زكي رستم..راهب الفن

زكي رستم..راهب الفن

العدد 631 صدر بتاريخ 30سبتمبر2019

الفنان القدير محمد زكي محرم محمود رستم (وهذا اسمه طبقا لشهادة الميلاد) ممثل مصري عريق من أهم الوجوه في السينما المصرية، وينتمي إلى مدرسة “الإندماج الكامل”. ويذكر أنه ولد في الخامس من مارس عام 1903 بقصر يملكه جده بحي “الحلمية” بمحافظة “القاهرة”، فهو ينتمي إلى عائلة أرستقراطية راقية وكان كل من جده ووالده من باشوات مصر.

كان جده هو اللواء محمود باشا رستم أحد رجال الجيش المصري البارزين، وكان والده محمود بك رستم من كبار ملاك الأراضي الزراعية وعضوا بارزا من أعضاء الحزب الوطنى وصديقا شخصيا للزعيمين الوطنيين مصطفى كامل، ومحمد فريد. وقد توفي والده وهو مايزال بعد صبيا، فتكفل برعايته صديق والده مصطفى بك نجيب، والد الفنان سليمان بك نجيب الذي ظل من أصدقاء الفنان زكي رستم القليلين طيلة حياته. وقد أتاحت له تلك الصداقة فرصة تكوين علاقات قوية مع بعض فناني المسرح آنذاك وفي مقدمتهم الفنان القدير عبد الوارث عسر الذي شجعه على مزاولة هواية التمثيل ثم إلى أحتراف الفن بعد ذلك.
كان “زكي رستم” عاشقا للرياضة وهو صغير ومارس عدة ألعاب ولكنه تفوق في رياضة رفع الأثقال وفاز بلقب “بطل مصر الثاني في حمل الأثقال للوزن الثقيل” عام 1923 (قبل حصوله على شهادة البكالوريا). هذا وقد بدأت هوايته لفن التمثيل وهو طالب فى البكالوريا عام 1924 حين أعجب به الرائد جورج أبيض وضمه الى فرقته.
طبقا للتقليد السائد فى العائلات الأرستقراطية الذي كان يلزِم أبنائها باستكمال دراستهم الجامعية كان من المفترض أن يستكمل زكي رستم دراسته لكلية الحقوق، ولكنه رفض بإصرار دراسة الحقوق وأخبر والدته برغبته في أن يكون ممثلا. الأمر الذي رفضته بشدة وخيرته بين حياته كفنان وبين استكمال حياته معهم، فاختار بلا تردد الفن وانتقل للإقامة بعمارة “يعقوبيان” بمنطقة وسط البلد (بمحافظة “القاهرة”)، حيث عاش بقية حياته. وللأسف فقد تسبب موقفه هذا بإصابة والدته بالشلل حزنا لإصرار ابنها على الإشتغال بالفن، وهو الأمر الذي كان له أثر كبير عليه طوال حياته بعد ذلك. بعد عمله بفرقة “جورج أبيض” انتقل للعمل بفرقة “رمسيس” عام 1925 مع الفنان أحمد علام، حيث أسند اليه تجسيد بعض الأدوار الرئيسة، ثم إلى فرقة “فاطمة رشدي” و(عزيز عيد) المسرحية، ومنها إلى فرقة “إتحاد الممثلين” عام 1934، ثم كانت محطته المسرحية الأخيرة بانضمامه إلى الفرقة القومية عام 1935، وكان يرأسها في ذلك الوقت الشاعر القطرين خليل مطران، وظل يشارك بعروض الفرقة لمدة عشرة أعوام كاملة.
 كانت بدايات مشاركاته السينمائية الأولى مع السينما الصامتة، وذلك حينما شارك بفيلم “زينب” عام 1930، ثم شارك بعد ذلك في أول فيلم مصري ناطق وهو فيلم “الوردة البيضاء” عام 1932، وتوالت أعماله السينمائية لثلاثين عاما متتالية بلا توقف حتى منتصف الستينات تقريبا. ويحسب له بمشواره السينمائي حرصه على تنوع أدواره، بين أدوار الباشا الأرستقراطي إلى الأب الحنون إلى المعلم في سوق الخضار إلى الفتوة، وذلك بخلاف تجسيده لشخصيات الموظف، المحامي والزوج القاسي. وإن كانت أدوار الشر المتميزة هي بصمته التي تألق من خلالها، حيث  اشتهر بتأديتها بشكل بالغ الإتقان والبراعة. وبصفة عامة عرف عنه قدرته الفائقة على تقمص الشخصيات الدرامية التي يقوم بتجسيدها تقمصا كاملا، ومهارته في الإهتمام بأدق تفاصيلها من الملابس والإكسسورات حتى معايشة الجو العام أثناء التصوير بكل تفاصيله، الأمر الذي بدأه مبكرا جدا منذ بدايته في فرقة “جورج أبيض”. ومن أدواره المهمة التي تركت بصمة واضحة في السينما المصرية داخل هذا الإطار أدواره في أفلام: “رصيف نمرة خمسة”، “الفتوة” و”نهر الحب”، “عائشة”.
ومما يثير الدهشة أن موهبته التمثيلية الكبيرة قد اقترنت بميله الشديد الى العزلة، فهو لم يتزوج طيلة حياته كما عرف عنه أيضا ندرة أصدقائه، حيث لم يكن له أصدقاء تقريبا من الوسط الفني ولا حتى من خارجه. كانت علاقته بزملائه تنتهي بانتهاء التصوير وخروجه من البلاتوه (إستديو التصوير)، ولم يكن له علاقات سوى بصديقه الوحيد الفنان سليمان نجيب (المعروف بابن الباشا)، وعلاقة ود وإحترام تربطه بالفنان عبد الوارث عسر. وللأسف بدأ سمعه يضعف شيئا فشيئا منذ أوائل الستينات حتى فقد سمعه تماما، الأمر الذي أجبره على اعتزال العمل الفني نهائيا عام 1968، وربما يفسر هذا سبب عدم مشاركته بالأعمال التليفزيونية (حيث بدأ إنتاج الدراما التليفزيونية في بداية الستينيات وبالتحديد عام 1962).
ومنذ إعتزاله الفن عاش في شقته بوسط القاهرة (بعمارة “يعقوبيان”) يقضى معظم وقته في القراءة، ولم يكن يؤنس وحدته حتى نهاية حياته سوى خادم عجوز قضى في خدمته أكثر من ثلاثين عاما وكلبه “الوولف” الذي كان يصاحبه في جولاته الصباحية. ويذكر أنه قد أصيب بأزمة قلبية حادة نقل على أثرها إلى مستشفى “دار الشفاء”، وفي ساعة متأخرة من ليلة 15 فبراير عام 1972 صعدت روحه إلى السماء عن عمر يناهز التاسعة والستين، ولم يشعر به أحد كما لم يمشِ في جنازته أحد من زملائه الفنانين.
وجدير بالذكر أن الفنان زكي رستم ينتمي إلى جيل الرواد العمالقة الذين لم تتح لهم فرصة الدراسة الأكاديمية ومع ذلك فقد نجح كل منهم في صقل موهبته المؤكدة من خلال اكتساب الخبرات المتتالية عن طريق المشاركة في عدد كبير من العروض المسرحية والعمل مع بعض الأساتذة الدارسين المتميزين وفي مقدمتهم الفنانين: جورج أبيض، عزيز عيد، زكي طليمات. وهو الجيل الذي استطاع أن يشارك في بدايات السينما العربية ويدرك سريعا الفرق بين مخاطبة الجمهور بالمسرح ومخاطبة الكاميرا بالأستديو، فتخلصوا مباشرة من أسلوب الأداء المسرحي الكلاسيكي والمبالغة في الأداء، ويضم هذا الجيل نخبة كبيرة من الأساتذة في مقدمتهم: زكي رستم، حسين رياض، نجيب الريحاني، سليمان نجيب، عبد الوارث عسر، حسن البارودي، أحمد علام، فؤاد شفيق، محمد عبد القدوس، علي الكسار، بشارة واكيم، محمد كمال المصري (شرفنطح)، منسى فهمي، سراج منير.  
×××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××
هذا ويمكن تصنيف مجموعة أعماله الفنية طبقا لإختلاف القنوات المختلفة (مسرح، سينما) مع مراعاة التتابع التاريخي كما يلي:
أولا - أعماله المسرحية:
برغم التألق السينمائي الكبير والانتشار الذي حققه الفنان زكي رستم إلا أن المسرح ظل هو المجال المحبب له حتى تاريخ تفرغه للسينما عام 1945، فهو المجال الذي شهد بدايته الفنية، والذي يشعر من خلاله بنبض واستجابة وإعجاب جمهوره مباشرة، خاصة وقد قضى في العمل به كممثل محترف ما يزيد عن ربع قرن من الزمان، شارك خلالها بعروض أهم الفرق المسرحية (من بينها: “جورج أبيض”، “رمسيس”، “فاطمة رشدي”، “القومية”)، هذا وتتضمن مجموعة مشاركاته المسرحية تجسيده لبعض الشخصيات الدرامية المهمة ومن بينها على سبيل المثال: شخصية أندرسون بمسرحية “تلميذ الشيطان”، بيبوزو بمسرحية “تحت سماء أسبانيا”، د.أحمد سليم بك بمسرحية “الزوجة الثانية”، وشخصية الأمير بمسرحية “المهرج”.
هذا ويمكن تصنيف إسهاماته المسرحية بمراعاة التسلسل الزمني وطبقا لإختلاف طبيعة الإنتاج وتنوع الفرق المسرحية كما يلي:
1- فرق “القطاع الخاص:
- “جورج أبيض”: دولت (1922)، زواج فيجارو، عاصفة في البيت (1924)، المتسول (1924).
- “رمسيس”: كليوباترة (1924)، كرسي الإعتراف، سيرانو دي برجراك (1925)، الحقد، النزوات، وراء الهملايا (1926)، الحب المسكوفي، الشرق والغرب، يوليوس قيصر (1927)، عنتر، العرش، الجريمة والعقاب، المؤامرة، في ظلال الحريم، كل شيء هادئ، الجيش (1928).
- “فاطمة رشدي”: العاصفة، العواصف (1928)، البعث، الجبارة، الشيطانة، العشرة الطيبة، يوسف الصديق، 667 زيتون، فجر، مدام سان جين، مجنون ليلى، مصرع كلوباترة (1930)، آنا كارنينا، فاطمة (1931)، ذات الشعور (1934)،
- “إتحاد الممثلين”: الإسكندر الأكبر، الحلاق الفليسوف، الست درية، العصامي، الفاكهة المحرمة، المستهترة، جميل وبثينة، في سبيل الوطن، الجنرال ريشيليو، القصاص، الولادة بلقيس، فتاة شنغهاي، مجنون ليلى (1934).
2- فرق “مسارح الدولة”:
- “القومية” “المصرية للتمثيل والموسيقى”: السيد (1936)، الحب والدسيسة، اليتيمة، الزوجة الثانية (1937)، مصر الخالدة، أنتيجونا (1938)، تحت سماء أسبانيا، لويس الحادي عشر، تلميذ الشيطان (1939)، المهرج، أوديب ملكا (1940)، النائب العام (1941)، الوطن، الكترا، بيت الزوجية (1942)، الأب ليبونار (1944)، الطاغية (1945).
- وقد تعاون من خلال المسرحيات السابقة مع نخبة من كبار المخرجين الذين يمثلون أكثر من جيل وفي مقدمتهم الأساتذة: جورج أبيض، عزيز عيد، يوسف وهبي، فاطمة رشدي، زكي طليمات، فتوح نشاطي، عمر جميعي، سراج منير، دولت أبيض، بالإضافة إلى المخرج الفرنسي فلاندر.
×××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××
ثانيا - أعماله السينمائية:
شارك الفنان القدير زكي رستم  في مجال التمثيل الـسـينمائي بأداء عدد كبير من الأدوار الرئيسة المؤثرة وكذلك بعض أدوار البطولة الثانية في عدد كبير من الأفلام السينمائية، وقد ذكرت بعض المراجع السينمائية بأن رصيده السينمائي قد بلغ 240 فيلما، وفي الحقيقة أن هذا الرقم مبالغ فيه جدا، حيث يمكن من خلال الرصد لقائمة الأفلام التي أنتجتها السينما المصرية أن نسجل له ما يقرب من ستين فيلما فقط. حيث كانت أولى مشاركاته السينمائية عندما اختاره المخرج الكبير محمد كريم ليشارك في بطولة فيلم “زينب” الصامت عام 1930 من تأليف د. محمد حسين هيكل، وإنتاج يوسف وهبى، وبطولة بهيجة حافظ، سراج منير، زكي رستم، دولت أبيض. في حين كانت آخر مشاركات السينمائية بفيلم “أجازة صيف” عام 1966، إنتاج ماري كويني، سيناريو وحوار محمد أبو يوسف، من إخراج سعد عرفة، وبطولة زكي رستم، نيللي، فريد شوقي، نجوى فؤاد، أبو بكر عزت.
وبصفة عامة يحسب له نجاحه وتألقه في تجسيد عدد كبير من الشخصيات الدرامية المتنوعة، تلك التي حفرت بالذاكرة ويصعب تكرارها ومن بينها شخصيات: صابر أفندي بفيلم “معلهش يا زهر”، عبد الخالق أفندي بفيلم “النائب العام”، فريد الموظف البخيل بفيلم “أجازة صيف”، الزوج القاسي المستبد عزيز بفيلم “أين عمري”، ناظر الزراعة بفيلم “الحرام”، دكتور رجب بفيلم “موعد مع إبليس”، مدبولي الأب المستغل لأبنته عائشة بفيلم “عائشة”، المعلم عتريس بفيلم “الخرساء”، المعلم فرج الصعيدي بفيلم “امرأة على الطريق”، المعلم أبو زيد بفيلم “الفتوة”، كبير العصابة المعلم بيومي بفيلم “رصيف نمرة خمسة”، الحاكم المغتصب بفيلم “مسمار جحا”، شوكت باشا بفيلم “بيت الأكابر”، نزيه باشا بفيلم “العزيمة”، الوزير طاهر باشا الزوج المستبد بفيلم “نهر الحب”.
هذا وتضم قائمة أعماله الأفلام التالية: زينب (1930)، الوردة البيضاء، الضحايا (1932)، كفري عن خطيئتك (1933)، الإتهام (1934)، ليلى بنت الصحراء (1937)، العزيمة، زليخة تحب عاشور (1939)، إلى الأبد (1941)، المتهمة، الشريد (1942)، ليلى البدوية (1944)، الصبر طيب، الحياة كفاح، قصة غرام، هذا جناه أبي، السوق السوداء (1945)، عدو المرأة، عواصف، ضحايا المدينة، النائب العام، هدمت بيتي (1946)، خاتم سليمان، الهانم، غروب، الأب (1947)، ياسمين، معلهش يا زهر (1950)، أنا الماضي، أولادي (1951)، مسمار جحا، النمر (1952)،  حكم قراقوش، بنت الأكابر، قلبي على ولدي، عائشة، بائعة الخبز (1953)، صراع في الوادي (1954)، حب ودموع، موعد مع إبليس (1955)، رصيف نمرة 5، أين عمري (1956)، إغراء، لن أبكي أبدا، الفتوة (1957)، الهاربة، امرأة على الطريق (1958)، نهر الحب، لحن السعادة، ملاك وشيطان (1960)، الخرساء، أنا وبناتي، أعز الحبايب (1961)، يوم بلا غد، بقايا عذراء (1962)، الحرام (1965)، أجازة صيف (1966).
وتجدر الإشارة إلى تعاونه من خلال مجموعة الأفلام السابقة مع نخبة من كبار المخرجين الذين يمثلون أكثر من جيل ومن بينهم الأساتذة: محمد كريم، إبراهيم لاما، ماريو فولبي، عزيزة أمير، مصطفى والي، أحمد جلال، كمال سليم، بهيجة حافظ، أحمد كامل مرسي، هنري بركات، نيازي مصطفى، حسين فوزي، جمال مدكور، كامل التلمساني، عبد الفتاح حسن، عمر جميعي، أنور وجدي، حلمي رفلة، عز الدين ذو الفقار، صلاح أبو سيف، حسن الإمام، يوسف شاهين، محمود ذو الفقار، حسام الدين مصطفى، فطين عبد الوهاب، كمال الشيخ، حسن رمزي، أحمد ضياء الدين، حسين حلمي المهندس، سعد عرفة.

- التكريم والجوائز:
كان من المنطقي أن يتم تتويج تلك المسيرة العطرة والمشوار الفني الثري لهذا الفنان القدير بحصوله على بعض مظاهر التكريم وعلي عدد كبير من الجوائز والأوسمة وشهادات التقدير المحلية والدولية، ولعل من أهم مظاهر تكريمه حصوله على:
- الجائزة الأولى في التمثيل التراجيدي (عن دوره بإحدى مسرحيات فرقة “رمسيس”) بالمباراة الثانية للتمثيل والغناء المسرحي عام 1926.
-  وسام “الفنون والعلوم والأدب” من الزعيم جمال عبد الناصر عام 1962.
- اعتبره بعض النقاد العالميين في عصره الذهبي (أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين) أهم ممثل في منطقة الشرق الأوسط.
- كتب عنه المؤرخ والناقد السينمائي الفرنسي جورج سادول: “إنه فنان قدير ونسخة مصرية من الفنان العالمي أورسون ويلز، بملامحه المعبرة ونظراته المؤثرة”.
- اختارته مجلة “بارى ماتش” الفرنسية بوصفه واحدا من أفضل عشرة ممثلين عالميين، وأطلق عليه لقب “رائد مدرسة الاندماج”، كما كتبت عليه مجلة “لايف” الأمريكية عام 1956 وقالت أنه أعظم ممثل في الشرق وشبهته بالممثل البريطاني “شارلز لوتون”.
- تم اختيار ثمانية أفلام من مجموعة الأفلام المهمة التي شارك ببطولتها ضمن قائمة أفضل مئة فيلم باستفتاء الجمهور والنقاد الذي أجري عام 1996، وهي طبقا لترتيبها بالقائمة: العزيمة (1)، الحرام (5)، الفتوة (10)، صراع في الوادي (25)، السوق السوداء (34)، النائب العام (41)، أين عمري (50)، امرأة في الطريق (72).

وتجدر الإشارة إلى أن الفنان زكي رستم قد شارك بالبطولة جميع نجمات السينما في عصره ومن بينهن على سبيل المثال: بهيجة حافظ، آسيا، أمينة رزق، مديحة يسري، هدى سلطان، نعيمة عاكف، ماجدة، شادية، هند رستم، مريم فخر الدين، صباح، ولكنه كون مع الفنانة القديرة فاتن حمامة ثنائيا فنيا ناجحا، حيث مثل معها أكبر عدد من الأفلام - مقارنة بباقي النجمات - ومن بينها: الهانم، أنا الماضى، عائشة، صراع فى الوادي، حب ودموع، لن أبكي أبدا، نهر الحب، الحرام. وذلك بالرغم من أن الفنانة فاتن حمامة كانت تخاف دائما من اندماجه، وقد صرحت في إحدى حواراتها عنه: “غالبا ما يستولى عليه الإندماج لدرجة أنه حينما يقوم بدفعي أجد نفسي طائرة في الهواء”. وهناك موقف طريف جمع بينهما أثناء تصوير فيلم “الحرام” شهده ورواه الفنان القدير حسن مصطفى (الذي كان يقوم بدور مقاول الأنفار) حيث قال: كنا في تصوير خارجي في إحدى الحقول وقت الظهيرة أثناء تصوير فيلم “الحرام”، وكانت بطلة الفيلم النجمة فاتن حمامة (التي تجسد شخصية عزيزة عاملة التراحيل)، وقد ظلت تطالب المخرج الكبير هنري بركات أكثر من مرة بإعادة مشهد معين لم ترض عن أدائها فيه، وكان يشاركها بطولة هذا المشهد العملاق زكي رستم (الذي يجسد باقتدار شخصية ناظر الزراعة)، والذي بمجرد ملاحظته وشعوره بإرهاق جميع الفنانين والفنيين قال لها بلطف ضاحكا: “يا فاتن بلاش تتعبي الزملاء معانا .. هتعيدي مرة واتنين وتلاتة وأربعة، وبرضه مش هتتفوقي علي أبدا، فكفاية بقى وبلاش تعيدي.”
حقا لقد كان - رحمه الله - نموذجا رائعا للنجم السينمائي المتفرد في مواهبه، البارع في تجسيد وتقمص أية شخصية مهما تعقدت وتداخلت أبعادها الدرامية، وتعددت حالاتها النفسية وتشابكت مواقفها المتقلبة والمتلونة، لدرجة أنه كان بمجرد انتهائه من أداء موقف من المواقف الدرامية أمام الكاميرا حتى تتصاعد موجة من التصفيق من كل الحاضرين في البلاتوه بمن فيهم من شاركوه تمثيل الموقف، وقد لا يتذكر البعض تميزه في الآداء الكوميدي أيضا، حيث برع في آداء بعض المشاهد الكوميدية ولعل من أهمها مشاهده مع الطفلة فيروز في فيلم “ياسمين”، وأيضا مشاهده مع بناته في فيلم “أنا وبناتي”، وكذلك بعض مشاهده بفيلمي “معلهش يا زهر”، “لوكاندة الأنس”.
رحم الله هذا الفنان القدير زكي رستم الذي كان بحق خير نموذج مشرف للفنان العربي، وخير مثال يحتذى به للممثل المثقف الذي يعتز بموهبته والمتمكن من جميع مفرداته الفنية، والذي ظل طوال حياته الفنية يمارس الفن من منطلق الهواية الصادقة، ولذا فقد ظل حريصا خلال مسيرته الفنية على دقة وجودة إختياراته لجميع الأعمال التي يشارك ببطولتها، ومما يؤكد ذلك ارتقاء مستواها الفني بصورة واضحة مما أهلها أيضا لتحقيق النجاح الجماهيري، وأخيرا يطيب لي أن أختتم هذا المقال بتسجيل موقفه الوطني الشجاع عندما رفض عرض شركة “كولومبيا للإنتاج السينمائي” للمشاركة في بطولة فيلم عالمي، وإجابته الحاسمة عندما  سألوه عن سبب الرفض بقوله غاضبا: “كيف أقبل العمل بفيلم يعادى العرب !! .. هذا أمر مرفوض على الإطلاق”.


د.عمرو دوارة

esota82@yahoo.com‏