العدد 630 صدر بتاريخ 23سبتمبر2019
قدمت فرقة فرسان الشرق للتراث والرقص المعاصر – دار الأوبرا المصرية - العرض المسرحي بهية عام 2018 وقدم العرض على مسارح دار الأوبرا بالقاهرة والاسكندرية، وتسابق العرض في مهرجان المسرح الحر بالأردن في دورته 14 سنة 2019م وفاز بجائزة أحسن عرض جماعي، وجائزة أحسن أداء تمثيلي ( ياسمين سمير بدوي ) وفي سنة 2019 تم تقديم العرض في الدورة الثانية عشر للمهرجان القومي للمسرح المصري، كذلك الدورة السادسة والعشرين لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي .
بهية هي حكاية من حكايات التراث الشعبي المصري معروفة باسم ياسين وبهية، ومن أهم خصائص التراث الشعبي أنه موروث ليس من ابتكار راوي معروف، ولذلك فمن حق راوي أخر أن يطور الحكاية سواء بالحذف أو الإضافة أو تعديل المضمون وفقا للواقع الاجتماعي أو تجربة شخصية وتقديمه برؤيا فنية معينة . قام المطرب الشعبي محمد طه بغناء موال يسأل فيه (يا بهيه وخبريني عل الي جتل ياسين، جتلته السود عنيا يابوي من فوق ضهر الهجين)، التقط نجيب سرور الحكاية وقدم نصا مسرحيا (ياسين وبهيه) سنة 1965م، وقال أن من قتل ياسين هو الباشا ،كما تغزل محمد العزبي في عيون بهيه بكلمات محمد حمزة ولحن بليغ حمدي . قام محمد فؤاد بدمج السؤال عن من قتل ياسين من موال محمد طه، ونص نجيب سرور في عمل فني ( بهية)، لكن ياسين ينتصر على الباشا ولم يظهر لنا أن الباشا هو من قتل أو حرض على قتل ياسين . يبدأ العرض بموت ياسين ومن خلال الأحداث نعلم أن ياسين قتل، بهيه هي الانثى هي الأرض، هي محور الصراع بين ياسين والباشا، الباشا في قمة الهرم الاجتماعي، أن لم تكن بهيه ذات قيمه كبيره فلم يسعي الباشا لامتلاكها، الباشا يريد أن يكمل سطوته لامتلاكه لها، بهيه هي الحقيقة الملهمة لكل من يقف ضد الظلم،،ينتهي العرض المسرحي ويبقي السؤال من قتل ياسين؟ صاغت المخرجة (كريمة بدير) حكاية بهيه في دراما حركيه راقصة يتخللها بعض الكلمات، كمشهد الودع، وكانت الدراما الحركية (تابلوهات راقصة) لأكثر من (بهيه – ياسين – الباشا) ابلغ من الكلام، من هذه التابلوهات حب ياسين لبهية واستخدام التحطيب الذي يعبر عن القوة والبهجة في التراث المصري وبخاصة حفلات الزواج، معركة تشابك ياسين مع الباشا وانتصار ياسين، محاولات الباشا اغتصاب بهيه ومدي معاناتها وتململها وسحقها على الأرض، لدرجة أنه يدوس بقدمه عليها ويخطوا من فوقها في امتهان للإنسانية . لاستكمال الصورة البصرية ( انيس اسماعيل – صمم الديكور والملابس ) كان الديكور عبارة عن منزل ريفي بسيط من الداخل علي يسار مقدمة المسرح ( منزل بهيه ) به أريكة وقلل وزلعة وزير استقبلت فيه بهية ضاربة الوداع، وفي عمق المسرح عدد اثنين بانوه بجوار كل منهم أربعة بانوه على يمين ويسار المسرح مشدود على كل منهم بانر ذا لون ابيض استخدم كشاشة عرض وترك الفضاء المسرحي للدراما الحركية، وقد عبرت المخرجة بمنطقة عمق المسرح مكان للمقابر، وقد ارتبطت الملابس بالفكرة الأساسية للعرض بأنه عرض من التراث الشعبي ويجسد بالدراما الحركية الراقصة،فبشكل عام النساء في الصعيد يرتدون الملس الاسود عند خروجهم خارج باب الدار، والخروج يدل على الحركة والحركة هي الحياة، أما حالة السكون والثبات فتدل على الموت فقد توقفت عجلة الحياة، وفي الموروث الشعبي اللون الاسود يدل على الاحتشام أو الحزن واللون الأبيض عكس الاسود، فقد ارتدي الراقصين الملس الابيض المعبر عن الكفن في المشاهد المعبرة عن الموت، وقد ارتدت بهيه بطلة العرض جلباب رقص ينتمي للموروث الشعبي يسمي لبس الغازية لونه أحمر معبرا على الحب والعشق للانثى ويميز بطلة العرض عن باقي الراقصات كما أنه يساعد في سهولة حركة الراقصة ومن الممكن جذب عين المتلقي لبطلة العرض حيث أنه وجدت اكثر من بهيه . في نهاية العرض ارتدت الراقصات جلباب الرقص الابيض المطرز باللون الذهبي من الامام في دلالة على البهجة والتفائل وتحية المتلقي . وقد ارتدي الرجال الجلباب والطاقية والعمة والشال وهي الملابس المعبرة عن بيئة الصعيد، وارتدي الباشا الزي الافرنجي لونه داكن فهو من بيئة مختلفة. وكانت الاضاءة والفيديو بروجيكتور عنصرا هاما لثراء الرؤية البصرية وتكملة الحدث الدرامي، فعندما نشاهد المحتوي المقدم من الفيديو بروجيكتور نجد أنفسنا نشاهد فيلم سينمائي، وعندما نشاهد التعبير الحركي الراقص مع الديكور نشاهد عملا مسرحيا مستقلا ولكن عندما تم الدمج بينهما بالطريقة التي قامت بتنفيذها المخرجة، نجد أنفسنا أمام عمل فني متكامل، يتعرف منه المتلقي على أحداث العرض بسهولة ويسر، حتي لو كانت هناك اختلافات في التأويل طبقا لثقافة المتلقي ستكون في نطاق ضئيل ، ورؤية بصرية جمالية، أما الإضاءة استخدم اللون الازرق والدخان في مشهد المقابر، وفكرة موت البشر، وميلاد بشر جديد لهم نفس الطباع، في اشارة بأن دورة الحياة مستمرة، على الرغم من أن أهل القرية يعيشون حالة من الرتابة والملل،واستخدم اللون الاخضر للتسامح والخصوبة والنماء عند دخول شخصيات العرض (أهالي القرية – ياسين وبهيه ووالد كل منهما) وأكد المعني ظهور الساقية والزرع والشجر على شاشة العرض (البانوهات)، أما اللون الأحمر استخدم مع دخول الباشا وعرض شريط القطار معبرا عن الشر الذي يكمن في نفس الباشا، وايضا استخدم في مشهد اغتصاب بهية وظهور الحيوان وهو يفترس الفريسة، واللون الموف (بنفسجي مائل الاحمر) في دلالة على الحب والعشق والشهوة في المشاهد التي جمعت ياسين مع بهيه، أما اللون البرتقالي استخدم في الصراع بين ياسين والباشا وانتصار ياسين في تعبير عن الفرح والنشوة بالانتصار، واللون الأصفر استخدم في بور ضوئية لإنارة وجوه الراقصين . اما الموسيقي فقد اعدتها المخرجة عن موسيقي عالمية وصياغتها بذكاء في قالب شرقي في معظم المشاهد، ممزوج احيانا بالقالب الغربي كما في مشهد اغتصاب بهية، كانت الآلات الموسيقية عبارة عن، الات الإيقاع كالدف والطبلة والدرامز، وآلات النفخ كالناي، والات وترية اجاد كل الراقصين ( ياسمين سمير – هاني حسن – نادر جمال – اسلام محمد – اشرف محمد – رضا رنجو – حسن رشا – فاطمة الشناوي – نوران – دينا محمد – حبيبة – زينب – باسم - محمد هلال – امجد – نور )
تحية للمخرجة كريمة بدير والمعد محمد فؤاد فعلى الرغم من أن الفكرة من الموروث الشعبي نظر لطبيعة نشاءة الفرقة وعلى الرغم من أنني كنت أتمنى تطورها بما يتناسب مع واقعنا، ولا تتوقف عند الستينيات، الا انهم قدموا وجبة فنية لذيذة بروية بصرية ممتعة .