العدد 668 صدر بتاريخ 15يونيو2020
فقد الوسط الفني والمسرحي مساء الجمعة الثاني عشر من يونيو الجاري رمزًا من رموز الفن التشكيلي والديكور هو الفنان ومهندس الديكور المسرحى حسين العزبى ، وهو من مواليد 14 فبراير عام 1947، تخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1971 من قسم الديكور. درّس بالقسم الحر بالجامعة الأمريكية بالقاهرة ، وكان مديرًا لفرقة مسرح القاهرة للعرائس سابقًا، صمم ديكور وملابس أكثر من 75 عملًا مسرحيًّا منهم: تخاريف ووجهة نظر وماما أمريكا ورصاصة فى القلب وعاشق المداحين، حصل على العديد من الجوائز المحلية والدولية منها جائزة المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب عن بحث علاقة التشكيل بالمسرح الشعبي وجائزة وزارة الثقافة فى الديكور المسرحى عن عرض ماما أمريكا وأحلام ياسمين، وحصل على العديد من شهادات التقدير أبرزها شهادة تقديرية «أوسكار» من C.A.T الدولية فى الديكور. وعلى الرغم من رحيله إلا أنه باقي بأعماله الفنية وروحة الإنسانية العطرة، تاركًا بصمة فى حياة كل من عرفوه،وقد ألتقت «مسرحنا» ببعضهم ليحدثونا عنه وعن ذكرياتهم معه.
قال الفنان محمد صبحي: حسين العزبى كان زميل دراسة فى معهد الفنون المسرحية وتخرجنا وعملنا معًا، قدم أهم الأعمال المسرحية التى قدمتها ومنها تخاريف ووجهة نظر وعلى بلاطة وماما أمريكا، وهو من قام ببناء المنزل الذي أسكن فيه الآن وأنا أسكن بجانبه فى نفس الشارع، وكان يطلعني على أعماله الفنية قبل العرض، كانت علاقتنا معملية، أشخاص يتناقشون ويخرجون أفكارًا.
وأضاف «صبحى»: حسين قام بعمل معارض كثيرة داخل مصر وخارجها، وحصل على جوائز قيمة جدًا تجعلنا نفتخر بأنه حصل عليها، وأتيحت له الفرصة فى متاحف ومعارض كثيرة.
وتابع «صبحي»: لم أرى فى حياتي إنسانا فى أخلاقه وطاقته الإيجابية، خدم النقابة والوسط الفني كله، وهو إنسان على أعلى درجة من الرقى، به نبل كثير جدًا، كان يتناقش معى فى الديكور ويعطينى أفكارا ولا يمل عندما كنت أتعامل معه كمخرج، فى رأيى من أعظم الديكورات التي قدمها فى المسرح كانت مسرحية «الزيارة» لدورينمات بطولة الفنانة سناء جميل والفنان جميل راتب على دار الأوبرا، على الرغم أن المسرحية صعبة، عشق المسرح فكان إنتاجه كله للمسرح، لم يفكر أن يقوم بعمل مسلسل أو فيلم، ، وكان همه الثاني هو كيف عمل معرضً سواء داخل أو خارج مصر.
تابع «صبحي» أيضًا: كان هادئا جدًا و فى الوسط الفني دائمًا هناك مشاكل وصراعات، ولكنه كان إنسان بلا مشاكل، كنت دائمًا أقول له «أنا بقعد معاك باهدى»، كان يستطيع أن يفرغ ما أحمله من توتر ويطمئن المخرج أنه يستطيع أن يُقدم ما يريده، كانت علاقتنا قوية جدًا وكنت أقوم بزيارته كثيرًا لأنه كان يسكن بجانب المعهد، ولم يكن لدينا حوارات إلا القضية الفنية وأحلامنا فى المسرح، كنت على علاقة قوية به فكنت أنا و زوجتى «يرحمها الله» و أولادى وأولاده وزوجته الفاضلة على تواصل وتبادل للزيارات، كانت تربطنا أحلامنا منذ أن بدأنا مسيرتنا الفنية، فهو فنان ذو إحساس مُرهف رقيق، وهذه الرقة تظهر فى أعماله سواء فى لوحاته أو في ديكوراته المسرحية.
رحيله قسم ظهري
فيما قال الفنان د. أشرف ذكى نقيب المهن التمثيلية: كان صديق ورفيق عمري، وأنا فى حالة اكتئاب شديدة جدًا و ظهرى مقسوم بسبب فقداني له.
كذلك قال د. عبد الله سعد الأستاذ بأكاديمية الفنون وأول مُخرج أوبرا فى مصر: من الصعب على أن أقول «يرحمه الله»، يصعب على الإنسان أن يفقد إنسانا كان يعيش معه على السراء والضراء، وفجأة يختفى، الأمر صعب جدًا، رغم أني أعلم أن الموت هو الحقيقة الوحيدة التى نعرفها جميعًا.
وبتأثر شديد استكمل «سعد»: علاقتي به تبدأ من السبعينيات من أكاديمية الفنون، بحكم عملى كممثل ، وهو من أكبر مهندسي الديكور، فترة تعدت الخمسون عامًا، كان بيننا ذكريات جميلة من الناحية الإنسانية والفنية، فعلى الجانب الإنساني كان إنسانا فوق العادة، خدوما وكريما جدًا، ولم ينهر شخصًا ، وكان يلتمس للناس الأعذار، ودائما لديه التسامح والطيبة والكرم الزائد، ، عندما كانوا يحدثوه عن أجره، يقول لهم أعطوا الفنيين من أجرى أولًا، وما يتبقى أرسلوه ليه، قنوعا جدًا ومحبوبا من الجميع.
وتابع «سعد»: عندما دخل مجلس إدارة النقابة كان له دور إنساني فى العلاجات والخدمات والتشغيل، يجعلك تشعر أن المولى عز وجل خلقه لخدمة الناس ونصرة الضعفاء وأن يكون ظهيرا لهم. كانت بيننا علاقة صداقة حميمة، وكنت دائم الزيارة له، وكانت مناقشاتنا فنية وإنسانية، وكان ينصحني بحكم خبرته، أما على المستوى الفنى فكان لديه أكثر من اتجاه، فى الفنون التشكيلية و ديكور المسرح و التصميم الداخلي و العمارة، قدم العديد من المسرحيات للقطاع الخاص والعام تتعدى مئات الأعمال، وكان له دور كبير فى نجاح تلك الأعمال، وكثير من المخرجين كانوا يحبون أن يتناقشوا معه ويكتسبوا منه خبرة، من الناحية التقنية والفنية لأنه على دراية كبيرة ، كان موسوعة، ولم يفرض رأيه يومًا على مخرج ، كان يتناقش فى حدود شغله ، وكان يتميز بأسلوب خاص يجعلك تتعرف على أعماله المسرحية بمجرد رؤيتها.
وأضاف «سعد»: كان له دور كبير فى مسرح الطفل والعرائس، أعتقد أنه يجب أن يُدرس فى تلك الناحية، أما الناحية التشكيلية فكانت له تجارب فى الفنون التشكيلية والرسم تتسم بالخصوصية، وتلك الخصوصية تتمثل في العمل البيئي، كان يتعامل مع النوبة والصعيد ووجه بحري، لوحاته حيه، يعطى للجسم الإنساني داخل اللوحة أبعادا تشكيلية و حركية تجعلك تشعر بأن اللوحة متحركة، لوحاته بها تناسق على مستوى التكوين ، وعلى مستوى الألوان، له تركيبة ألوان خاصة به يتميز بها، بالإضافة إلى أن له ابتكار خاص به خاصة في اللوحات المضيئة، التى يتعامل معها بالألوان الفسفوريك، والتى تعطى بعدين: داخلي وخارجي. له تركيبة ألوان فسفورية مُعينة يستخدمها لكى تُعطى هذا البُعد الداخلي والخارجي من خلال الإضاءة، وهذه تجربة لم يقدمها شخص من قبل فى العالم العربي و ربما فى العالم كله ، استخدم تلك التقنية أكثر فى أعماله عن النوبة والصعيد، خاصة و أن النوبة تمتاز بالألوان الموجودة فى الإكسسوارات والحُلي عند النساء، والملابس الفضفاضة عند الرجال، كانت بالتة الألوان الخاصة به تؤكد بصمته وأسلوبه الخاص، ولم يستطيع أحد تقليد أسلوبه.
وتابع عبد الله سعد : كنت حريصا على التواجد معه فى الأتيلييه الخاص به ، وكنت أرى انبهار الأجانب بأعماله الفنية، كما كنت أستمتع بكل الأعمال المسرحية التى جمعتنا، ومنها تخاريف ووجهة نظر، وكانت تربطه علاقة زمالة وصداقة بالكاتب المسرحى لينين الرملي ، وللأسف العزبى لم يأخذ حقه، على الرغم من انه قيمة تُدرّس، فأسلوبه والمنهجية الخاصة به يجب أن يتم تدريسها سواء فى المسرح أو فى الفنون التشكيلية والفن.
خبرات وتجارب عميقة
كذلك قال مُصمم الديكور والإضاءة عمرو عبد الله الشريف: إنسان نبيل راقي ومحترم ، رفيع المستوى في ذوقه وحسه الفني، تميز بدرجة عالية من الرُقى الإنساني والفني ، كان يميل للجانب العملي لا الأكاديمي، يعتمد على الخبرات والتجارب، كان فنانًا تشكيليًّا بالإضافة إلى كونه مصمم ديكور مسرحي، له مدرسة واتجاه خاص في الفن التشكيلي، ما أثر في أعماله على خشبة المسرح، يميل للابتداع الحر، كان يقرأ النص وينفعل به وينفعل بكلام المخرج، ثم يبدأ يرسم بابتداع حر، والرسم الناتج يقوم بمسرحته. وبالإضافة إلى تميز أعماله التشكيلية القائمة على فكرة النور و الإضاءة فهو من أكثر الناس الذين تميزوا بإحساسه بالنور، فكان دائمًا يربط بين المنظر المسرحي وإضاءته، و قد جمعتني به تجارب كثيرة منها مسرحية عسل البنات وأكثر من تجربة في البيت الفني للمسرح و قطاع الفنون الاستعراضية، وعملت معه في الأتيلييه الخاص به ، ولنا معًا تجارب في ديكور العمارة الداخلية، أهم ما يمكن أن يوصف به هو «النبل» ، فكان يتسم بأخلاق الأمراء، وكان كريما سخيا مع الجميع، حتى من أساءوا إليه، متسامح و نادر الغضب و غير مزعج لأي سبب ، حتى عند وفاته توفى بهدوء دون أن يزعج أحدًا.
وتابع «الشريف»: هناك موقف خاص بي شخصيًّا لن أنساه، عام 2007 قمت بإجراء عملية في القلب بعد غيبوبة وأزمة قلبية حاده جدًا، كان من أول من وقف بجانبي وأنا في الغيبوبة في المستشفى مع أختي . وكان كل همه أن يضع أموالًا في حساب المستشفى حتى يتم دخولي غرفة العمليات، وظل في المستشفى حتى دخلت وخرجت من غرفة العمليات، وكان يتعامل على مستويين، على مستوى عمله النقابي و مستوى الصداقة التي جمعتني به .. تابع : انا من الجيل الذي تأثر بجيل الرواد و ومنهم الفنان حسين العزبي ، كانت علاقتنا أوسع من مساحة العمل المسرحي، فهو حالة غير متكررة، ، له منهج يتسم بالرقة و الشاعرية، و كان يحقق مفاهيم السينوغرافيا في اللوحة التشكيلية، لذلك فهو باقٍ بتلاميذه وبفنه وبسيرته العطرة، رحمه الله.
إبداع مرئي
فيما قال د. صبحي السيد: هو من مبدعي الصورة المرئية فى الفن المسرحى، كان رحمه الله عليه دمس الخلق طيب المعشر كفراشة زاهية الألوان مبتسما، محبًا للمهنة منصفًا لها ومحبًا لزملائه قدر استطاعته، ودودًا بشوشًا هادىء الطباع، يتحلى بالصدق الفني فى أعماله وكثيرًا ما كان يبحث عن الصيغ الجمالية فى المناظر المسرحية المعبرة والدالة، ويلجأ غالبًا إلى الفن التشكيلي ليستند إليه فى تصميماته وصيغه الإبداعية، وكان يتابع الأجيال الجديدة ويشجعها ويدفع المبدع الجديد بإنصافه فى التقييم، ولا يتأخر فى الإشارة إلى من تميز بالإبداع.
وأضاف «صبحى»: امتلائه تشكيليًّا وتحققه فنيًّا جعله يشهد لغيره بصوتٍ عالٍ، لذا فقد أثر فى كثير من مريديه إنسانيًّا ثم إبداعيًّا، وكان له مذاق تشكيلي حر يميل إلى التعبيرية التجريدية كان ينطلق بألوانه الموحية والمعبرة وكانت لخطوطه الرشيقة وألوانه أثر كبير فى القدرة على التعبير عما يجول بخاطره وخيالة وكان لصدقه الفني الأثر البالغ فى المتلقي الذى استقبل إبداعاته بحب واستيعاب، وكان عاشقًا لتصميم الملابس وعمل لوحات تشكيلية منها بجانب تصميمه للمناظر المسرحية، كما أبدع فى التصميمات المعمارية من الناحية الجمالية وانطوى عالمه الإبداعي على نسق حياته فعاش أسيرًا للفن وخادمًا له ولزملائه من خلال شعبة الديكور بالنقابة وكانت براعته لا لسبب إلا لأنه محبًا لزملائه ومحبا للعمل العام.
قدوة ونموذج
فيما قال مُصمم الديكور حازم شبل: م. حسين العزبى من خريجي الدفعة المميزة جدًا، دفعة 70 و71، وكان صديقا لأستاذي د. صبرى عبد العزيز، وعندما كنت طالبًا، كان يأتي لزيارتنا فى معهد الفنون المسرحية، فى أواخر الثمانينيات، وكان فى قمة تألقه ونجاحه، وكنا نراه قدوة ونموذج، وكنا جميعًا فى المعهد نحاول أن نكون مثله فى فنه وخُلقه، استفدت منه فنيًّا، وكان له طابع جميل جدًا فى استخدامه للفن التشكيلي، وتقديمه لمعارض بالألوان بالإضاءات الفسفورية، وكان مصمم ديكور وأزياء متميز جدًا وبخاصةٍ في العروض الاستعراضية، وقدم عروضا رائعة على مسرح البالون، و مجموعة مسرحيات مع دفعته وصديقه محمد صبحى، تتميز بالبساطة و مناسبة جدًا للدراما المُقدمة.
وتابع «شبل»: كان له دور مهم جدًا بحكم عمله فى شعبة الديكور فى النقابة على فترات طويلة جدًا، وقدم خدمات لكل الأعضاء من كل التخصصات، بخلاف ذلك كان رجلا «شيك» خُلقًا وتصرفًا وشكلًا ومضمونًا، وعندما قمنا بعمل أول معرض لمصمي الديكور عام 2012، كان داعما لنا وتشرفنا بمشاركته بلوحاته، وكان داعم لاشتراكاتنا الدولية، ودائم الاتصال بنا للاطمئنان علينا وتشجيعنا .. لقد خسرنا قامة كبيرة جدًا خُلقًا وفنًّا، هو أيضًا مصمم الديكور والأزياء الوحيد تقريبا الذى حاز على جائزة التفوق وهى من جوائز الدول،ة وتم تكريمه فى مهرجانات مصرية وعربية، وهو يستحق كل هذا التكريم وأكثر.
نموذج للاحتواء
بينما قال مُصمم الديكور والأستاذ بقسم علوم المسرح جامعة حلوان د. محمد سعد: كان يحتوى الأجيال الصاعدة من مهندسي الديكور، ونحن جميعًا تعلمنا تحت قيادته، أول أعمالي كمهندس منفذ كانت معه، وتعلمنا منه كيفية قيادة العمل الفني وليس مجرد التصميم، كانت لديه ملاحظات ليست فقط فى الديكور، ومن أهم مميزاته كأستاذ أنه على علم بأنه يحتاج إلى أجيال، فكان يفتح مجالات لكثير من الأشخاص، ويرى من يستطيع أن يصمد ويطور من عمله، كنت معه على تواصل دائم لمدة عشر سنوات، من خلال أعماله ومتابعاته لنا كمهندسين حديثي التخرج، كان يتابعنا بشكل أبوي.
وأضاف د. محمد سعد: م. حسين لم يحصل على درجة الدكتوراه ولكنه مهندس خبير، تم استضافته فى جامعة حلوان قسم علوم المسرح بكلية الآداب جامعة حلوان، ودرّس للطلبة ما يقرب من أربع سنوات تصميم أزياء، وطريقته فى التدريس مختلفة تمامًا، استطاع أن يُخرج جيل من الفنانين قادرين على استيعاب طرق ومدارس فى التصميم جديدة، واستطاع خلال تواجده فى كلية الآداب قسم علوم المسرح، أن يصنع بصمة مختلفة تمامًا عن الطرق التقليدية فى التدريس وتعليم الفنون.
وتابع د. محمد سعد: عام 2004 شاهد لى عرض «كاليجولا»، وبعد العرض قال لى «أنت وريث حسين العزبى»، أنت تُكمل مشواري الفني، ففى هذا العرض قدمت معرضًا فنيًّا فى الصالة الداخلية لمسرح الطليعة إلى جانب المسرحية نفسها، فكان فخورا بى ، وكان «العزبى» متعدد المواهب، تطرق لكل مجالات التخصص من فن تشكيلي ومعارض وتصميمات داخلية وتصميمات فيلل وتصميمات ديكور وأزياء مسرح، وانتشر على كل المستويات الفنية فى مصر والعالم. هو فنان شامل له بصمات مختلفة وطابع مميز و له دور مهم فى تطوير مسرح العرائس بشكل إدراى وفنى.
احترام فني متبادل
فيما قالت مصممة الأزياء والديكور نعيمة عجمي: زميل وصديق وفنان ذو روح صافية ونقية، كنا متابعين جيدين لأعمال بعضنا البعض، وأنا من المبهورين به، لأن أعماله ممتازة ورائعة جدًا، تلفت انتباهي جدًا تصميماته للأزياء، وكان يصنع شيئًا فى تصميمات الرسم بشكل مختلف كما لو كانت «كولاج»، فكان يزيد انبهاري عند تنفيذها، لأنني لم أكن اتخيل أنها ستنفذ بهذا الشكل الرائع.
وأضافت «عجمى»: للأسف لم يجمعني به عمل، ولكن كُنا دائمًا نتقابل فى مناسبات وزارة الثقافة وافتتاحات المعارض، وكنت حريصة جدًا على حضور معارضه الفنية، لأننى كنت من المعجبين والمبهورين جدًا بفنه وأعماله الراقية، وفى أول مقابله معه أحضرت له هدية بسيطة وهى لوحات تشكيلية لرسومات شعبية خاصة بى، فسعد بها جدًا، وأثنى على أعمالي، فكان يرى أنني أهتم بالتفاصيل والألوان بدقة، وكان يحضر أعمالي ، وكان زاهدا في الفن ، فلا نسمع عنه غير أنه فنان وإنسان بمعنى الكلمة.
في مكان افضل
لم يختلف أحد على إنسانيته ونُبل أخلاقه وتميزه فنيًّا، حدثنا المُخرج ومهندس الديكور إيمن عبد المنعم قائلًا: كان أستاذي بكلية الآداب قسم المسرح بجامعة حلوان، يُدرس لنا ديكور وأزياء مسرحية، بعدها استمرت علاقتي به، كان أخًا وأبًا وإنسانا ، دائمًا يقف فى ظهرى وفى ظهر جيل كامل من الفنانين، خبر وفاته كان مؤلما جدًا لدرجة أن ابني الصغير بمجرد أن عرف الخبر انهار من البكاء وقد كان يعتبره جده، جميعنا فى صدمة ولكن عزائنا الوحيد أنه بالتأكيد فى مكان أفضل.
وأضاف «أيمن»: كان بيته مفتوحا للجميع ، كان سابقًا لعصره كثيرًا، سواء على مستوى السينوغرافيا أو على مستوى الفن التشكيلي فله بصمة واضحة، و أسلوب تفرد به على مستوى مصر والعالم العربي كله، وكان يستمتع بتلاميذه حوله فى منزله، ويصنع لنا بنفسه الطعام، كان متواضعا إلى أقصى درجة، كنت على تواصل دائم معه، وكنا معه فى آخر معارضه فى الهناجر قبل أزمة الكورونا، وعلى الرغم من معاناته مع المرض إلا أنه كان يُجهز لمعرض جديد ولكن للأسف وافته المنية.
حماس ذاتي
وقال مصمم الديكور الشاب مصطفى التهامي: فى تكريمه فى المهرجان القومى للمسرح، حضر على كرسي متحرك، شغفه وحبه للمسرح وتكريمه وهو على قيد الحياة كل ذلك أعطاه طاقة كبيرة جعلته يترك كرسيه ويمشى من سعادته بالتكريم وبتواجده وسط مُحبيه ومعجبيه، وهو ما تأثرنا به جميعًا ساعتها، كان لديه حماس فني ذاتى.
وتابع «التهامي»: جمعني به موقف شخصي، حيث عُرض على تكملة تصميم ديكور مسلسل، فعندما سألت عن اسم المصمم الذي كان قبلي صُعقت أنه الفنان حسين العزبى، وتعجبت جدًا أنهم أحضروني ، فهو في مكانة عالية جدًا ومتميزة وأنا مازلت في بداية حياتي، وعندما حدثته فى ذلك لكى استأذنه ، رحب جدًا و أبلغنى أن مشكلته كانت فى جزء مُعين مع الإنتاج ، وكان سعيدا جدًا وشجعني كثيرًا وكان على تواصل دائم معي.
كذلك قال الناقد أحمد خميس: هو واحد من الفنانين القلائل الذين استطاعوا أن يطوروا فى الديكور وأزياء المسرح، إلى جانب إقامته لمجموعة من المعارض التشكيلية الخاصة، التى يُرينا من خلالها تميزه فى جوانب أخرى فى الجانب التشكيلى، فعلى سبيل المثال كان لديه معرض تحت عنوان «التنورة»، وهذا المعرض كان يُبين كفاءة حسين العزبى فى الاشتغال بالألوان ، ومن الناحية استطاع أن يعمل مع فرق مسرح الدولة بأنواعها المختلفة، فمؤخرًا قدم مع المسرح القومى مسرحية «يا غولة عينك حمرا» وفى نفس الوقت ععمل على أكثر من نوع فى القطاع الخاص، وبين كفاءة كبيرة، كما في مسرحيات وجهة نظر وتخاريف وماما أمريكا وأنا ومراتى ومونيكا، فكان لديه تنوع ووعى كبير بمن يعمل معهم، وكان لديه إدراك كبير لأنواع الخامات المختلفة وكيفية تطويعها، وعمل ديكور مسرحي يُناسب طبيعة الإنتاج، أيضًا له وجهة نظر جمالية في الأزياء المناسبة لكل عرض.
وأضاف أحمد خميس: حصل على العديد من الجوائز التقديرية للدولة مثل الجائزة التشجيعية، لأنه قدم بحثا عن الأزياء والديكورات المستخدمة فى المسرح الشعبي والمناسبة له، وأتمنى الرجوع للمجلس الأعلى للثقافة ونشر هذا البحث حتى لو من خلال جريدة «مسرحنا»..
تاريخ كبير
قال الممثل والمُخرج تامر كرم: هو تاريخ بمعنى الكلمة، فنحن نتحدث عن رجل صمم مسرحيات كبيرة كماما أمريكا وتخاريف ووجهة نظر ودو رى مى فاصوليا، نحن نتحدث عن تاريخ فى المسرح، ولكن عندما يكون ذلك التاريخ يحمله إنسان مهذب جدًا ومشجع لكل من حوله، يكون ذلك إبداعًا على المستوى الشخصي والإنساني والفنى، وكان مُشجعا جدًا للشباب الموهوبين، وكان عندما يُشاهد أعمالي يثنى عليها ويمدح فيها بشكل يجعلني أكثر حماسًا للاستمرارية.
اضاف تامر كرم: زاملته كعضو لجنة تحكيم في مهرجان النقابة، وكنت أصغر عضو فى اللجنة وهو كان قامة كبيرة جدًا، وأتذكر أننى اختلفت معه وانفعلت بشده لتأييد حصول شخص على جائزة مُعيّنة، وكان هو مُعارض لهذه الفكرة، وأخذني عنفوان الشباب وتأييدي لرأيى، وكان حكيم جدًا في احتوائي وعرض وجهة نظره، وبعد انتهاء المناقشة وحسمها برأي الأغلبية، أهتم بأن يتأكد أنني غير غاضب منه، وأنها مناقشه عادية جدًا، مع أنني من انفعلت وهو كان يكبرني سنًا ومقامًا، ولكنه كان مُدركا لعنفوان الشباب و حماسهم وأحلامهم.
تابع تامر كرم: كان متعاونا ومحبا وعادلا فى قراراته، لم يكن له مصالح مع أحد كان نموذجا مثاليا للشخص الخلوق المُهذب، وللأسف هُناك الكثيرين لا يعرفونه، لأن مهندسي الديكور عملهم أكثر وراء الكواليس، فلا يظهرون بشخصهم للجمهور كثيرًا.
وقال المخرج مازن الغرباوى: نعزي أنفسنا في الوسط المسرحى والفنى والثقافي فى مصر والوطن العربي، وقد فقدنا قيمة كبيرة مثل الفنان حسين العزبى على المستويين الفني والإنساني، الذي كان يُلقب بـ»ساحر الصورة المسرحية»، استطاع أن يُقدم عروضا أسهمت في تحديث الصورة المسرحية، على المستوى المرئي والسينوغرافى، سواء في القطاع العام أو الخاص، وعروضه شاركت فى تطوير وصناعة شكل الصورة المسرحية.
وتابع «الغرباوى»: استطاع بمعارضه الفنية وعروضه المسرحية أن يحفر اسمه وسط مجموعة من أهم السينوغرافيين على مستوى العالم، فهو مسيره فنية كبيرة، إلى جانب الشق الإنساني الذى تميز به، و اعتقد أنه من الأسماء التي لن تتكرر فى المسرح المصرى. أضاف : اتذكر ونحن طلبة فى معهد الفنون المسرحية أو فى مرحلة المسرح الجامعي، عندما كُنا نُشاهد مسرحيات مهمة أو بها تطوير فى شكل السينوغرافيا، كان لا بد بعد انتهاء العرض أن نجد اسمه على هذا العمل، فعلى مستوى علاقتي به كمخرج، فقد تربينا على أعماله، وللأسف لم يحالفني الحظ أن يجمعنا عملً واحدً، ولكنه كان دائمًا ما يعطيني نصائح، وكان يرى من وجهة نظره أنني من المخرجين المهتمين بتطوير الصورة، تقريبًا حضر لى كل عروضي، وكان يقول لى أنت الأمل والمستقبل.
لجان تحكيم ساقية الصاوي
كذلك قال مدير قسم المسرح بساقية عبد المنعم الصاوي أحمد رمزي: بداية معرفتي به كانت من خلال احد معارضه التشكيلية، وبعدها أصبحنا أصدقاء، وتوطدت علاقتنا ولم يمانع أبدًا أن يكون أحد أعضاء لجان التحكيم بمهرجانات الساقية المسرحية، و تشرفنا بذلك بدايةً من 2005 حتى عام 2017، وكان يُشارك فى التحكيم مع د. هاني مطاوع ود. نهاد صليحة (يرحمهم الله جميعًا)، وقد تعلمنا منه بالتأكيد ليس فى مجال الديكور فقط، ولكن فى مجال المسرح بشكل عام، وكان الفنان حسين العزبى تجمعه علاقة صداقة بالمهندس محمد الصاوي مؤسس الساقية، وكان مُقربا إليه جدًا.