عبدالناصر حنفي: إستحداث جائزة للنقد بداية إهتمام تحتاج للإستكمال

عبدالناصر حنفي: إستحداث جائزة للنقد بداية إهتمام تحتاج للإستكمال

العدد 525 صدر بتاريخ 18سبتمبر2017

الناقد عبد الناصر حنفي له إسهامات عديدة في الكتابة النقدية، متابعا الحركة المسرحية  المصرية، ومنظرا للظاهرة المسرحية بشكل عام..  يعمل بإدارة المسرح، الهيئة العامة لقصور الثقافة،  تقلد عددا  من المناصب الإدارية  أبرزها إدارة المتابعة وإدارة النوادي وإدارة النشاط المركزي وإدارة فرق الأقاليم .
أسس مهرجانا مسرحيا باسم المخرجة المصرية والذي أقيم لدورتين متتاليتين عامي 2005/20006 ، 2006/2007
حاز مؤخرا على جائزة أفضل مقال نقدي في المهرجان القومي للمسرح في دورته العاشرة وهي إحدى الجوائز التي تم استحداثها في هذه الدورة
حول الجائزة والحركة النقدية والمسرحية في مصر وقضايا أخرى كان لمسرحنا معه هذا الحوار .

 بعد حصولك مؤخرا على جائزة أفضل مقال نقدي في الدورة الأخيرة من المهرجان القومي للمسرح، ماذا تمثل لك هذه الجائزة وللنقد المصري لاسيما وهي جائزة مستحدثة لأول مرة في هذا العام؟
المهرجان القومي للمسرح يقدم صورة بانورامية للمسرح المصري خلال الموسم، ويمكن القول أنه أيا كانت مشاكل المهرجان إلا أنه نجح في تأدية مهمته و تقديم هذه الصورة خلال الدورات العشرة الماضية باستثناء عنصر النقد الذي لم يتم الاهتمام به وتقديمه كباقي العناصر المسرحية . لذا أعدّ استحداث جائزة للنقد هو بداية للاهتمام بهذا العنصر تحتاج للاستكمال ، فالنقد له دور هام ومؤثر ربما أكبر مما يتخيله الكثيرون .
 كيف يمكن استكمال الاهتمام بعنصر النقد من وجهة نظرك ؟
أؤيد اقتراح اللجنة أن يتم اختيار ثلاث أعمال فائزة وبذلك يتم تقديم أكثر من وجه كل عام، وأقترح أن يتم ذلك بنظام القوائم ( أي يتم فتح باب التقدم للمسابقة، أو أن تقوم اللجنة بترشيح مقالات طوال العام، ثم تقوم بعمل فحص أولي تقوم من خلاله باختيار عدد من المقالات ينطبق عليها الحد الأدنى من شروط المسابقة ثم يتم تجميع هذه المقالات داخل كتاب، وفي نهاية المهرجان تقوم اللجنة باختيار المقالات الثلاث الفائزة .
 فيم تتجلى أهمية هذا المقترح من وجهة نظرك ؟
تتجلى أهمية ذلك في تقديم صورة بانورامية لأهم المقالات النقدية التي نشرت في الموسم المسرحي بالتوازي مع الصورة البانورامية التي يقدمها المهرجان للمسرح، وبالتالي يمكن من خلال ذلك التعرف على أصوات نقدية جديدة أو متطورة .. الخ
 أو رصد ظواهر مسرحية أو ثقافية أو اجتماعية تم الاهتمام بها أكثر من غيرها مما يسهل المهمة بعد ذلك على أي باحث مهتم بالمسرح المصري .
 فيم تتمثل أهمية الجائزة للنقد المسرحي ؟
برغم أن لدينا أسماء وأقلام نقدية، ونقاد ومحاولات شابة إلا أني ألمس نوعا من أنواع الركود، أو- بمعنى أدق – أرى أن المجتمع المسرحي – إن جاز الحديث عن مجتمع مسرحي – لا يحفز على حركة نقدية نشطة، ولا يحفز الناقد على محاولة تطوير أدواته بعكس ما يحدث مع عناصر أخرى . وبالتالي أرى أن الجائزة خلقت أفقا للمنافسة باعتبارها أحد عوامل التحفيز أو بداية حركة تحفيز، متمثلة في التمايز الذي تحققه المنافسة والذي يعدّ مهما في أحيان كثيرة، ولكن لكي يأخذ النقد دوره نحتاج لأكثر من ذلك بكثير. والأهم أن ندرك أن الحركة المسرحية تحتاج للنقد ربما أكثر مما يحتاج النقد لها.
 ما هي الأزمات التي يواجها النقد المسرحي من وجهة نظرك ؟
النقد المسرحي له وضع خاص عن مناحي النقد الأخرى كالأدبي والسينمائي والتشكيلي وغيره .
أرى أن لدينا أزمة هيكلية في النقد المسرحي من داخل العملية النقدية نفسها، ففي العقود الثلاثة أو الأربعة الأخيرة يهتم النقد – رغما عنه - بشيئين رئيسين :-
أولا : التطورات والتغيرات الكثيرة التي تحدث في الظاهرة المسرحية والتي تتطور بشكل كبير والتي تدفع بالنقد ليلهث وراءها ليلاحقها . ثانيا : التطور الكبير والواسع في المناهج، سواء في المناهج الجمالية بشكل عام، أو المناهج التحليلية الخاصة بكل عنصر من عناصر العرض المسرحي . وبالتالي أرى أن النقد يقف على هاتين القدمين وكل منهما تجري بسرعة مختلفة . فلو قرأت بعضا من المقالات النقدية التي كتبت في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات ربما تستشعر المسافة البعيدة، فستجد محور الموضوعات واهتمامها تدور حول الدراما وفكرتها ومغزاها والممثل .. إلخ
وأعتقد أن هذا النوع من المقالات ربما من الصعب أن تجده الآن.
أما الآن فالنقد مهتم بعناصر العرض المسرحي والطرق المنهجية التي تدخله لذلك، مما يدفع لأن نقول أن الانكفاء النقدي على مكوناته الداخلية سواء طريقة تأمله للعرض المسرحي أو طريقه تعامله مع المنهج دفعه لأن يتراجع بعض الشيء عن أداء مهمته الأساسية . بالإضافة إلى نظرة المسرحيين أنفسهم للنقد على أنه “ خدمات معاونة “ إما “ مدرس خصوصي “ يقيمه ويعطي درجته أو “ طبيب معالج “، وهذا بالطبع تصور خاطئ .
الأزمة أن بعض النقاد يرون أحيانا أن هذا هو دور النقد أيضا، حتى لو كان ذلك من باب الإخلاص وأن يكون الناقد مفيدا للحركة المسرحية . لذا أقول أن النقد انشغل بانشغالات أدت لانخفاض مهمته مما أدى لأن تكون أدوراه داخل العملية المسرحية غير حقيقية ومشوهة .
 ما هي المهمة الأساسية للنقد المسرحي ؟
المهمة الأساسية للنقد المسرحي هي ربط الظاهرة المسرحية بالظاهرة الثقافية، وهذه ليس مهمته الوحيدة ولكنها أحد أهم مهامه .
كثيرون يتحدثون عن مسرح الستينيات – بطريقة أسطورية – والمحرك لذلك وقتها هو وجود ربط بين المسرح والظاهرة الثقافية بصفة عامة، أي أن النقد كان يضع الظاهرة المسرحية والعرض المسرحي داخل الخريطة الثقافية في مصر سواء ذلك من خلال مناهج نقبلها أو لا نقبلها أو نتحفظ عليها ، لكن الأهم أن هذه المهمة كانت موجودة . لذا أرى أن الهدف هو أن تعود الحركة المسرحية جزءا من الحركة الثقافية العامة، ولست أعلم إن كان من الممكن تحقيق ذلك أم لا ؟! ولكن سيظل ذلك طوال الوقت مهمة ملحة على النقد والنقاد .
 ماذا يحتاج النقاد من وجهة نظرك ؟
لدينا نقاد كثيرون، ولكن نفتقر للتطور نتيجة لركود الحركة نظرا لعدم وجود حافز للتطوير .
 أيهما أسبق من وجهة نظرك هل الحركة النقدية الجيدة تدفع لحراك مسرحي جيد، أم الحركة المسرحية الجيدة هي الدافع وراء صناعة حركة نقدية ؟
شروط النقد تختلف عن شروط الفعل المسرحي، فمن المؤكد أن أي فعل مسرحي جاد يحفز على صياغة رؤى جادة أو مداخل جادة في التعامل معه ولكن للوصول لهذه الرؤى والمناهج النقدية الجادة فأنت تحتاج لشروط مختلفة عن شروط الفعل المسرحي، وهي شروط ثقافية ومنهجية وعلمية .
فلابد للناقد أن يكون متابعا وراصدا لعلاقة الظاهرة بالمجتمع حتى يستطيع بلورة كل هذا في رؤية .
 ما هو موضوع مقالك الفائز بجائزة أفضل مقال نقدي في دورة القومي الأخيرة ؟
هو مقال يحلل استخدام الدمى في أربع عروض مسرحية قدمت من دول مختلفة في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، وفي ذات الوقت يتعرض لظاهرة الدمى وعلاقتها بالوعي والعالم وكيف تطورت كحالة من حالات الكتلة أو “الشيء “ وعلاقتها بالإنسان .
 هل المقال النقدي يخاطب بلغته شريحة بعينها ؟
المقال النقدي فكرة موجهة لمن يستطيع التعامل معها، أما فكرة تقديم مقالات نقدية للاستهلاك العام وللجمهور العادي – فليس هناك ما يسمى “بالجمهور العادي أو القارئ العادي” ولكن هناك جمهور متفاوت الاهتمام . وبالتالي أتساءل ما الذي يمكن أن يضيفه مقالا موجها لجمهور نفترض مسبقا أنه غير مهتم ولن يهتم؟!
 ما رأيك في الحركة المسرحية داخل الثقافة الجماهيرية ولاسيما في التعامل مع الجمهور ؟
الثقافة الجماهيرية استطاعت عمل أرضية للممارسة المسرحية ( استصلاح أراضي مسرحية ) لمناطق كثيرة لم يكن بها مسرحا من قبل – ان جازت الاستعارة – وأفرزت ممارسين مسرحين بالجامعة والمعهد وغيرها . ومن هنا اعتقد أنه لو تم بذل الجهد من خلال الثقافة الجماهيرية والجامعة ومراكز الشباب وخلق مناخ للتعامل مع تثقيف الجمهور مسرحيا وليس مع ممارسي المسرح فقط سيغير الأرضية بشكل كبير وهذا – للأسف - لم يتم التفكير فيه حتى الآن
 هل النقد عملية إبداعية ؟
الفكر إبداع، فالمقال النقدي يحوى فكرا وبالتالي هو عمل إبداعي، أما من يرى أن النقد ليس إبداعا فهو لا يتعامل مع أفكار.
 كيف ترى حركة التأليف وأزمات المؤلف المصري ؟
لدينا بالطبع مؤلفون شباب، ونلمس هذا سنويا في الثقافة الجماهيرية وخاصة نوادي المسرح – بغض النظر عن المسرح القاهري – مع احترامي الشديد له – إلا إننا – على الأقل - نجد في المحافظات إبداعات شبابية جديدة في كل موسم .
أما عن أزمة التأليف فأرى أنه في العقود الأخيرة بدأ يغترب عن ذاته، لا استطيع أن أعمم، ولكن أرى أن كثيرين من الكتاب يكتبون بقدر ما يُرى على خشبة المسرح، وأصبح ذلك معيارا لشطارة الكاتب . ولعل ذلك مهما بحكم المهنة و يؤدي لأن تظل أعمال الكاتب محط أنظار المخرجين ولكن ذلك يؤدي لأن يغترب الكاتب عن همومه، فبدا كما لو كان يكتب لغيره أو ما يمكن أن يقدمه غيره .
فالكتابة المسرحية مختلفة عن العرض، فهي تتسم بكونها فنا في اللغة ولها خصوصيتها في الكلمة و الجملة .
بشكل عام الحركة المسرحية المصرية قوية جدا بكل مشاكلها وارتباكاتها، ومنذ عام 2000 تقريبا وأنا أكتب إن إنتاجنا السنوي لا يقل عن عدة آلاف عرض سنويا، وهو رقم هائل بالنسبة للعديد من الدول الأخرى .
 ما رأيك في لائحة المهرجان القومي الجديدة ومقترحاتك لتطويرها ؟
هناك مهرجان عام ومهرجان داخلي، ولا يوجد مهرجان عام لا يختار عروضه وهذا مبدأ، أو أن يتم اختيار عروضه من خلال “مكتب تنسيق” ولذا أرى أن يتم تشكيل لجنة لاختيار عروض المهرجان بعيدا عن نظام المقاعد المخصصة لكل جهة . وقد طرحت ذلك الاقتراح على بعض العاملين بالمهرجان .
 ولكن ربما يؤثر تنفيذ ذلك على التمثيل الإقليمي والجغرافي داخل المهرجان للجهات المعنية بإنتاج المسرح بمصر ؟
نظام المقاعد كان جيدا في بداية المهرجان لتقديم صورة بانورامية للمسرح المصري، أما الآن فقد أثبت المهرجان وجوده ونضجه في الحركة، لذا أرى أنه لابد أن يتم تطويره إلى حالة حقيقية، لتعني مجرد المشاركة أنك من أفضل العروض بالفعل في الموسم المسرحي .. وألا يكون الخوف من رد الفعل دافعا للاستمرار في الدوران داخل حلقة مفرغة .
 ما رأيك في استحداث جائزة أفضل عرض برأي الجمهور وأفضل عرض برأي النقاد ؟
كانت تجربة لطيفة لترضية العروض التي فوجئت أنها تشارك على الهامش ( قسم العروض المختارة ) وليست ضمن المسابقة الرسمية، ولست أرى لها ضرورة حقيقية . أما إذا أردنا اختبار هذه التجربة بالفعل فلماذا لا يتم تفعيلها على جميع عروض المهرجان بحيث يصبح لدينا ثلاثة حزم من نتائج وجوائز المهرجان..
 ما هى أمنياتك للمسرح والنقد المسرحي المصري ؟
أتمنى للنقد المسرحي أن يمتلك الجرأة على دمج الظاهرة الثقافية في الظاهرة المسرحية دون الالتفات والتقيد بما اسميه “الخدمات المعاونة” مثل دور المدرس او الطبيب وثنائيات السهولة والبساطة وغيرها .
وأتمنى للمسرح المصري كظاهرة مسرحية أن يكون لدينا الوعي بحجم هذه الظاهرة كما هي في الواقع والتي أرى أنها أكبر مما نتخيل .
وهذا لن يتأتي دون أن يكون لدينا إحصائيات حقيقية ودقيقة بعدد العروض المنتجة سنويا وعدد دور العروض والأماكن المحتملة للعروض وعدد المشاركين في هذه الظاهرة وهو رقم كبير جدا .
المشكلة الأساسية أننا لا نملك الإحساس بأهمية أن نعرف هذا الإحصائيات والبيانات .


عماد علواني