نسرين نور: المرأة المصرية والعربية مبدعة ومحاربة وتحمل شخصية مقاتل

نسرين نور: المرأة المصرية والعربية مبدعة ومحاربة وتحمل شخصية مقاتل

العدد 623 صدر بتاريخ 5أغسطس2019

إنها الكاتبة الشابة التي سكن بجسدها وروحها التأليف والتمثيل منذ طفولتها الهادئة في مدينة الفنون، المرأة السكندرية الطموحة والجادة والمجتهدة دوما التي خاضت معاركها الفكرية بمفردها بحرية، ووعي ورشد.. لتسعى للارتقاء بالكلمة والدراما من أجل التعبير عن الهوية والوجود.. نسرين نور المؤلفة المسرحية التي لم يدفعها اهتمامها بقضايا المرأة المصرية والعربية للانضمام للحركات النسائية أو الجمعيات المعنية بالمرأة والطفل، إنما رغبت في التعبير عن هموم تراها وتلمسها وتتعايش معها بوسائل فنية خالصة كالتأليف والكتابة المسرحية، ولم يقتصر نشاطها الفني على الكتابة والإبحار في عوالم شخصياتها الدرامية فحسب، بل تخطت ذلك إلى إدارة المشاريع الثقافية الفنية وتنظيمها وتقديمها، ونالت الكثير من الجوائز بالمهرجانات الفنية في التأليف المسرحي، وفازت مؤخرا بجائزة التأليف من قبل المركز القومي للمسرح المصري عن نص «ضد النسيان» فكان لنا معها هذا اللقاء.

بداية.. كيف اكتشفت نفسك ككاتبة؟ وكيف كانت البداية مع الكتابة المسرحية بشكل خاص ومع لعبة المسرح السحرية بشكل عام؟
أنا أحب وأهوى تأليف القصص والحكايات منذ طفولتي وكنت أخلقها وأقوم بتمثيلها مع أولاد عمي في بيت العائلة الخاص بنا حينذاك، وكانت والدتي الحبيبة _ رحمها الله _ وأخوتي الكبار كلما أحبوا أن يحضروا لي هدية جاءوا بكتاب، وكانت في طفولتي تصدر سلسلة اسمها «المكتبة الخضراء للطفل» كنت أتابعها وأقرأ كل إصدارتها المليئة بالحكايات والخيال باستمرار وشغف، لكن في مرحلة المراهقة تحول اهتمامي وشغفي إلى التمثيل ونسيت التأليف، واخترت الدراسة بقسم المسرح لكلية الآداب بجامعة الإسكندرية لذلك، وأذكر من الطرائف برحلتي الأدبية والفنية أني كنت أحصل على تقدير مقبول في مادة التأليف المسرحي بكلية الآداب والتي كان يدرسها لنا الدكتور أبو الحسن سلام من كتاب الكاتب والناقد المسرحي الراحل رشاد رشدي «فن كتابة المسرحية»، وفي مرحلة تالية عندما ارتديت الحجاب كان يتملكني شعور قوي أن هناك أمورا كثيرة تتصارع في عقلي وقضايا تكمن بداخلي وكل هذا يتمنى الاندفاع بعيدا عني والخروج لكني لم أكن أدرك الوسيلة لتحقيق ذلك بوضوح، فكانت عودتي حينذاك للتأليف والكتابة وقناعتي أن التأليف ليس من المحرمات شرعا مثلما كنت أنظر للتمثيل في ذاك الوقت. وبذاك خط قلمي أول مسرحية لي عن الرواية التاريخية «أبو مسلم الخراساني» للأديب والمؤرخ اللبناني جرجي زيدان.
ما الوسائل التي ساعدتك على الاستمرار في الكتابة بعد العودة؟
الكتابة للمسرح توالت وتتابعت لدي من كثرة القراءة الدائمة والمستمرة في مختلف المجالات وخصوصا الأدب، وهذه الهواية تعد هوايتي الأولى والمحببة لي عن سواها واستمرت معي، ساعدتها دراستي الأكاديمية، وموهبتي في خلق القصص وحكيها منذ طفولتي وتفاعلي المباشر مع الوسط الثقافي والمسرحي بالإسكندرية.. فكانت الكتابة وسيلتي الأولى للتعبير، أو بمثابة علاج بالفن الكتابة كانت ولا تزال بالنسبة لي نوعا من أنواع العلاج بالفن.
 - ماذاعن تجاربك الأخرى في التأليف المسرحي؟
كانت «طرطشة شمس» أول مسرحية كتبتها وهي التي أعدها درة العقد وهي التي أمطرتني بالخير حيث حصلت على الكثير من الجوائز عنها، وقدمت بالمسرح للكثير من المرات، وفي كل مرة كانت تنتج وتقدم بالمسرح أحصد جائزة أخرى عنها، وتوالت بعدها النصوص، وممتنة كثيرا لتوفيقي من الله لأن كل ما قمت بكتابته للمسرح تم نشره وقدم على خشبات المسارح المتنوعة، وأعد نفسي محظوظة؛ لأن هناك مؤلفين يرحلون ولا يرون نصوصهم نشرت أو قدمت بالمسرح ولم ينالوا أي تقدير. إن التأليف للمسرح يحيا بالنشر والإنتاج والتقديم للجمهور، وهذا يتطلب التحلي بالقوة والصبر والمثابرة والكفاح الدائم قدمت من المسرحيات «في قفا رجل» وتم إنتاجه العام الماضي على مسرح النهار بمهرجان نقابة المهن التمثيلية، ومونودراما «دكر ولد عمران» وقدمت بالثقافة الجماهيرية، ونص أوبريت «إسكندرية واللي منها» وقدم في أوبرا «سيد درويش» بالعيد القومي للإسكندرية.
 - ماذا عن المؤلفات المسرحية التي نالت نصيبها من الفوز أو الدعم المادي والمعنوي قبل الفوز بالجائزة الأخيرة بالمركز القومي للمسرح المصري؟
قدمت بمجال التأليف المسرحي نص «طرطشة شمس» كتب عام 2009م، وأنتج ثلاث مرات منذ عام 2012، وفاز بجائزة أفضل نص مسرحي قصير في 2013، وجائزة أفضل نص في مسابقة نوادي المسرح للدورة الثالثة والعشرين لعام 2014، ونشر أكثر من مرة حيث صدر في سلسلة الجوائز التي تصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة ونشر ضمن إصدارات مشروع البهجة في نسخته الثانية التي تحمل اسم «ضفاير2». كما حاز مؤخرا نص «الهوجة» على جائزة أفضل نص مسرحي بمهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي في دورته الثانية 2018، وفي نفس العام كان النص المسرحي «ضد النسيان» ضمن القائمة القصيرة لمسابقة الشارقة للنص المسرحي الخاص بالكبار، كما فاز نفس النص بالجائزة الأولى لمسابقة المركز القومي للمسرح لهذا العام 2019.
 - حدثينا عن مسرحيتك «ضد النسيان» الحاصلة على جائزة المركز القومي للمسرح المصري؟ ولماذا اخترت هذا النص تحديدا للتقدم به في المسابقة؟
يتناول النص قصة جندي مصري في جيش محمد علي يتم إرساله للشام ويعيش أهوال الحرب هناك ولا يعود لأهله أبدا، تقدمت بالنص نظرا للشروط الموضوعة للمسابقة من قبل المركز، ووجدت أن النص مناسب لطبيعتها وصدق حدسي، وكان الفوز.
 - ماذا تمثل لك الجائزة؟ وما هو شعورك بالحصول عليها؟
شعرت بالفرحة والبهجة وأعدها خطوة على الطريق، ودفعا كبيرا للاستمرار في خوض تجارب الكتابة من جديد، والجائزة تساعد دوما على الصبر والكفاح يوما بعد يوم، لأن التأليف مرهق وشاق ومكلف.
هل هناك تجارب أخرى في الكتابة بجانب التأليف المسرحي؟ وما هي؟
نعم؛ فمن مؤلفاتي رواية «هجرة إلى المألوف» التي صدرت عن دار «كلمة» للطباعة والنشر 2015.
تقدم نصوصك بمسرح الثقافة الجماهيرية وغيرها من المؤسسات الثقافية والفنية الأخرى.. ما رأيك في هذه التجارب بمتابعتك لها؟
إن مصرنا الحبيبة دائما تعد مصدرا للمبدعين وتزخر بالمواهب الكثيرة الشابة في كل المجالات الفنية ومنها المسرح، وهناك بعض التجارب الجيدة قدمت بمؤسسات مسرحية متنوعة لكنها نادرة، لكن يتملكني بين حين وآخر الخوف والقلق نحو تجربة نوادي المسرح «المفرخة الحقيقية للمواهب المسرحية»، وكانت ابنتي تشارك في أحد عروض الدورة الأخيرة من المهرجان الختامي وحصلت على شهادة تميز، وحضرت الدكتورة إيناس عبد الدايم وسلمت الفائزين الجوائز بحفل الختام، وكانت فرحة كبرى لهم ودفعة تشعرهم بأهميتهم... لكني لاحظت أن تجربة نوادي المسرح يتراجع التعامل معها بأهمية كالسابق، ويشوبها إهمال، ونسي المثقفون الحادث الأليم ببني سويف، وكأنه ما حدث، وعادت من جديد المعاملة غير الجيدة مع شباب المبدعين.
 - شاركتي في المجال الفني بجانب مجال التأليف المسرحي.. حدثينا عن ذلك.
في مطلع عام 2014 تم إنتاج مشروع «بنت الحتة» في منطقة غيط الصعيدي بالإسكندرية وكنت قمت بتنظيمه وتنفيذه، وفي العام التالي قدمت مشروع «العصفورة قالت لي» للتدريب على الحكي، والمشروعان تما بدعم من مؤسسة مدد مصر «مبادرة دعم الثقافة في مصر»، ثم قدمت مشروع «إعادة حكي الموروث الشعبي المصري بمنظور نسوي» بدعم من المجلس الثقافي البريطاني وبالتعاون مع مؤسسة المرأة الجديدة.
 - ما رأيك في الحركة المسرحية المصرية في الآونة الأخيرة؟ وهل هي قادرة باختلاف تياراتها وانتماءاتها على استعادة مكانة المسرح المصري؟
مكانة المسرح المصري قوية ومحفوظة ولا خوف عليها والإنتاج المصري هو الأكبر عربيا من حيث الكم، لكن هناك أمورا من المفترض أن تكون قد حسمت منذ زمن بعيد، كتصوير عروض البيت الفني وعرضها بعد ذلك في التلفزيون؟! لماذا لم يتم ذلك حتى الآن؛ لماذا تركنا أولادنا تشاهد باستمرار اسكتشات مسرح مصر، أنا أشكر جهد الفنان الكبير أشرف عبد الباقي في مشروعه مع الشباب، لكنا نعي أن هذا ليس النوع الوحيد للمسرح، وليس هو وفريقه المسئول عن هذه القضية، هذه مسئولية الدولة يجب أن يكون هناك اتجاه عام لثقافة الدولة، ويحاصرني السؤال.. إن مسارح البيت الفني تابعة للدولة، والتلفزيون تمتلكه الدولة فلماذا لا يتم التنسيق بينهما لبث الفن والثقافة للشعب المصري؟!
 - يتردد بين حين وآخر أن هناك أزمة في التأليف المسرحي بمصر.. ما تعليقك على هذه المقولة، خاصة بعد حجب جائزة التأليف في إحدى دورات المهرجان القومي الأخيرة؟
غضبت كثيرا لهذا الحدث على الرغم من عدم وجود نص مشارك لي بتلك الدورة، لأن لدينا مواهب كثيرة في هذا المجال وكل تجارب الكتابة المسرحية بمصر لها خصوصيتها وتميزها عن غيرها.
 - هل هناك أزمة تواصل بين المؤلفين المسرحيين والمخرجين أو جهات الإنتاج للمسرح المصري؟
نعم لدينا أزمة.. لكنها أزمة وعي وإدراك للنصوص المسرحية بمجملها وخصوصا المصرية؛ فالكثير من المخرجين لا يرهقون أنفسهم بمطالعة الجديد وقراءته وإن نشرت النصوص المؤلفة حديثا، وبصفة شخصية أعرف أحد المخرجين لم يقدم على تجربة إخراجية واحدة في حياته غير تلك النصوص التي قدمت من قبل وشاهدها، إنها أزمة كبيرة وخصوصا أن هناك عصبة تحتكر الكثير من مجالات الإبداع، إضافة إلى ذلك انتشار الظاهرة الجديدة ظاهرة «المخرج المؤلف» الذي يوجد لنفسه المبررات حتى لا يقدم غير نصوص ألفها هو، ولا يتعاون مع مؤلف غير ذاته.
 - ما الفرق بين المؤلف الموهوب والحرفي والأكاديمي؟
الكتابة حرفة، وإن زادها الكاتب بالدراسة الأكاديمية كانت ناضجة وإن تمتع هذا الحرفي بالدراسة والموهبة كان نتاجه أكثر نضجا وإبداعا.. فالمؤلف الموهوب هو الذي يمتلك القدرة على إيهامنا بأن كل ما ينسجه من خيال حقيقي وواقع، وهو من يدفع بالقاريء والمشاهد إلى التصديق التام والمتابعة للنهاية لكل ما كتب وما قدم.
 - ما أدوات المؤلف وما آليات تطويرها؟
أدواته هي جميع حواسه التي يجب أن تكون يقظة وواعية، القراءة المستمرة والمطالعة والمشاهدة وكذلك وعيه بتجارب الآخرين والاستماع لقصص الناس، ومعايشة همومهم. المؤلف مزيج من كل الخبرات التي يكتسبها في رحلته.. الكتابة بقدر ما يلزمها من العزلة فلا يصح للكاتب أن يعزل وجدانه عن الناس.
 - ما رأيك في الكتابات الجديدة؟ وهل تعبر حقيقة عن مشكلات الشارع المصري؟
الكتابة الجديدة تقنية، بينما الاهتمام بمشكلات الشارع وقضاياه هي المضمون، والحقيقة قليل من يجمع بين هذا وذاك.
ترتكزين كثيرا في كتاباتك على النزعة النسوية والاهتمام بنقل قضايا ومشكلات المرأة مثال «دكر ولد عمران» و»في قفا رجل» هل عامل النوع هو السبب الرئيسي أم أن هناك عوامل أخرى؟
في البداية كانت دون قصد، وبالتجربة وممارسة الكتابة وجدت أن هذي المشكلات تجذبني نحوها وتلهمني وأشعر بها عن غيرها وهذا ليس إحساسي بمفردي، فهذه المشكلات التي أناقشها تواجهها ملايين النساء والبنات في منطقة الشرق الأوسط حاليا وليس مصر فقط، فاكتشفت أن هذا هو همي الشاغل وكل كاتب يجب أن تقدم كتاباته همه الحقيقي وما يمسه هو شخصيا فتصبح لديه قضيته التي يعبر عنها بكل صدق.
 - هل تعاني المبدعة المصرية وبخاصة في مجالات المسرح؟.. وما هي جوانب تلك المعاناة؟
المرأة مطمع والجميع يرى منها جسدها فقط، وغالبيتهم يحاولون جاهدين استغلال الطموح الذي يملأنا.. يتبادر إلى مخيلتي أحيانا  أنه إذا كان شكسبير أنثى وقررت الذهاب إلى لندن للعمل بالمسرح لعادت حيث أتت تحمل في رحمها طفلا عمره شهران.
 - حدثينا عن بعض المعارك التي خضتها في رحلتك الفنية والأدبية؟ وكيف ترين مكانة المرأة المصرية الفنانة وأهمية المشاركة في الحراك الفني والثقافي في الفترة الأخيرة؟
أرى المرأة المصرية والعربية في الحقل الفني أو الثقافي وكل مجالات العمل محاربة، تحمل نفسية وشخصية مقاتل، أما عن معاركي فأحمد الله ما زلت ألقى الحب والدعم وأخطو خطوات بسيطة للنجاح فلا يشغل الآخرون بالهم بي.
 - ما القضايا الأخرى التي تهتمين بتقديمها من خلال نصوصك؟
عدت حيثما بدأت (الرواية التاريخية) والمسرحية التاريخية تحد كبير بالنسبة لي؛ ورغم صعوبتها فإنها تجربة ممتعة.
 - ماذا عن أعمالك ومشاريعك القادمة؟
أعمل حاليا على قصة قصيرة للكاتب والأديب يوسف إدريس لتحويلها لنص مسرحي جديد.
 - إلى ماذا تتطلع نسرين نور عقب حصولها على هذه الجائزة في التأليف؟
أرى الطريق ما زال شاقا وممتدا وطويلا وأن ما حققته قليل جدا.. فما زلت أحلم بالكثير.


همت مصطفى