صاحب الجائزة الثالثة في مسابقة الهيئة العربية عبد النبي عبادي: نصي ينتصر للإنسانية ويحارب التعصب

صاحب الجائزة الثالثة في مسابقة الهيئة العربية عبد النبي عبادي:  نصي ينتصر للإنسانية ويحارب التعصب

العدد 654 صدر بتاريخ 9مارس2020

عبد النبي عبادي شاعر وكاتب مسرحي تخرج في كلية التربية ويعمل مدرسا للغة الإنجليزية، وعضو بنادي الأدب بمحافظة قنا، نشر له عدد من الدواوين» على بُعد فاطمة أو أقل» ،»ولا هي تشتهيك ولا هم يعرفونك» والذي حصل على المركز الأول جائزة المسابقة المركزية لقصور الثقافة 2014، «الشعر والعولمة» دراسة نقدية، كما حصل على جائزة مسابقة المجلس الأعلى للثقافة دورة بهاء طاهر 2015  المركز الثاني عن ديوان» من حُزن الحظ»، وجائزة الفجيرة لمسرح المونودراما المركز الثالث عن مسرحية «مليكه» ، ووصلت نصوصه المسرحية للأطفال والكبار للقائمة الطويلة ضمن مسابقة الهيئة العربية للمسرح 2018 ، ليحصل على جائزة المركز الثالث عن نص «سيدة اليوتوبيا» .. التقينا به للحديث عن الجائزة ومشواره الأدبي.
- في البداية كلمنا عن أهمية الجائزة الخاصة بالنسبة لك؟
أي جائزة  تخرج  تمنحها الهيئة العربية للمسرح ، الجهة الأكثر ذيوعا في الوطن العربي، من حيث تنظيم المهرجانات والفعاليات يشكل أهمية فارقة للكاتب،لأنها تضمن للفائزين طباعة أعمالهم لاحقا، كما تروج لهم بشكل يتيح لهم فرصة التواصل مع المخرجين لاحقا وإنتاج هذه النصوص، و الجائزة أعتبرها تتويجا للنصوص المسرحية المعدودة التي كتبتها.
-حدثنا عن النص الفائز «سيدة اليوتوبيا»؟
النص يرتكز على فكرة اللاجئين والأسباب التي تؤدي بهم الى أن يتركوا أوطانهم ويرحلوا تجاه المجهول في مواجهة الفوضى والموت، والخط الدرامي الرئيسي يرصد صراعا من مستويين، الأول: العنف الذي يسم بعض الفكر الديني في الوطن العربي والتشدد الغير مبرر ، وفي نفس الوقت يحاول النص أن يذكرنا بأن التعصب الديني ليس حكرا على العرب أو المسلمين فيرصد التعصب الديني من الأوربيين الرافضين لأي فكرة مخالفة لهم، أما الثاني: فهو صراع بعض الجماعات الدينية مع الشباب في الوطن العربي: هل يعتبرونهم وقود الثورة، خلقوا الفوضى وأضاعوا الأوطان،أم يعتبرونهم الأمل في الغد وأصحاب الصرخة المدوية التي تبحث عن نهار جديد.. في حقيقة الأمر كثير من الأصوليين يعتبرون أن الثورة هي سبب الفوضى لأنهم يروا بشكل تقليدي.. ليس هناك قدرة على الفصل بين الدين كمفهوم ثابت وبين التدين كمفهوم متغير،والنص يحاور كل هذه الأفكار وينتصر للإنسانية بغض النظر عن العرق والجنس واللون والدين، فالأصل في الإنسان هو إنسانيته وليست هويته.
- القضية شائكة وتحمل جوانب إنسانية كثيرة ،فهل شاهدت أفلام وثائقية عبرت عن ذلك  قبل كتابة النص؟
لن أنسى مشهد الطفل السوري الذي عثر عليه غريقا في أحد السواحل أثناء محاولة أسرته الهرب، حالة اللجوء متجسدة في تاريخنا كعرب،  فجزء من القضية الفلسطينية أزمة لجوء، وجزء من إرث القارة الإفريقية أيضا أزمة لجوء لدول أخرى، لم أكن في حاجة للمتابعة بقدر حاجتي لاستحضار معاناتهم بشكل نفسي وروحي واستحضار عذابات اللاجئ وحيرته بين وطن ضائع ومأوى يبحث عنه، وهذا لم يكن صعبا لكوني شاعرا في الأساس، وللأسف لدينا إشكالية كعرب وعند اللاجئين تحديدا – وتلك التي ارتكزت عليها في تحديد نفسية اللاجئ- وهي أن اللاجئ يدور في صراع بين هوية يتركها وبين هوية أخرى ذاهب إليها يرفضها من الأساس، وقد ظل الحوار يتصاعد بشكل فلسفي أحيانا وتقريري أحيانا أخرى، حتى يصل لذروة درامية تضع العقل في مواجهة القلب و الدين في مواجهة الفلسفة.
- وما الدلالة اختيارك لسيدة اليوتوبيا اسما للنص؟
يتحكم في الصراع سيدة أوربية ليست بعربية أو مسلمة، تواجه أحد المتطرفين العرب الذي يرفض أن تقدم العلاج لزوجته داخل المخيم بحجة أنها كافرة، وبرغم اختلافها فالحس الإنساني جعلها ترفض وتواجه السباب والتعدي، حتى تصل مع بعض صديقاتها لأن تقتحم المخيم وتقدم الدواء للسيدات المغلوب على أمرهن، إلى أن ينتهي الأمر باحتراق المخيم بالكامل بسبب تعصب الأوربيين الذين قرروا حرقه تخلصاً من اللاجئين، فتصعد «مارشيا» خشبة المسرح وكل شئ يحترق حولها وهي تحمل طفلا رضيعا - ابن ذاك المتعصب الذي رفضها في البداية- وتخاطب الجمهور وتقول «مدوا أيديكم «وينتهي النص، وهنا التساؤل هل الخطاب موجه للجمهور أم للعالم والإنسان. هي رمز يبحث عن كون يحتمل كل البشر بغض النظر عن عرقيته، من الناحية الأدبية إن أردنا تأويل العنوان فكلمة سيدة لها ظلال كثيرة النماء والخصوبة والاحتواء والوجود، واليوتوبيا تعني كل شئ مقبول لدى الإنسان ويرقي ويسعد إنسانيته.
- كيف ترى فكرة تحديد قالب للمسابقة ؟
هذه نقطة خلافية ومثيرة للجدل،  وأنا لست ضد وضع التيمة، ولكن صياغة التيمة أو الفكرة الرئيسية هي التي تحدد مدى انغلاقها أو رحابتها. ، ففكرة التيمة في المطلق قد تكون سيئة ولكن لو أنها متصلة بواقع الدول العربية المعيش حاليا أعتقد ستسهم في أن نجعل منها مُعين فيما بعد، وربما تخلق نصوصا تناقش الواقع بعيدا عن الشكل الفج الذي عاهدناه الفترة الماضية،  بحجة أن الفن يعكس الواقع .
فكرة الواقع المستخدمة تجارية حق يراد بها باطل، دور المبدع ليس عرض الواقع بل تفكيكه وعرضه وفق رؤية  خاصة ،وأن يرى الجمال في القبح الموجود في الشارع ويجليه، علينا الإخلاص لقضيانا وهويتنا لأن بعض المثقفين ينظرون لهويتنا بتعصب وانغلاق،  فنجيب محفوظ لم يصل للعالمية إلا بالإغراق في المحلية.
- كيف ترى  استحواذ النصوص المصرية على ثلاثة جوائز للكبار وأخرى للطفل، في مسابقة الهيئة العربية ، خاصة مع القول بوجود أزمة تأليف؟
هناك ثلاثة نقاط أساسية إذا أدعينا أنها أزمة في النص المكتوب، إن كل المسابقات خلال الأعوام السابقة معظم نصوص القوائم الطويلة والقصيرة والفائزة كانت مصرية، وثانيا أن معظم العروض في مسارحنا لنفس المخرجين والمؤلفين،  الأزمة في  تبني مسرحنا لأشخاص بعينهم تحت شعار»اللي نعرفه أحسن من اللي مانعرفوش» أو لأنهم لا يريدون إرهاق أنفسهم في البحث عن جديد،  لماذا لا يكون هناك كتاب يضم النصوص الحاصلة على الجوائز ويوضع في المؤسسات المختصة بالإنتاج المسرحي، أما فكرة أنها قد لا تكون ملائمة للعرض على خشبة المسرح فليس على المؤلف أن يكتب نصا ملائما للعرض تماما، هنا يأتي دور المخرج و الدراماتورج، والمؤلف نفسه في مرحلة معينة إن اقترحت عليه بعض التعديلات سيفعلها.
- لنتحدث عن بداياتك مع الكتابة المسرحية؟
أنا شاعر في الأساس وعلاقتي بالمسرح حديثة، كتبت عام 2018 أول نص مسرحي  بعنوان «مليكة» وهو مونودراما شعرية وحصل على المركز الثالث لجائزة الفجيرة الدولية للمونودراما، مما جعلني أتأمل موقفي من الكتابة المسرحية ومحاولة استثمار هذا الفوز بنص أخر وكتبت في نفس العام «أيام خراسان» ووصل للقائمة الطويلة العام الماضي بصحبة نص الأطفال «جحا وحمار الفيسبوك»،مما أعطاني ثقة أكبر واعتبرتها إشارة تشجع على  الاستمرار في الكتابة، فكتبت «سيدة اليوتوبيا».
قصدت هذا التنوع في كتاباتك بين النص النثري والشعري والطفل ؟
في المونودراما اعتبرت أني أكتب قصيدة طويلة لكن مع الانتباه لحرفية الكتابة المسرحية، فلن استسلم للغة الشعرية وأنسى اللغة الإشارية والديكور والإيماءات وغيرها،  هذا من خلال الخلفية النظرية التي لدي عن المسرح والتي جعلت مني كاتبا لقصيدة طويلة لكنها مؤداه على خشبة المسرح، نص شعري تفعيله، ثم نص شعري عمودي،ثم حاولت اختبار نفسي بشكل مختلف فكتبت نص مسرحي نثري لأختبر هل الشعر فعلا يُكسب النصوص تميزها أم هناك شئ مختلف، فالمراوحة بين ثلاثة نصوص بموازين مختلفة ومستويات لغوية وتقنيات مختلفة تجعل الكاتب يتقدم ويرتقي في سلم الإبداع سريعا، بينما الإصرار على القوالب الثابتة والأنماط المحددة لفترات طويلة وإلى حد كبير تعطل طاقات المبدع.
بما أنك شاعر في الأساس أين تكمن الأزمة في ندرة المسرح الشعري؟
الشعر المكتوب في تراجع وعوامل الحداثة التي دخلت وانتشار قصيدة النثر واستسهال كتابة الشعر جعل من العثور على نص جيد ومخرج يفهم النص وممثل لديه القدرة على اللفظ بشكل صحيح أمر صعب ومعقد.
- لدينا اهتمام بنقد العرض المسرحي و لا نهتم بنقد النص المسرحي.. فكيف ترى ذلك؟
أهتم بالنص، وكتبت منذ فترة مقال عن نص مسرحي للكاتب كرم نبيه،والنص فائز بجائزة ألفريد فرج،لا أقول أن النص راقني كليا، ولكن وجدت به مساحة لأعبر عن رأيي، فالنقد إبداع أصيل وكلما كان الناقد يكتب بروح المبدع كلما كان أكثر رحابه وإخلاصا للجمال والتصاقا بالنص، لكن أحيانا النقد يقع في فخ النظريات والقوالب الأكاديمية الجاهزة ونضع النصوص في هذه القوالب ونخرج بنتائج غالبا تكون مبتورة أو فيها نوع من التجني، الأساس في النقد هو البحث عن الجمال. حاليا نكتب نقداً كنوع من الإرهاب النفسي للكُتاب الشباب، أو لمحاولة التنظير لجيل معين حتى ندعمه برؤى نقدية ونتغافل عن جيل أخر بحجة أنه لم يضع تجربته تحت الميكروسكوب أو لم تقدم بالشكل الكافي، كل هذه الدعاوى مردها الأساسي هو الكسل ، لدينا نقاد مازال يكتبون عن إبداع الستينيات والسبعينيات وحتى الأربعينيات لست ضد هذا ولكن الناقد الذي لا يطور أدواته ولا يجاري ما هو مكتوب ولا يحتك بالنص الإبداعي المعاصر ، ناقد غير مخلص.
- تتقن الإنجليزية وبالتأكيد قرأت الأدب الإنجليزي فكيف أفادك الأمر في كتاباتك؟
هناك إشكالية في ثقافتنا كعرب وشرقيين، وهي أن الروحانيات لدينا أعلى ،وحضارتنا تُعلي من قيمة الروح ، لكن قدرتنا ككتاب على التعبير عن هذه الروحانيات أقل من الغرب رغم أن ثقافتهم مادية، لكن قدرتهم على رصد التجارب الاجتماعية والنفسية والعاطفية بديعة، ويتعاملون بحسابات موضوعية ،في المقابل نحن نعاني ازدواجية بين الروح والجسد،المادي والمعنوي ،المقدس والمبتذل، والديني وغير الديني، هذه التناقضات تخلق خفوتا إبداعيا أحيانا، قراءة النص الإنجليزي أو النص المخالف لثقافتنا في العموم تجعل لدى الكاتب إحساس بموقعه في الكون بينما قراءة نصوص بنفس السياق الاجتماعي والثقافي قد تعزلك عن الآخر وعن القضايا الإنسانية والكونية، فنصوص شكسبير باقية حتى الآن لأنها ناقشت قضايا جوهرية إنسانية وكل ما هو إنساني بالضرورة عالمي وباقٍ،حين أكتب عن الفقير في جنوب مصر بشكل شفاف وحقيقي،سيشعر بالنص الفقير في أمريكا أو فرنسا، المبدع في مصر يكتب وعينه على المترجم، يحاول مغازلة الغرب وهذا ليس محمودا.
- كلمنا عن نص مليكة ؟
الصراع الرئيسي فيه يدور حول امرأة لا تنجب، و هل الأزمة تخص هذه المرأة وحدها أم أن زوجها مسئول بشكل أو بآخر، وهل يشكل الأمر نقصا أو عائقا لها؟ .. تتصاعد الأحداث بشكل شاعري يجعل «مليكة» تتساءل عن قيمتها وهل ينفي عدم إنجابها أنوثتها وإنسانيتها وكونها زوجة ويقلل من دورها في الأسرة والمجتمع، يقوم الصراع بين مليكة التي تُعيّر بعدم إنجابها من حين لأخر، وبين الزوج الذي تحكمه عادات المجتمع وتقاليد الأسرة ، حتى تصل في النهاية للحظة التي تحمل فيها طفلها فتنفصل عن زوجها، حيث رأت أنها كانت الربة التي تمنح وبالتالي تستطع أن تمنع وأنتصر النص لمليكه الإنسانة.
- وماذا عن جحا وحمار الفيسبوك؟
نص كتب للأطفال ويعالج فكرة انتشار صفحات التواصل الاجتماعي مجهولة الهوية ، وهل الشباب والأطفال قادرين على التعامل مع هذه الصفحات أم أنها تشكل فراغات ومساحات مجهولة قد تعصف بهم وبمستقبلهم.. النص يستند إلى الحكاية التراثية ويحاول استثمار بعض مفارقات جحا المعروفة في وضع نص معاصر،جحا يفقد حماره ويبحث عنه من خلال الفيسبوك ويساعده في ذلك الشباب بكتابة الرسائل وعمل الهاشتاجات، فيبدو أن هناك إسقاط قاس على المعاصر و محاورة بين ما هو تراثي وما هو معاصر للوصول إلى إجابة عن :هل التقنية هي نقيض للتراث وهل التكنولوجيا شر لابد منه أم خير يجاوره بعض الشر أحيانا؟ النص محاولة للتخلص من فكرة كتابة النص الذي يداعب عواطف الأطفال، فأحيانا نكتبه بوعي أصغر من وعيهم سواء في الإعلام أو السينما أو التليفزيون، الطفل في الفيلم الإنجليزي بطل لكن لدينا  الطفل مهمش، وهناك نوع من التقزيم الغير مبرر، وهذا يكشف مدى صعوبة الكتابة للطفل في كل الأشكال الأدبية، فأنت تكتب لطفل ليس هناك معايير ومقاييس ثابتة لوعيه، وقد أصبحوا يقرأون وقفزوا إلى مناطق أعلى من وعي بعض الكتاب حتى أنهم يكتبوا ريفيوهات ومقالات، جيل بهذا الشكل علينا النظر إليه كبطل ورهان للمستقبل.
ما العقبات التي تواجهك و أبناء جيلك؟
الأساس في الإبداع هو السمو والإنعتاق ،وحديثنا عن المعوقات ليس نوع من الشكوى بل محاولة إضاءة المشهد، وأهمها البعد عن العاصمة فعلى الرغم من توافر النشر لكن طموح الكاتب ليس النشر فقط، بل المناقشة وعقد الندوات وعرض النص على خشبة المسرح، البنية التحتية عامل يعيق المبدع في قريتنا والقرى المجاورة ليس لدينا قصر ثقافة، بالإضافة لمركزية المهرجانات في القاهرة ويظل الجنوب مهشما.
- ما آخر أعمالك التي تعكف عليها حاليا؟
تحدثنا عن الجنوب ومبدعيه وأنا لست ناقدا متخصصا ولكن لدي رغبة في لفت الانتباه لكل ما فيه جمال، لذا أعكف على إنجاز دراسة مقتضبة عن إبداع الجنوبي درويش الأسيوطي والهوية المسرحية لدينا، ومن ناحية أخرى مازلت أواصل كتابة مجموعتي الشعرية الثالثة فأعمل بين الشعر والمسرح والإطار النظري.


روفيدة خليفة