مسرح الحي وحسن حنتوش

مسرح الحي وحسن حنتوش

العدد 632 صدر بتاريخ 7أكتوبر2019

عادة ما تنجز الحروب مسرحا مخالفا ومغايرا لحالة السلم.. وفي أمريكا أثناء حرب فيتنام ظهر مسرح الحي (Living Theater) هذا المسرح عرض وناقش حالات الآباء والأمهات من الأمريكيين الذين فقدوا أبناءهم في حرب فيتنام، وعرض ما يسمى بالتحول الإنساني إلى اللاإنساني أثناء الحرب، فيتحول الجندي الإنسان إلى وحش غاضب دون سبب لأنه قد قاموا بغسيل دماغه بشعارات الوطنية والشهادة في سبيل الوطن، وما هو الوطن.. هو اللغز الذي يفسر تفسيرا ساذجا بأنه الأرض ويفسر تفسيرا شاعريا بإنه الروح ويفسر تفسيرا اجتماعيا بأنه الذكريات والأهل والجيران والأصدقاء.
على أية حال هذا حسن حنتوش قد جاءكم بمسرح الحي في العراق من تأليف وإخراج علي عصام بمسرحية (فريد)، وفريد هذا هو الفرد الإنسان المطحون المجنون المسحوق الصادق المعبر عن ضمير الشعب العراقي.. والغاضب من كل شيء حتى من قدره.
فيقول في المسرحية: “صلاة وصليت.. صيام وصمت.. وهسه راح اطوف.. لبيك اللهم لبيك.. إن الدجلة والفرات لك.. والموت لا شريك لك.. أنا ذلك المخلوق الذي ينام في القبر.. القبر الذي دفن فيه عالمي ونافذتي على الآلام أنا ذلك الصوت الذي تسمعونه في أزيز ما عند الغليان.. أنتمي لهذه الحروب على هذه الأرض..”.
إن فريد بطل هذه المسرحية هو ملايين الشباب العراقي الموجوع الموسوم بالحزن والتضحية والاستسلام لواقع مر.. إن حسن حنتوش ليس صوت المؤلف علي عصام بل هو صوت يومي الشارع الدكان المقهى الجامعة المدرسة صوت الجيران والبقال والنقاش والحداد والجندي الذي يحمل سلاحا دون تدريب.. والمحكوم عليه بالإعدام شنقا أو تجاهلا أو هجرة إلى الخارج وقد كتب عليه أن يخون أهله ويتركهم ويسافر ويخون وطنه بطائفية محدودة حمقاء ويخون نفسه تاركا أحلامه على ضفتي دجلة والفرات.
التقارب شديد بين مسرح الحي الذي ظهر في أمريكا أثناء حرب فيتنام ومسرح حسن حنتوش الذي ظهر بعد حرب أمريكا في العراق.. حرب مجنونة بلا سبب حقيقي.. فتركت الجنود ينتشرون في الحواري والأزقة والشوارع..
إن الغريب أن حسن حنتوش وبالتأكيد قد ولد بعد حرب فيتنام ولا ولن يكون متابعا لهذا النوع من المسرح.. إن هذا المسرح ولد ولادة طبيعية أثناء الحروب أو بعدها.
إن مسرح حسن حنتوش (الحي) جعل الجمهور ينتقل غالبيته على خشبة المسرح وهذا ما حدث تماما في مسرح الحي الأمريكي حيث انتقل الجمهور إلى خشبة المسرح وقاموا بالصراخ في وجه الحرب وفي وجه الظلم الأمريكي للشعب الفيتنامي الفقير.. لحظة عبقرية أن يتوحد الجمهور بخشبة المسرح وبالممثل وبالقضية فيصبح الجمهور والممثل قضية واحدة أو يصبح الثلاثة معا، وهو في تلك الحالة يحقق المسرح الحقيقي.
في أمريكا قامت الدولة بتكوين فرق مسرحية حتى تقضي على فرقة مسرح الحي من الحياة وليس من المكان.. أما في العراق فقد هوجم حسن حنتوش ربما لأنه يفتح الجرح على وجه الشعب العراقي.. من هجرة وفتنة طائفية والقتل بلا ثمن والخيانة التي تنتشر كالماء والهواء.
وحنين إلى بغداد والعراق الذكرى العظيمة في التاريخ وهذا الشجن الخفي الذي ينتشر في الأغاني والمواويل والنحيب والدموع لذكرى الحسين وذكرى اغتصاب بغداد من الأمريكان.
إن حسن حنتوش دخل تاريخ المسرح لدقائق ولكنها ستبقى في ذاكرة الوعي الجمعي للمسرح العراقي وقد تكون لحظة جنون مسرحية يحترمها كل الذين أصيبوا بحلم مسرح الجماهير.. لن يعجب هذا المسرح بعض الساسة وبعض النقاد وكثير من الخونة ولكنه يبقى في الذاكرة.
العراق العظيم الذي أنجب للمسرح العربي عباقرة منهم عزيز خيون وقاسم محمد وإبراهيم جلال ويوسف العاني وعوني كرومي وصلاح القصب، وغيرهم وغيرهم مئات من الأسماء والمصابيح التي أضاءت فضاء المسرح العراقي بالجمال والصدق والحوار والبحث عن الأفضل.


السيد حافظ