العدد 634 صدر بتاريخ 21أكتوبر2019
تعد الإضاءة في العرض المسرحي عنصرا أساسيا, وتبلغ حدا كبيرا من التأثير على المتلقي سواء بالإيجاب أو بالسلب, خصوصا مع تطور تقنيات الأجهزة الحديثة واعتماد كثير من المخرجين على محاولة التأثير على المتفرج بالإضاءة سواء من حيث الشكل الجمالي أو من حيث التأثير الدرامي . لكن للأسف عادة ما تكون الإضاءة هي آخر عنصر يتم الاهتمام به في العرض، فيترك المخرج كل ما يختص بالإضاءة حتى اللحظات الأخيرة ليتم تصميمها قبيل افتتاح العرض بأيام قليلة جدا ويتم تنفيذها غالبا في ليلة البروفة الرئيسية أو الافتتاح , لدرجة أن معظم العروض يتم افتتاحها دون اكتمال ضبط عنصر الإضاءة، فيبدو العرض في الافتتاح مشوها. ما يجعل بعض أهل التخصص يستغيثون. لماذا هذا الإهمال والاستهانة بالإضاءة؟ هل الإضاءة المسرحية تكميلية أم تجميلية؟ هل هي إحدى العناصر الأساسية للعرض المسرحي وأحد أدوات تفسيره أم مجرد عنصر جمالي للصورة؟ اقتحم عدد من فنيي الكهرباء هذا المجال فصاروا يصممون الإضاءة ولا يكتفون بمجرد التنفيذ، حتى تحول الأمر إلى ظاهرة، وهذا ما دفعنا للتساؤل: هل لابد للمصمم من الدراسة أم أن الخبرة والموهبة وحدها تكفي؟ كذلك انتشرت مؤخرا في كثير من العروض عملية تغيير الإضاءة كل بضع لحظات مع استخدام الألوان المختلفة بكثرة بحثا عن لحظات خاصة.. وهنا كان علينا أن نتساءل أيضا : هل هذا تطور حديث أم فوضى لونية؟ وأخيرا حتى نساير العصر ونشاهد على خشبة المسرح ما نتابعه في الفضائيات وعلى شبكة الانترنت من عروض أجنبية: متى نرى في مصر مسرحا مبهرا بصريا قائما على تقنيات الإضاءة الحديثة؟ إليكم إجابة عدد من الفنانين المتخصصين .
يحدثنا في البداية الفنان فادي فوكيه حول دلالات الإضاءة قائلا: إن الإضاءة عنصر من عناصر العرض المسرحي، لذا فإن الخبرة والموهبة وحدها لا تكفي. وهذا العنصر ليس جماليا فقط ولكن جماليا ودلاليا، فلابد أن تكون لها دلالة ونحن في الزمن الحديث أصبحت الصورة المسرحية جزء من تكوينها الإضاءة المسرحية، باعتبارها حزما ضوئية تحمل دلالات لونية في الفراغ المسرحي.. ليست مسألة خبرة, وليست الإضاءة مجرد إنارة على الممثل, ففكرة الدلالة مهمة وليس الجمال فقط, وإلا أصبحت الإضاءة مثل الديكور الجمالي فقط، الذي يمكن أن يكون عكس دراما العرض. أضاف فوكيه : الإضاءة جمالية ودلالية معا وتشكل جزءا رئيسا في تكوين الفراغ المسرحي. لذا لابد من الدراسة والموهبة والخبرة معا، لأن من يعمل على الناحية الجمالية فقط ينقل عين المتفرج من لون إلى لون آخر في حين أنه ربما تكون الحالة الدرامية ليست بحاجة إلى هذه النقلة. هذا أبسط قواعد العرض المسرحي سواء في بالنسبة للموسيقى أو الديكور أو الإضاءة أو غير ذلك , ما لم يكن هناك تغيير في الحدث فلا ضرورة للتغيير في العنصر. تابع: : مثلا، اثنان يتحدثان معا ولم يتغير الموضوع أو يدخل ممثل ثالث و لا توجد دلالة, لماذا أغير الإضاءة أو الموسيقى أو الديكور, إن ما ما يحدث الآن من غير المتخصصين هو تغيير إضاءة على غير حدث أو تغيير في المعنى, ولابد أن يدركوا أن التغيير يحدث معه تغيير في الدلالات، سواء دلالات موسيقية أو ضوئية. وأشار إلى هذه المشكلة تحدث في الموسيقى أيضا حيث تستخدم في جزء لا يحتاج إلى موسيقى, وهي لغة من لغات العرض المسرحي، يمكنها أن تفسح المكان للغة أخرى, وقد أستعيض بها عن لغة الحوار، وتكون الموسيقى مبرزة للمعنى بشكل أعمق من اللغة الحوارية., ونفس الحكاية بالنسبة للإضاءة فهي تعبر عن معنى مختلف أو أعمق من لغة أخرى سواء لغة الحوار أو الحركة أو الجسد, لذا لا بد من العمل على تحييد لغة والتعويض بلغة أخرى. كما أكد فوكيه على أنه : لكي نرى في مصر مسرحا للإبهار البصري قائما على تقنيات الإضاءة الحديثة فلابد أن نعتمد على شيئين, تجهيز المسارح بالتقنيات الحديثة ، ووجود متدربين عليها بشكل جيد ، وهما أمران ليسا متوفرين بشكل كبير.
روح العرض المسرحي
ويؤكد الفنان عمرو عبد الله على الأهمية الدرامية للحظات الضوئية بقوله: الإضاءة المسرحية هي أحد العناصر الرئيسية للعرض المسرحي وهي العنصر الحقيقي الذي يربط كل عناصر العرض، وعلى وجه الخصوص هي الرابط الرئيسي لعناصر الصورة المرئية. من ديكور وملابس وإكسسوار وتشكيلات بشرية وتحديد مستويات الصورة أفقيا ورأسيا وكل ما يقع في حيازة الحجم الضوئي على خشبة المسرح. كما يقع عليها عبء تحديد الزمان والمكان في العرض ومن ثم في بعض الحالات تكون هي أحد العناصر المفسرة للبناء الدرامي والشخصيات الدرامية والدلالات الموجودة بالنص المسرحي. وعليه فالإضاءة المسرحية هي روح العرض المسرحي وهي عنصر أساسي في خلق علاقة حميمية بين العرض والمتلقي.أضاف:
في الإضاءة على وجه الخصوص تكون الخبرة والموهبة شديدة الأهمية ولكن لا جدال على أهمية الدراسة، دراسة حقيقية علمية لبعض التقنيات فيما يخص أعمال الكهرباء ووصلات الإشارة. والأهم دراسة العلاقات التشكيلية والألوان والملامس وحسابات الكتلة والفراغ، والفهم الشديد للدراما ودلالاتها المكونة للعرض المسرحي فبلا فهم للدراما تتحول الإضاءة الى لمبات تلوين بلا معنى وتفقد حسها الجمالي الحقيقي. أوضح عبد الله : ان لم يكن هناك أسباب حقيقية لرؤية محدده لمصمم الإضاءة، مبنية على رؤية عامه من المخرج في تغيير الإضاءة والتنقل بين مفاتيح الحركات الضوئية.. تصبح فوضى عامة في العرض ككل وليست فوضى لونية فقط. أما عن الإبهار فقال: تقنيات الإضاءة الحديثة متوفرة على أعلى مستوى داخل مصر. ولكن للأسف من يتخيل أن تحقيق الإبهار البصري يعتمد على التقنيات فقط فهو مخطئ. الإبهار البصري له أدوات أهمها الفكرة وأسبابها ومن ثم أدوات تنفيذها (التقنيات) وليس العكس. التقنيات في خدمه الفكرة التي يحدث من خلالها الإبهار البصري والذهني، فالإحساس بالإبهار والجمال تراه العين فتحسه المشاعر ويدركه العقل.
توافق عناصر العرض
أما الفنان حازم شبل فيحدثنا عن بعض جماليات وضروريات الإضاءة قائلا: الإضاءة عنصر أساسي من عناصر العرض المسرحي وبدونها لا يوجد عرض، و لدينا أولا إنارة ثم إضاءة حتى يظهر العرض المسرحي, وهي تساعد في فهم المكان والجو العام للمسرحية، سواء كوميدي أو غموض أو اضطراب أو ليل أو نهار وغيره, كما أنها تركز البؤرة على مكان الحدث, فلو أن المسرح كبيرا مثلا وعدد الفنانين فوق الخشبة كبير في وضع إنارة عامة ولا يتضح للمشاهد من المتكلم تمثل الإضاءة هنا عاملا مساعدا للتركيز على المتحدث, وفي بعض المشاهد تكون مثل “الزوم” في السينما، حيث يتم خفض الإضاءة العامة مع رفعها على شخص أو عدة أشخاص معينين، فيتم تركيز البصر عليهم. وهي تجميلية من زاوية أنها مسئولة عن الأبعاد الثلاثة للمسرح وعمقه فتعطي صورة شيقة غير مملة وغير مسطحة. وكذلك عند وجود ألوان ديكور متشابهة مع ملابس أو وجود أزياء متشابهة فيمكن الفصل فيما بينها من خلال الإضاءة, وإذا كان هناك ممثل يقوم بأداء مونولوج مثلا نعمل على تركيز الإضاءة على نني العين لتؤكد على همزة التواصل بينه وبين المتفرج وإظهار تعبيراته.أضاف شبل: أي عنصر إذا برز وحده فهو ضد العرض ونحن لا نقوم بعمل الإضاءة كي نبرز مهاراتنا في التصميم. لكننا نصمم إضاءة تتناسب مع طبيعة الدراما المقدمة على المسرح . مثلا لو قمت بتصميم ديكور عبقري جدا ولفت الانتباه عن التمثيل وخرج المشاهدون يقولون إن العرض ليس به سوى الديكور, فهذا شيء سيء, فلا يمكن أن أصمم صورة بصرية في الفراغ المسرحي وأجذب بها النظر بعيدا عن الممثل, لأن الممثل هو الناقل الرئيس للدراما فهو الحدث الرئيس. نحن أمام دراما وليس أمام لوحة تشكيلية وهنا يقع كثيرون في هذا الخطأ. تابع : رقم واحد عندي هو الممثل أو الحركة التمثيلية أو المشهد الدرامي والطبيعة الدرامية الخاصة به. لذا أقوم أحيانا بتصميم ديكور مسرحية ما وليس لدي مساحة كافية لاستعراض تفاصيل كثيرة، لأنني أقوم بالعمل لحساب وجهة نظر محددة يجب توصيلها للمتفرج, فلا يمكن أن أصمم ديكورا لعرض لا يتناسب معه لمجرد أن أبرز إمكانياتي في التصميم. وكل عرض له طبيعته ورؤيته الخاصة التي تتفق مع باقي العناصر إخراجا وتصميم الديكور وتصميم الملابس وحركة الممثلين وغيره. وعن الخبرة والدراسة أوضح: الفن أساسه موهبة وتجربة وخبرة, الفن موجود من قبل إنشاء المعاهد التعليمية, و دورها هو أن تصقل خبرات وتعمل على توعية المبدع بمعنى الدراما, وعلاقات الشخصيات في مكان وزمان محددين، لذا لابد أن أعي الأحداث، المسألة ليست أن أنير صالون أو غرفة أو غابة, لابد أن أعي تماما ماذا أفعل وأين ولماذا؟ و الدراسة أيضا تضيف للمبدع بعدا تشكيليا لأنه يدرس جماليات تشكيل ألوان وتكوين وأبعاد وتباين وتوافق تجسيم وتشكيل, كل هذه العناصر مهمة في أسس التصميم بشكل عام, وكلما كانت الثلاثة عناصر المسئولة عن الصورة الأساسية وهي الديكور والإضاءة والأزياء متوافقة وعلى مستوى عال من الموهبة والدراسة أمكن التواصل واستكمال الصورة المرئية معا. تابع شبل : توجد مواقف تحتاج لأبعاد, مثلا ممثل يقف في المقدمة، فماذا يمكن أن أضع في الخلفية, وماذا أفعل فيها كي لا تجذب العين, أو أن توجد قطعة في الديكور تحتاج إلى إضاءة من زاوية معينة لإبراز التجسيد الموجود فيها. وبالنسبة للون هل سأضيف لونا إلى اللون الموجود أم أبرز جماله أو أغيره في مشهد معين ولماذا؟ أو أسحب اللون, لماذا؟ وتلك المسألة تبدو كمسألة اللغة مثلا؛ فكلنا نتحدث اللغة العربية ولكننا لا نفكر أثناء الحديث في المبتدأ والخبر والمفعول وغيره, فنحن تعودنا على ممارسة الكلام منذ الصغر, وهكذا الإضاءة عندما تتعلم وتمارس من الصغر مع التجربة والخطأ تصبح الممارسة سلسة وبسيطة. وأشار شبل إلى أن الإضاءة تعتمد على شقين لابد أن يدركهما من يعمل بالإضاءة, أولا التقني وثانيا الفني, و تقنيا لا بد أن يكون المصمم على دراية تامة بجميع الأجهزة التي يعمل بها و الزوايا وكيفية استخدامها وعلاقتها يبعضها البعض، لأنه يوجد أنواع مختلفة تستخدم, مثل فرشاة الرسم و توجد فرشة رفيعة وأخرى سميكة وثالثة مدورة ومستطيلة وهكذا، وأنت تتعامل مع المناسب منها. أما الناحية الفنية فتتمثل في التعامل و كيف تقدم فنا, فتختار نوع الجهاز وأين سيعلق وكيفية ربطه وضبطه وبأي شدة ضوئية سيستخدم وبأي لون وأي شكل، لأنه توجد قواطع ضوئية، وبأي قوة من شدة الإضاءة ومع أي أجهزة سوف تجمعه لتصنع لحظة الإضاءة الخاصة.. توجد قرارات كثيرة وكل عرض له طبيعة مختلفة. تابع حازم شبل : درسنا في المعهد فلسفة وعلم ونفس هذا غير الدراما وغير التشكيل, وهذا يعرفنا الفروق بين الشخصيات، وإلى ما يؤدي تاريخ كل شخصية، قبل بداية المسرحية كيف تعيش وكيف تتصرف كي يمكن التعبير عنها سواء بالديكور أو الإضاءة أو الأزياء وغير ذلك . توجد عناصر كثيرة مهمة, ويوجد مبدعون كثيرون في العالم لم تتوفر لهم الدراسة الأكاديمية لكنهم اجتهدوا مثل الممثلين، لكن يوجد مستوى معين يظهر من خلاله من أكثر موهبة ومن أكثر وعيا.
عصر الفوضى اللونية
كما يتحدث الفنان د. محمد سعد عن ضرورة الدارسة والخبرة معا لمصمم الإضاءة فيقول: الإضاءة المسرحية لها أدوار محددة ومعروفة نمارسها، فهي أولا: توضح المكان وملامح المكان، بالإضافة إلى أنها تؤكد زمن الحدث إذا كان ليل أو نهار كما تختلف في العرض التراجيدي عنها في الكوميدي. كما توضح جماليات المكان من خلال التجسيم، فزوايا الإضاءة التي يحددها المصمم يؤكد من خلالها على الظل والنور حتى لا يكون الديكور مسطحا، كما يؤكد على التجسيم الذي نسعى إليه في كل الفنون من خلال الظل والنور وزوايا الإضاءة، أضاف: والإضاءة لا تكون على الممثل فقط بل على المنظر ككل من ديكور وملابس وحركة ممثل وهكذا..
الإضاءة دراسة وموهبة وخبرة، فأثناء الدراسة توجد عناصر مكملة تساعد المصمم على الوصول لمستويات مرتفعة، مثلما يدرس عناصر أسس التصميم. فتلك القواعد يتم دراستها في كل مجالات الفن, مثل الاتزان, السيادة, الإيقاع, التنوع وما إلى ذلك من تفاصيل معروفة في أسس التصميم, وبالتالي فإن المصمم عندما يدرس هذه الأسس ويتعامل معها ويتدرب عليها يصل بعدها إلى الخبرة الفعلية. تابع سعد:
أما الفوضى اللونية التي نشاهدها في بعض العروض فمثلها مثل أغاني المهرجانات يمكن أن نسميها ضوضاء وليست فوضى, مجرد دوشة ليس لها علاقة بالحدث, مثلما تجد استعراضا فجأة و أفراد يرقصون على المسرح فتتساءل: لماذا رقصوا ؟ لماذا تم تغيير الإضاءة؟ لابد أن تتماشى الإضاءة في اللحظات الضوئية المختلفة مع الحدث. وعن الإبهار البصري قال:
العروض القائمة على الإبهار البصري تحتاج إلى فكر وإمكانيات ضوئية وإمكانيات أجهزة وإمكانيات مخرج وموضوع مسرحي وهو ما نستطيع القيام به، وهذا موجود في الصورة البصرية على مستوى العالم كله، ولكن علينا أن نقف عند المعنى وطريقة الإخراج وطريقة العرض.. نحن لسنا بعيدين عن هذا، ولكن بحسب ثقافة الجمهور في تلقي هذا النوع من العروض, مثلا تتطلب بعض اللحظات في عروض مثل الرقص الحديث أو الأوبرا إلى إبهار, لكن كعرض مسرحي كامل فإن ذلك يحتاج لقدرات ثقافية و تنفيذية يمكن أن نصل إليها مع توفر الإمكانيات المطلوبة له. تابع د. محمد سعد: الضوضاء اللونية ليس لها أي طعم أو معنى وهي مجرد إزعاج لوني تختلط فيه ألأوان دون أي معنى ودون هدف، و من يلجأ لهذا هو غير الدارس للدراما, لهذا أحيانا ما يضطر المخرج لأن يصمم الإضاءة بنفسه أو يسندها لمساعد له، فالعمق يظهر في الخبرة، وتابع : إن أفضل نتيجة نصل لها من خلال الإضاءة تنجم عن تعاون مهندس الديكور مع مصمم الإضاءة مع المخرج،, مثلا مهندس الإضاءة يصنع أماكن في الديكور مضيئة فيستطيع من خلال هذه الأماكن أن يبرز جماليات الإضاءة مع الديكور, كذلك فإن الخامة المستخدمة والنحت الموجود في الديكور يؤكدان الإضاءة ويوضحانها, ويدعم هذا التكامل الجو العام.
سوء تجهيز المسارح
ويستكمل الفنان عمرو الأشراف الحديث عن محاور الإضاءة المسرحية قائلا: الإضاءة لا يجوز أن نصفها أبدا بأنها تجميلية أو تكميلية لأن الإضاءة المسرحية هي الغلاف الذي يغلف العرض المسرحي ليعكس الحالات الدرامية المختلفة لعرض ما ، ويؤكد على الأجواء النفسية للعرض فضلاً عن التأكيد على ماهية الزمان والمكان أو تحقيق الرؤية البصرية كجانب وظيفي من جوانبها.أضاف: لذا لابد لمصمم الإضاءة بجانب موهبته الفنية الفطرية أن يدرس العديد من العلوم والفنون ليزيد من قدراته كمصمم، لابد لمصمم الإضاءة أن يدرس الدراما وأن يدرس تاريخ الفنون وعلم النفس فضلاً عن الإلمام بأسس وعناصر التصميم وسيكولوجية الألوان والتكوين . وفيما يخص مسألة انتشار لحظات الإضاءة متشابهة الألوان والتي يتسم أغلبها بالإفراط اللوني في العديد من العروض المسرحية قال: أعتقد أن هذا يرجع إلى سوء تجهيز المسارح ومحدودية وتشابه تجهيزاتها الفنية متدنية التقنية ورديئة الصنع ( تكنولوجيا أجهزة الإضاءة الليد الواردة من الصين كمثال ).
وعن السؤال: متى نرى في مصر مسرحاً مبهرا قائماً على تقنيات حديثة فأجاب: هذا يتوقف على تعريف كلمة إبهار، فإن كنا نقصد الإبهار بمستواه المحلي فهي بالفعل تحقق في بعض المسارح وفقا لبعض الظروف، وعلى نطاق قليل جدا، أما إن كنا نتحدث عن إبهار بمعناه العالمي التنافسي الذي يضع الصورة في المسرح المصري على نفس المستوي مع مسارح برودواي أو مسارح فرنسا و إيطاليا فيؤسفني أن أقول أننا لن نرى في مصر مسرحاً للإبهار قائماً على تقنيات الإضاءة الحديثة لأسباب عملية ملموسة على أرض الواقع منها رداءة التجهيزات الفنية للمسارح وعدم تطوير المسارح بالشكل الذي يتماشى وكلمة إبهار- ربما يوجد بعض المسارح المطورة مؤخراً لكنها بعيدة كل البعد عن تحقيق كلمة إبهار- أضف إلى ذلك عدم تدريب تقنيي المسارح وتعريفهم الدائم بكل ما هو جديد في مجال الإضاءة المسرحية، هذا بالإضافة إلى عدم اعتماد ميزانيات كافية يمكن من خلالها تجهيز مسارح مصر بتقنيات يمكن من خلالها تحقيق كلمة إبهار في الصورة المسرحية، اللهم إلا في مسارح دار الأوبرا فقط والتي أسعدني الحظ للعمل بها.
ليس كل من أنار كشافا
وأخيرا يحدثنا الفنان ياسر شعلان عن أهمية الإضاءة كعنصر أساسي من عناصر العرض المسرحي قائلا: الإضاءة تجميلية وتكميلية في آن واحد، فهي عنصر أساسي في أي عرض مسرحي, وهي تساهم في ارتفاع مستوى العرض أو هبوطه. وخصوصا في ظل التقدم التكنولوجي في العالم الآن. أضاف: مثلا في احتفالية افتتاح بطولة الأمم الأفريقية عملت الإضاءة كعنصر إبهار رئيس على إنجاح الحفل بشكل كبير. وفي المسرح هي مهمة أساسية تكميلية وهي جزء هام من العرض المسرحي مثل الديكور والتمثيل والصوت، فلو الصوت سيء يفشل العرض وكذلك الإضاءة. كذلك في السينما لإنجاح العمل فلابد أن يستعين المخرج بفريق متخصص إضاءة على مستوى عال, وفي المسرح لو كان المخرج ضعيفا أو مبتدئا ومعه فريق عمل جيد فسوف ينجح العمل, لذا تجد عددا من المخرجين يستعينون بأفراد بأعينهم في فريق العمل. و أشار إلى أن الاهتمام بالإضاءة يرجع عادة إلى المخرج ومدى احترافيته، حيث يهتم المخرج بشكل أساسي بالممثلين وحفظهم الدور والحركة, لكن المخرجين الكبار يبدون اهتماما كبيرا بباقي العناصر بنفس القدر. وأوضح أن المخرج الذي يهمل في عنصر مثل الإضاءة حتى آخر بروفة أو ليلة العرض الأولى فهو مخرج إمكانياته ضعيفة، لا يمكن أن تنجح عروضه , بعكس العروض الأخرى التي تنجح بسبب اهتمام المخرج بكل عناصره, تابع: المخرج خالد جلال في عرضه الأخير (سينما مصر) انتهى من تنفيذ الإضاءة قبل الافتتاح بعشرة أيام, وهو عرض مبني على الإضاءة كاملا بدون ديكور، والتعامل السينوغرافي والدرامي به يعتمد على الإضاءة, والعكس فإن المخرج الضعيف هو الذي لا يهتم بعناصره بحجة عدم وجود الإمكانيات, وأنصحه بأنه لو كان الوضع كما يقول ف عليه أن يؤجل العرض حتى تكتمل إمكانياته وعناصره. وأوضح : لو كان لديه خطة عمل من البداية كان سيجد الوقت الكافي لإنجاز خطة الإضاءة. تابع :
الإضاءة في مصر حققت ازدهارا في السنوات الأخيرة بعكس ما كانت عليه في الماضي، حيث كان الاعتماد على الإنارة الكاملة التي يتم تصميمها وتنفيذها في يوم واحد قبل العرض, أما الآن فقد صار هناك اهتمام كبير من المخرجين بمصمم الإضاءة ودخوله بشكل أساسي في فريق العمل بعد ان كان المخرجون قديما يقومون بتصميم الإضاءة بأنفسهم.. أوضح شعلان أن الإضاءة دراسة أولا وقبل كل شيء وتعتمد على العلم بشكل أساسي، مؤكدا أن العلم يعمل على توفير الجهد لأن الذي يقوم بالتنفيذ فنيين وعمال، لذا فإن المصمم غير المدرك لكل التفاصيل يرهق فريق العمل دون نتيجة. أضاف: هناك فارق بين الخريج الدارس وبين الخبرة العملية, وفي الفترة الأخيرة أصبح الطلاب خريجو الفنون المسرحية أو غيرها من المعاهد لديهم خبرة تجمع بين الناحية العملية والناحية العلمية، لأن المسرح في المعهد تطور وتم تجهيزه بأجهزة حديثة يتدرب عليها الطلاب، عكس ما كان يحدث قديما من انعدام الإمكانيات، وكان ذلك سببا في وجود الفنيين الأمهر من الخريجين. أشار كذلك إلى وجود فنيين مهرة مثل فنيي مركز الهناجر لأنهم يتعاملون مع مدارس أجنبية كثيرة ويحصلون منهم على خبرات مختلفة لا يستطيع العلم توفيرها. كدا أن الناحية العملية تكسب الخبرات المختلفة ، مثل موضع مكان الكشاف وأنواع الكشافات, خاصة وأنه تستجد كل يوم تكنولوجيا جديدة. وختم بالقول: إننا نفتقد لوجود العروض الأجنبية الكافية التي تكسبنا الخبرة الكافية. لذا فسنظل ندور في هذا الفلك، لكن في النهاية يظل العلم شيء أساسي ، لا استغناء عنه.