العدد 630 صدر بتاريخ 23سبتمبر2019
ثمن الحرية
تحررت الكويت من الغزو، فقام أحمد عبد الحليم بإخراج مسرحية (أبطال السلاحف) – لمسرح الطفل خارج المعهد - تأليف عبد الرحمن العقل، والتي عرضت يوم 10/ 12/ 1991 على مسرح سينما السالمية. وقام بتمثيلها: عبد الرحمن العقل، محمد جابر، جمال الردهان، نوال (غناء)، سماح، عبد الناصر درويش، أحمد فرج، وليد سراب، عادل اليحيى، منى شداد، عبد الله الطرموم، صلاح الفيلكاوي، فؤاد الجريدان، بسام فرج، خالد العقل. وموضوعها يحكي قصة الغزو للأطفال من خلال غزو الأشرار لإحدى المدن الأمنة ويقومون بتعذيب المواطنين وسرقتهم وقتلهم. فيستعين أبناء المدينة بأبطال السلاحف، الذين يقومون بمساعدتهم وتخليص المدينة من الأشرار وإعادة الحياة الطبيعية إليها.
ومع تحرير الكويت، عاد المعهد العالي للفنون المسرحية إلى رسالته الفنية، فقام أحمد عبد الحليم باختيار مسرحية (ثمن الحرية) لعمانويل روبلس ترجمة دكتور سهيل إدريس؛ لتكون أنسب مشروع طلابي يعكس قضية الساعة، أو الحالة الراهنة وقتئذ! وبرر أحمد عبد الحليم اختياره هذا – في كتيب المشروع - قائلا: «هي من أقوى المسرحيات الحديثة التي تحمل روح النضال والتضحية في سبيل انتصار الحق والحرية. وهي تتناول موضوع وحشية الإرهاب والاحتلال الإسباني لفنزويلا عام 1812. مسرحية (ثمن الحرية) هي اختيار تم على ضوء الظروف التي مرّت بها هذه الأرض الطيبة (دولة الكويت)، التي وسعت عطاءاتها الخيرة كل إنسان وطأت قدماه أرضها والتي لم تقف عند هذا الحد، بل امتدت إلى خارج حدودها، إلا أن يد الغدر امتدت فطالت مقدرات هذه الأرض بالاحتلال العراقي الغاشم الذي يتماثل مع أحداث المسرحية. ثمن الحرية لا يعلوه ثمن إذ إن حياة الإنسان هي الثمن. وهل هناك شيء أغلى من حياة الإنسان ومع ذلك فإن الحياة يرخص ثمنها أمام الحرية والتحرر من الاحتلال الغاشم».
هذا المشروع قدمه طلاب البكالوريوس في صيف 1992، وهم: إبراهيم الزدجالي، فهد السليم، يوسف الهندي، إيهاب قدري، سعادة الإسماعيلي، جاسم الأنصاري، نادر الحساوي، محمد جعفر الحلوجي، داود عبد الخالق سليمان. والجدير بالذكر، إن مسرحية (ثمن الحرية)، سبق وأن قدمها المعهد في صورة مشروع عام 1983، وهو آخر مشروع أشرف عليه الدكتور سناء شافع عندما كان معارا في الكويت. وهذا المشروع قدمه الطلاب: داود حسين، محسن وجيه، جهاد العطار، إبراهيم أبو خليف، عبد الله الأستاذ، موسى عبد الرحمن.
وفي نهاية هذا العام الدراسي، أخرج أحمد عبد الحليم آخر مسرحية له للكبار خارج المعهد، وهي (الواد ده كويتي)، تأليف صريح سالم. وقدمت يوم 23/ 12/ 1992 على خشبة سينما غرناطة بخيطان. تمثيل: نجاح الموجي، خالد العقروقة الشهير بولد الديرة، صالح الباوي، سماح، ناجية إبراهيم، منى عبد المجيد، جاسم الصالح، سعود البناي، صلاح الفيلكاوي.
عائلة توت
في عام 1993، اختار أحمد عبد الحليم مسرحية (عائلة توت)، متأثرا بمظاهر غزو الكويت! والمسرحية من تأليف استفان أوركيني، وقدمها طلاب البكالوريوس، وهم: مجيد عبد الرحيم، رشا شنون، ديانا وليد، محمد العقروقة، عبد الرحمن جابر، حسن منصور، خالد البناي. وفي برنامج مشاريع المعهد لهذا العام، نشر أحمد عبد الحليم كلمة، أبان فيها أهمية هذه المسرحية بالنسبة لتدريب الطلاب، قال فيها:
«ما زال قسم التمثيل والإخراج يعطي الملامح الأساسية في تكوين طالب الفن عبر أربع سنوات دراسية من خلال برامج نظرية وعملية تؤهله إلى أن يأخذ دورا فعالا في الحركة المسرحية التي تتطلب المزيد من الفنانين المثقفين من أجل نمو وازدهار واستقرار المسرح في إطار حضاري يساهم في بناء سور ثقافي يحمي هذه الأرض الطيبة من التأثر بمناحي قد تعبث بأصالة وجذور المسرح الكويتي، فكلما تعددت الكوادر المسرحية الثقافية عبر الزمن ومن خلال هذه المؤسسة الفنية.. كلما اقتربنا إلى بر الأصالة والجذور والحضارة التي لا تبنى إلا بأيدي أبنائها».
ومسرحية (عائلة توت) تدور أحداثها حول أسرة تعيش في زمن الحرب، تنتظر انتهائها حتى يعود إليها الابن؛ لأنه أملها المنتظر. وفي أحد الأيام تستلم الأسرة رسالة من ابنها يخبرهم فيها أن قائده العسكري (الجنرال) سيكون في مهمة قريبة منهم، فاقترح عليه أن ينزل ضيفا عليهم فوافق الجنرال. ومنذ وصول الرسالة والأسرة في انشغال كبير من أجل راحة الضيف. يأتي الضيف ويمكث في البيت فترة طويلة، وكأنه استعمار جاثم على صدر الأسرة بأكملها؛ حيث جعل البيت معسكرا وأفراد الأسرة جنودا يلبون طلباته وأوامره! وظلت الأسرة على هذا المنوال حتى جاءهم الخبر الحزين بأن أملهم الوحيد مات في جبهة القتال!! ودلالات القصة، وعلاقتها بغزو الكويت، وآثاره الاجتماعية والنفسية واضحة!
أرض لا تنبت الزهور
في يناير 1994، عاد أحمد عبد الحليم إلى أعمال كاتبه المفضل محمود دياب، واختار منها مسرحية (أرض لا تنبت الزهور)، لمناسبة موضوعها مع الآثار الاجتماعية المترتبة على غزو الكويت! وجعل منها مشروعا لطلاب البكالوريوس، وهم: سامي الهجرس، محمد دحام الشمري، علي طارش، حسن إبراهيم، حسن علي علي، مي الشكري، أنيس حبيب.
والمسرحية تدور أحداثها في القرن الثالث الميلادي حول الملكة الزباء، التي قُتل والدها بيد ملك الحيرة؛ فتنتقم الملكة من القاتل بقتله في قصرها من خلال خدعة؛ نجحت من خلالها في استدراجه إلى قصرها، ومن ثم قتلته! وعلى الجانب الآخر نجد وزير الحيرة يقرر الانتقام من الملكة، فيقوم بتحريض ملك الحيرة الجديد – ابن الملك القتيل – كي يثأر لأبيه. ويبدأ وزير الحيرة في تدبير المكيدة، بأن أوهم الملكة الزباء بأنه على خلاف مع ملك الحيرة الجديد، ويطلب البقاء في قصرها فتوافق. وبمرور الوقت ينجح الوزير أو الجاسوس في إدخال ملك الحيرة متخفيا وسط تجار وبضائع! ومع مرور الوقت نجد مشاعر ملك الحيرة تتبدل تجاه الزباء! فبدلا من قتلها والثأر لأبيه، نجده يقع في حبها ويطلب منها الزواج، ويعترف لها بحقيقته وحقيقة ما كان ينوي القيام به! فنجدها ترفض طلبه – رغم حبها له - لأنها تعلم أنه لو نسى أنها قتلت أباه، ونست هي أن أباه قتل أباها.. فإن الشعب لن ينسى ذلك.. فالأرض التي ارتوت بالدماء لا تنبت زهورا!
اضبطوا الساعات
كان عام 1996، هو آخر أعوام أحمد عبد الحليم في الكويت؛ بوصفه أستاذ التمثيل والإخراج في المعهد العالي للفنون المسرحية! وبطبيعة الحال قام بالإشراف على آخر مشاريعه الطلابية، واختار له مسرحية (اضبطوا الساعات) لكاتبه المفضل محمود دياب!! وشارك في عرضها طلاب البكالوريوس، وهم: جابر غلوم، رشا مصطفى، نايف بن مبارك، سامية الدوب.
وتدور أحداث المسرحية حول أسرة متكونة من أب وأم وابنتين وابن. الابنة الصغرى ثريا حامل وعلى وشك الوضع. والابن نبيل يحب فتاة ويأمل الزواج بها ولكنه ينتظر زواج اخته الكبرى عايدة. والأخت الكبرى عايدة، طلب يدها شاب اسمه مجدي وحدد موعدا للخطوبة؛ ولكنه لم يأت لظروف قاهرة! وظلت عايدة تنتظره الأيام والشهور والسنين، وترفض جميع الخُطّاب، وظلت عشرين سنة على أمل رجوع مجدي! وفي أحد الأيام عادت من عملها مبتهجة وزفّت خبرا سارا لأسرتها، بأنها قابلت مجدي وسيأتي اليوم في التاسعة تماما من أجل خطبتها. وتدور الأحداث الأساسية للمسرحية حول التحضير لاستقبال مجدي. ويأتي الموعد ويتأخر مجدي، فيقلق الجميع عدا عايدة، التي تتهم ساعاتهم بالتعطيل، وتطلب منهم ضبط الساعات على التاسعة عندما يأتي مجدي.. وتنتهي المسرحية.. والجميع في انتظار مجدي!
لم أجد تفسيرا لاختيار أحمد عبد الحليم لهذه المسرحية؛ لتكون آخر مشاريعه الطلابية في الكويت – رغم كونها لكاتبه المفضل محمود دياب - سوى القول بأنها اختيار شخصي نفسي نابع من عقله الباطن! حيث إنها تُعدّ معادلا موضوعيا لحالته النفسية في هذا العام، بوصفه آخر أعوامه بعد أن وصل إلى سن الخامسة والستين، وهو السن الذي لا يستطيع أن يتجاوزه وهو في الكويت – حسب القوانين وقتئذ - بعد أن مكث فيها أكثر من عشرين سنة. وهذا هو حال مجدي الذي غاب عن عايدة عشرين سنة ولن يعود! وإن كانت عايدة تمني النفس بعودته مرة أخرى، على الرغم من قناعتها باستحالة عودته! فهذا هو الحال نفسه عند كل طالب وطالبة في هذا العام ممن يمنون النفس بعدم سفر أستاذهم أحمد عبد الحليم، أو الأمل مستقبلا في عودته مرة أخرى إلى الكويت!!
وكما بدأ أحمد عبد الحليم عمله في الكويت مخرجا خارج المعهد، أنهى عمله في الكويت مخرجا خارج المعهد أيضا، حيث أخرج آخر أعماله الفنية في الكويت، وهو مسرحية (الساحر حمدان)، تأليف السيد حافظ، إعداد حمد الرقعي. وعُرضت يوم 16/ 9/ 1996 على مسرح حولي للمسرح الحر. وقام بتمثيلها: طارق العلي، عبد العزيز الفهد، منى شداد، مبارك سلطان، سعود الشويعي، مشاعل شداد، سليمان المرزوق، صلاح البابا، فاتن الدالي، فاضل معتوق.
خلاصة الرؤية الإخراجية
تحدثت في بداية هذه الحلقات عن رؤية أحمد عبد الحليم الإخراجية، وكيف تشكلت في مصر – طوال سبع سنوات - من عام 1967 إلى 1974! وانتهيت إلى نتيجة، مفادها: إنه يعشق الموضوعات ذات المضامين الإنسانية، لمناسبتها مع التجريد في أسلوبه الإخراجي. ويُفضل وجود المجموعات والتشكيلات الاستعراضية في المسرحيات التي يخرجها. كما يميل إلى التجريب، ولا مانع من إخراج الموضوعات المتعلقة بقضايا الساعة، مع ترحيبه بالمسرحيات التي بها استدعاء للشخصيات التاريخية، مفضلا القتامة على الكوميديا. ويُعدّ محمود دياب كاتبه المُفضل!
هذه الرؤية التي تشكلت في مصر، تتبعتُ تطبيقها على مشاريع الطلاب في الكويت – طوال اثنتين وعشرين سنة - من عام 1974 إلى 1996. ومن خلال تشكيل الرؤية وتطبيقها، أستطيع أن استخلص رؤية أحمد عبد الحليم الإخراجية، لا سيما وأن تشكيل الرؤية تم وأحمد عبد الحليم يمارس الإخراج؛ بصفته مخرجا محترفا في مصر لمدة سبع سنوات فقط! أما التطبيق فتم وأحمد عبد الحليم يمارس الإخراج؛ بصفته أستاذا بالمعهد العالي للفنون المسرحية في الكويت لمدة اثنتين وعشرين سنة!! فهل اختلفت الرؤية بين المخرج المحترف والأستاذ الأكاديمي؟!
أولا: قلت في تشكيل الرؤية: إنه يعشق الموضوعات ذات المضامين الإنسانية! وهذا العشق ظل ملازما له في مشاريع الطلاب – كما مرّ بنا - والسبب في ذلك ربما؛ يعود إلى مسؤوليته التدريسية؛ بوصفه أستاذا في المعهد وظيفته صناعة الممثل الفنان! وهذه الصناعة تحتاج إلى التدريب على المضامين الإنسانية العامة، لا على المضامين الخاصة أو الموجهة! والدليل على ذلك أيضا – كما مرّ بنا – أنه كان يطمس كل أفكار سياسية أو ثورية في موضوعات مشاريعه الطلابية! وهذه هي طبيعته الإنسانية في مصر قبل أن يكون أستاذا في المعهد!
ثانيا: قلت في تشكيل الرؤية أيضا: إنه يستخدم التجريد في أسلوبه الإخراجي! وهذا الاستخدام كان ملحوظا بنسبة كبيرة في مشاريع الطلاب؛ لأن التجريد في معظم عناصر العرض المسرحي، يُثقل كاهل (الممثلين/ الطلاب)، ويجعلهم يتحملون نجاح العرض أو فشله؛ بناء على تمثيلهم. وهو الأمر المطلوب في تدريب الطالب أو صناعة الممثل! كما أن التجريد يعطي الطالب فرصة كبيرة في إظهار قدراته التمثيلية أمام (الجمهور/ لجنة الممتحنين)! وهذه القدرات من الممكن أن تختفي أو تتلاشى أمام الإبهار المسرحي المناقض للتجريد، وهذا ما حدث في مسرحية (فصيلة على طريق الموت)، عندما اهتم المخرج أحمد عبد الحليم بالديكور والإضاءة، وكل أشكال الإبهار المسرحي، التي جاءت في المرتبة الأولى، ولم يهتم الأستاذ أحمد عبد الحليم بأداء الطلاب، الذي جاء في المرتبة الثانية!
ثالثا: قلت في تشكيل الرؤية كذلك: إنه يُفضل وجود المجموعات والتشكيلات الاستعراضية في المسرحيات التي يخرجها! وهذا الأمر حققه في بعض مشاريع الطلاب، مثل: سمك عسير الهضم، وسور الصين، ومهاجر بريسبان، ومأساة الحلاج! وتطبيق هذا الأمر – ربما – بسبب كثرة الطلاب في جميع الفرق الأربع، ومعظم المشاريع كان يستعين فيها – وفي تشكيلاتها واستعراضاتها – بطلاب من الفرق الثلاث الأخرى، حيث إن الأدوار الرئيسية كانت لطلاب البكالوريوس.
رابعا: أشرت إلى إنه يميل إلى التجريب، عندما تشكلت رؤيته الإخراجية! وهذا الأمر لم يمارسه بصورة كبيرة في مشاريع الطلاب؛ إلا إذا اعتبرنا أن استخدام الملابس العصرية في مسرحية (براكسا) تجريبا! واستخدام المسرح داخل المسرح في مسرحية (باب الفتوح) تجريبا أيضا! والتفسير المنطقي لعدم استخدام أحمد عبد الحليم للتجريب المسرحي في مشاريع الطلاب؛ أن وظيفته الأساسية هي صناعة الممثل وتعليم الطلاب! ولا يُعقل أن طلابا يتدربون على التجريب أثناء مرحلة الدراسة، وقبل أن يصلوا إلى مرحلة الاحتراف بعد تخرجهم!
خامسا: أوضحت أنه أخرج مسرحيات متعلقة بقضايا الساعة! وهذا الأمر التزم به في مشاريع الطلاب، عندما اختار له الطلاب مسرحية (الرهائن) لارتباطها برهائن السفارة الأميركية، واختياره لمسرحيتي (باب الفتوح) و(رسول من قرية تميرة) لعلاقتهما بالانتفاضة الفلسطينية! وأخيرا إشرافه على مسرحيات (ثمن الحرية) و(عائلة توت) و(أرض لا تنبت الزهور)، لأنها محاكاة لفترة غزو الكويت! وهذا التصرف من قبل أحمد عبد الحليم يدل – ربما - على أنه تعامل مع هذه الموضوعات تعامل المُخرج لا الأستاذ!! لأن اختيار المشروع، يجب أن يخضع لمعايير علمية أكاديمية، لا علاقة لها بقضايا الساعة!
سادسا: في سياق حديثي عن تشكيل الرؤية، قلت: إنه يرحب بالمسرحيات التي بها استدعاء للشخصيات التاريخية! وهو الأمر الذي طبقه في مسرحية (سور الصين) فقط! والسبب في ذلك – ربما – يعود إلى إشباع هذا الميل في مجال فني آخر، وهو الإذاعة من خلال اشتراكه في برامج متعددة تستدعي هذه الشخصيات، مثل برنامج (المجددون في الإسلام).
سابعا: تشكلت الرؤية الإخراجية لأحمد عبد الحليم من خلال مسرحيات غير كوميدية! وظل على هذا المنوال في معظم مشاريع الطلاب تقريبا! والسبب في ذلك راجع إلى أن مشاريع الطلاب يُفضل أن تكون من النصوص العالمية أو العربية المكتوبة بالفصحى، ومن النادر أن تجد نصوصا كوميدية فصيحة! وربما عدم ميله لاستخدام الكوميديا في مشاريع الطلاب، راجع إلى استخدامها في المسرحيات التي أخرجها لفرقة المسرح الشعبي، والفرق الخاصة، ومسرح الطفل! وعندما خالف هذا الأمر في استثنائه الوحيد في مسرحية (البطل في الحظيرة)، برره – في كتيب المشروع - قائلا: «تعتبر هذه المسرحية أيضا تجربة إنسانية فنية، يستطيع من خلالها أن يفجر طالب الفن إمكاناته الكوميدية كجزئية تعليمية ينبغي أن يمر بها».
ثامنا: في ختام تشكيل الرؤية الإخراجية لأحمد عبد الحليم، قلت: إن محمود دياب كاتبه المُفضل! لأنه أخرج له ثلاث مسرحيات في مصر، أما في الكويت؛ فكان محمود دياب أكثر تفضيلا عنده! حيث أشرف على أربعة مشاريع لأربع مسرحيات لمحمود دياب، هي: (باب الفتوح، رسول من قرية تميرة، أرض لا تنبت الزهور، اضبطوا الساعات)!
ومما سبق يتضح لنا أن أحمد عبد الحليم تشكلت رؤيته الإخراجية في مصر في سبع سنوات، وقام بتطبيقها في الكويت طوال اثنتين وعشرين سنة، من خلال مشاريع الطلاب، التي بلغت إحدى وعشرين مسرحية! وتطبيق الرؤية الإخراجية في الكويت؛ كان تطبيقا أمينا لعناصر تشكيلها في مصر، مع اختلافات يسيرة وتوسعات طفيفة؛ تتناسب مع فارق المدة الزمنية بين تشكيل الرؤية في سبع سنوات، وتطبيقها في اثنتين وعشرين سنة! وهذا يعني أن أحمد عبد الحليم كان يُدرّس ويشرف على مشاريع طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية.. بعقلية المخرج المسرحي وأسلوبه؛ أكثر من عقلية الأستاذ الأكاديمي ومنهجه!
التوصيات
يظل هذا البحث مجرد اجتهاد علمي نظري، يجب استكماله ببحوث أخرى نظرية وعملية، حتى تكتمل الرؤية الإخراجية عند أحمد عبد الحليم! كما أنني تناولت جانبا فنيا من جوانب أحمد عبد الحليم المتعددة! ومن خلال جهدي المتواضع في هذا البحث، أوصي بالآتي:
1 – ضرورة البحث عن تصوير المشاريع التي أشرف عليها أحمد عبد الحليم، في أرشيف التلفزيون الكويتي، وعند من شاركوا فيها بالتمثيل – وهم الآن من النجوم – وتطبيق هذا البحث النظري على المشاهدة العملية لهذه الأعمال؛ حيث إن اعتمادي الأساسي – في هذا البحث – كان على تغطية الصحافة الفنية لهذه العروض، مع سؤال بعض من شاركوا فيها، ومحاولتهم الرجوع بذاكرتهم إلى أكثر من ثلاثين سنة مضت!!
2 – الحصول على تصوير هذه المشاريع، وتكوين مكتبة سمعية ومرئية، سيفتح المجال لدراسات متعددة، منها على سبيل المثال: المقارنة بين أسلوب أحمد عبد الحليم الإخراجي لبعض هذه المشاريع، وبين أسلوب المخرجين، الذين سبقوه في إخراجها! فحتى الآن استطعت حصر إحدى عشرة مسرحية أشرف عليها أحمد عبد الحليم! وجدتها مُثلت من قبل مخرجين آخرين سابقين عليه تاريخيا، مع وجود أدلة منطقية على رؤيته لهذه العروض، وهي: مركب بلا صياد، رقصة التانجو، سور الصين، كرنفال الأشباح، مهاجر بريسبان، مأساة الحلاج، باب الفتوح، الفتى مهران، رسول من قرية تميرة، ثمن الحرية، أرض لا تنبت الزهور.
3 – استكمال هذا البحث – نظريا وعمليا – من خلال تطبيق الرؤية الإخراجية لأحمد عبد الحليم على أعماله المسرحية، التي أخرجها في الكويت خارج المعهد، والتي وصلت إلى اثنتي عشرة مسرحية! مع البحث عن التوافق أو الاختلاف في تطبيق الرؤية بين مسرحيات الكبار ومسرحيات الأطفال! وكذلك الإجابة على سؤالين: الأول، لماذا أخرج أربع مسرحيات – من ست – لفرقة المسرح الشعبي وحدها؟ والآخر، لماذا أخرج لمسرح الطفل أربع مسرحيات من تأليف السيد حافظ؟
4 – التفكير في كتابة بحث ميداني، يعتمد على استبيان يوزع على (كل/ معظم) من شاركوا في هذه المشاريع – من تلاميذ أحمد عبد الحليم – لمعرفة: هل تأثروا برؤيته الإخراجية في حال عملهم بالإخراج المسرحي؟ وهل استفادوا من أسلوبه في صناعة الممثل؟ وهل وهل.. إلخ بنود وأسئلة الاستبيانات العلمية للبحوث الميدانية!
5 – التفكير في بحث نظري وعملي؛ لاهتمام أحمد عبد الحليم بإخراج مسرحيات محمود دياب في مصر والكويت - والتي وصلت إلى سبع مسرحيات - مع المقارنة بين أسلوبه الإخراجي في مصر والكويت لمسرحيات المؤلف نفسه!
6 – الاهتمام بكتابة بحث تكميلي لبحثي هذا، يتتبع فيه الباحث تطور الرؤية الإخراجية عند أحمد عبد الحليم بعد عودته إلى مصر منذ عام 1996، وحتى وفاته عام 2013، حيث إنه أخرج في هذه الفترة سبع مسرحيات: أربع مسرحيات للكبار في مصر، هي: (الطيب والشرير والجميلة) لألفريد فرج 1998، و(الملك لير) لشكسبير 2002، و(جواز على ورقة طلاق) لألفريد فرج 2003، و(بلقيس) لمحفوظ عبد الرحمن 2011. ومسرحية للأطفال (حلم بكره) 2009. ومسرحيتين في دولة الإمارات من تأليف حاكم الشارقة الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، هما: (الإسكندر الأكبر) 2007، و(شمشون الجبار) 2009.