العدد 636 صدر بتاريخ 4نوفمبر2019
سيظل السؤال التقليدى من الأكثر موهبة، ممثل المسرح أم السينما ..وهل ممثل السينما من الضرورى كى يصبح أكثر موهبة أن يكون ممثلا مسرحيا ناجحا ..مطروحا، بل ومحيرا رغم كثرة التجارب التى تتباين نتائجها ..كونه سؤالا يبحث فى مكونات الموهبة، ومن الصعب تحديد قياسات ونسب لهذه الموهبة .
ومع ذلك حاول فنانون عظماء أن يدلوا بدلوهم محاولين رصد إجابات من منطلق تجاربهم الخاصة، ومنهم على سبيل المثال الفنان الكبير عملاق المسرح يوسف بك وهبى ..ففى مقال كتبه بناء على طلب مجلة “ سينما الشرق” التى كانت تصدر فى العشرينات،فحاول يوسف بك،التاكيد على أن العرقة متشابكة جدا، لكنه إنتهى بعد سطور من التمهيد الى أنه لا خلاف بينهما،وكتب معترضا “ولكننى بعد تجاربى العديدة، لا أؤيد هذا الرأى، بل أرفضه على طول الخط “ ..فالمسرح والسينما توأمان وإن كان مجال السينما اليوم “ يقصد فترة العشرينات” أوسع،وميدانها أكبر،رغم إن المسرح المدرسة الأولى أو بالأحرى الأساس.
لقد كان المسرحبداية السينما،ولكن السينما لن تكون نهاية المسرح،ولا شك أن للسينما مميزاتها،وجمالها،لكن للمسرح جمالا أعظم،وميزات أهم،ومع ذلك فلكل منهما محاسن ونقائض ..ثم إستطرد يوسف بك وهبى فى سرد أهمية المسرح مؤكدا إن ممثل المسرح أكثر موهبة،من منطلق أن فن الإلقاء يجيده فنان المسرح،ومن النادر أن يجيده ممثل السينما، اللذين لم يعملوا فى المسرح،لأن فن الإلقاء يأتى بالمران وطول الخبرة .
والدليل النجاح الباهر الذى يحققه نجوم المسرح فى السينما،كما نلاحظ العكس عندما يعمل ممثلوا السينما غير المدربين على المسرح .
وإستشهد “يوسف بك” بعدد من النماذج اللامعة آنذاك فى دنيا السينما،أمثال شارلزلوتون،وشارل بواييه،وجيمس مانسون،وبول مونى، وجورج روبينسون،وكلهم من فطاحل المسرح .وفى الرواية يقول بأن الأكثرية الساحقة من المؤلفات المسرحية لجأ اليها رجال السينما،وأظهروها على الشاشة .ولا شك إن معظم الروايات المسرحية مضمون نجاحها على الشاشة إذا ما تولاها فنيون جيديون .
ما قاله “يوسف بك وهبى”فى فترة زمنية كان المسرح متسيد الساحة، ليس على مستوى مصرى، بل على مستوى العالم، كانت روايات عباقرة الأدب تقدم على جميع مسارح العالم ..فالمسرح الذى عرف بشكله المعروف على أيدى الإغريق،أفاد بلا شك السينما كثيرا ..وما أكده عملاق المسرح يوسف بك بأن السينما لاتنهى المسرح هو فى الواقع صحيح وما زال مؤكدا حتى اليوم رغم ما حدث من تطور فى فنون السينما وتكنيكها وصناعتها فاق عشرات المرات تكنيك المسرح ..وهنا الموهبة هى التى تظل وتفرق بين نجاح عنصر عن الآخر،وأختلف هنا مع الرأى القائل بإن ممثل المسرح قد يكون أكثر موهبة عند عمله بالسينما، فالنجم محمد صبحى لا يمكن المقارنة بين نجاحه وموهبته على المسرح، وبين أعماله السينمائية، هو نجم مسرحى بكل المقاييس، لكنه ليس نجما سينمائيا، وغيره من نجوم كثيرين برعوا فى المسرح لكنهم ليسوا نجوما فى السينما، مهما كانت قدراتهم وموهبتهم، والعكس قد يكون صحيحا، فنجومية احمد زكى فى السينما ليست هى فى المسرح، والحكاية ليست فى الإلقاء فقط، فهناك ما نطلق عليه” كاريزما” فى المسرح يمكن ان يكون للممثل كاريزما هائلة وقبول ليس كمثله فى السينما ..وهناك نجوما لديهم كاريزما فى المجالين السينما والمسرح ..بل يمكن بالقياس بين الإثنين أن نؤكد نجاحهما فى المسرح والسينما، حتى وإن قدم عملا مسرحيا واحدا، فشادية رحمها الله لم تقدم للمسرح سوى عمل واحد هو “ ريا وسكينة” ونجاحها كمطربة وكنجمة سينما لا شك فيه، بل فاقت نجمات كثيرات فى جيلها،وكذلك النجم عادل غمام وهو من الإستثناءات فى المجالين موهبة طاغية فى المسرح والسينما، وقبله فؤاد المهندس وعبد المنعم مدبولى وشويكار، وهى ادلة على أن الموهبة والخبرة والتعلم والقدرة على حرفية الإلقاء، ليست هى العوامل التى تجعل ممثل المسرح المحترف نجما فى السينما .
فكثيرون ممن درسوا المسرح، بل اساتذة في فنونه، عملوا بالسينما، ولم تكن تجاربهم سوى محاولات للتواجد، وهنا نؤكد على أن الموهوب فى المسرح ليس شرطا أن يكون نجما ناجحا ولامعا فى السينما ..هناك بالطبع كما ختم “يوسف بك مقاله “ بأن ينصح كل من يرغب فى النجاح السينمائى أن يلجأ الى دراسة المسرح،الذى يعلم الفنان الثقة بالنفس،دقة التعبير بالصوت..هو “أى المسرح” مدرسة يتعلم فيها الفنان مفردات الأداء وقدرة على مواجهة الجمهور،قدرة على فهم مهنة التمثيل بكل معاناتها،وكما يقول الثقة بالنفس، لكن تظل الموهبة والكاريزما هما سر النجاح فى كليهما مسرح أو سينما .