الممثل والشخصية والمتفرج في العروض بين الوسائطية

الممثل والشخصية والمتفرج في العروض بين الوسائطية

العدد 646 صدر بتاريخ 13يناير2020

 “ يمكنني تناول أي مساحة خالية وأسميها خشبة مسرح عارية .
 رجـل يتجـول عبر هذه المساحـة الخالية بينمــا يشـاهده آخـر،
 وهذا هو كل المطلوب لأداء المسرح .”  
     دعونا نلقي نظرة سريعة علي هذه السطور الافتتاحية الشهيرة في كتاب (بيتر بروك ) “ المساحة الخالية  The empty space “ (1968) . الصورة الضمنية التي أثيرت هنا هي صورة شخص ينظر الي شخص آخر مٌقدّم باعتباره ملمحا مميزا للمسرح . والنظر الي الممثل هي عادة الطريقة التي ندخل بها إلى الأداء . ورغم ذلك، عندما يتم تصوير الممثل علي خشبة المسرح بكاميرا الفيديو وتعرض هذه الصورة في نفس اللحظة علي شاشة، فلن يكون الممثل هو بؤرة التركيز الوحيدة . يتداخل الفيديو الحي مع الحضور الحي للممثل علي خشبة المسرح . وهذا يمنح المتفرج رؤية متعددة الأبعاد، وهذه المقالة تستكشف العلاقة بين الممثل والفيديو الحي والمتفرج، وسوف نتناول سؤال ما اذا كانت الشخصية ما تزال المفهوم الملائم عندما نحلل هذه العلاقات .
    • الممثل في التضاعف :
 المثال الملائم لاستخدام الفيديو في المسرح يتضح في عرض “ البضائع – الكذب الذي يأتي من الأسد STUKGOED – A BEAU QUI VIENT DE LION” عام 1996، قدمتها الفرقة البلجيكية TgSTAN . في هذا العرض تبحث فتاة عن هويتها، التي تترجم بأنها شوق للسفر . وتتلكأ في ترك وطنها، الذي ينعكس في الطريقة التي بها الممثلة نفسها أمام ثلاث كاميرات فيديو مختلفة تحيط بالمشهد . تحرك بحرص داخل وخارج بؤرة الكاميرات . تظهر علي الشاشة تعبيرات وجهها البديلة، ومن ضمنها بروفيل جزئي، وظهرها، ولقطة قريبة أو بعيدة لها . تستخدم الطريقة التي تقترب بها الفتاة من الكاميرا كمجاز لسؤال ما إذا كانت الفتاة تريد السفر من عدمه، ولكنها خائفة أن تفعل ذلك . وتعكس أيضا الطريقة التي تروى بها القصة، من خلال منظورين موضوعي وذاتي . وكمتفرج، يجب أن تمتزج كل هذه الصور لإنتاج معنى .
     في عروض مثل هذه، يواجه الحضور البدني للممثل وصورته الغائبة . اذ لم يعد حضوره مسلم به، ولكنه محل سؤال . ولأن الممثل لم يعد هو المسئول الوحيد عن حضوره، يمكننا أن نقول الآن أن سلطته محل سؤال أيضا . وهذه السلطة مستبدلة جزئيا بالتكنولوجيا والمتفرج . وأن المتفرج هو المدعو لدمج صور وخصائص الممثل  المختلفة أو صورته، المتناقضة غالبا، لكي يقارنهما لانتاج المعنى . وقد استخدم (فيليب أوسلاندر) الدمج مصطلحي “الحضور” و”السلطة”،   لإثبات أن الأداء الأمريكي بعد الحداثي سياسيا أكثر مما اعتقد الكثير من المنظرين.  وعند تجريدها من الجانب السياسي، تعد هذه المفاهيم الأمريكية أدوات مفيدة للغاية في تحليل الوضع المتغير للممثل في الأداء الوسائطي . علاوة علي ذلك، فانا تجذب الانتباه الي دور المتفرج، ولاسيما فيما يتعلق بإدراكه للفهم وبناء المعنى . فغياب السلطة الواضحة يكشف مختلف طرق الدول الي العرض غير المتوقعة . وبالتالي يستشهد ( أوسلاندر) بكلمات ( جوزيت فيرال ) عن “مسرحانية أساسية أقل تأليفا وأقل تمثيلا وأقل إخراجا “  . والآن يمكن استبدال هذه المسرحانية الأساسية ببين وسائطية، ولكن يجب الاحتفاظ بهذه الكلمة، لأنها مرتبطة بمفاهيم البنية التحتية، وأضواء الأشعة تحت الحمراء، وانصهار المجالات السابقة . وبالمثل أفهم بين الوسائطية : إذ أنه وسيط يتداخل مع وسيط آخر أو يخترقه . وهذا هو التداخل الذي يثير المعنى أو الخبرة  
 •  البحث عن الشخصيات :  
المسألة الدرامية المثيرة هي مفهوم الشخصية في هذا النوع من الأداء بين الوسائطي . وبالنسبة للتمثيل التقليدي يلعب الممثل دورا : وبالتالي يخلق الشخصية، سواء اختفي ورائها أم بم يختف . ورغم ذلك، ماذا يحدث مع مفهوم الشخصية عندما لا يكون الممثل هو الشريك الوحيد المسئول عن خلق الشخصية، علي سبيل المثال عندما يستبدل جزء من هذا الحضور والسلطة بالتكنولوجيا أو علي الأقل يواجهها ؟ . وفي الأوبرا التي قدمها (جاي كسيرز) وهي بعنوان “ المرأة التي دخلت الأبواب” (2001)، يتم تمثيل الشخصية الرئيسية بواسطة ممثلة، وعروض فيديو لهذه الممثلة، ومغنية أوبرا . أثناء هذا الاختلاط في المشاهد والأصوات يظهر ملمح لشخصية . ولكن الأهم أن هذه الأوبرا لا تهدف بالضرورة إلي خلق شخصية كاملة . اذ تكشف الصور والنصوص والأصوات والموسيقي المستقلة قصة عن كفاح امرأة مع زوجها الذي يضربها، ولكنه يفعل ذلك من خلال إظهار منظر طبيعي حيث تتداخل كل هذه الأجزاء مع بعضها البعض وبدون تمثيل لعالم درامي تثيره الشخصيات. باختصار، من الصعب الإشارة إلي شخصية هنا .
     وقد قدم القرن العشرين العديد من الأمثلة التي تٌناقش فيها العلاقة بين الممثل والشخصية، ومن بينها ملاحظات المنظر السينمائي ( أندريه بازان)، الذي اعتقد أن الممثل في المسرح لا يختفي تماما خلف الشخصية بسبب حضوره البدني، ورؤية ( جوردون كريج) للممثل باعتباره “ ماريونت”، وأسلوب التمثيل المنسوب الي بريخت، الذي يعيش علي التمثيل الشفاف عند كثير من الفرق المسرحية الهولندية والبلجيكية . ويجادل كتاب ( الينور فوكس) “ موت الشخصية  The Death of Character” بأنه في أوائل القرن العشرين، قد استبدلت الشخصية فعلا بنموذج درامي أكثر هيمنة . وهو النموذج الذي تغير مرارا وتكرارا خلال ذلك القرن : كل حقبة في تمثيل الشخصية تشكل في نفس الوقت مظهرا من التغيير في الثقافة الأوسع فيما يتعلق بمفهوم الذات وعلاقتها بالعالم . وقد تغير اليوم مفهوم الذات أو بناء الذاتية بشكل أساسي من خلال الطريقة الي يتحرك بها الأفراد ويعيشون في ثقافة وسائطية .
     فما هي المفاهيم التي ينبغي استخدامها اذن بعد موت الشخصية ؟ . أحد الإجابات المحتملة يقدمها الدراماتورج البلجيكي ( اروين جانز ) والذي تعاول لعدة سنوات مع ( جاي كاسيرز) . ففي كتاباته عن طرق التمثيل الجديدة في العروض بين الوسائطية، يقرر ( جانز) أن الشخصية مفهوم ينتمي الي المسرح الدرامي، بينما الممثل في المسرح بعد الدرامي يظهر باعتباره مؤدي وجسم علي حد سواء . وفي هذه الحالة لا يجب تفسير الممثل كمؤدي بالمعنى التقليدي في فن التمثيل، بل باعتباره الممثل الذي يتظاهر بأنه شخص آخر والذي يكون اهتمامه الأول هو ذاته علي خشبة المسرح . ويمكن توسيع تناول ( جانز) أكثر . فمن الممكن اقتراح أن يتم استبدال مفهوم الشخصية في العروض بين الوسائطية بمفهوم الممثل كمؤدي، والممثل كجسم، والتكنولوجيا، وأدائية المتفرج ( بمعنى فعاليته المادية والمفاهيمية ) . وهذه المقالة ملتزمة بحجتين : استبدال مفهوم الشخصية بمفهوم الممثل كمؤدي، وبمفهوم أدائية المتلقي . ولكي نفعل ذلك فسوف نصف عرض الفرقة الهولندية “ Space” . ففي هذا العرض يتحقق استخدام التكنولوجيا وصور الحضور والسلطة بشكل مختلف نوعا ما عن المثال السابق ذكره لفرقة TsSTAN . ورغم ذلك فانه يلقي ضوءا مثيرا علي صور الأدائية .
 • الأداء التليفزيوني (والأداء التليفزيوني المضاد
في عام 2005 قدمت فرقة (Space) عرضا بعنوان “ المكان الذي ننتمي اليه The Place Where We Belong “ . وقد تم وضع الجمهور في غرفة في الدور الرابع في مبني إداري سابق خلف نافذة من الزجاج، تطل علي الشوارع من أسفل . وقد تم وضع أحد عضوي الفرقة ( وهي بيترا آندري ) في الشارع.   و” بيترا آندري” هو فنانة مجرية تعيش في هولندا منذ سبعة عشرة سنة مضت . وبسبب زيادة العداء ضد الأجانب – الذي انعكس في سياسات الهجرة الصارمة والجدال الشديد حول الهوية الهولندية والتي تضخمت من خلالها التصريحات في وسائل الإعلام –  ازداد شعورها بأنها أجنبية، علي الرغم من أنه تحمل جواز سفر هولندي ومتزوجة من هولندي ( والذي هو في الواقع العضو الثاني في فرقة Space ) . وخلال العرض، تجولت في الشوارع، مزودة بكاميرا فيديو وميكروفون، وتسأل الناس هل يجب أن تعود الي المجر أم تقاوم الاتجاه السياسي المهيمن . ومن خلف النافذة، يتابع المتفرجون سعيها ويشاهدون هذه اللقاءات عن طريق شاشات فيديو صغيرة موجودة أمامهم . وكانت اللقاءات مسموعة من خلال سماعات الرأس بالتناوب مع شذرات من مذكراتها وإرشادات زوجها وهو رجل هولندي موجود في نفس الغرفة مع المتفرجين . وكان يرشد “بيترا” أ، تتصرف بشكل هولندي وأن تتصرف بشكل عارض عندما تقترب من المارة . والأشخاص الذين تمت مقابلتهم كانوا غير مدركين للجمهور المتفرج . ( في الأداء الذي حضره المؤلف، لم ينصحها أي شخص بالعودة إلي المجر ) .
      ينعكس هذا العرض علي المجتمع الوسائطي والآراء العامة التي تنعكس بشدة بوسائل الإعلام، ولكن وسائل فعل ذلك بقوة أيضا تعتمد علي استخدام أشكال هذه الوسائط . ويتم اكتشاف التفاعل بين الصور الحية والصور الموجودة علي الشاشة  باستخدام منهج مثير للاهتمام . فعلي الشاشة الصغيرة، يرى المتفرجون الرجل العادي في الشارع في التليفزيون بشكل مميز . ورغم ذلك هذه المرة يقترب رجل الشارع شخصيا ويقدم رد فعل ضيق الأفق بخلاف المتوقع . والجمهور يشاهد وعند النافذة هناك استعارة لمشاهدة التليفزيون . ولأنهم يستطيعون أن يروا من أين تصدر الصورة المعروضة علي الشاشة، تختفي المسافة العادية بين المصدر والصورة المعروضة . فالشاشة لا توجه انتباه المتفرجين الي مكان آخر، بل تؤكد “ هنا والآن “ . ويمكن مقارنة الشاشة بالمصدر . فالمشهد الحي المعروض علي الشاشة، والمشهد الحي نفسه كلاهما متشابهان ومليئان بالمفارقات . والمسافة بين المتفرجين والمؤدي في الخارج تحث علي التأمل، بينما صور الكلوز أب علي الشاشة الصغيرة وشذرات المذكرات المسجلة مسبقا في سماعات الرأس هي تجربة في الحميمية. والمفارقة الثانية هو الوضع الآمن لما هو موجود بالداخل في مقابل الوضع الهش نسبيا للمؤدي بالخارج . ويتطابق هذا التناقض المادي مع مفارقات أخرى، مثل الهولندي / الأجنبي المنتمي /اللامنتمي ثقافيا ويشاهد التمثيل . وهذه الأحاسيس المختلفة موجهة بقوة للمشاهد علي المستوى الشخصي . ويتأكد هذا التوجه باستخدام السماعات، التي تؤكد انطباع أن القصة تٌحكى لكل متفرج شخصيا .
      ورغم أنها مصورة بشكل مختلف نسبيا، فاننا نرى مرة أخرى تفكيك الحضور والسلطة . ف “ بيترا أدريا “ غائبة في الحقيقة، وليست مع المشاهدين في نفس الغرفة، ولكنها حاضرة عن طريق الكاميرا والشاشة، والميكرفون وسماعة الرأس . وسلطة الممثلة محل سؤال، لأنها تضطلع بنفسها بأدوار مختلفة، كما سنرى فيما بعد .
 • الشخصية :
     الممثلة في هذا العرض هي مثال واضح لنموذج الممثل كمؤدي . فالممثلة “بيترا أدريا” تقدم نفسها باستخدام اسمها الحقيقي . وأسئلتها الشخصية هي المدخلات الرئيسية للعرض واللقاءات . إنها بالطبع تحول نفسها الي شيء يشبه الشخصية ؛ اذ تصبح “بيترا أدريا “ الأجنبية – كما ينظر اليها الهولنديون . ولكن في هذا المثال، يبدو أن الكلام عن الشخصية مسألة بعد درامية . فهي تتبنى دورا محددا فقط . وبشكل ساخر علي مستوى السرد الدرامي، هذا هو الدور الذي لا تريد أن تلعبه . اذ يمكن أن توصف عملية القيام بدور بأنها تبني دور كامن بقوة في السيرة الذاتية للمؤدي أو الشخصية . وهو مفهوم مأخوذ أيضا من ( فيليب أوسلاندر) الذي قدم مفهوم “ شخصية الأداء Performance Persona”  . فهو يشير الي “ ويليام دافو Willem Dafoe”، الذي أصبح ممثلا سينمائيا مشهورا ويتأثر مفهوم حضوره علي خشبة المسرح بمعرفة المتفرجين له كمؤدي . ويتأكد إدراكهم لفعل أداء “ دافو”  أسلوبه في المرجعية الذاتية للتمثيل . فهو لا يختفي وراء شخصية، وحتى لو أراد ذلك فانه لا يفعل . ويوجد موقف مشابه في المسرح الهولندي، لأن الكثير من ممثلي المسرح معروفين من قبل الجمهور من خلال ظهورهم في الاعلانات والمسلسلات والمسرحيات التليفزيونية والأفلام . ورغم ذلك فان “ بيترا أرديا “ ليست مشهورة . ولذلك فان “ شخصية الأداء “ ليست المصطلح الملائم لهذا الموقف، بل ربما مصطلح “ الشخصية “ . وكلمة “ شخصية Persona” ترتبط اشتقاقيا بكلمة “ قناع “ و “ منح صوت “ . وبالتالي فان الشخصية متجذرة بصرامة في المسرح . ويكشف مصطلح (أوسلاندر) شخصية الأداء علاقته الوثيقة بالحياة الاجتماعية الشخصية للمؤدي، وفي هذه الحالة، هي مهنة “ دافو “ كممثل سينمائي “ ( التي تكثف الشخصي والأدائي). وبالتالي فان “ الشخصية “ تشير الي الطريقة التي يقدم بها الأفراد أنفسهم في الحياة اليومية، ومن ضمنها الأقنعة المختلفة التي يستخدمها، لكي يعطي صوتا للطريقة التي ينظرون بها لأنفسهم وينظر بها اليهم الآخرين . ففي عرض “ المكان الذي ننتمي إليه” تذيب “ بيترا أرديا “ الحدود بين الشخصية الحقيقية والشخصية الأدائية وتعرض الذات الأدائية وتفككها . ومن أجل المقابلات في الشارع، تقدم نفسه كأجنبية، وتظهر في شذرات مذكراتها، كإنسانة عادية وأم؛ في الحوار الحي مع زوجها، فهي الشريك الذي يتعارك، وفي نفس الوقت تشارك في خلق الحدث المسرحي . وهذه الشخصية المختلفة، مع تداخل الوسائط المختلفة، تثير سؤال سلطة الممثل/ المؤدي .
 • أدائية المتفرج
يميز المنظر المسرحي والسينمائي الهولندي (شيل كاتنبلت ) بين طريقتين لأدائية المتفرج . ففي بعض الحالات يدخل المتلقي المكان المسرحي أو مكان الأداء .ويختفي العازل المادي بين المؤدي والمتفرج، لأن المتفرج يصبح مشاركا . والطريقة الثانية في الأدائية تحدث عندما يصبح الدور وفعالية المتفرج الموضوع الرئيس للأداء . وعندئذ يصبح فعل الفهم والمعايشة وخلق المعنى هم المحتوى الرئيس للمؤدي . وتحاول هذه العروض حث المتفرجين علي مشاهدة أنفسهم باعتبارهم الذوات التي تفهم المعلومة وتكتسبها وتخلق جزئيا موضوعات ادراكها . في العرض الذي قدمته فرقة “Space” يتم تمييز كلا الأسلوبين، حيث تكون الطريقة الثانية هي الأهم . وتحضر الطريقة الأولي لأن مكان المؤدين والمتفرجين مختلط . ويحضر التصنيف الثاني بسبب مسئولية المتفرج أن يقارن الصور علي الشاشة بالأداء الحي . لكي يبني ( أو يفكك) مختلف الشخصيات، لكي يربطها شخصيا بالأسئلة المطروحة ولكي يكون واعيا بموضعه خلف النافذة . فالمتفرج لا يجلس في الظلام، بل تسلط عليه الأضواء . وعلي الرغم من كل تلك الصور المختلفة يصبح الممثل واعيا بنفسه باعتباره ذاتا تفهم . ومن الناحية الشخصية، يكون هذا الوعي مصحوبا بتجربة الصدمة المادية عندما أدرك أني أتناول جنسيتي كمسلمة . وباستدعاء المتفرج لممارسة مفهومه وتأمله، تنقل فرقة Space    الاتصال المسرحي الي مجال الواقع . وبدلا من الارتباط بشخصية خيالية، يواجه المتلقي نفسه باعتباره موضوعا مدركا .
     وقد أثارت الدراماتورج (ماريان كيركهوفن) سؤال الكيفية التي يرتبط من خلالها فناني الأداء بتوسيع الأدائية في المجتمع الحديث . ويقدم عرض “المكان الذي ننتمي إليه “ إجابة محتملة علي السؤال . وبتقديم شخصية مختلفة، يدعو العرض المتفرجين أن يصبحوا واعين بأنفسهم كذوات واعية، إذ يفتح نماذج الإدراك ويكشف الشخصية المختلفة داخل المتفرج أيضا . ومن المدهش، أن المجتمع حين يقوم بدوره الأدائي، يتم إعادة هذه الأدائية اليومية وتقديمها علي خشبة المسرح . ومع أكثر رؤية نظرية، تصل ( كاتنبلت) الي ملاحظة مماثلة، وهي أن “الثقافة التي تكون فيها العلامات أكثر واقعية من الأشياء التي تشير إليها، يصبح المجتمع حقيقة مفرطة في التكرار، حيث يكون المسرح هو أحد الأماكن القليلة التي يعرض فيها هذا الواقع ويتم تفكيكه . ويمكن أن يكون أحد المناهج تقديم الممثل كمؤدي والضغط علي أدائية المتلقي . ومن خلال غياب الشخصيات يصبح المسرح، كما قال ( أمبرتو ايكو ) ذات يوم فعل للعرض ومكان للادراك الحسي والتأمل والتجربة .
.................................................................................
 • ليزابيث جروت نيبلينك  تعمل استاذا مساعدا للمسرح ودراسات الأداء في جامعة أوتريخت بالنرويج . . وأهم كتبها “ المسرح النرويجي : تقديم الحركة علي خشبة المسرح “، و “ الحركة في الأداء المعاصر “ .


ترجمة أحمد عبد الفتاح