«سيرة حب».. عرض يقدم أصوات غنائية تستحق الدعم والمساندة

«سيرة حب»..   عرض يقدم أصوات غنائية تستحق الدعم والمساندة

العدد 653 صدر بتاريخ 2مارس2020

 في الوقت الذي تحتل فيه أخبار حسن شاكوش وحمو بيكا صفحات التواصل الاجتماعي، وتحاصرنا أصواتهما وغيرهما من الأصوات التي ملأت الشوارع والمواصلات مما جعلنا بحاجة ماسة جدًا لعلاج آذاننا من التلوث السمعي الذي أصابنا، ومحمد رمضان الذي أطلق على نفسه عدة ألقاب لم يكن مستحقًا أبدًا لها، بل أنها تعد تطاول واضح وصريح على القامات الفنية الحقيقية، نجد مسرح البالون التابع للبيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية بقيادة دكتور عادل عبده يقوم بإنتاج عمل ضخم يقدم لنا من خلاله طرب أصيل نعيش معه ليلة مبهجة ونحن نستمتع بأصوات مجموعة من الشباب الأكثر من رائع، وهي الوسيلة العملية الصحيحة والأنجح في المقاومة، فالعملة الجيدة تطرد العملة الرديئة.
 لم تقف المسألة على تقديم أصوات شابة فحسب، لكنه قدم لنا قدوة ومثال على عشق الوطن وعبقرية فنان ترك لنا تراثًا موسيقيا مازلنا ننهل من معينه الذي لا ينضب، فنانًا كان سابقًا لعصره مجددًا في موسيقاه، الموسيقار الراحل بليغ حمدي الذي لحن لكبار الفنانين ومن أشهر ألحانه لأم كلثوم: حب ايه، أنساك، ظلمنا الحب، كل ليلة وكل يوم، سيرة الحب، بعيد عنك، فات الميعاد، إنا فدائيون، ألف ليله وليله، الحب كله، حكم علينا الهوى، ولعبد الحليم حافظ: تخونوه، خساره ، خايف مرة أحب، أعز الناس، سواح، على حسب وداد قلبى، أنا كل ما أقول التوبه، جانا الهوى، عدى النهار، أغنيه المسيح، البندقيه اتكلمت، فدائى، الهوى هوايا، موعود، زى الهوا، مداح القمر، حاول تفتكرني، ولمحمد رشدي: عدوية، بلديات، وسع للنور، ميتى أشوفك، على الرملة، مغرم صبابة، طاير يا هوى أما وردة فهي صاحبة الرصيد الأكبر ومن ألحانه لها: وحشتونى، حكايتى مع الزمان، أشترونى، طب وانا مالى، عايزة معجزة، بودعك، دندنة، ولاد الحلال، احضنوا الايام، العيون السود، والله يا مصر زمان، خليك هنا، احبك فوق ما تتصور، لو سألوك، بدوب فى الهوا، اسمعونى، يا نخلتين فى العلالى، من بين ألوف، قالوا فى الأمثال، وعد الحبيب، مكتوب عليا أعيش، على شط بحرنا، معقول أحب تانى.
 الحقيقة أن المؤلف الكاتب أيمن الحكيم أصاب عدة أهداف بحجر واحد بداية من اختيار الشخصية، ثم اختيار العنوان «سيرة حب» فحذف أداة التعريف هنا «ال» أضاف إلى المعنى الكثير، حيث سيرة الحب هي أغنية شهيرة لأم كلثوم لحنها لها بليغ حمدي وهذا معروف للجميع بل أن لحنها هو اللحن الرئيسي للعرض، أما «سيرة حب» هكذا فالمعنى أعمق وأشمل حيث الحب في معناه العام والذي عبرت عنه الحانه، وحبه للوطن ولمحبوبته وردة، حبه لإصدقائه وحبهم له الذي ظهر جليًا في مظاهرة الحب التي استقبلوه بها أثناء عودته من باريس، مما يدل على دقته في اختيار مفرداته، كما أنه انطلق بأحداث العرض من نقطة هامة وقوية في حياة بليغ حمدي حيث وجوده في باريس.
 وعلى الرغم من أن القالب الذي قامت عليه دراما المسرحية لم يكن جديدًا وقد استمعنا إليه كثيرًا من خلال البرنامج الإذاعي الشهير «مسرح المنوعات» والذي ربما لا يعرفه الجيل الحالي من الشباب، وهو محكمة الفن، إلا أنه الأنسب، حيث قدم لنا محاكمة بليغ حمدي وصدور حكم البراءة في القضية الشهيرة حيث تورطه في جريمة مقتل أو انتحار سيدة سقطت من شرفة منزله، وهي الجريمة التي هرب بسببها من مصر وعاش في فرنسا أربعة سنوات، نهشته فيها الصحافة ونالت من سمعته وسمعة أهل الفن، والتي رغم تبرئته منها إلا أن الغموض ما زال يحيطها حتى الآن ما بين أنها مؤامرة دبرت له من قبل أحد زملائه من أهل الفن أم دبرت لشقيقه من قبل أهل السياسة لإبعادة عن كرسي الوزارة.
تضمنت المحاكمة شهادة مجموعة من الفنانين الذي لحن لهم بليغ أشهر وأهم أغنياتهم وهم: أم كلثوم، عبد الحليم حافظ، محمد رشدي، وكذلك موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، صديقه الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي، والشيخ النقشبندي الذي روى قصة تعامله مع بليغ وتلحين الابتهالات الدينية الذي كان يعتبره من المستحيلات ولكن التجربة نجحت.
سبق هذه المحاكمة استعراض علاقته بهؤلاء الفنانين من خلال تقنية الفلاش باك حيث يروي هذه التفاصيل للمحامية حنه وزوجها الصحفي الذي جمعته بهما الصدفة أثناء وجودهما في باريس لتغطية مؤتمر وقضاء شهر العسل، كما قص عليهما قصة حبه وزواجه من وردة، واكد لهما براءته من التهمة الموجهة إليه فأقنعته حنة بعودته حيث ستتولى هي الدفاع عنه.
 جسد شخصيه بليغ حمدي ببراعة فائقة الفنان إيهاب فهمي، والذي لم يغير من ملامحه أو تسريحة شعره ليقترب من ملامح بليغ فنجى من الوقوع في فخ التقليد، لكنه اعتمد على قدراته التمثيلية وثقافته ودراسته للشخصية التي يؤديها. أما عبد الوهاب فجسد شخصيته مجدي صبحي الذي أضاف للشخصية بخبرته وقدراته الفنية العالية خفة دم وكوميديا محببة ولطيفة، أم كلثوم نهلة خليل، محمد رشدي عماد عبد المجيد، هبة محمد في دور وردة، تامر سعيد عبد الحليم، عمرو أصلان الشيخ النقشبندي مواهب غنائية تستحق الدعم والمساندة، أما حنة سليمان فجسدت شخصيتها رحاب مطاوع وهي موهبة تمثيلية وغنائية رائعة، وزوجها الصحفي سعيد منصور الذي جسد شخصيته الفنان أحمد الدمرداش بخفة ظله المعهودة، ناصر عبد الحفيظ الذي جسد شخصية عبد الرحمن الأبنودي وقد نجح في إبراز موهبته، شريف عواد في دور رياض السنباطي ورغم مساحة الدور الصغيرة جدًا إلا أنه استطاع أن يثبت حضوره القوي كممثل محترف، شيكو «عزيز» صديق بليغ فنان شعبي محبوب له دور في إضافة عنصر البهجة للعرض، وشارك بالتمثيل: محمد الشافعي «القاضي»، أحمد الشريف «الضابط الفرنسي»، رشا العدل «اش اش»، هاني عبد الهادي، سناء عوض، جميعهم عناصر تمثيلية متميزة.
 من أهم  مميزات العرض أن الغناء لايف حيث تقديم فنانين حقيقيين أمام أعين الجميع، وهو الرد العملي على أن مصر ولادة وأن الإبداع لم ولن يموت أبدًا، وهو الرهان الذي عقدته مع نفسي وأربحه دائمًا مع المسرح الجاد الذي يقدم فن راق ومبدعون حقيقيون يستحقون أن ندعمهم ونسلط الضوء عليهم، كما أن الأحداث في قالب كوميدي واستعراضي مع الاستعانة بالوسائط المعاصرة تضمن لقطات حقيقية لبليغ حمدي مع معظم الشخصيات التي تم تمثيلها في العرض ودمجها مع مشاهد من العرض، مما يحقق المتعة البصرية بجانب السمعية وإضفاء حالة من البهجة من دون ملل رغم أن زمن العرض يزيد عن ساعتين.
 يقف خلف كل ذلك مخرج ومصمم استعراضات محترف هو دكتور عادل عبده الذي استطاع أن يجمع كل عناصر العرض ويمزج بينها في سيمترية عالية من آداء تمثيلي، استعراضات رشيقة وجديدة، ديكور محمد الغرباوي الذي يتسم بالبساطة والجمال والألوان المبهجة، إضاءة شريف البرعي المتوافقة مع دراما الأحداث، وخدع إيهاب جمعة المسرحية، وغناء لايف وأوركسترا بقيادة المايسترو محمد أبو اليزيد.


نور الهدى عبد المنعم