعد هذا المنحى الدكتور مجاهد على أن يتعامل مع النص المسرحي وخلق ابعاد له تتجاوز مظهره التعبيري، للايحاء بدلالات أخرى نحس بوجودها على وجه الاحتمال (مثل التناص مسرحيات محمد مهران السيد بمسرحيات صلاح عبد الصبور) لا على وجه التصريح  في المسرحيات أي أن قراءته للمسرحيات انطلقت بالتمييز بين الطبيعة الإخبارية والتخييلية لها، فانحاز مجاهد إلى الثانية ولعب السياق الخارجي دورًا في عملية تفكيك النصوص، هذا ما جعل قراءة المسرحيات تتراوح كبندول الساعة ما بين الداخل/ الفني والخارج /الاجتماعي.
وإذا نظرنا إلى المنهجية النقدية التي اتبعها الدكتور أحمد مجاهد في قراءته نجد أنها تراوحت بين التناص  حسب مفاهيم جيرار جينيت وجوليا كريستيفا ولكن يظل التناص ينسحب على فصول الكتاب جميعا حتى في استخدامه في قراءة مسرحيتي «سكان العمارة» و»إيزيس» والتعرض للفرق بين النسائية والنسوية. هذا المنحى جعله يفتح المسرحيات على العالم وخاصة سياق انتاجها واستفاد من هذه الزاوية من منهحية كريستيفا التي تعمل على وضع النص في إطار السياق الاجتماعي العام بوصف السياق مكون كمجموعة من النصوص تتقاطع في النص المدروس ذاته.
2-طبيعة القراءة النقدية
ا- مستويات التناص في مسرحية حكاية من وادي الملح لمحمد مهران السيد
يبدأ مجاهد الفصل بقوله أن عندما يشرع كاتب في التناص مع التراث، فإنه يسعى لتوظيفه للتعبير عن قضية معاصرة تشغله، وحركة مكوكية بين الماضي والحاضر والمستقبل فيها من الحذف والإضافة والتطوير، ويتطلب ذلك كله عقلاً جدلياً .. ويتفق مع مفهوم جيرار جينيت حول مفهوم التعالي النصي الذي يتمثل في معرفة كل ما يجعل النص في علاقة خفية أم جلية مع غيره من النصوص.
ويحدد السياقات التي من خلالها يدرس التناص، ويقسمه إلى ثلاث مستويات، الأول: مع الحكاية التراثية: ماذا اضاف وحذف منها الكاتب، الثاني: التناص مع موضوع  شكاوي الفلاح الفصيح ذاته، اما الثالث: التناص مع مسرحيات صلاح عبد الصبور، خاصة حينما حول الفلاح إلى زعيم ثوري من أجل تحقيق الحرية والعدالة
ويبدأ الدكتور مجاهد تحليله في تحليل تقنية الراوي في المسرحية، وركز على ثلاثة أشياء؛ الأول منها: أن مجمل الحكاية هنا لا يختلف عن أصلها التراثي، وإن اختلف فيما بعد من أجل حرص الكاتب على توصيل رسالته المعاصرة. الثاني: أن الراوي الذي ظهر هنا بوظيفته فقط، قد أقر بأنه كان راوّيا، وبوصفه شخصية درامية تشارك في الأحداث، وتحمل اسمًا خاصًا وهو نفرو. والثالث: أن وصف الحقبة الفرعونية بأنها فترة حضارة وتمدن، وصف ينطبق عليها في جملتها، لكنه لا ينطبق تمامًا على الوقت الذي وقعت فيه حادثة الفلاح الفصيح.
ويرصد الدكتور مجاهد ستة تناصات مع مسرح صلاح عبد الصبور منها خمسة مع مسرحية مأساة الحلاج أما السادس مع مسرحية مسافر ليل
الأول: يرد سلبيات المجتمع الفاسد إلى الفقر، ورد الفقر ذاته إلى الظلم.
الثاني: في تحويل الفلاح من صاحب حق يتهم الحاكم بظلمه، إلى شخص كافر ملحد يجب تطبيق عليه الحد
الثالث: والتي تتعلق تحديدًا بالإجراءات الشكلية للعدل، التي ترسخ في جوهرها مضمون الظلم.وعقد الصلة بين فرانسي وتحوتي مع علاقة عامل التذاكر والمسافر في مسرحية مسافر ليل
الرابع: ويتمثل في الحديث عن الرشوة التي ابتكارها مهران السيد اسقاط على الواقع المعاصر وغير موجودة في الأصل التراثي. مثل ما حدث مع الحلاج حين تم رشوة جماعة الفقراء ليشهدوا عليه زورًا أنه كافر.
الخامس: ويتمثل في مشهد المحاكمة وهو غير موجود في النص التراثي أساسًا.
السادس: لوحة صلب الفلاح في ختام المشهد، ليعطي دلالة معاصرة لمسرحيته والذي يتمثل في تنبيه المتلقي المعاصر لظلم السلطة ودعوته للثورة عليها.
ثم يختم مجاهد هذا الفصل برصد أهمية التناص في مسرحية حكاية من وادي الملح ويجملها:
1 - معرفة نهاية قصة الفلاح في المسرحية المعاصرة
2 - تعمد التأكيد على أن ما تذكره كتب التاريخ عن وقائع القصة كذب وتشويه للحقيقة، محاولاً لإقناع المتلقي بأن هناك تفسيرًا جديدًا للتاريخ
3 - الرسالة التنويرية للمسرحية المعاصرة
ب- الخطاب النسائي في مسرحية «سكان العمارة» لجاذبية صدقي
دائما ما يبدأ أي فصل بسؤال وينشغل بسؤال الكيفية أكثر من سؤال الماهية وتحديد موقعيته منه يبدأ الدكتور مجاهد فصله المعنون بالخطاب النسائي في مسرحية سكان العمارة لجاذبية صدقي، في تحديد موقعيتها من الكتابة المسرحية وهل هي تنتمي للنسوية أو النسائي. ويبدأ في عرض تاريخي للنسوية الحديثة وفض اللغط حول مصطلحي النسائية والنسوي، واستعراض الآراء المختلفة حول بدايات التيار النسوي. وبعد أن يقوم بتحديد المصطلحات يصنف مسرحية جاذبية صدقي بأنها تنتمي للمسرح النسائي وأول نص مسرحي يقدم على خشبة المسرح ثم يبدأ بإطار تحليلي يجيب فيه عن سؤاله لماذا ينتمي النص المسرحي إلى الخطاب النسائي ويفحص ذلك عن طريق مستويين هما مستوى الموضوع ومستوى الشكل.
وبدأ التحليل بقوله ان الصراع في المسرحية ليس بين رجلاً وامرأة، بل كان صراعًا طبقيًا في المقام الأول بغض النظر عن النوع، مما يتفق مع بشكل عام مع النزعة النسوية الاشتراكية الحديثة التي تضع علاقات التمييز الجنسي في نطاق العلاقات الرأسمالية. ويقسم المسرحية إلى ثلاث طبقات الأولى الطبقة الارستقراطية، اما الطبقة الثانية تمثل طبقة البروليتاريا، أما الطبقة الثالثة تمثل الطبقة الوسطى البرجوازية.
ويبدأ التحليل على مستوى الموضوع متناولاً فيه (حقوق الزواج، حقوق الطلاق، العمل، التعليم، التربية).
أما بالنسبة للشكل يستعرض كيف يشتغل بطريقة التحليل ويتطرق إلى قضية اساسية في النقد وهي علاقة الشكل بالمضمون ويحدد موقعه متأثر بالشكلانية الروسية وهي عدم فصل الشكل عن المضمون.
وقسم دراسته للمسرحية إلى عدة مستويات منها أولاً: حقوق المنصة: (والمقصود به تحديد الفضاء الدرامي الذي تدور فيه الأحداث) فالفصل الأول يدور فوق السطوح في حجرة الخدم والمعلومات اللازمة التي تحمل بذور الصراع الدرامي.. أما الفصل الثاني فيدور في منزل بكير بك وفيه مساحة للخدم أيضًا. أما في الفصل الثالث في مطبخ عائلة دلال وأمام غرفة خدامتها بطه ويؤكد الدكتور مجاهد كيف كان الفضاء الدرامي أيقونة للفضاء الاجتماعي. أما الفصل الرابع كان يدور في الصالون الصغير الذي يسمح فيه بجلوس الخدم.
ثانيًا: يقوم بتحليل الحوار ويرصد استراتيجيات التواصل في الحوار المسرحي طبقا لطبيعة المرأة وهي الحوار (همهمات التواصل، إشارات التمثيل (الإيماءة)، استراتيجية السؤال، الترابط الحواري، استخدام الطلب بدل الأمر، التهذيب اللفظي، النميمة). ثم تتعدد المستويات بعد ذلك من قافية التقريع الساخر، اسماء التدليل، الغناء، الأمثال الشعبية، فلتات السان. ويقوم بذلك بالتدليل على هذه المستويات في المسرحيات.
ج- الخطاب النسوي في مسرحية ايزيس «نوال السعداوي»
النسوية تعتمد على الوعي والمنظور أكثر من اعتمادها على الجنس أو النوع وبالتالي فيمكن أن تكتب نساء وهي متشبعة بالرؤية الذكورية ويكتب رجال ويحرروا المرأة .. وتعيد نوال السعداوي كتابة مسرحية ايزيس وترى أن الحكيم المتشبع بالرؤية الذكورية ولا يعطي إيزيس حقها على الرغم في أن الأدبيات التاريخية لا يظهر أوزيريس إلإ في النهايات ويتناول مجاهد كيف تنقض نوال السعداوي الرؤية الذكورية وهدم السلطة البطريركية (التمييز ضد إيزيس الإلهة، النزعة الماركسية، المشاركة السياسية للمرأة)، الختان – الإخصاء – الاغتصاب – مفهوم الشرف – إعلاء القيمة على الفعل.
يوضح الدكتور مجاهد إنتاج صورة المرأة في المجتمع ويستعرض الآراء المختلفة ورفض نوال السعداوي للنموذج النسوي الغربي الذي ينبع من عداء للاسلام والذي يرى الدين السبب الرئيسي للمركز المتدني للمرأة.. ويمثل المقطع السابق كيف أن نوال السعداوي أدخلت تحويرات على الأسطورة لتصبح معاصرة ويتخذ منها سبيلاً لمهاجمة السلطة البطريركية العربية التي لا تجد للمرأة لها مكانًا بنسقها في السماء أو الأرض على حد تعبيرها
ويرصد الدكتور أحمد مجاهد كيف دخل الخطاب الفكري للكاتبة نوال السعداوي في كتابة المسرحية، وقدرتها على التناول الجديد حيث نقلت الصراع من ساحة البشر إلى ساحة الآلهة ثم يحلل الدكتور مجاهد خطاب كل شخصية وكيف أن خطاب أيزيس كان مقاومًا وأكثر اتساقا مع العقل الإنساني وهي أن الآلهة لا تموت على عكس خطاب ماعت المتخاذل التي ترى أنها أصبحت امرأة مهمشة مهضومة حقها.. ومن هنا تم نقل البنية البطريركية من البشر إلى الآلهة أي تقوم بقلب نظام العلامات المتداول بدلاً من أن يستعين الإنسان بالآلهة لمقاومة فإنها تقرر عدم الاستسلام للقهر بدلاً من مقاومة الظلم. الحوار بين ماعت وايزيس التي تشكك في أن المرأة في ظل الأنظمة البطريركية تستطيع أن تصل إلى مرتبة الإنسان في الأساس.
 وبعدأن استعرضنا المسرحيات التي اختارها مجاهد لكتابه، نجد ان المنهجية التي يستند عليها تغير من مسلمات القارئ ونظرتها للنصوص المسرحية وينسحب ذلك على طرق تفكيره في الحياة.
3 - القراءة وقضايا الإنتاج الاستقبال:
لقد وعى الدكتور مجاهد نقطة في غاية الأهمية هي أن نوعية قارئه في هذا الكتاب مختلفة عن القراء في الأنماط الإبداعية الأخرى خاصة الشعر، فالقارئ في المسرح غالبًا ما يكون مترددًا على المسارح فهو في عملية تلقي جماعية على عكس التلقي الفردي في الشعر في ظل هذه العملية المعقدة كان خطابه يؤكد على أنه توجه  ينفي حضور القارئ
1 - حضور القارئ في النص: لم تكن القراءة مغلقة بل مفتوحة تستدعي القارئ في أن يفتح تناصاته معها، يتلقى تحليلاته ثم يعيد بنائه ليكتشف نصه الخاص، لأن القراءة النقدية نقوم على مبدأ الكيفية أي بمعنى كيف تركب النص
2 - دلالة المعرفة المواكبة للنص المسرحي، الكشف عن الهموم التعبيرية في النصوص المسرحية المدروسة مثل وضعية السلطة وآليات إخضاعها، المرأة ومشكلاتها من الناحية الفكرية، ومن الناحية الفنية القدرة على كشف آليات التشكيل الفني المسرحي وبراعة في الكشف عن الحوار والشخصيات وبنائها الدرامي وطرح قضايا نقدية أهمها كيفية تطبيق المناهج الجديدة على قراءة النصوص المسرحية وهي إشكالية يعاني منها دارس النقد المسرحي.
3 - الاقتصاد تشكيل الفضاء
العناية بفضاء النص المسرحي باعتباره الجزء الأبرز في عملية الإبداع، خاصة أن الفضاء الدرامي يلعب دور حاسم في تشكيل العلاقة بين النص والقارئ ويحدد التفاعل مع النصوص من بدايتها إلى نهايتها، ليضع مسافة بينه وبين النقد التقليدي الذي يرى النقد بمثابة حكي للحدوتة، ويرسخ لمفهوم الإنتاجية لا المنتج.
وضعية الكتاب في عصر الثقافة السمعية والبصرية على الرغم من ان الكتاب كبير نسبيًا يبلغ حوالي 250 ورقة إلا أنه لجأ إلى آليتين هما
1 - الإغراء والتشويق
يجذب عنوان الكتاب القارئ المتخصص لأنه يفتحه على دوائر وعناوين لها سلطة في ذاكرته ويفتح علاقات تناصية مثل كتاب قراءة المسرح لآن أوبر سفيلد الذي تتناول فيه تشكيل الخطاب الدرامي وكتب مثل المذاهب المسرحية المعاصرة لدريني خشبه الذي يتناول وضعية النصوص المسرحية منظور التيارات الدرامية لكن الدكتور مجاهد يقلب علامات هذا الكتاب ويتناول النصوص المسرحية من زاوية المناهج النقدية الحديثة.
كما أن هناك صيغ لغوية أو جمل مفتاحية في بداية كل فصل قد يظن القارئ للوهلة الأولى أنها نتيجة لكنها تؤدي وظيفة جذب المتلقي العادي، بل هي جملة مفتاحية تثير فضول القارئ وتجعله يسبح في غمار تحليلات النصوص مثل الكاتب يسعى لتوظيفه – التناص- للتعبير قضية معاصرة تشغله. أو تحمل معنى الجديد وأن هذا النص يعتبر ثاني مسرحية لكاتبة نسوية على المسرح المصري، أو الإغراء الذي يستفز القارئ ويخلخل معرفته عن طريق السؤال مثل هل كل أدب تكتبه النساء بالضرورة نسوي.
2 -  اجتذاب القارئ إلى سياقه
عن طريق التحليل المكثف الذي يشجع الغوص في غمار النص، وهو أن لغة الكتاب تلجأ إلى حبكة ادائية تنتهج أسلوب علمي في طريقة وصوله إلى استدلالته وتتأرجح القراءة كبندول الساعة بين السياق الخارجي والسياق الداخلي في رحلة شيقة للقارئ لا يشعر من خلالها بالتشتت وفقدان الطريق حتى يصل في نهاية الفصل ليؤكد الجملة المفتاحية التي بدأ بها الفصل .
لم يقع الدكتور مجاهد في نفس الخطأ الذي وقع فيه العديد من النقاد في سياقنا المسرحي الذي أدى إلى وقوعهم في فخ النظرة الأحادية، ولم يعمل على تعويض مكانة ودور النص والمؤلف التي اعتمدت عليها المناهج التقليدية بمكانة ودور القارئ والقراءة التي تعتمد عليها المناهج الحداثية، هذه –النظرة الأحادية -  أغفلت أن الإبداع هو سيرورة إنتاجية تفاعلية أو على الأصح تجربة دينامية تساهم فيها أطراف متعددة. لا يهيمن فيها طرف على آخر ولكن تتم عملية القراءة عن طريق التفاعل بين كافة الأطراف المؤلف والنص والقارئ.
ويمكن القول من خلال مجاهد أن القراءة تتجه نحو تنمية خيال المتلقي عبر دفعه  لدينامية التفكير والنظرة الجدلية. لذلك نجح مجاهد في تطبيقه للأدوات المنهجية المختلفة أن  يتحرر من النظريات الجاهزة لتقويم الأعمال المسرحية لتتحقق كلمته في مقدمة الكتاب أن القراءة النقدية الحقة هي القادرة على إعادة احياء الحياة الغنية بالعطاء للنصوص.


محمد سمير الخطيب